تحية للاعب أبي تريكة من طلابي الأشقياء

تحية للاعب أبي تريكة من طلابي الأشقياء

خليل الصمادي

[email protected]

عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/ الرياض

 لم أهتم في أيامنا هذه بالرياضة وأهلها بالرغم من أنني مارستها لاعبا ومدرسا ردحا من الزمن  لم أتركها كسلا أو وهنًا، وإنما بسبب انشغالي بقضايا اللغة والتدريس وهموم الأمة ولا سيما في مجتمعنا الفلسطيني.

 لفت انتباهي اليوم إعجاب طلابي في المرحلتين الثانوية والمتوسطة بتصرف اللاعب المصري محمد أبو تريكة وسرعان ما استقبلني طلابي بالخبر وقبل أن أعرفه ، حاولت إسكاتهم ظنا مني أنهم يريدون إضاعة درس اللغة العربية بالحديث عن الرياضة وخاصة كرة القدم التي يعشقونها ، لكنهم لم يسكتوا لأنهم يعرفون مسبقا أنني سأعجب بهذا الخبر.

 حاولت إسكاتهم والشروع مباشرة في الدرس.

 صرخ أحدهم :" أستاذ شفت أبو تريكة " عندما أدخل الهدف الثاني على السودان.

ـ  يا أبنائي دعونا نستوعب درس المنادى .

 ـ رد آخر :أستاذ أخذ إنذار من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم.

ـ طيب وما علاقة الدرس بهذا.

أجاب إياد : أستاذ لأنه بعد تسجيل الهدف رفع قميصه وكشف عن شعار " انصروا أهل غزة "

نعم ماذا تقولون؟ ومن أبو تريكة هذا؟ ومتى كانت المباراة ؟ وفي أي دولة؟

فرح الطلاب أيما فرح وهم يتبارون في إعطاء المعلومات عن أبي تريكة ولا سيما بعد أن وجدوا اهتماما مني بالموضوع وكادوا ينسون درس المنادى ، ربما لأنهم يعرفون في قرارة أنفسهم البيت الشعري الشهير:

أسمعت لو نايت حيا  لا حياة لمن تنادي ،

سألني أحدهم أستاذ ماذا ستفعل ؟

قلت لهم من لا يشكر الناس لا يشكر الله، إن شاء الله في هذا اليوم وبعد عودتي للمنزل سأرسل إعجابي للأخ اللاعب ـ الذي أطلب منه أن يعذرني لعدم معرفتي به مسبقا ـ  وسأكتب مقالا أشيد بدوره وهذا أضعف الإيمان،

صاح محمد: أبلغه سلامنا أستاذ

قلت له : حبا وكرمة.

قال أحمد:  وكيف نستطيع نحن معاشر الطلاب أن ننصر أهل غزة.

قلت لهم:  كل من موقعه وبقدر استطاعته فأنتم مثلا بجدكم واجتهادكم وانتباهكم للدرس الذي سأشرحه لكم، تنصرون لأنفسكم ولأمتكم لأنكم ستصبحون متعلمين مثقفين تغيظون أعداءكم.

   لا شك أن اللاعب المذكور استطاع أن يجاهد بما يملك من قوة أو مزايا من موقعه، فقد أوصل رسالة لجميع الرياضيين ومشجعي الرياضة وما أكثرهم أنه مع غزة وأهلها وبهذا التصرف حاز إعجاب الناس لا سيما شبابنا الذين كادوا ينسون المجازر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من اليهود وأعوانهم وكذا الوحشية التي عانى منها الأهل في غزة بسبب الحصار الظالم.

وفي هذه المناسبة التي أسجل فيها أسمى أيات التقدير والإعجاب والشكر للاعب الفذ محمد أبو تريكة وللشعب المصري الأبي الذي وقف معنا  بكل أطيافه من الأمير للخفير ولي همسة لنجوم العرب والمسلمين من فنانيين رياضيين أن يثبتوا انتمائهم لهذه الأمة، وأن يشاركوا شعوبهم أفراحها وأتراحها وكل من موقعه ، فالرسام يستطيع أن يوصل رسالته للمهتمين بالرسم، والمغني أو المنشد يستطيع أن يرفع الظلم عن المقهورين بأغنية جميلة ،والممثل يستطيع أن يجسد دور البطولة لشخصية جهادية، تنال إعجاب الكثيرين، وكذا الخطباء والعلماء والدعاة والمربون .

  فأجزم أن تصرف أبي تريكة ترك أثرا كبيرا لدى قطاع كبير من الشباب أبلغ وأسمى من آلاف المقالات والخطب الرنانة فمنذ بداية الحصار وبالرغم من حث الشباب على التفاعل مع الأحداث السياسية إلا أن الاستجابة لم تكن كمثل هذا اليوم . ولا أظن أن الطلاب خبثاء يعرفون أن لا فائدة من درس المنادى فأحبوا أن يحولوا مجراه إلى الرياضة لأنهم ملوا من درس القواعد السابق "الأفعال الماضية الجامدة" والتي كادت تقتصر أمثلتها على أفعال الذم دون المدح لأننا كدنا أن نصرف أفعال الذم الماضية إلى الحاضر ونعفيها من الجمود.

فلولا هذه المواقف البطولية التي ترجمتها الأمة بكل أطيافها لأصابنا الجمود في كل حياتنا والخذلان في عيشنا، فنعم بطلا شعب الكنانة ، ونعم من سخر فنه من أجل قضايا الأمة، وحبذا لاعب الأمة محمد أبو تريكة ، وبئس ما قام به العدو، ولا حبذا الحصار الجائر، وساء العمل إغماط الناس حقهم وبئس الكاتب الذي يحبط الأمة .

 ولا أظن أن أبا تريكة قد هزه هذا الإنذار بل أرى أنه وسام علق على صدره فقد رفع الله به ذكره، ولا شك أن هذه البطاقة الصفراء التي رفعت بوجهه كانت صفحات خضراء وبيضاء ناصعة اخترقت قلوب الكثيرين،  وها أنا مدرس اللغة العربية أبحث عن أخباره في عالم الأنترنت معجبا وشاكرا وأبحث عن موقع أو بريد الكتروني يخصه لأزف له إعجابي وشكري وأظن أن الآلاف غيري يفعلون ذلك، ولا ضر إنذار أو عشرة لأن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس فيمكث في الأرض والقلوب.

فتحية للأخ محمد أبو تريكة مرة أخرى مني ومن طلابي الأشقياء إياد ومحمد وجون وحسن وجاد وفيليب وعلي وشريف  وغيرهم الذين وعدتهم بشكره نيابة عنهم وتحية لكل من سخر دعاءه و قلمه وفنه وريشته وحتى كرته من أجل رفع الحصار عن أهلنا في غزة .