الوحدة الوطنية تتحول إلى مجرد ثرثرة

عندما يتحول الكلام

عن الوحدة الوطنية إلى مجرد ثرثرة

د. محمد يحيى برزق

كل الذي قرأته وسمعت عنه من ندوات ومقالات عن الوحدة الوطنية سواء في الوطن أو خارجه ينم عن نوايا طيبة وأماني وردية بعودة الدفء إلى ساحة العمل السياسي الفلسطيني وذالك بتحقيق ما يسمونه رأب الصدع بين حركتي فتح وحماس..

البعض كان يعاتب ويلوم الطرفين، والبعض الآخر كان يشجع الطرفين من خلال التذكير بالواجبات الوطنية والتاريخ النضالي لكل منهما والمسؤولية التاريخية في منع تكريس انقسام الشعب والجغرافيا.

 الشيء المشترك بين كل هؤلاء هو أنهم جميعاً يمسكون العصا من المنتصف.. مساوين بذلك بين ما فعلته السلطة وبين ما فعلته حماس..

وهو موقف من شأنه تحويل كل الكلام إلى مراوغات فلسفية تشبه الجدل البيزنطي العقيم وهذا غير مفيد..

أولا.. هذا الصدع الذي تدعون إلى رأبه أيها السادة ليس جديدا.. إنه أقدم من حماس، إذ أن فتح بدأت بمشروعها السلمي مع إسرائيل قبل انطلاقة حماس.

ثانيا.. حركة فتح لم تكن في تاريخها وحدوية مع أحد أبداً حتى قبل حماس، فهي تسيطر وبشكل محكم على منظمة التحرير والمجلس الوطني الفلسطيني مما جعل تمثيل الفصائل دائما أدنى من أن يشكل معارضة جدّية للإرادة الفتحاوية يمكن المراهنة عليها في تغيير شيء مع استمرار هذا الوضع لم تعد فتح تلقي بالا  لتأبه برأي هذا الفصيل أو ذاك.. وهذا أدى إلى تحويل مشاركة هذه الفصائل في ذلك المجلس إلى شهود زور.. فالقرار كان فتحاويا صرفا من جهة لكنه يمثل عند كل الشعب الفلسطيني من جهة أخرى.. زورا وبهتانا.

ثالثا.. من وراء منظمة التحرير ووفدها المفاوض ومن وراء فتح نفسها ذهب أبو مازن للنرويج ليهندس اتفاقية أوسلو التي رفضها وما زال يرفضها كل الشعب الفلسطيني.

هذه الاتفاقية التي أعطت الشرعية للسلطة الفلسطينية أمام المجتمع الدولي والعربي..

هي في حد ذاتها غير شرعية..

إنني أسأل الفتحاويين كلهم ومن ورائهم كل الفصائل وفئات الشعب الفلسطيني ولكل من يهمه الأمر..

من كان يمثل أبو مازن أثناء وجوده في النرويج؟؟

إن أوسلو هي اتفاقية أبو مازن فقط التي وافق عليها أبو عمار رحمه الله.. لا علاقة  لمنظمة التحرير ولا فتح ولا المجلس الوطني بها.

وبفهلوية مبتكرة تمّت تسوية وضعية هذه الاتفاقية وثم تبنيها في منظمة التحرير وترطيب خواطر الوفد المحترم برتب ومناصب سامية وبعد ذلك دخل أبطال أوسلو للوطن.. ليبدأ عهد السلطة الوطنية الفلسطينية.. ثلاثة عشر سنة من الدكتاتورية المعنية والقاتلة.

قولوا لي بالله عليكم يا من تتحدثون عن الوحدة الوطنية ورأب الصدع.. هل كانت فتح خلال هذه السنوات وحدوية؟ هل استفاد من وجودهم في الحكم أي فصيل فلسطيني على الأقل بالقدر الذي استفاد منه اليهود؟

مع حماس خصوصا.. لم يبق قائد في حماس إلا ولاحقوه أو سجنوه أو أهانوه أو تعاونوا على قتله أو تسليمه لإسرائيل. وأكثر من ذلك فكل الوظائف في السلطة من الفرّاش إلى الوزير لم تكن تتم إلا بتوقيع الرئيس أبو عمار.. كل الوظائف وفرص العمل للفتحاويين فقط وذلك دعما لقرار أوسلو.

رابعا: نجحت حماس في الانتخابات نجاحاً ساحقاً بفضل أمرين اثنين واضحين الأول: تعفن رموز السلطة وفشل كل الطرق السلمية في تحقيق أي شيء في مسألة الدولة والحل النهائي.

ثانيا: نجاح خيار المقاومة التي تتزعمه حماس ضد الاحتلال وسقوط برنامج التسوية السلمية الذي يتزعمه فريق أوسلو في فتح. الجدير بالذكر هنا هو أن الفتحاويين رفضوا قائمة فتح التي انتهت صلاحية مرشحيها من القيادات التاريخية المقدسة من أرباب الفساد والجريمة.

لقد سقط برنامج أوسلو في انتخابات شعبية شاركت فيها فتح بقوة ونجح مشروع المقاومة التي تتزعمه حماس.

المهم أنه منذ اللحظة الأولى من تكليف حماس بتشكيل الحكومة عرضت على فتح وكل الفصائل المشاركة في الحكومة وألحّت في ذلك وصبرت وانتظرت حتى خيل للبعض أنها تتسول وتستجدي الوحدة الوطنية.. لم يعبأ بها أحد نتيجة ضغوط ترهيب وترغيب من فتح لإجبار حماس القبول ببرنامج التسوية السلمية الذي سقط في الانتخابات بعد تشكيل الحكومة.. أفرغت الرئاسة كل صلاحيات الحكومة في حقبتيها وقاطع الرئيس الحكومة في كل فعالياتها ومنع أمراء الأجهزة الأمنية ورجالاتهم وأزلامهم من الاستجابة لوزير الداخلية مما اضطره تشكيل قوة تنفيذية؟

ولقد تكشفت في الأخبار الموثقة بالصوت والصورة للتلاسن بين أبو علي شاهين وعباس وحكم بلعاوي مؤامرة تنازل الرئيس لدحلان عن كل الصلاحيات التي تلزم لسحق حماس ليبدأ مسلسل الفلتان الأمني  والجريمة التي وصلت إلى محاولة اغتيال رئيس الوزراء في معبر رفح. لقد أدى ذلك إلى تدارك حماس للمؤامرة الكبرى التي كانت الرئاسة تعمل على حبكها لسحقها وإبادتها وإزاحة الحرج عن كل الجهات التي باركت السلام الساقط ليسيروا في مخططهم العربي والدولي لإنهاء مشكلة فلسطين التي أوجعت رؤوسهم ستون عاما.

لقد مضى على الحسم العسكري ثمانية شهور وحماس تطالب بالحوار دون شروط دونما أدنى استجابة من الرئاسة والكل منذ ذلك الحين يطحن في ماء الوحدة الوطنية..

مرحى للوحدة الوطنية ولنتناس كل شيء. وحتى كل ما أوردته في المقال يمكن التصرف فيه.. السؤال الذي سيحسم في جدوى المضي قدماً في المطالبة في الوحدة الوطنية هو: هل نحن متفقون في تحديد عدونا المشترك؟؟ إذا لم نتفق على تحديد العدو لكي نتعامل معه بما يجب من وسائل، في هذه الحالة ما هي الفائدة من الوحدة الوطنية؟ بصراحة السلطة الفتحاوية بحكم توقيعها على اتفاقية أوسلو كما هو واضح لم تعد مفاوضا وشريكا فيما يسمونه سلام الشجعان بل حليفا فعالا لها ضد فصائل المقاومة فنراها تترحم على جنود العدو وتتبرأ من أبطال ديمونة أن يكونوا فتحاويين.

منذ أن فازت حماس بالانتخابات واتخذت السلطة موقفها كان على الجميع أن يعلم علم اليقين أن الوحدة الوطنية مستحيلة مع فتح ولا فائدة من وثيقة أسرى أو قاهرة أو حتى مكة فلقد دمرت عصابة السلطة المجرمة التي تدعي زورا أنها فتحاوية تنظيم فتح لكي يسهل عليها تدمير حماس بفتح وفتح بحماس وتخلو هي بالقضية الفلسطينية لتنهيها وفق مصالح شخصية وإقليمية ودولية.

ختاما أرجو من كل الإخوة الذي لا يملون الحديث في هذا الموضوع أن يدخلوا في صلب الموضوع ولو مرة واحدة ويخاطبوا أطراف الخصومة كل وفق تاريخه ويتركوا سياسة الإمساك بالعصا من منتصفها لأن المسؤولية عن استحالة الوحدة بين الطرفين غير متساوية أصلا.

إن الشعب الفلسطيني كله يرفض أوسلو ويرفض الاعتراف بإسرائيل بشهادة الانتخابات وهو غير مستعد لتنازل في هذا البند.. عدونا المباشر هو "إسرائيل" فهل تقبل السلطة بإسرائيل عدواً؟؟ وهل يمكن أن ننتظر حقا وحدة وطنية بين من يصر على عدائه لإسرائيل ومن يصر على السلم معها؟