نيكارجوا وأسطول الحرية يا عرب !

نيكارجوا وأسطول الحرية يا عرب !

م. محمد حسن فقيه

[email protected]

إن ما تعرضت له قافلة الحرية من عمل إجرامي خسيس ، وسلوك عدواني  جبان ، وممارسات همجية رعناء ، وأفعال تترية  لئيمة ، وأغوار حقد أسود دفين ، وقرصنة دولية ممنهجة ، في مياه دولية بعيدا عن المياه الإقليمية  للكيان الصهيوني ، ضد قافلة من صفوة أحرار العالم ومثقفيه ، يمثلون دولا ومنظمات وديانات ومجتمعات وحضارات مختلفة من قارات متعددة ، بهدف إيصال مساعدات انسانية وطبية لبلد يموت أبناؤه من الجوع تحت حصار ظالم مفروض ، ومعاييردولية  مزدوجة ، بل موازين مقلوبة تكافئ الجلاد وتحاكم الضحية ، لتحكم عليها بالقتل ذبحا بمدية الجلاد ! .

إن ما حدث من قبل هذا الكيان الصهيوني الذي يغتصب أرضنا ويقتل أبناءنا ويسلب خيراتنا ، يعكس حقيقة وطبيعة هذا الكيان الصهيوني المسخ ، أبناء الدولة العبرية المزعومة  ، وما يحملونه من ضغينة وأحقاد ، وما يكنّونه من بغضاء وكراهية لجميع أحرار العالم ومثقفيه ، يتضح ذلك من مسيرة وسلوك هذا الكيان العربيد ، وتصرفات هذا المسخ الشائه الهزيل .

وإننا إذ نحيي هذه المبادرة الانسانية الكريمة ، والعملية البطولية الشجاعة  بقيادة تركيا ورئيس وزرائها أردوغان ، لتحضيراتها وإدارتها وتبنيها ودعمها اللوجستي  اللامحدود لإسطول الحرية والمنطلق من تركيا إلى غزة  لكسر الحصارالظالم عن غزة هاشم وشعبها الأبي . 

فإنه لا يسعنا إلا أن نقف وقفة إعجاب وإكبار لمواقف تركيا وردة فعلها الشجاعة  جراء ما تعرض له اسطول الحرية من عمل صهيوني جبان .

فهي الدولة والتي ترتبط من عهد الحكومات السابقة بعلاقات استراتيجية وعسكرية قوية وعميقة ، لم يمنعها هذا من أن تقف هذه الوقفة  الشجاعة ضد ممارسة القرصنة والإرهاب المنظم الذي نفذه الكيان الصهيوني وقواته الجبانة ، والمدججة بالسلاح والعتاد  بحق المدنيين العزل .

فقد طلبت تركيا مباشرة اجتماعا طارئا لمجلس الأمن الدولي بعد أن أدانت هذا العمل الإجرامي الخسيس وتوعدت الكيان الصهيوني  بسوء العواقب ، وهددت بإعادة النظر بعلاقاتها الدبلوماسية والإقتصادية معهم ، وطالبت بالإفراج عن جميع المختطفين ودعت  لتشكيل محكمة دولية وتحقيق شفاف وتعويض جميع الضحايا ، ورفع الحصار عن غزة مباشرة ، واعتبرت ذلك اليوم يوما أسود في تاريخها كما اعتبرت أمريكا يوم الحادي عشر من أيلول " سبتمبر " ، عدا ما رافق ذلك من موقف شعبي عارم ، ومظاهرات واعتصامات عمت جميع المدن التركية تنديدا بهذا العمل الإجرامي الجبان ، ومارافق ذلك من حراك سياسي ، دولي وإقليمي وأمني وبرلماني ، وتوحيد مواقف الحكومة مع الشعب والمعارضة تجاه هذه العملية الإجرامية الدنيئة .

وإن كان صوت تركيا هو الأقوى والأكثر تأثيرا بامتياز ضد هذه الجريمة النكراء ، فلقد تنادت أصوات الأحرار في العالم من منظمات دولية وحقوق إنسان إلى جانب شخصيات اعتبارية تعبرعن مواقفها  تجاه هذه العملية الجبانة  إدانة وتنديدا وتطالب بمحاكمة اسرائيل ، ورفع الحصار عن غزة ، أما الأصوات الرسمية والمعبرة عن مواقف الحكومات والدول فقد كانت بدرجات متفاوتة فقد أدانت كثيرا منها – ممن كانت قريبة من الكيان الصهيوني – هذا العمل الإجرامي واستدعت السفير الإسرائيلي وبلغته باستنكارها وشجبها لهذه المغامرة الخسيسة .

أما أمريكا والتي عرقلت إصدار قرار في مجلس الأمن  بالأمم المتحدة يدين قرصنة اسرائيل وعملها الإرهابي مستخدمة حق النقض "الفيتو" ، كما هو حالها دائما جراء جرائم وخزايا هذا الكيان الصهيوني العربيد ، الذي سوّد وجه أمريكا ولطّخ سمعتها ، وجيّش ثورات الغضب والكراهية ضدها في جميع أنحاء العالم عموما ، وفي العالم العربي والإسلامي خصوصا ، بسبب سياستها العقيمة المنحازة وعلى مبدأ " إنصر ولدك العاق دائما ، سواء كان ظالما أو ظالما " !

فلقد وافق أوباما بعد فترة سبات شتوي من تنفيذ العملية ، وبعد أن تداول مع مستشاريه الأمر، صرح بأنه يوافق على قيام تحقيق دولي شفاف ، ثم هاتف أردوغان وعزاه بضحايا قافلة الحرية ، والأهم من كل هذا فإن سيادة أوباما قد دعا للسعي في المستقبل .... الغير محدد .... إلى إرسال مساعدات انسانية إلى غزة شرط أن لا تمس أمن الكيان الصهيوني ، لأنه أهم بند من بنود اليمين الذي أقسمه سرا أمام اللوبي الصهيوني واليمين المتطرف ثمنا لهذا المنصب الذي يتولاه ، تحت مراقبة وإشراف ذلك اللوبي الذي منحه الفرصة لهذا المنصب الحساس .

وأكثر ما يعنينا نحن كعرب ومسلمين مواقف حكومات وقادة شعوبنا العتيدة تجاه هذا المذبحة المروعة ، فإن أغلب الدول العربية مشغولة على فضائياتها بأخبار الرياضة والإقتصاد والأسهم ومسابقات الخيل والهجن ، وحفلات الأغاني والطرب والمسلسلات والأفلام ، عدا التمجيد بالقائد الرمز وسياسته الحكيمة ونهجه الرشيد  ومواقفه الشجاعة وملاحمه البطولية .

وإذا عنينا من العرب والمسلمين فأكثر ما نعني مصر لتاريخها المجيد وحضارتها العريقة وشعبها المبدع الخلاق ، إلا أننا وللأسف لم نسمع صوتا رسميا إلا بعد فترة كأنها غيبة سرداب ، لتتحفنا بقرار اتخذته بعد تشاور ودراسة ومراسلات مطولة ، وذلك بالسماح للمساعدات الانسانية بالمرور إلى غزة بشكل مؤقت .

كنا نظن أن القرار بعد تلك الخلوة سيكون على مستوى الحدث ، فتبادر إلى قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني أو تجميدها على الأقل ، وأن ترفع الحصار عن غزة وتفتح معبر رفح بشكل دائم ، وتنسف الجدار الفولاذي !

إلا أن حسابات لعبة الكراسي والتوريث للأولاد والأحفاد يبعث في صاحبه الحلم والأناة ، ويذكره بمواقف الرحمة والتسامح مع العدوليتأسى بسيرة الأجداد من المروءة والشهامة ، حتى مع العدو مهما كان غاشما ومجرما فالعفو عند المقدرة !

وأما بعض قادة العرب من دول الإعتدال فإننا لم نسمع لها صوتا ولا ركزا كأنما أصابتها الصيحة أو ألمت بها رجفة ، فهي فاقدة للوعي في عالم آخر ، حتى المبادرة العربية التي تعترف بكيان بني صهيون وتوافق على التطبيع معهم ، والتي لم يرض بها بني صهيون بعد ولن يرضوا  !  لم يرتفع صوت من أصحابها يطالب بسجبها بعد هذه الجريمة النكراء والعمل العدواني الأثيم من هذا الكيان " شعب الله المحتار " - بالحاء المهملة وليس بالخاء المعجمة – الذي يظن نفسه فوق القانون .     

وأما بلدان الصمود والتصدي ، فيكفي حكوماتها صمودا أمام شعوبها المقهورة بقوانين الإستبداد والحزب الشمولي وأحكام الطوارئ .

وأما الآخرون  فأغلبهم مشغولون في حروب داخلية كما هو الحال في باكستان وأفغانستان بالتحالف مع أمريكا  ضد طالبان ، وأشاوس الصومال يخوضون حربا مستعرة شديدة الأواربين بعضهم البعض من جهة ، ومشغولون بالقرصنة الدولية من جهة أخرى لتمويل هذه الحروب وسفك دماء الإخوة والأشقاء ، وأما العراق فما زال مشغولا بالمعركة المصيرية الفاصلة لتشكيل الحكومة المقبلة لتشبث المالكي برئاسة الوزراء - رغم خسارته أمام العراقية – بعد أن ذاق حلاوة الكرسي والزعامة في ظل أسياده الأمريكان ، وأرباب نعمته وأولياء أمره  في إيران ، وأما إيران  فقد كان صوتها خافتا كأنها تعاني من بحة في الحنجرة ،  وبالأمس كان نجادها يهدد ويوعد بأنه سيمسح دولة بني صهيون من الخارطة ويرمي بهم في البحار، لكن يبدو أنه مشغول هذه الأيام بما هو أهم من تصدير الثورة المزعومة إلى الحوثيين وجنوب لبنان  وما لف لفهم  ، أما منظمات المؤتمر والاتحاد العام للمسلمين فقد دعوا  لاعتبار يوم الجمعة القادم يوما لنصرة قافلة الحرية والدعوة إلى فك الحصار بعد التنديد بذلك العمل الإجرامي القبيح ، وكنت أتساءل في نفسي أهذا أقصى ما يستطيعون تقديمه لأهليهم وإخوانهم في غزة بجانب هذا الاسم والعنوان الكبير ؟  إلا أنني هززت برأسي يائسا عندما علمت أنهم  مجرد منظمات واتحادات وجمعيات مهما مثلت الكثير ، بيد أنها لا تملك إرادة لتنفيذ قرار فعلي  واحد ، فالإرادة والقرار مصادر بيد حكامهم ، وهم أناس لا حول لهم ولا قوة ، ثم تساءلت مرة أخرى إن كنت قد عذرتهم لأن أمورهم بيد حكوماتهم ، فهل يندرج الأمر على الحكام ويعذرون إذا كان أمرهم خارج عن إرادتهم ومرهون بالبيت الأبيض أو الكهف الأسود ؟ ! .

  شعرت بالإحباط المهين وأنا أسمع دعوة العرب لاجتماع عاجل للجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية ، حين عادت بي الذكريات إلى  اجتماعات سابقة كهذه ، كانت مخيبة للأمال ، بل ومحبطة لأبناء شعبنا المسكين ، أورثتهم ذلا ومهانة ، وزرعت في باطنهم عقد نقص مركبة ، فرجوت أن لا يتم مثل هذا الاجتماع حتى لا يزيدوا الأمة إحباطا وتعاسة فةق ما هي فيه ، ويملؤوها خيبة ويأسا ، لأن قرارتهم معروفة قبل أن يجتمعوا ومحددة قبل أن يسافروا ، فتلك القرارات -  وكما يقال - لا تساوي الحبر التي تكتب به ، بل يزيدون خسارة في مصاريف السفر والوفود ، فيزيدون شعوبهم عوزا وإرهاقا ، بغد أن ملأوا نفوسهم خيبة وأشبعوها يأسا وقنوطا .

وأخيرا بعد هذا اليأس والقنوط وخيبة الأمل من وضع قومي وأبناء جلدتي ، سمعت خبرا جديدا فأثار إعجابي وأدخل السرور إلى نفسي وأشرق بداخلها بصيص أمل بدد بعض خيوط اليأس وخيبة الأمل :

" نيكارجوا تعلق أو تجمد علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني بسبب مهاجمته لقافلة الحرية " .

هذا البلد الذي نتندر بلفظه ، ولا يعرف غالبيتنا العظمى عنه شيئا حتى موقعه على الخريطة ، والذي لا تربطه مصالح مع قادتنا وحكامنا ليتخذ مثل هذا القرار الشجاع تقربا  وزلفى إليهم ، أو أملا في إرضائهم  ، والذي لم تصل الجرأة والحماس لحكومة من حكومتنا العتيدة ذات الشأن أن تتخذ مثل هذا القرار .

أيها العرب اتخذوا من نيكارجوا فدوة لكم واحذو حذوها .

أيها العرب تخلوا عن حكمتكم وأناتكم أمام عدوكم ، وليقول العالم من ورائكم قد تهوروا  ولو مرة واحدة في تاريخكم المعاصر ، وها أنتم تمارسونه أمام شعوبكم كل يوم  وكل ساعة .

إرموا بها في ظهر نيكارجوا وقولوا تهورت واستدرجتنا فتهورنا خلفها .

لو فعلتموها لكان خير تهور في حياتكم ، ولكان خيرا ألف ألف مرة من حلمكم وأناتكم أمام عدوكم .

فهل أنتم متهورون ؟ ! .

لقد أسمعت لو ناديت حيا                ولكن لا حياة لمن تنادي .