الدولة العبرية المارقة تتحدى إرادة المجتمع الدولي
في كسر الحصار على غزة
محمد فاروق الإمام
[email protected]
تابعت باهتمام فصول الجريمة النكراء التي أقدمت عليها الدولة العبرية المارقة
متحدية مشاعر المجتمع الدولي الإنساني بوحشية فاقت كل ما قامت به النازية والفاشية
في القرن العشرين.. تابعت تلك الجريمة التي لا يقدم عليها إلا الوحوش الضارية
الجائعة في غابة ما سلكها إنسان أو عرفها بشر.
يتندر العالم على حفنة من القراصنة الصوماليين الجائعين المنسيين، فيشمر لهؤلاء
العراة البدائيين الساعد ويحدق البصر ويجيش الغواصات والفرقاطات والطوربيدات
والمدمرات والأقمار الصناعية والزوارق الحربية وفرق الكوماندوس لملاحقتهم في أعالي
البحار، أما الدولة العبرية المارقة فليس هناك من يجرأ أن يقف في وجه قرصنتها، وقد
بيتت لجريمتها في وضح النهار دون أن تعطي أي حساب أو وزن لكل الدول الأعضاء في
المنظمة الدولية ولا مجلس الأمن بكل أعضائه الدائمين وغير الدائمين ولا للقوانين
الدولية والأعراف الإنسانية، وقد تعودت فعل ذلك منذ أقدم العالم على الاعتراف بتلك
الدولة المارقة المغتصبة عام 1948 لتقوم على أرض ليست أرضها بعد أن طردت من تلك
الأرض شعبها الذي عاش منذ خُلقت البشرية عليها، وكانت لهؤلاء حضارة زاهية أضاءت
منارت المدنية لقرون طويلة!!
لقد ارتكبت هذه الدولة المارقة جريمة نكراء عندما انقضّت بجيوشها وغواصاتها
ومدمراتها وزوارقها وطائراتها الحربية على أسطول الحرية المسالم، الذي كان يتوجه
إلى غزة العربية المحاصرة لفك الحصار الغاشم عنها، يحمل في بطون سفنه الدواء
والغذاء لمليوني فلسطيني جائع ومريض يبيت جلهم في العراء، بعد أن أقدمت عصابات هذه
الدولة المارقة أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009 على عدوانها الغاشم على غزة بكل
أنواع الأسلحة الفتاكة والمدمرة والتي كانت من أحدث ما أنتجته الترسانة الحربية
الأمريكية، ودمرت الحياة والماء والهواء والإنسان والحجر والشجر فيها، لتقتل بدم
بارد بعض نشطاء الحرية المدنيين الذين كانوا على ظهر سفن تلك القافلة الإنسانية
العزل وتجرح العشرات منهم، وهم ينتمون لنحو أربعين دولة كلها بلا استثناء دولاً
عريقة ذات شأن وتاريخ قبل أن تولد الدولة العبرية المارقة المنبتة ويعرفها العالم
بقرون.
لقد تابعت كل الكلمات التي ألقاها مندوبو الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدائمين
وغير الدائمين وقد أجمع الكل على وصف ما قامت به الدولة العبرية المارقة بالجريمة
النكراء، وعبروا عن إصابتهم بالصدمة المروعة التي فاجأتهم بها هذه الدولة، باستثناء
الولايات المتحدة التي هي من يقف وراء هذه الدولة المارقة ويساندها في صلفها
وغرورها وتحديها للمجتمع الدولي وجعلها دولة فوق القانون لا يجرأ أحد على محاسبتها
أو التصدي لها أو كف يدها.
ولم يكن الموقف الأمريكي بمستغرب، فقد تعود العالم عليه منذ بعثه الحياة في شرايين
هذه الدولة المارقة عام 1948.
ولكن ما يدمي القلب ويحز في النفس هو موقف النظام العربي اللامبالي بكل ما جرى مع
بعض الاستثناء، وقد عبر بعضهم عن استيائه من أن الدولة العبرية قد استعملت القوة
المفرطة في استيلائها على سفن الحرية التي تحمل الدواء والغذاء لبني جلدتهم في غزة
المحاصرة، وقد تخلوا عنها وشاركوا في حصارها.
البحر المتوسط الذي تحول إلى بحيرة صهيونية بامتياز لم تحرك دول سبع عربية تطل عليه
من الشرق والجنوب سفينة من أساطيلها الحربية التي صدئت أسلحتها في موانئها لتنقذ
هؤلاء الناشطين، وقد تعرضوا لقرصنة صهيونية مبيتة في أعالي البحار الدولية، الذين
يقومون بما لم تقم به الدول العربية الاثنين والعشرين مجتمعة.
وفي هذا السياق تحضرني حادثة اختطاف السفينة الإيطالية (أكيلي لاورو) في 8 تشرين
الأول عام 1985 وكيف تعاملت إيطاليا مع الحكومة الأمريكية عندما حاولت أن تفرض
قانون الغاب للقبض على مختطفي السفينة الإيطالية.
ومن المعروف
وقد نجحت الدبلوماسية الإيطالية والدبلوماسية المصرية في إقناع الخاطفين في إطلاق سراح جميع ركاب السفينة وتسليم أنفسهم للسلطات المصرية، وبالتالي اعتبرت الحكومة الإيطالية أن القضية منتهية، فقد كان الهدف سلامة ركاب السفينة وعودتهم إلى إيطاليا.
وجاء استسلام الخاطفين بناء على اتفاق الإيطاليين مع الحكومة المصرية على ترحيلهم إلى قيادة المنظمة في تونس حيث تتم محاكمتهم هناك داخلياً، وهكذا أعدت الحكومة المصرية طائرة خاصة لهذا الغرض وتوجهت بهم إلى حيث الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في تونس.
وفى الجو حصلت المفاجأة حيث تم اعتراض الطائرة المدنية المصرية من قبل 14 طائرة حربية أمريكية انطلقت من حاملة الطائرات في الأسطول الأمريكي السادس، وأجبرت الطائرة المصرية على الهبوط في قاعدة أطلسية في صقلية.
ومن الواضح أن الأميركيين أرادوا القبض على الخاطفين واقتيادهم إلى أمريكا، لكن الحكومة الإيطالية وجدت أن في العملية الأمريكية قرصنة وخرق للقانون الدولي على مرأى ومسمع من العالم وأنه ليس بالطريقة الصحيحة لفعل ذلك.
تطورت الأحداث سريعاً عندما هبطت طائرتي نقل أمريكية من طراز سي 141 في القاعدة بشكل استفزازي منتهكة السيادة الإيطالية على أراضيها، فما كان من رئيس الوزراء الإيطالي (بيتوني كراكسي) إلا أن أكد على السيادة الإيطالية، وحوصرت الطائرة المصرية أولاً من قبل المارينز الأميركيين لتحاصر بعد ذلك برجال الكاربينري الإيطاليين بنا على أوامر من وزير الدفاع الإيطالي، ثم حوصرت مرة ثانية من قبل الجنود الأميركيين، وأوشك هذا الوضع أن يؤدي إلى مواجهة بين المارينز والكاربينري، إلا أن الأميركيين أدركوا أنه لا يمكن الوصول بالأمر إلى المواجهة فقرروا الانسحاب.
ورغم إلحاح أمريكا في الطلب من إيطاليا التحفظ على الخاطفين، إلا أن إيطاليا واصلت خطواتها التي لا تتجاوز القوانين، ورأت وزارة العدل الإيطالية أن الطلب الأميركي لا يتضمن ما يتماشى مع المعايير التي يضعها القانون الإيطالي حول تقديم التفسيرات والأدلة التي يمكنها تبرير إلقاء القبض على أشخاص وهم في طائرة لا تخضع رسمياً لقوانين الدول الأخرى، فأمرت بالسماح للطائرة المصرية بمغادرة إيطاليا إلى وجهتها في تونس، احتراماً للقوانين الدولية ومراعاة للشرعية الدولية، وكان من الممكن أن تتحول القاعدة الأطلسية في صقلية إلى ساحة حرب بين الأمريكيين القراصنة وبين الإيطاليين الذين رفضوا أن تنتهك أراضيهم وينتهك القانون الدولي من قبل أقوى حليف وصديق لهم، مغلبين القانون الدولي على شريعة الغاب والقرصنة، وكنا نتمنى أن تتحرك بعض قطع أساطيل الدول العربية السبع التي تطل على البحر المتوسط للتصدي للقرصنة الصهيونية وتفادي وقوع المجزرة الدموية التي ارتكبتها الدولة العبرية المارقة بحق نشطاء السلام الذين كانوا على متن سفن هذا الأسطول!!