لقاء الأحبة
الورثة والوريث......
في ربوع تركية الخضراء..
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
إنه الأول من حزيران , في أول أيام الصيف , قدم الرجل لتركية منذ عدة شهور وتنقل بين ربوعها ومناظرها الخلابة
عندما ينتهي الموسم الدراسي , مضيق البوسفور رائع جدا إنه منظر خلاب , كم ستفرحين يا بنتي الصغيرة لأول لقاء تلتقين بي منذ أن ولدت لقد أصبح عمرك سبع سنين
والكبيرة التي تحلم بهذا المكان وهي تراه , أرادوا القدوم في الشتاء , فطلبت منهم تأجيل اللقاء للصيف حتى لايعكر لقاؤنا رياح وبرد الشتاء
وحل بي المطاف في مدينة أخرى , جميلة أيضا ولكن أين جمالها من مدينة استنبول
وبحثت عن البيوت والتي تتسع لضيافة العائلة هذا يصلح وذاك لا , حتى استقر بي الرأي لبيت واسع وجميل أستقبل به أولادي لشهر أو يزيد
وجاء الصيف وحلت الذكرى , وجاءني الخبر السعيد
نحن وصلنا موقف الباصات ياوالدي تعالى وخذنا
ذهبت للمكان مهرولا وفي الطريق
فرحا والدموع تكاد تخرج من نبع النيل
من أحضن أولا, وماذا يلبسون من ثياب جميلة فاخرة تليق بهذا اللقاء بعد الإنتظار المديد
ياه..... إنها سبع سنوات وثلاثة أشهر
طويلة جدا
كم سيحكوا لي من جميل الكلام ومن لوعة الشوق والحنين
كم من شكوى ستقدم إلي من كل ثغر
لايهم المهم هو اللقاء الجميل
البيت واسع وفرشه يليق حتى بالأمراء وهل فرش فندق بلاس خير منه لا أبدا , أجمل منه بالكثير الكثير
ووصلت لعندهم مسرعا , وعلي أفخم الثياب , وشعري مسرح ومعمول كأنه حرير
كأنني في ليلة عرس هاهنا لي وليس لأحد كان قريبا أو بعيد
وتوسطت الجمع كلهم وانهالوا علي تقبيل وجذب وشد كل نفر منهم يريد تعويض المزيد والمزيد
ومع أن ظهري مفتق بثلاث فتوقات , والحركة صعبة جدا , ولكن في هذا الموقف عدت شابا من جديد
ميسور الحال الحمد لله , وكنت قد استأجرت سيارة من نوع همر لكي تسع الربع كلهم
وصعدنا السيارة سوية , وبدأنا نضحك جميعا مع غصات ودموع فرح من شدة الشوق واللقاء بين أحضان الطبيعة وفي البلد الجميل
وأول شيء كان في خطتي
الذهاب للبيت فهو عبارة عن فيلا وفيها الخدم , لكي لايعكر اللقاء بيني وبينهم أي عمل في هذا البيت السعيد
فالكبار منهم والوسط والصغار نسوا عمرهم ومعهم أنا وأخذنا نمرح بلعب رائعة وأنا بينهم سارية خفاقة وهم حولي فراشات من كل ورد وزهر جميل
وبعد أن أزالوا عنهم تعب السفر وفرحة اللقاء وذهبنا للنوم
ولكن من يستطيع النوم ؟
كنت قد هيأت لكل مجموعة غرفة تليق بها , فتركوا كل ذلك والتفوا حولي
وكان التعب ألم بي من كثرة الأسئلة والأجوبة والقبلات
ولكن مع كل تلك الفرحة الكبرى
كان مايزال في النفس غصة وألما
فالشجرة الأصيلة والمنبت الطيب والزوجة الصالحة والحبيبة لم تكن مع الوفد السعيد
واستعدت ذكرى طفولتهم كلها والصغيرة نامت على صدري وتوزعوا على جسمي كل مولود منهم يريد أن يستعيض شيئا من الشوق العتيق والجديد
تخيلت نفسي في زنزانة قديمة كنا ننام فيها هكذا
كتلة بشرية في مكان صغير
ولكن الفارق كبيرا جدا
ونمت نوما جميلا لم أحظى به من زمان بعيد
وعندما صحوت من نومي , وقبل أن أفتح عيني تلمست الصغيرة على صدري فلم أحس بها , حركت قدمي برفق فلم تشعرني بشيء يسكن جنبي
فركت عينيا وتلفت يمينا وشمالا فلم أر أحدا
ماهذه الغرفة الحقيرة التي أنام فيها؟
سألت نفسيي
أين القصر الذي كنا فيه
ولكن لم يدم التساؤل كثيرا
أعيش في فندق حقير لرخصه وغرفة حقيرة ريحتها تشمئز منها كل نفس
رجعت لواقعي وقلت لنفسي معاتبا
لماذا تضحكين علي ؟
فقالت أحببت أن أخفف عنك لحظة
ولذلك جعلت الأمر كله
قلت لها لاتتكملي , فلن نلتق أبدا
وما هو إلا مجرد حلم لأب قد هده الشوق والحنين