البرنامج النووي الإيراني 9

(مقالة رقم 9)

بوش واستخدامه لمصطلح

محور الشر لأول مرة !!

حسين علي محمد حسنين

كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر

[email protected]

تابع البرنامج النووي الإيراني:

(1)

واشنطن تتهم طهران بإيواء أعضاء تنظيم القاعدة

فى 10 يناير 2002 وجه الرئيس الامريكى بوش اتهاما مباشرا للنظام الإيراني بناء على تقارير لوزارة الدفاع والاستخبارات الأمريكية . وقد أوضحت التقارير أن النظام الإيراني  يمارس نفوذا فى أفغانستان بغرض الحد من تنامي التوجه المؤيد للولايات المتحدة واوربا ، وان ايران استقبلت بعض الهاربين من تنظيم القاعدة وحركة طالبان . وقد حذر بوش قادة ايران من القيام بأي محاولة لزعزعة الاستقرار فى أفغانستان حتى لا تضطر قوات التحالف الى التصدي لإيران ، وطالب بوش من المسئولين الايرانيين ضرورة التعاون فى الحرب ضد الإرهاب وذلك بتسليم أعضاء القاعدة الذين دخلوا الاراضى الإيرانية.     وقد شددت أجهزة الاستخبارات الامريكية  فى تقريرها على ضرورة اتخاذ موقف متشدد من ايران بناء على الملفات التى تؤكد وجود علاقة قوية بين النظام الإيراني والإرهاب والتى منها أزمة رهائن السفارة الامريكية فى طهران ، والهجوم على السفارة الامريكية فى بيروت ، والهجمات التى تعرضت لها بعض المصالح والمؤسسات الغربية فى الكويت ومنها ناقلات النفط إبان الحرب العراقية الإيرانية ، وقضايا الرهائن الغربيين فى لبنان ، وعمليات الاغتيالات التى تعرض لها معارضون إيرانيون سواء داخل ايران أو خارجها. فضلا عن اتهام ايران بأن لها صلة بالإرهاب بشكل عام ، ثم اقتنائها لأسلحة دمار شامل حصلت عليها من الاتحاد السوفييتي السابق.

ايران تنفى الاتهامات الامريكية:

تونى بلير

وفى 12 يناير 2002 أعلنت الحكومة الإيرانية أنها ترفض تهديدات الرئيس الامريكى بوش التى حذر فيها ايران من اى محاولة لزعزعة الاستقرار فى أفغانستان .. واكدت الخارجية الإيرانية أن تلك الاتهامات لا تستند الى اى أساس من الصحة، ونفى كمال خرازى وزير خارجية ايران وجود أعضاء من تنظيم القاعدة فى ايران ، واكد ان بلاده لا تدعم المعارضين للحكومة الأفغانية التى أقيمت فى كابول .   وفى 13 يناير 2002 إتصل الرئيس الإيراني هاتفيا برئيس وزراء بريطانيا تونى بلير واعرب له عن استيائه من الاتهامات التى وجهت مؤخرا الى ايران حول دعمها للإرهاب . وقال خاتمى لـ بلير : أننا نشهد الآن دول الغرب وهى توجه الى ايران اتهامات لا أساس لها من الصحة ، وجدد محمد خاتمى ادانة ايران للأعمال الإرهابية فى كل مكان ، كما أكد أن طهران تعترف بحكومة كابول ولا تسمح للإرهابيين بالدخول الى ايران .

اسرائيل تضغط على النظام الإيراني:

شيمون بيريز

فى 16 يناير 2002 أمر وزير خارجية اسرائيل شيمون بيريز أجهزة وزارته بتحضير ما يطلق عليه بالكتاب الأسود حتى يتم توزيعه فى جميع أنحاء العالم والذي يتضمن تنديدا بالنظام الإسلامي المتشدد (آيات الله فى ايران ) . وقد أوضح بيان الخارجية الإسرائيلية أن هذا الكتاب الأسود سيكشف كل الوقائع المتعلقة بأعمال نظام آيات الله التى تستهدف اسرائيل، كما سيتضمن الكتاب كل الدعوات التى وجهها المسئولون الإيرانيون لتدمير اسرائيل ، بالإضافة الى كتابة التفاصيل المتعلقة ببرنامج ايران النووي ، أيضا توضيح كيفية قيام ايران بتمويل وتسليح ميليشيات حزب الله اللبناني الشيعي وتزويد منظمتي حماس والجهاد بالمعدات العسكرية والمال . وقد اتهم بيان الخارجية الإسرائيلية طهران بممارسة ضغوط على حماس والجهاد لكي تنفذا اعتداءات فى الأراضي الإسرائيلية . ويذكر ان العلاقات الإسرائيلية الإيرانية ازدادت توترا فى 3 يناير 2002 فى أعقاب اعتراض السفينة (كارين-آي ) التى كانت محملة بنحو 50 طنا من الأسلحة الإيرانية وقد تم تحميل تلك الأسلحة فى جزيرة كيش الإيرانية لترسل الى الأراضي الفلسطينية .

**********

(2)

بوش يطلق مصطلح محور الشر على

إيران والعراق وكوريا الشمالية وأوربا تعترض(نظريا) !!!

فى 29 يناير 2002 أعلن جورج بوش مصطلح (محور الشر  evil axis) الذى تضمن ايران الى جانب كل من العراق وكوريا الشمالية  ، وهو ما دفع صقور البيت الابيض الأمريكى الى دق طبول الحرب ضد نظام طهران المتشدد بصفة عامة  والبرنامج النووي الإيراني بصفة خاصة (هل حقا كانت إيران هى الفريسة المقصودة ، أم العراق؟؟؟؟).

لكن كيف صنفت ايران ضمن محور الشر؟:   فى بداية الأمر خطط جورج بوش فى مسودة خطابه للتركيز على العراق فقط كدولة شريرة ، ثم أضاف بعد ذلك كوريا الشمالية لتوسيع مجال الحرب ضد الإرهاب ، ويأتى ذلك فى إطار الخطة الموضوعة سلفا خطة أوراسيا (سبق وأن أشرنا إلى خطة أوراسيا بالتفصيل) ، ولكن فى اللحظات الأخيرة وقبل إلقاء بوش لخطابه تم اضافة كلمة ايران لتدخل الدول الثلاث فى إطار محور الشر وذلك بعد ان تم تزويده بمعلومات إسرائيلية استخباراتية مضللة(وتعلم واشنطن جيدا أنها مضللة ، وبالطبع جاء ذلك فى إطار التمويه عن الهدف أو الفريسة القادمة، وكلنا عرف بعد ذلك أنها كانت العراق ولم تكن مطلقا إبران) . فى هذا الصدد يؤكد وليم بيمان(المساند لدولة إسرائيل) والمتخصص فى الشئون الإيرانية وأستاذ الأنثروبولوجي بجامعة براون الامريكية ان المخابرات الإسرائيلية استطاعت بحنكتها المعهودة ان تضلل الادارة الامريكية(تم تسريب المعلومات الإسرائيلية المخادعة إلى وليم بيمان) وذلك عندما وضعت أمام بوش الابن تقريرا استخباراتيا للموساد يشير الى معلومات كاذبة حول حماية النظام الإيراني للملا محمد عمرو زعيم طالبان وأسامه بن لادن زعيم القاعدة حيث شدد تقرير الموساد على ان رجلى القاعدة وطالبان تسللا الى داخل الأراضي الإيرانية وانهما تحت حماية الحكومة الإيرانية . ويشير الدكتور بيمان الى ان وزير الدفاع الامريكى رامسفيلد (بناء على شائعة الاستخبارات الإسرائيلية) أعلن للإعلام الدولى (متفق عليه إستخباراتيا) أن ايران سمحت لبعض العناصر الإرهابية بالعبور الى داخل الأراضي الإيرانية . ويشدد بيمان على ان أحد الأسباب الرئيسية وراء قيام اسرائيل بذلك ترجع الى قلق النظام الاسرائيلى من التقارب الامريكى الايرانى الذى نجم عن التعاون الكبير بين الدولتين فى ضرب تنظيم القاعدة وحركة طالبان فى أفغانستان ، وخشية اسرائيل من تطور ذلك التعاون الى أبعد من ذلك خاصة بعد تيقن اسرائيل من ان هناك تفهما استراتيجيا بين طهران وواشنطن حول مصالح الأخيرة بالمنطقة.

فى نفس الوقت قامت أجهزة الاستخبارات الامريكية بإقامة مكاتب جديدة فى المدن الامريكية الرئيسية بهدف توظيف مخبرين وعملاء جدد وتم التركيز على توظيف الجنسيات الايرانية التى تعارض النظام الإيراني . جاء ذلك بعد ان تم تسريب معلومات استخباراتية أمريكية تفيد بأنه تم إغلاق بعض مكاتب وكالة الاستخبارات الامريكية المتخصصة فى الشأن الإيراني العاملة بألمانيا ونقل العاملين بها الى الولايات المتحدة وقد تم التركيز على  لوس انجليس الامريكية التى تضم اكبر عدد من الايرانيين المغتربين بالإضافة الى كاليفورنيا الجنوبية وذلك بهدف تجنيد الايرانيين المقيمين فى أمريكا على أن يتم التركيز على النوعية التى تشكل مصدر معلومات دقيقة والتى لها اتصال مباشر بإيران (يأتى ذلك فى إطار ما يطلق عليه بالفوضى الخلاقة).

فرنسا تعارض إدراج ايران ضمن محور الشر:

فى 30 يناير 2002 أعلنت الخارجية الفرنسية تحفظها الصارم والمتشدد على مقولة (محور الشر) التى وردت فى خطاب الاتحاد الأخير للرئيس الامريكى جورج بوش . وقد عارضت فرنسا توسيع نطاق الحرب فى أفغانستان الى دول أخرى تربطها علاقات مصالح بفرنسا مثل ايران والعراق الا فى حالة التأكد من وجود صلات لا تقبل الشك بين تلك الدول وبين تنظيم القاعدة ( وهو ما يعنى ضمنيا قبول الاتهامات الامريكية ضد العراق وإيران، وأن ما أعلنته فرنسا يأتى فى إطار توزيع الأدوار) . وشددت الخارجية  الفرنسية على انه ما كان باستطاعة الولايات المتحدة ان تحقق انتصاراتها ضد نظام ميلوسيفيتش بيوغسلافيا ونظام طالبان بأفغانستان دون مساعدة دول الناتو الأوربية التى فتحت أجوائها ومطاراتها وموانيها امام الأساطيل الجوية والبحرية الامريكية . وقد طالبت فرنسا من الادارة الامريكية ان تعامل الأوربيين كشركاء وليس كاتباع .

تصاعد حدة الخلافات الامريكية الأوربية:

وحتى يتم إدارة توزيع الأدوار بشكل جيد جاء الرد الأمريكى فى 31 يناير 2002 عندما قال  الرئيس الامريكى جورج بوش ردا على الاتهامات الأوربية التى تتزعمها فرنسا بالآتي: أن واشنطن تحرص على التشاور مع حلفائها الأوربيين ، ولكن إذا اضطرت أمريكا على الاختيار بين الاستماع الى الأوربيين وبين حماية مصالحها من الإرهابيين فسوف تختار واشنطن حماية مصالحها حتى وان اضطرت ان تعمل ذلك بمفردها ( جاء ذلك فى تعليق جورج بوش على عبارة فرنسا بأنه لولا الأوربيين لما استطاعت واشنطن ضرب طالبان والقاعدة بأفغانستان ). وعلى الفور قامت الادارة الامريكية بتشكيل فريق عال المستوى يبحث فى كيفية حماية المصالح الامريكية من جهة وموقف الاتحاد الاوربى وروسيا من جهة أخرى؟.  كان الهدف الرئيسي من عمل ذلك الفريق هو : كيف سيكون عليه الوضع الدولي فى حال قيام واشنطن بمفردها فى القضاء على الإرهاب وتقليم أظافر الدول التى تقع فى مناطق المصالح الاستراتيجية والحيوية ذات البعد الأمني القومي الامريكى وتحديدا منطقة أوراسيا ؟. وقد وضعت الادارة الامريكية فى توقعاتها احتمالات  تزايد النزاع الاوربى الامريكى خلال العقد القادم خاصة فيما يتصل بجوانب الترتيبات الدولية الجديدة وتحديدا فى منطقة أوراسيا ومسار حملة الحرب على الإرهاب التى تقودها واشنطن .

ردود فعل أوربية سريعة ضد النفوذ الامريكى بالمنطقة:

تمثلت ردود فعل قادة دول الاتحاد الاوربى فى معارضة مشروع الدرع الصاروخي الامريكى، وعلى الفور قرر قادة دول أوربا التخطيط لبناء منظومة دفاع صاروخي أوربي خاص بدول الاتحاد وذلك بعد رفض الدول الأوربية الأعضاء بحلف الناتو لقبول دور ثانوي فى الحلف خاصة بعد ان هددت واشنطن بأن تعمل منفردة .  فى ذلك الوقت أعلنت بعض دول الاتحاد الأوربى أنها تسعى الى تحسين دورها العالمي على الصعيد العسكري وتعميق خطوطها الدفاعية وذلك بتطوير وتحديث أنظمة تسليحها وبناء قدرات النقل الإستراتيجي فى مجالات الجو والبحر والبر بحيث يخدم ذلك سرعة الانتشار العسكري داخل القارة الأوربية (يلاحظ أن قدرات الاتحاد الاوربى ضعيفة للغاية من الناحية العسكرية والسياسية مقارنة بالولايات المتحدة الامريكية ) . فى نفس الوقت لعبت فرنسا دورا محوريا فى إنشاء جيش أوربي موحد يعمل موازيا ومستقلا عن حلف الناتو .  ولكن يبقى التساؤل الآتي : هل ستسمح واشنطن لفرنسا بلعب ذلك الدور فى القارة الأوربية الشديدة الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة ؟ .

***********

(3)

واشنطن تنشط قواتها فى مياه البحر المتوسط

وتدعم التعاون العسكري بين تركيا وإسرائيل

فى 4 فبراير 2002 وصل باديدا يادى قائد القوات البحرية الإسرائيلية الى انقرة لبحث الاستعدادات الخاصة بالمناورات البحرية الثلاثة المعروفة باسم ( عروس البحر ) والتى تضم كل من الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل وتركيا . وكانت واشنطن تهدف من وراء تلك المناورات العمل على إحكام السيطرة على منطقة جنوب البحر المتوسط التى تبدأ من شمال أفريقيا حيث( مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا) إلى شرق المتوسط، ثم جنوب غرب آسيا حيث الصراع العربى الاسرائيلى، والى امتداد المنطقة حتى الخليج العربى وحوض البحر الاحمر وقناة السويس وهى المنطقة التى لها تأثير مباشر على أمن واستقرار القارة الأوربية (أى العودة إلى خطة أوراسيا).    وتسعى واشنطن الى إقامة نظام دفاعي إقليمي فى تلك المنطقة بحيث تشكل اسرائيل وتركيا (وفى مرحلة لاحقة العراق وأفغانستان ) نواته الرئيسية لتقود حركة الإصلاح بتلك المنطقة من أجل حماية المصالح الامريكية بصفة عامة . فى نفس الوقت ستقوم دول الخليج خاصة السعودية والكويت والإمارات وقطر بتمويل الجزء الإقليمي الخاص ببرنامج الدرع الصاروخي الامريكى بمنطقة الشرق الأوسط الكبير .

قلق أوربى محدود من التعاون العسكرى التركى الإسرائيلى فى مياه البحر المتوسط:

فى الأول من فبراير عام 2002 صرخ جورج روبرتسون أمين عام حلف الناتو على هامش مؤتمر ميونخ الأمني قائلا: إن التكنولوجيا العسكرية المتقدمة للولايات المتحدة الامريكية جعلت حلفائها الأوربيين يتخلفون ورائها حيث صارت واشنطن تمثل تهديدا لمستقبل وتماسك الحلف . واكد ان اوربا والولايات المتحدة تعملان الآن فى عالمين عسكريين مختلفين ، وقد اصبح من المتوقع عدم تمكن الدول الأوربية من لعب اى دور محوري فى المستقبل لان قواتها المسلحة لن تكون بنفس القدر والتقنية التى عليها الأسلحة الامريكية ذات التكنولوجيا  الفائقة التقدم ، خاصة وان جيوش اوربا مثقلة بأعباء التكنولوجيا القديمة التى تعود الى الحرب الباردة والتى منها نظم الأسلحة الثقيلة التى عفا عليها الزمن ، اضافة الى المقار العسكرية الأوربية التى تفتقر الى القدرة على تغيير الموقع ، والحصون ذات المساحة الكبيرة اكثر من اللازم . وشدد روبرتسون على ان حلفاء الناتو الأوربيين لا يمثلون بالنسبة للرئيس الامريكى بوش سوى ناد للدعم السياسى اى تقديم الحد الأدنى من المساهمة العسكرية فقط ( وهو ما دفع واشنطن الى إعادة النظر فى معدلات الاستحقاقات الأوربية التى تنادى بها فرنسا دائما).

كما أوضح تقريرا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن ان الخلافات الأوربية الامريكية ترجع الى التفوق الرهيب فى القوة العسكرية الامريكية على جميع حلفائها خاصة فى مجال التسليح النوعي وايضا فى مجال الأسلحة الاستراتيجية التى تحتكره الولايات المتحدة دون منازع . وشدد التقرير على ان هناك اتساع كبير فى الفجوة التكنولوجية بين القوات المسلحة الامريكية وقوات الاتحاد الاوربى بحيث لم تعد أوربا قادرة على سد تلك الفجوة سواء فى مجال التسلح التقليدي او فوق التقليدي . ويرجع السبب الرئيسي فى ذلك التخلف الاوربى فى المجال العسكري الى ضعف وقلة الإنفاق الدفاعي بشكل عام مقارنة بالولايات المتحدة حيث تنفق واشنطن 54 مليار دولار سنويا فى مجال البحوث والتطوير المتعلقة بتحديث الآلة العسكرية اى حوالي 14 % من الميزانية الدفاعية ، بينما تنفق أوربا مجتمعة نحو 7 مليار دولار فقط على تحديث وتطوير أبحاث التكنولوجيا العسكرية ، وهذا يوضح الفجوة الرهيبة التى لن تضيق مطلقا إذا بقى الوضع على ما هو عليه .

وعلى هذا الأساس أصبحت جيوش أوربا غير قادرة على الاستجابة للمهام الاستراتيجية المنوطة بالحلف حتى داخل الرقعة الجغرافية فى اوربا ( والدليل على ذلك ما حدث فى البوسنة وكوسوفو حيث لم تستطع القوات الأوربية مجتمعة وقف تلك الحروب ، بل ان قوات الاتحاد الاوربى وجدت صعوبات بالغة فى إرسال 50 ألف جندي الى البلقان  وهو ما يعنى تخلف قدرة النقل الإستراتيجي الاوربى ، اضافة الى تخلف القصف الجوى الإستراتيجي بكل أنواعه حتى الهليوكوبتر الهجومية مع عدم وجود أنظمة دفاعية متطورة مضادة للصواريخ  ، ولعل ذلك هو ما دفع الولايات المتحدة الى التدخل حفاظا على أمن واستقرار أوربا) .     لذلك فان اوربا ستظل لفترة طويلة فى حاجة ماسة الى الولايات المتحدة الامريكية فى كل عملية انتشار سريع للحفاظ على الأمن الاوربى . فى نفس الوقت لن تسمح واشنطن بسد الفجوة التكنولوجية بين قواتها المسلحة وأوربا والسبب فى ذلك ببساطة شديدة هو ان واشنطن تخشى من تسرب تلك التكنولوجيا المتطورة الى أصدقاء دول أوربا من الدول المارقة نظير اغراءات مادية هائلة وهو ما حدث بالفعل فى السابق .

دعم أمريكي غير محدود لتركيا للحد من النفوذ الإيراني بمنطقة آسيا الوسطى والخليج:

تعود الخلافات الامريكية الأوربية التى تتزعمها فرنسا فى واقع الأمر الى اعتماد الادارة الامريكية (بعد أحداث كوسوفو والبوسنة) على قواتها المسلحة بشكل أساسي بعد ان تبين لها ضعف إمكانيات القوات الأوربية التى لم تعد قادرة على مسايرة حركة ونشاط القوات الامريكية فى المناطق الملتهبة او حتى داخل أوربا ، ذلك فضلا عن المطالب الأوربية المتزايدة خاصة من قبل فرنسا التى تنادى بالحصول على حصص متساوية مع واشنطن . لذلك قررت واشنطن الى الاعتماد المتزايد على قدراتها العسكرية اضافة الى اسرائيل فى منطقة الشرق العربى ثم  التركيز بقوة على التواجد التركى فى منطقة آسيا الوسطى والخليج  خاصة وان هاتين الدولتين أصبحتا تشكلان جزءا من المحور الامريكى الجديد بالإضافة الى التواجد الامريكى بقوة فى أفغانستان للسيطرة على منطقة القوقاز مع الاحتفاظ بالاتحاد الاوربى وقواته باعتباره قلب أمريكا النابض ( مع مراعاة تقليم أظافر فرنسا التى تعد بمثابة صداع بسيط لواشنطن من حين لآخر والتى يسهل التعامل معها فى كل الأوقات ).

وترى واشطن ضرورة دعم التواجد التركى منطقة أوراسيا باعتبار الأتراك اكثر قبولا لشعوب المنطقة من الايرانيين خاصة وان حكومات أنقرة ترتبط تاريخيا ودينيا ولغويا بدول تلك المنطقة خاصة دول بحر قزوين وعلى رأسها أذربيجان حيث ساهمت حكومة انقرة مساهمة فعالة فى الضغط على نظام أذربيجان للموافقة على إقامة قاعدة عسكرية أمريكية فى أراضيها ، اضافة الى التواجد الامريكى بدعم ومساندة تركية فى كل من اوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان حيث توجد قواعد أمريكية فى تلك الدول ومنها قاعدة كوسكا فى تركمانستان وقاعدة ترمز فى اوزبكستان وأخرى فى طاجيكستان (ولعل ذلك يثير مخاوف روسيا من امتداد وتشعب النفوذ التركى ومن خلفه الامريكى الى الحدود الجنوبية لروسيا الاتحادية) . وعليه فان واشنطن تعتمد بشكل مباشر الآن على كل من تركيا وإسرائيل ثم فى مرحلة لاحقة على العراق وأفغانستان من أجل تطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذى تسانده وتدعمه بقوة دول شرق آسيا وعلى رأسها اليابان وكوريا الجنوبية ، اضافة الى الدعم الغير محدود لذلك المشروع من قبل الاتحاد الاوربى.

ويشير تقرير للاستخبارات الامريكية الى ضرورة دعم منطقة جنوب القوقاز ووسط آسيا . ويوضح التقرير انه لكي يتحقق ذلك لابد من دعم تركيا فى منطقة وسط آسيا حتى يتفوق الوجود التركى على نظيره الإيراني . فى نفس الوقت يشدد تقرير الاستخبارات الامريكية على ضرورة قيام واشنطن بإستخدام نفوذها فى الاتحاد الاوربى حتى تنضم تركيا لدول الاتحاد خاصة وان ما تقوم به تركيا لصالح أمريكا والاتحاد الاوربى فى منطقة آسيا الوسطى يفوق ما يقوم به عدد كبير من دول الاتحاد الاوربى .  ويطالب التقرير بدعم واشنطن للمطالب التركية الخاصة بإنشاء خط أنابيب لها من ( باكو ) بأذربيجان الى الساحل التركى ( سيهان) المطل على البحر المتوسط باعتباره منفذا لاحتياطي الطاقة فى بحر قزوين.

ايران ترفض تنفيذ بنود معاهدة حظر إجراء التجارب النووية:

فى 10 مارس 2002 رفضت حكومة طهران ان تعطى اى بيانات لمحطة الرصد التابعة للامم المتحدة والخاصة بالمعاهدة الدولية للحظر الشامل على إجراء التجارب النووية التى أنشئت فى عام 1996،  وقد عللت ايران أن المعاهدة لم تدخل حيز التنفيذ بعد ، ومن ثم فان طهران غير ملزمة قانونا بإعطاء تلك البيانات . والمعروف ان هذه المعاهدة تهدف الى منع إجراء التجارب على الأسلحة والمواد النووية تمهيدا الى نزع السلاح النووي من العالم من اجل تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين . وتستند ايران فى رفضها التعاون مع محطة رصد البيانات الى عدد من النقاط الرئيسية أهمها:

-  تعتقد ايران ان الولايات المتحدة تهدف الى تطويع تلك المعاهدة الجديدة لاستخدامها فى التجسس على الدول التى وقعت عليها، خاصة الدول التى ترى واشنطن انها تمثل محور الشر(مثل ايران وكوريا الشمالية والعراق قبل سقوط صدام حسين).

-  انه على الرغم من توقيع 165 دولة على المعاهدة(بينهم غالبية الدول الإسلامية والعربية) فانه لم يصدق عليها سوى 89 دولة فقط، ويلاحظ ان هناك 13 دولة تمتلك القدرات النووية الهائلة لم تصدق علي المعاهدة بعد ، وتأتى الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وإنجلترا والصين وروسيا وإسرائيل فى مقدمة تلك الدول الـ 13 .

-  أن الادارة الامريكية فاجأت العالم عام 2001 بانسحابها من تمويل نظام التفتيش على المواقع ، ثم إعلان واشنطن بعدم التصديق على المعاهدة مما يعنى ضمنيا تخليها عن التزامها .

*********

(4)

مجلس الشيوخ الامريكى يطالب بدعم

المعارضة والمنظمات الإيرانية غير الحكومية

جوزيف بايدن رئيس لجنة العلاقات الخارجية

فى 13 مارس عام 2002 عرض السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ على الادارة الامريكية مشروعه الخاص بالسماح للمنظمات والهيئات غير الحكومية الامريكية بدعم المعارضة الإيرانية التى تعيش خارج ايران ، اضافة الى تمويل الجماعات التى تعمل فى مجالات النشاط الاجتماعي والديمقراطي داخل ايران خاصة المنظمات غير الحكومية . فى نفس الوقت طالب بايدن بأن تواصل الادارة الامريكية العمل مع طهران فى المسائل ذات المصلحة المتبادلة وألا تعرقل واشنطن مسعى حكومة طهران فى الانضمام الى منظمة التجارة العالمية . كما طالب بايدن الادارة الامريكية بأن تساعد حكومة طهران بطرق غير مباشرة فى مجال إغاثة اللاجئين خاصة وان لدى ايران أعدادا هائلة من اللاجئين الأفغان والعراقيين الفارين من نظام صدام حسين ، أيضا دعم  ايران فى مجال مكافحة تهريب المخدرات وذلك بعد أن دفعت ثمنا فادحا بالدم والمال فى مكافحة مهربي المخدرات بمنطقة الحدود الشرقية ، ثم تشجيع تبادل الزيارات بين المواطنين فى كل من ايران والولايات المتحدة .

بريجينسكى خبير الأمن القومي الأمريكي

فى الوقت ذاته وضعت المخابرات الامريكية تقريرا هاما أمام الادارة الامريكية ركزت فيه على مشروع بريجينسكى مستشار الامن القومي الامريكى الأسبق جاء فيه: انه ليس من مصلحة الولايات المتحدة الامريكية إطالة أمد العداء الإيراني الامريكى ، وان أية مصالحة يتم التوصل إليها لابد وان تقوم على اعتراف البلدين بمصلحتهما الاستراتيجية المتبادلة والمتمثلة فى استقرار تلك البيئة الإقليمية المتقلبة التى توجد بها ايران . ويشدد التقرير على انه من الأفضل للمصالح الامريكية على المدى البعيد ان تعمل واشنطن على إحداث نوع من التعاون الاقتصادي بين تركيا وايران خاصة فى مجال إنشاء خطوط أنابيب النفط الجديدة من أذربيجان وتركمانستان مارة بأراضي كل من ايران وتركيا على أن تقوم واشنطن بالمشاركة المالية  فى مثل تلك المشروعات التى ستعود حتما بالنفع على الولايات المتحدة الامريكية .

ارتفاع سقف المعارضة الإيرانية داخل أمريكا:

فى نفس اليوم ( 13 مارس 2002 ) قامت واشنطن باستدعاء زعماء المعارضة الإيرانية فى واشنطن وتم عقد مؤتمر صحفى أعلنت فيه المعارضة أخبارا من النوع الثقيل تضمنت الآتي : (1) انه يوجد داخل ايران برنامج سرى يضم منشأة نووية فى منطقة (عبالى) القريبة من مدينة اصفهان .    (2) كما يوجد أيضا منشأة سرية أخرى فى منطقة (ناتانز) الواقعة على بعد 40 كيلو مترا من مدينة (كاشان) ، وقد بدأ العمل بها فى أوائل عام 2001 ويوجد بها حوالي خمسة آلاف آلة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم .  (3) تم   أيضا الإعلان عن وجود منشأة سرية ثالثة فى منطقة (أراك) على بعد 150 كيلو مترا من العاصمة طهران ، وقد أنشئت فى عام 1996 ويتركز عملها فى إنتاج الماء الثقيل .

الرئيس الإيراني يعلن استعداد بلاده للحوار مع واشنطن:

فى 14 مارس 2002 أعلن الرئيس الإيراني محمد خاتمي أن طهران مستعدة للحوار مع الولايات المتحدة على الرغم من قيام الرئيس بوش بإدراج ايران ضمن محور الشر. وشدد خاتمي على ادانة مصطلح محور الشر الذى أطلقه الرئيس بوش ، مشيرا إلى أن عبارات القذف وإطلاق صفات سيئة على الطرف الآخر لا يؤدى الى انطلاقة جيدة للحوار. وطالب خاتمى من الأميركيين ان لا يحولوا الاختلافات في وجهات النظر إلى عداوة ، وأكد خاتمى على أن مفتاح الحوار أصبح الآن بيد الأميركيين .  فى نفس الوقت أكد الرئيس الإيراني ان طهران ستظل مستعدة لإجراء مباحثات مع واشنطن إذا أبدت الأخيرة حسن نيتها .

(يلاحظ أن الرئيس خاتمي تقدم بمثل هذا الاقتراح ، وانه شدد على أن الأمر يتعلق بعرض حقيقي للحوار... وهو ما يعنى أن هناك شىء ما قادم وأن طهران متجاوبة مع واشنطن فيما هو آت).

دعوة أميركية مماثلة للحوار:

وفى مساء نفس اليوم 14 مارس 2002 عاد للظهور مرة ثانية رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جوزيف بايدن واقترح أمام مجلس العلاقات الإيرانية الأميركية فكرة عقد اجتماعات مع برلمانيين إيرانيين في واشنطن أو أي مكان آخر للوصول الى اتفاق مصالح مشترك ، كما حث الرئيس بوش على إجراء نقاش مع طهران بخصوص مستقبل العراق داعيا الإدارة الأميركية إلى تفهم احتياجات إيران الأمنية .  وقال بايدن أن اقتراحه يهدف إلى مساعدة أولئك الراغبين بإحداث تغيير في إيران، وشدد على استعداده لاستقبال أعضاء من البرلمان الإيراني متى رغبوا في القيام بزيارة للولايات المتحدة . 

وفيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني فقد شدد بايدن على أن هناك مخاوف أمريكية فعلية بشأن برنامج إيران الخاص بأسلحة الدمار الشامل بالشرق الأوسط. وقال : مهما كانت دوافع إيران حول بناء برنامجها النووي فإنه يتعين على الولايات المتحدة أن تعطي الأولوية القصوى لمنع إيران من اكتساب مثل هذه القدرات النووية الخطيرة التى قد تؤدى الى زعزعة الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط ككل .

فى نفس الوقت دعا بايدن الادارة الامريكية إلى مراعاة الاحتياجات الأمنية لإيران عندما قال إن الولايات المتحدة لا يمكنها ببساطة أن تتجاهل اعتبارات الأمن لإيران ، كما يتعين علي واشنطن أن تكون مستعدة للتحدث مع إيران عن حلول مبتكرة مثلما فعلت مع كوريا الشمالية (في إشارة إلى اتفاق واشنطن مع بيونج يانج بشأن تجميد البرنامج النووي ) .