مفارقات الاحتلال والمقاومة

مفارقات الاحتلال والمقاومة !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

منذ ستة عشر عاما أو يزيد أجرت المقاومة الفلسطينية في منظمة فتح التي تسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية ،، مفاوضات مباشرة وغير مباشرة ، مع العدو النازي اليهودي في فلسطين المحتلة ، وكلما ظن الناس أن الأمور تتقدم خطوة إلى الأمام لإعادة المشردين الفلسطينيين إلى بلادهم ، وإزاحة الاحتلال عن أراضيهم ، تأزمت الأمور وتعقدت .وعانى الفلسطينيون في داخل فلسطين وخارجها من متاعب ومصاعب تنوء بها الجبال ؛ نتيجة لوحشية العدو النازي اليهودي  . الحصار يشتد يوميا على قطاع غزة ، والضفة تعاني من المستوطنات التي تتزايد مع كل صباح ، والحواجز تتكاثر بين المدن والقرى ، والعدو يغتال الشباب الفلسطيني ، ويعتقله ، وتساعده سلطة رام الله بتقديم المعلومات للنيل من أبنائها .  

في الوقت نفسه ، تنمو القوة العسكرية النازية اليهودية ، رأسيا وأفقيا ، بحيث صارت القوة الأولى في المنطقة ، التي وجدت في نفسها الجرأة مؤخرا لتعلن أنها قادرة على شن الحرب ، والقتال على جميع الجبهات في  وقت واحد ، فهي تستطيع محاربة إيران وسورية ، وحزب الله وحماس ، ومصر أيضا إن لزم الأمر ، كما قالت الصحف العبرية التي صدرت قبل أيام حيث أكدت صحيفة ها آرتس الصهيونية مثلا ؛ في تقرير لها يوم الثلاثاء 25/5/2010م ، أن بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الصهيوني يستعد للحرب بصورة جدية ، وهو ما يفهم منه ضمنيا أنه سيحارب على جميع الجبهات ، فإذا هاجم إيران فإن الجبهات الأخرى ستفتح تلقائيا ، ولو رغما عنها ، ولعل هذا ما دفع مصر إلى إرسال مدير المخابرات إلى الاجتماع بوزير الحرب النازي اليهودي ، أيهود باراك ، لإقناعه بأن المنطقة تحتاج إلى الهدوء وليس الحرب !

ومع ذلك فإن الاستعداد الدائم للحرب والعدوان في فلسطين المحتلة لا يتوقف ، والدليل على ذلك ما تقوم به دولة الغزو النازي اليهودي من مناورات عسكرية يشترك فيها الغزاة الصهاينة جميعا من يرتدون الزي العسكري ومن يمثلون الاحتياط ، حيث يعد جميع الصهاينة ، رجالا ونساء تحت السلاح في أثناء الحرب الشاملة . وقد ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية ، أنه من المتوقع أن تصل المناورات الإسرائيلية الأضخم في تاريخها "نقطة التحول 4" ذروتها ظهر  الأربعاء 26/5/2010م ، حيث تسمع صفارات الإنذار في جميع أنحاء الكيان الساعة الحادية عشرة ظهرا، مع العلم أن هناك 600 مدرسة لن تشترك في المناورات بسبب تزامنها مع وقت الامتحانات.

وأشارت الصحيفة إلى أن قيادة الجبهة الداخلية لم تحدد بعد الطريقة التي سيتم الإعلان من خلالها عن هجوم صاروخي غير تقليدي على المناطق الصهيونية، حيث تعكف حاليا على اختيار الطريقة المناسبة لإعلام الجمهور عن سقوط صواريخ كيماوية وغيرها، مضيفة بأن مصادر في الجبهة الداخلية أوضحت أن هناك قلقاً وعدم ارتياح بسبب النقص في عدد الكمامات الواقية تحسباً من سقوط صواريخ كيماوية التي لا يوجد إمكانية لاعتراضها حسب تلك المصادر.

وأوضحت المصادر أن هناك إمكانية لمعرفة نوعية الصاروخ المطلق وتشغيل فارات الإنذار المبكر تحذيراً منه في منطقة محددة مثلا، مع العلم أن هذا الأمر لا يشكل الكثير من الخطر على من يملك مكاناً محصناً لكن المشكلة في هؤلاء الذين لا يملكون مكانا محصنا، وأضافت الصحيفة أنه حسب مصادر أمنية فإن الحديث يدور عن موضوع معقد يتم فحصه الآن على أمل أن تستطيع السلطات الصهيونية التدريب عليه في المناورات المقبلة.

ونقلت صحيفة معاريف الصهيونية عن أفي ديختر، المسئول عن اللجنة قوله : "إنه في ضوء التحديات والأخطار التي يتعرض لها الكيان الصهيوني من المحاور الثلاثة( سوريا ولبنان وغزة) ، فإن ما يوجد لدى الجيش النازي اليهودي من تلك المنظومات غير كافٍ على الإطلاق"، مضيفاً "أن كل سنتيمتر واحد من الكيان موجود على دائرة الاستهداف".

وأوضحت الصحيفة أنه يوجد لدى الجيش عشر بطاريات صواريخ دفاعية فقط، مشيرة إلى أن ذلك لا يكفى، وعليه يتوجب على أجهزة الأمن الإسراع في اقتناء المزيد من أجل مواجهة الخطر.

وأشارت الصحيفة إلى أن الإدارة الأمريكية كانت قد أقرت قبل أيام تقديم مساعدة مالية لإسرائيل، من أجل تطوير وإنتاج منظومة "القبة الحديدية" لاعتراض صواريخ قصيرة المدى التي يصل مداها إلى 60 كم وتفجيرها في الجو، حيث بلغ حجم المساعدة الأميركية 250 مليون دولار.

إذا العدو النازي اليهودي يعمل ليل نهار ليزداد قوة على قوة ، ويواجه كل الاحتمالات التي يمكن أن تؤثر على وجوده الاستيطاني الشيطاني ، والمؤسسة الاستعمارية الصليبية بقيادة الولايات المتحدة تدعمه ماديا ومعنويا ، وتلحس تصريحاتها عن السعي لحل القضية الفلسطينية ، أو رفض إقامة المستوطنات في الأرض المحتلة ، بل إنها كما صرحت السيدة هيلاري كلينتون وقائد القوات الاستعمارية الصليبية في منطقة الشرق الأوسط ، شكلت  فرقا  سرية لتصفية عناصر المقاومة ( التي تسميها العناصر الإرهابية ) في المنطقة  وهذا بالطبع لخدمة الكيان الصهيوني ، والحفاظ على بقائه العدواني الظالم والغادر، وقبل ذلك الحفاظ على المصالح الاستعمارية التنصيرية فيما يسمى الشرق الأوسط .

ومن المفارقات أن تعلن صحيفة الجارديان البريطانية في الوقت ذاته ، عن وثائق تسربت من وزارة الدفاع في جنوب إفريقية عن تعاون نووي بينها وبين الكيان النازي اليهودي في أيام حكم الأقلية العنصرية البيضاء ، وتزويد الأخيرة برءوس نووية .

  وإذا كان السفاح النازي اليهودي " شيمون بيريز" قد أنكر بشدة ما كشفته الصحيفة ، وما ورد في كتاب جديد بأنه عرض بيع أسلحة نووية لنظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا عندما كان وزيراً للدفاع في السبعينيات. فإن الصحيفة أشارت إلى البيان الصادر عن مكتبه الذي أوضح أنه لا يوجد أساس في الواقع للادعاءات القائمة على وثائق جنوب أفريقية تم رفع السرية عنها، تشير إلى أن بيريز عرض بيع رؤوس حربية نووية وصواريخ باليستية لنظام الأبرتهايد ( الفصل العنصري ) عام 1975. وأضاف البيان أنه لا توجد وثيقة صهيونية أو توقيع صهيوني على الوثيقة تؤكد حدوث مثل هذه المفاوضات.

إلا أن ساشا بولوكو سورانسكى، الأكاديمي الأمريكي الذي كشف عن هذه الوثائق ؛ في أثناء إعداده لكتاب جديد عن العلاقات العسكرية والسياسية بين البلدين ، قال : إن هذا الإنكار مخادع لأن محاضر الاجتماعات التي عقدت بين بيريز ووزير الدفاع الجنوب الإفريقي حينئذ بى دبليو بوثا تبين أن حكومة التمييز العنصري اعتقدت بوجود عرض صريح لتوفير الأسلحة النووية.

في المقابل فإن آية الله محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية المحدودة ، يجدد تصريحه الرافض لخيار المقاومة ، ولو فشلت المفاوضات ، وقد صرح لقناة ( فرانس 4) في 24/5/2010م ، قائلا : "إذا لم ننجح في المفاوضات بالتوصل إلى حلّ ، فهناك بحث جرى في الجامعة العربية ، وهو كيف يمكن أن نذهب إلى مجلس الأمن ؛ وهنا أسيء فهم هذه القضية وقيل: إن الفلسطينيين يريدون من طرف واحد دولة فلسطينية ونحن نقول: إذا فشلت المفاوضات فهل هناك غير مجلس الأمن لنذهب إليه، أما الخيارات الأخرى فأنا غير موافق عليها إطلاقًا كخيار الكفاح المسلح".

وردًا على سؤال حول رغبته بنشر قوات أطلسية في فلسطين، أضاف عباس: لقد "قلنا إنه عندما تقوم الدولة الفلسطينية نحتاج إلى طرف ثالث أن يكون موجودًا عندنا من أجل طمأنتنا حتى لا يعتدي علينا وطمأنة الجانب الإسرائيلي ومن اجل إعادة بناء الأجهزة الأمنية".

هذا هو خيار الرئيس الفلسطيني المنتهية رئاسته : عدم المقاومة ولو فشلت المفاوضات !!

العدو يقوى ، ويقاتل ، ويحاصر ويعتقل ويغتال .

والفلسطينيون ينبطحون ، ويستسلمون ، ويرفضون المقاومة .ثم يطلب من حماس أن تتصالح مع السلطة المحدودة في رام الله وفقا لمنهج نبذ المقاومة إلى الأبد ! مع شن الحملات ضد حماس وتشويهها واتهامها بتعطيل حل القضية الفلسطينية لأنها لم توقع على اتفاق يحرمها ، بل يحرم الشعب الفلسطيني من الدفاع عن نفسه ، والاستسلام للنازية اليهودية !

إنها مفارقة الاحتلال والمقاومة !