ثلاثة وأربعون عاما والجريمة تتصاعد
بدون مؤاخذة-
جميل السلحوت
في الخامس من حزيران هذا العام تمر الذكرى الثالثة والأربعون لحرب حزيران 1967 العدوانية، وما نتج عنها من احتلال اسرائيلي للضفة الغربية وجوهرتها القدس وقطاع غزة، والجولان السورية، ومزارع شبعا اللبنانية، وصحراء سيناء المصرية – التي انسحبت منها اسرائيل عام 1981 وقد تبعت هذه الحرب حروب اخرى كحرب اكتوبر 1973، واجتياحات اسرائيلية للبنان في الأعوام 1978 و1982 وما تمخض عن الاجتياح الأخير من اخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، واحتلال الجنوب اللبناني الذي استمر حتى ايار 2000، ثم حرب تموز2007على لبنان، وحرب اسرائيل على قطاع غزة في 27 ديسمبر – كانون اول 2008وحصاره التجويعي المستمر، والحرب المفتوحة التي تشنها اسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 1967 وحتى الآن، والتي تتمثل في الاجتياحات العسكرية، والاعتقالات العشوائية، ومصادرة الاراضي والبناء الاستيطاني، وهدم البيوت، ومنع البناء العربي، وتجريف الأراضي، واقتلاع الأشجار والمزروعات وحرقها، وتمزيق الضفة الغربية بالحواجز العسكرية، وجدران التوسع الاحتلالي، وتهويد القدس وعزلها عن محيطها الفلسطيني وامتدادها العربي، وتمزيق احشائها بالحفريات، وتدنيس مقدساتها وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك.
واسرائيل في حربها المفتوحة على الشعب الفلسطيني خاصة والأمة العربية عامة منذ قيامها وحتى الآن، لمم تتخلّ عن سياساتها التوسعية، فبالرغم من انها وقعت اتفاقيتي كامب ديفيد مع مصر ووادي عربة مع الاردن، وأقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع موريتانيا، وافتتحت مكاتب تجارية لها في عدة دول عربية، ووقعت اتفاقات اوسلو في ايلول 1993 مع منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت بدولة اسرائيل في حين اعترفت اسرائيل بالمنظمة، الا ان اسرائيل لا تزال تتنكر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، واقامة دولته الوطنية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف على الاراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967 والتي تشكل أقل من 22% من مساحة فلسطين التاريخية، كما ان اسرائيل لا تزال ترفض كافة قرارات الشرعية الدولية بخصوص القضية الفلسطينية، بما في ذلك قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947 والذي يعتبر بمثابة شهادة ميلاد دولة اسرائيل، حيث اعترفت بالجزء الذي يدعو لاقامة دولة اسرائيل، ورفضت ولا تزال الجزء الداعي لاقامة الدولة الفلسطينية.
واللافت للانتباه انه كلما اقترب العرب مترا من السلام العادل المنشود، فإن اسرائيل تبتعد ميلا عن هذا السلام، فبعد اتفاقات اوسلو وحتى في عهد رئيس وزراء اسرائيل اسحق رابين الذي وقع هذه الاتفاقات، فإن المستوطنات الاسرائيلية تضخمت بشكل كبير، كما جرى انشاء مستوطنات جديدة، وكأن اسرائيل تسابق الزمن، وهي تسابقه فعلا لفرض حقائق على ارض الواقع، ولا تزال هذه المستوطنات تزداد وتتوسع بشكل متواصل.
وعدم جاهزية اسرائيل للسلام المنشود مع الشعب الفلسطيني، اضاع فرصة الوصول لسلام دائم وعادل مع الرئيس والرمز الراحل ياسر عرفات، مع ما كان يمثله من قوة وتأييد من الشعب الفلسطيني خاصة والعرب عامة، ولم يكتفوا بذلك بل انهم حاصروه حتى الموت مسموما.
وعدم جاهزية اسرائيل للسلام، وتثقيفها لشعبها وتنمية عقدة الخوف لديه، لتحقيق اطماعها التوسعية قادت هذا الشعب الى انتخاب الاحزاب المتطرفة بشكل تصاعدي، حتى وصلنا الى حكومة بنيامين نتينياهو زعيم الليكود، وحليفة افيغدور لبيرمان زعيم حزب"اسرائيل بيتنا" وحليفهما ايهود باراك زعيم حزب العمل، وللتذكير فقط فإن نتينياهو هو احد الدعاة لاقامة دولة فلسطينية في الاردن، وقد كتب ذلك علانية في كتابهa place between nation" "وترجم الى العربية تحت عنون "مكان بين الأمم" ويرى في كتابه ان حدود اسرائيل تطل على الصحراء العربية، والمقصود هنا الجزيرة العربية.
واسرائيل بكافة حكوماتها المتعاقبة لا ترى أية حقوق للفلسطينيين الا من خلال " ادارة مدنية" على السكان وليس على الأرض، ويريدون الأرض لتبقى نهبا للبناء الاستيطاني، وقد ساعدهم في ذلك الدعم المتواصل واللامحدود من قبل امريكا – خصوصا في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش– وحلفائها الأوروبيين.
ولا يحتاج المراقب الى كثير من الذكاء كي يرى ان هدف اسرائيل الأول هو التوسع والاستيطان وليس السلام، وهم بالتالي يواصلون بناء قوتهم العسكرية بأحدث ما انتجته التكنولوجيا والصناعات العسكرية الحديثة، لمواصلة حروبهم من اجل حماية مخططاتهم التوسعية والاستيطانية، ساعدهم في ذلك حالة الوهن العربي الرسمي، الذي أسقط خيار الحرب، ولم يستعمل أيّا من اسلحته الاقتصادية في سبيل تحقيق السلام.
ويلاحظ عدم استعداد اسرائيل للتخلي عن سياساتها الاستيطانية، حتى ان اسرائيل اعلنت عن عطاءات للبناء الاستيطاني في القدس فور الاعلان عن استئناف المفاوضات غير المباشرة في الأسابيع القليلة الماضية، وان الرد الاسرائيلي على تصريحات اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون الداعية الى الوقف الكلي للاستيطان كانت فورية وواضحة، بان الاستيطان سيستمر لحل مشكلة السكن للتكاثر الطبيعي في المستوطنات، وأن أكثر ما يمكن ان يقدمه هو تجميد مؤقت لمدة عشرة شهور، وما لم يقله الاسرائيليون انه يجري يوميا نقل مستوطنين يهود من خارج وداخل اسرائيل الى المستوطنات في الضفة الغربية وجوهرتها القدس الشريف، فنتنياهو لا يعتبر القدس الشرقية محتلة، وبالتالي فان البناء الاستيطاني فيها كما هو في تل ابيب حسب رأيه.
واسرائيل التي تبدي مخاوفها وتهربها من كل طروحات جدية للسلام لها موقف انتقائي ايضا من المبادرة العربية للسلام، فهي تريد تطبيقا فوريا للبند الذي ينص على اقامة الدول العربية والاسلامية علاقات طبيعية مع اسرائيل، وهي تريد تطبيقه قبل انسحابها من الاراضي المحتلة، أيّ انها تريد اعترافا عربيا واسلاميا باحتلالها لهذه الاراضي، فهي حتى الآن لا تعترف بانها دولة محتلة، فالفكر الصهيوني يعتبر فلسطين التاريخية من النهر الى البحر "ارض اسرائيل التوراتية" بل هناك من له منهم اطماع تتعدى ذلك، فهناك من يعارض الانسحاب من مرتفعات الجولان السورية المحتلة، ويرى ان احتفاظ اسرائيل بهذه الاراضي اهم من السلام مع سوريا، ومن " يتنازل " منهم فإنه يريد استئجارها لمدة 99 عاما.
ورئيس وزراء اسرائيل الحالي بينيامين نتينياهو صاحب نظرية "التكيّف العربي " ومختصرها ان العرب يرفضون كل ما يطرح عليهم، ثم لا يلبثون ان يتكيفوا معه، وبالامكان احتلال اراضي عربية جديدة، وبعدها فإن العرب سينسون الاراضي السابقة، ويتكيفون مع الواقع الجديد ويطالبون بالانسحاب من الاراضي المحتلة الجديدة، وهو يريد السلام مع الفلسطينيين من خلال اعترافهم بالاحتلال مقابل تحسين اوضاعهم الاقتصادية، ويريد السلام مع الدول العربية مع الاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة، مقابل تطوير الزراعة وحل مشكلة المياه في بعض الدول كسوريا في هذه البلدان من خلال الأيدي العاملة العربية الرخيصة و " الانتلجنسيا " الاسرائيلية.
وبعد ثلاثة وأربعين عاما من الاحتلال، فان مراجعة الحسابات الاسرائيلية قادتهم الى المطالبة بالاعتراف بالدولة العبرية كدولة يهودية، وهم بهذا بدلا من أن يبحثوا عن حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية، فانهم يريدون اضافة مليون ونصف المليون فلسطيني في اسرائيل كلاجئين جدد في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، بعد طردهم من وطنهم وأرضهم وبيوتهم التي توارثوها عبر آلاف السنين.
وامعانا من اسرائيل بتجاهل الأعراف والقوانين الدولية، واستمرارا لسياساتها في التنكر حتى لحق الفلسطينيين في الحياة، فانها قامت صباح اليوم الأخير من شهر ايار2010 بحماقة اقتحام واحتلال قافلة الحرية التي كانت في طريقها لاغاثة منكوبي غزة المحاصرين، وقتلت وجرحت العشرات واعتقلت الآخرين، غير عابئة بأي ردة فعل دولية، ما دامت الولايات المتحدة الأمريكية التي ترعى المفاوضات غير المباشرة توفر لها الحماية غير المحدودة في المحافل الدولية، وفي هذا اشارة واضحة بأن السياسة الاسرائيلية لا تغيير فيها، وأن اسرائيل لن تعطي أي تنازلات، وأنها متمسكة بسياستها التوسعية المعلنة شاء من شاء وأبى من أبى.
فهل يعي النظام العربي الرسمي ذلك؟ وهل هو معني بمواجهة هذه الافكار الظلامية؟ وهل هو على استعداد لدفع الرئيس الامريكي اوباما الى المزيد من الوضوح في مواقفه كي يضغط على اسرائيل، وكي يكبح سياساتها العدوانية والتوسعية من اجل الوصول الى سلام دائم وعادل، يحفظ حقوق كافة دول وشعوب المنطقة؟ أم اننا سنتحالف معه ومع اسرائيل لمحاربة ايران؟ ولو كانت هناك تغييرات في سياسة الرئيس الامريكي أوباما لما مارست ادارته الضغوط قبل يومين لمنع مجلس الأمن الدولي من اتخاذ قرار يدين اسرائيل على ما اقترفته بحق قافلة سفن الحرية، ولربما سيجند النظام العربي الرسمي لمعاداة تركيا اذا ما استمرت في مناكفة اسرائيل، وسياساتها غير المكترثة بأية ردود فعل عربية واسلامية أو غيرها.