حاكم مصر وحصار غزة
16شباط2008
أحمد الفلو
أحمد الفلو*
لقد اعتاد النظام الحاكم في مصر على تقديم مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل على المصالح الوطنية لمصر , حيث سخَّر الرئيس حسني مبارك إمكانات الدولة وقدراتها في سبيل تحقيق أهداف السياسة الأمريكية مقابل إبقاءه على رأس السلطة في مصر دون منازع , و قد طبعت الولايات المتحدة الأمريكية بصماتها على مختلف جوانب الحياة السياسية الداخلية و الخارجية إلى الحد الذي فرضت فيه تعيين مسؤولين و وزراء ماسونيين و صهاينة مثل وزير الثقافة وكذلك الأمين العام السابق للحزب الوطني و وزير الزراعة السابق , بل إن أكثر من ثلاثمائة ضابط من الرتب الرفيعة في الجيش المصري يتلقون رواتب من السفارة الأمريكية في القاهرة آخر كل شهر , إضافة إلى إسقاط الولايات المتحدة طائرة البوينج المصرية وبشكل مقصود عام 1999 قبالة ساحل ماساتشوستس الأميركي و مقتل أكثر من ثلاثمائة من خيرة ضباط الجيش المصري كانوا على متنها و ظهر بعد ذلك تقرير هيئة السلامة الامريكية الذي يعتقد ان مساعد الطيار " جميل البطوطي " رحمه الله تعمد اسقاط الطائرة و الانتحار بسبب جملة قالها و هي : " توكلت على الله " و هي النتائج التي من المفروض أن الجانب المصري رفضها قطعا .
إن التدخلات الأمريكية في السياسة المصرية قديمة جداً ولكنها الآن أكثر صلفاً و انكشافاً من أي وقت مضى حيث اقتصرت في السابق على تفادي وقوع الحكم في أيدي الإسلاميين من جهة و منع الجيش المصري من تحقيق أي نصر عسكري على إسرائيل من جهة أخرى, وكان ذلك يتم عبر أعمال استخباراتية سرِّية الطابع والمضمون , ولكن هذه التدخلات أصبحت مزدوجة المصدر و التأثير فهي الآن إسرائيلية أمريكية وفاعليتها لم تعد تقتصر على المواقف السياسية والعسكرية بل امتد ذلك التأثير ليشمل حياة الناس اليومية والمعيشية ليس في مصر فحسب بل والعالم العربي , فبينما يمضي أحد أفراد الأسرة المصرية متفرِّغاً لساعات طويلة للوقوف في طوابير انتظار طويلة للحصول على بعض أرغفة العيش فإنَّ نجل الرئيس وأعوانه يكدِّسون الملايين تتبعها الملايين في حساباتهم الشخصية ليتم تدوير هذه المبالغ الضخمة في تهريب المخدرات و ترويجها داخل مصر بالتعاون مع الموساد الإسرائيلي , وفي الوقت الذي يدخل فيه الإسرائيلي ضيفاً مكرّماً إلى القاهرة وشرم الشيخ ليتمتع بملذات الخمر والقمار والزنى والرقص الشرقي , يتم حرمان أطفال غزة من شراء الدواء والغذاء ليس منَّة من أحد بل الشراء نقداً .
وبالتأكيد فإن حاكم مصر أضحى مسلوب الإرادة بعد أن استمرَأ ممارسة التخنث السياسي بشتى صنوفه بدءً من تحويل مصر إلى مرتكز لضرب وقصف أي بلد عربي يشق عصا الطاعة على الولايات المتحدة كما حصل في العراق مع دعوة حسني مبارك للأساطيل الأمريكية للمرور والتزود بالوقود وإقامة منصات الصواريخ والتي أودت بالنتيجة إلى ذبح الملايين من أطفال ونساء العراق كالشياه ,مع العلم بأن العراق كان قد وقع اتفاقيات استيراد أدوية وأغذية من مصر ضمن برنامج النفط مقابل الغذاء بقيمة أكثر من خمسة مليارات دولار مما أنعش الاقتصاد المصري بدرجة كبيرة ولكن حاكم مصر آثر مساعدة الولايات المتحدة وإسرائيل لغزو العراق على إنعاش الاقتصاد المصري كما أن الولايات المتحدة لم تعوض الاقتصاد المصري ذلك المبلغ الضخم, والمشاركة الفعلية في حالة التجويع القائمة الآن في قطاع غزة ضمن المخطط الأمريكي الإسرائيلي لمكافحة الإسلام رغم معرفة حسني مبارك بأن فتح معبر رفح سيدرّ مئات الملايين من الدولارات على الخزينة المصرية ولكنَّه كالعادة يؤثر الرضا الإسرائيلي على مصالح مصر الاقتصادية , و ما يقوم فيه حسني مبارك بدور المنفِّذ المأجور أو المجاني ليس بجديد حين منع مرور الفلسطينيين عبر مصر إلى قطاع غزة بعد أن طردهم مجنون ليبيا قبل سنوات و تركهم يموتون في الصحراء على الحدود بين مصر وليبيا لتنهشهم الأفاعي والعقارب . ليس هذا فحسب بل إن الأمن المصري يتمكن كل عام من القبض على شبكات إسرائيلية لتهريب المخدرات أو شبكات دعارة إسرائيلية هدفها نشر الأيدز في مصر أو عصابات تزوير العملات , حتى أن التحقيقات أشارت بأصابع الاتهام إلى السفارة الإسرائيلية في القاهرة قبل سنوات عندما انتشر الفأر النرويجي الأبيض ليغزو عشرات القرى المصرية ويأكل محاصيل الفلاحين ويهدم بيوتهم ودلَّت التحقيقات أنه قد تم إدخال هذا الفأر من خلال الحقائب الدبلوماسية للسفارة الإسرائيلية , كما تم اكتشاف بذور محاصيل وخضار تحتوي على مواد مُشِعَّة و مُسَرطِنة و مسببة للعقم تم استيرادها عن طريق وزير الزراعة الأسبق يوسف والي , كل هذا وأكثر يتم بعلم السلطات العليا في مصر و تحت سمعها و بصرها ثم يتم الإفراج عن المتهمين بارتكاب مثل هذه الجرائم بأوامر من هذه السلطات , فهل يكفي كل ما يفعل هذا النظام المتسلط من جرائم بحق شعب مصر والأمة العربية لإرضاء الولايات المتحدة وإسرائيل ؟
والأغرب من كل هذا وذاك أن حاكم مصر دائماً يحرص على تنفيذ الاتفاقيات الدولية التي لم توقع عليها مصر كاتفاقية المعابر ويدّعي أنه لا يملك السيادة على نقاط الحدود في بلده حينما يتعلق الأمر بإغضاب الإسرائيليين ,وفي ذات الوقت فإنه يملك السيادة على تلك الحدود عندما يتعلق الأمر بتجويع الفلسطينيين , وكم كنّا نتمنى لو أن التهديدات التي أطلقها وزير خارجية النظام المصري قد صدرت عندما تمَّ قتل العديد من الجنود المصريين على أيدي القوات الصهيونية عند خط الحدود ولكن يبدو أن استعراض العضلات والعربدة لا تظهر إلاّ لتهديد شعب فلسطين , أما الاتفاقيات التي وقعت عليها مصر في مواثيق حقوق الإنسان الدولية كحق الحياة وحقوق الطفولة و مواثيق الجامعة العربية بحق الفلسطينيين بالعمل وحرية التنقل فهو لا يلتزم بها مطلقاً ولا تعنيه وذلك حرصاً منه على استدرار الرضا الإسرائيلي , بل إن مبارك بالاتفاق مع محمود عباس متوافقان على كل ما يضر بالشعب الفلسطيني , ويبدو أن زعماء على هذا الطراز يقايضون أعداء الأمة على مبدأ السمع والطاعة مقابل البقاء على كراسي الحكم قد أصبحوا من أهم مصادر إعاقة التنمية والتقدم والتحرر لبلدانهم أولاً ومن ثم للعالم العربي ولا بدَّ من إماطتهما عن طريق طموحات الشعبين المصري والفلسطيني فذلك أدنى شعبة من شُعَب الإيمان .
* كاتب فلسطيني