تصفية .. وترحيب
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
في
الثاني عشر من فبراير 2008م ، تم اغتيال عماد مغنية ( الحاج رضوان ) ، القائد
العسكري لحزب الله اللبناني ، على الأراضي السورية بمدينة دمشق العاصمة . وقد اتهم
الحزب الغزاة النازيين اليهود باغتيال مغنية . ولم يصدر عن القيادة السورية أي ردّ
فعل إلا في مساء اليوم التالي ، حيث أدانت عملية الاغتيال . أما المنظمات
الفلسطينية واللبنانية ، فقد أدانت مباشرة عملية الاغتيال بعد الإعلان عنها ووصفوها
بأنها تعكس العقلية الإجرامية للعدوّ النازي اليهودي في فلسطين المحتلة .. وكان
هناك حزن ووجوم على امتداد العالم العربي ، بينما التزمت الحكومات العربية الصمت
الرهيب !
ولوحظ أن بعض المنظمات في المقاومة الفلسطينية ، وبعض الجهات الأخرى طالبت بالردّ
العملي على ما اقترفه العدوّ ، بحكم أن " الشهيد " لم يكن فرداً عادياً في " حزب
الله " ، ولكنه كان عقلاً عسكرياً كبيراً ، خاض معظم عمليات حزب الله ، ضد العدوّ
الذي كان يحتل لبنان منذ عام 1982م حتى طرده منه عام 2000م ، ثم إنه قاد باقتدار
عملية المواجهة مع جيش العدوّ في حرب يوليه 2006م ، واستطاع حزب الله أن يُكبّد
العدوّ خسائر كبيرة ويمنعه من تحقيق هدفه الأول ، وهو والقضاء على حزب الله ، ثم
وهو الأهم يفرض بصواريخه على أفراد العدو أن يلجئوا إلى المخابئ لأول مرة في تاريخ
الدولة النازية الغازية ، ويرغم كثيراً منهم على الهجرة نحو جنوب فلسطين المحتلة أو
خارجها .
بدا
العدو سعيداً باغتيال مغنية ، ولم يصدر تعليق من قيادته حتى وقت متأخر من مساء
اليوم التالي ، حيث نفى علاقته بعملية الاغتيال . ولكن قادته عبّروا عن فرحتهم
بطريقة تؤكد ضلوعهم في الجريمة ، فقد ظهر " أولمرت " لأول مرة وعلى وجهه ابتسامة
عريضة غير مسبوقة ، وكان يتحدث مع الجالس بجواره في الكنيست وكأنه حقق نصراً مؤزراً
على عدوّ شرس . وقال " دانى ياتوم " رئيس الموساد الأسبق : إن عملية الاغتيال إنجاز
كبير ، وقال " آرييه إلداد " : إنه يأمل أن تكون الاستخبارات اليهودية هي من قام
بالاغتيال . أما إفراييم سينيه فقد أكد على أن مغنية دفع ضريبة الإرهاب . ورحب وزير
البيئة اليهودي " جدعون عزرا" باغتيال عماد مغنية .. واصطف نواب الكنيست لتهنئة "
أولمرت " بالجريمة ، ومباركة من قاموا بها .
وتوّلت " قناة الحرة " الأمريكية التعبير عن وجهة النظر التي تتبناها واشنطن ، وتحت
عنوان " تصفية مغنية " ، بثت شريطاً من حياة " الشهيد " ، والتهم التي وُجّهت إلى
مغنية أمريكيّاً ، وهي كثيرة منها : نسف السفارة الأمريكية في بيروت حيث قتل نحو 90
شخصاً ، ومقتل جنود البحرية الأمريكية في هجوم تفجيري أودى بحياة 241 جندى عام
1983م ، ومقتل رجل المخابرات الأمريكي " وليم باكلى " عام 1984 ، وتفجير السفارة
اليهودية ، في الأرجنتين عام 1992م .
كان
عنوان " تصفية مغنية " دالاً على الموقف الأمريكي ، ويحمل ضمناً المشاركة في
العملية ، وهو ما أكدته الخارجية الأمريكية في بيانها حول الحادث ، بأن العالم بات
أفضل بدون مغنية ! وأن مقتله في سوريا يُشير إلى دعمها لما يسمى بالإرهاب .
ولوحظ أن الصحف الأمريكية والأوروبية ، وهى تعبير عن الرأي العام الشعبي والرسمي ،
قد أبدت شماتة واضحة في مصرع " مغنية " ، الذي سوّغت اغتياله بكونه " إرهابياً "
مؤكدة بمفهوم المخالفة على أن من يقاوم الاحتلال الصهيوني أو الصليبي هو " إرهابي "
يجب تصفيته ، بدم بارد .
ثم
كان إبداء الفرح والسرور بما سمّى اختراق الأمن السوري الذي كان حتى مصرع " مغنية "
محصّناً على صعيد الأمن الشخصي للأفراد على الأقل ، وهو ما يعنى إرسال رسالة إلى
السوريين ملخصها : لستم بعيدين عنا ، وأيضاً فإن حلفاءكم ليسوا بمأمن .!
وكان العدو الصهيوني قد قام بقصف شمال سوريا ( دير الزور ) في الصيف الماضي ( 2007
م ) ، وتدمير موقع عسكري قيل إنه كان معملاً نووياً تنشئه دمشق بمشاركة كوريا
الشمالية .. ثم قام وزير الحرب الصهيوني " إيهود باراك " باصطحاب مجموعة من الضباط
والجنود حملتهم طائرة هبطت بهم على أرض الموقع ؛ لمشاهدة نتائج تدميره ، وبالطبع لم
ترد سوريا كالعادة ، واكتفت بأنها سترد في الوقت المناسب ، كما خرج بعض المسئولين
فيها عقب اغتيال " مغنية " يلوك كلاماً سخيفاً عن تمسك دمشق بالشرعية الدولية
والقانون الدولي ..
لاحظ بعض المراقبين أن اغتيال " مغنية " يحمل بصمات " إيهود باراك " وزير الحرب
الصهيوني ، المشهور بالقيام بمثل هذه العمليات كما جرى في " عنتيبى " بأوغندة ، و
" بيروت " في لبنان ، و " حمامات الشط " في تونس ! وفى كل هذه العمليات قام باغتيال
قادة فلسطينيين مهمّين !
وتولت " التايمز " البريطانية (18/2/2008م) شرح الكيفية التي تمت بها عملية
الاغتيال ، حيث حصل ثلاثة أشخاص من الموساد " اليهودي على تأشيرة دخول إلى سوريا
فوق جوازات سفر إيرانية ، وكان مغنية يحضر حفلا بالسفارة الإيرانية في دمشق بمناسبة
قومية إيرانية ، وبعد خروجه من السفارة ، وركوب سيارته ذات الدفع الرباعي ، كان
الكرسي الذي يجلس عليه قد تم تغييره بكرسي مماثل ، كله متفجرات ، وبمجرد انطلاق
السائق ، اهتز الريموت كنترول في يد القتلة ، فطارت السيارة في الهواء بعد أن تحولت
بمن فيها إلى شظايا وأشلاء !
وأيّاً كان الأمر ، فمعظم المراقبين يجمعون على أن المخابرات الأمريكية والعدوّ
الصهيوني ، وعملاء عرباً ، قد نفذوا عملية اغتيال الرجل الذي أسهم في هزيمة
الصهاينة مرتين عام 2000م حيث هربوا من لبنان ، والأخرى عام 2006م حيث هربوا إلى
الجنوب ونزلوا إلى الملاجئ !
المفهوم من هذه العملية أمر بسيط وواضح ، وهو أن العدوّ الصهيوني والعدوّ الصليبي
لا يعبآن بما يسمى الشرعية الدولية أو القانون الدولي ، وأن الإجرام طبيعة متأصّلة
في سياستهما ، وأن الغدر الخسيس سمة لهذا الإجرام .. وكل ذلك لإرغام الضحايا على
الاستسلام والخضوع لشروط الإجرام !
ومع
ذلك ، فإن الخاضعين الصامتين لا يسلمون من شرور هؤلاء الأشرار ، بل يتعرّضون
للغارات والقصف الجوى ، ويموتون مجاناً ..
ولا
أدرى لماذا يتجرأ هؤلاء ، ويغتالون العرب في عقر دارهم ، ويهدّدون بتصفية قادة
المقاومة ، دون أن يجدوا رداً مماثلاً وبالجرأة نفسها ؟
يقول الحق تبارك وتعالى " الشهر الحرام بالشهر الحرام ، والحرمات قصاص ، فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ، واتقوا الله ، واعلموا أن الله مع
المتقين
)) ( البقرة : 194 ) .
إن الرد بالمثل حق مشروع ، في عالم صارت فيه شريعة الغاب هي الحاكمة ، وهى المسيطرة
، وصدق شوقي حين قال :
والشر إن تلقه بالخير ضقت به ذرعاً ، وإن
تلقه بالشرّ ينحسم !
ويا أمة طال ليلها .. هيّا إلى المقاومة ، وتأديب
المجرمين .