قبل فوات الأوان
قبل فوات الأوان
د.محمد بسام يوسف
*أمران لافتان، يمكن اعتبارهما معاً مؤشّراً أساسياً على تطوّراتٍ لا تخلو من الخطورة، تتعلّق بالوضع السوريّ، وتداعياته المؤثّرة على المنطقة العربية كلها:
أ- داخلياً: اشتداد حملات القمع التي يرتكبها نظام العصابة الأسدية بحق أبناء الشعب السوريّ، وبخاصةٍ ضد قيادات المعارضة الداخلية المتمثلة في تجمّع إعلان دمشق، واستهتار النظام الذي تجلى بانتهاك الحقوق الإنسانية وإخضاع بعض القيادات المعارِضة إلى حملات التعذيب والامتهان.. واستمرار هذا النظام بنهجه القمعيّ الثابت ضد أبناء وطنه، وما يرافق ذلك من اشتداد حالة الاحتقان الداخليّ.
ب- خارجياً: لَعِب النظام الأسديّ -المدعوم إيرانياً- على المكشوف في الساحة اللبنانية، وتحدّيه السافر في ذلك للإجماع العربيّ، وللمجتمع الدوليّ، بل استمراره في النهج الإرهابيّ الإجراميّ، الذي تجلى مؤخّراً بتنفيذ عمليات التفجير واغتيال شخصيّتَيْن هامّتيْن في الجيش والأمن اللبنانيَّيْن: (اللواء فرانسوا الحاج)، مدير دائرة العمليات والمرشّح لمنصب قيادة الجيش.. و(الرائد وسام عيد)، المسؤول في شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخليّ اللبنانيّ، الذي كشف علاقة مدير المخابرات العسكرية السورية (آصف شوكت) بتنظيم العميل (شاكر العبسي) المسمى بـ (فتح الإسلام).
مؤخّراً، ارتفعت وتيرة القمع الداخليّ بالتزامن مع اشتداد التطوّرات سوءاً في لبنان، التي يحرّكها النظام الأسديّ بالتنسيق مع حلفائه وأزلامه اللبنانيين، ومع سادته الفرس، الذين يعبثون بالوضع السوريّ واللبنانيّ لمصلحة تحقيق مشروعهم الفارسيّ الشيعيّ المشبوه.. ويبدو أنّ تهديد بشار أسد بتفجير الأوضاع طائفياً من (بحر قزوين إلى البحر المتوسّط).. قد دخل مرحلة التنفيذ، من خلال إثارة الفوضى والاضطراب والصدام ما بين (حزب خامنئي اللبناني) و(حركة أمل الشيعية) من جهة.. والجيش اللبناني الذي يمثّل الدولة اللبنانية المستقلة من جهةٍ ثانية، ونعتقد أنّ أحداث العنف والاستفزاز هذه، هي الخطوة الأولى لتفجير الأوضاع اللبنانية، تمهيداً لتطويرها إلى حربٍ أهليةٍ داخلية، تُحرّكها الأصابع الفارسية الطائفية، وتنفّذها الأصابع الطائفية الأسدية وأدواتها اللبنانية.
ما تزال الأنظمة العربية تتملّق نظام العصابة الأسدية من جهة، وتتصرّف بخجلٍ ووجلٍ شديدَيْن مع الخطر الفارسيّ الطائفيّ، وما تزال الجامعة العربية –على الرغم من كشفها واكتشافها لحقيقة الدور المشبوه للنظامَيْن الإيرانيّ والسوريّ- تتصرّف وكأن شيئاً من التطوّرات الخطيرة لم يقع!.. وما يزال المجتمع الدوليّ يخضع للعرقلة (الإسرائيلية) تجاه اتخاذ أي إجراءٍ جدّيٍ بحق النظامَيْن الإجراميَّيْن، اللذين يشكّلان سور الحماية للكيان الصهيونيّ، على الرغم من الجعجعة الفارغة التي يقومان بالتظاهر بها تجاه ذلك الكيان، وهذا بطبيعة الحال لم يعد خافياً، وبخاصةٍ حقيقة الموقف الصهيونيّ من نظام العصابة الأسدية، التي انكشفت علاقتها المشبوهة مع (إسرائيل)، وانكشفت حقيقة كونها خياراً إسرائيلياً بامتياز.
الأوضاع المتفجّرة في سورية، وتلك التي في لبنان، وتطوّرها إلى درجةٍ شديدةٍ من القمع، أو من الصدام الدمويّ.. تشكّل لَغَماً متفجّراً في سورية، ومشروعَ حربٍ أهليةٍ في لبنان، لن ينجو منهما أي بلدٍ عربيّ، بل في خطط أطراف المحور الأسديّ الفارسيّ الطائفيّ ورؤيتهم.. سينجو نظام أسد وحلفاؤه فحسب، من عواقب المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الحريري.. وإنّ استيعاب هذه الحقيقة، يتطلّب موقفاً عربياً ودولياً حازماً صارماً من نظام الزمرة الأسدية المارقة، بعيداً عن التجاهل أو التسويف أو لعبة (صفّ الكلمات) الخاصة بحقوق الإنسان، التي تتناثر ضمن سلسلةٍ من التصريحات الكلامية الفارغة، فلا تزيد نظام القمع والاستبداد إلا إصراراً على التحدّي السافر، وعلى ممارسة المزيد من الاستهتار وعمليات الولوغ في دماء شعبنا داخل سورية ولبنان معاً، الأمر الذي سينعكس خطراً داهماً على المنطقة كلها، ولن ينجو منها أحد، حتى أولئك الذين يستخدمهم نظام القمع وسطاء دوليّين، أو أولئك الذين يُسخّرهم لتلميع وجهه الكريه، أو أولئك الذين دسّهم في جيبه ورقةً مبتذَلة، وجعل منها ساريةً لشعاراته الفارغة في (الممانعة)، ودريئةَ حمايةٍ لمصالحه واستمراره في التسلّط والاستبداد والإجرام والخداع والاضطهاد، بحق شعبنا السوريّ وأشقائنا اللبنانيين.
*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام