حصار غزة: المستنقع .. والمصيدة

حصار غزة: المستنقع .. والمصيدة

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يقول الكاتب الصهيوني يوئيل ماركوس في جريدة ها آرتس (25/1/2008م ) : " هل تعلمون بأنه في كامب ديفيد طلبت مصر أن يكون لها حضور في غزة ، وبيجن رفض ؟ أمنية ذلك الحين تحققت لهم هذا الأسبوع بشكل غير متوقع " ويُضيف ماركوس بأن تفجير الأسوار والجدران في رفح أقنع العالم بأنهم حقاً جوعي ، ووضع مصر أمام معضلة . وكان عشرات آلاف الغزيين على الأرض المصرية لشراء الغذاء والوقود ، فيما كان المخربون ( يقصد الفدائيين ) معفيين أخيراً من حفر الأنفاق . والآن سيكون القلق برمته لمبارك بعد إزالة الضغط الدولي عن دولة الاحتلال بوصفها مصابة بالجرائم ضد الإنسانية . ويُشير ماركوس إلى أن ارتباط حماس بالإخوان المسلمين في مصر من شأنه أن يكون تهديداً زاحفاً على نظامه (أي نظام مبارك ) !

ماركوس الصهيوني ، يعدّ من أخفّ الكتاب الصهاينة وحشية وعدوانية ، وكما نرى فهو حريص على الإيقاع بين مصر وحماس ، ويتحدث عن مستقبل المتاعب التي تنتظر مصر ، بسبب إنقاذها للأشقاء الفلسطينيين من الموت جوعاً ، كما كانت تتمنى عصابة الغزو النازي اليهودي بحصارها الوحشي الذي لم يسبق له مثيل في العالم !

بالطبع ، لم يُفكر كاتب صهيوني ، أن يقول لزعماء الكيان النازي اليهودي : ارفعوا أيديكم عن مليون ونصف مليون إنسان ، لا ذنب لهم ولا جريرة إلا إنهم فلسطينيون ، صدقوا العالم الاستعماري الوحشي ، ورضخوا لقرارات الأمم المتحدة ، فجرى لهم هذا الحصار القاتل الذي لم يستثن مريضاً  ولا جائعاً ولا طفلاً ولا شيخاً ولا امرأة .

مراجعاتي لكتابات الصهاينة الغزاة على مدى الأسبوع الماضي ، كانت في مجملها تكشف عن دهاء إجرامي يحاول إقناع العالم ، بأن ما حدث للفلسطينيين من تجويع وقتل بطيء ، ما هو إلا دعاية فلسطينية أمام شاشات التلفزيون ، وإن كان الإنصاف يقتضى أن نذكر أن بعضهم لم يعجبه أسلوب الحصار ، وكان يفضل عليه أساليب أخرى ( ما هي .. ؟ لم يقل لنا ) . ويعتقد " يوسى سريد " عضو الكنيست ( ها آرتس في  24 / 1/2008م ) ، أنه من الأجدر ولو بالصدفة إجراء مقابلة مع الشخص الذي أنزل المفتاح ليغمر غزة بالظلام ، ماذا شعر عندما قُطع التيار ؟ ويُجيب سريد عن هذا الشخص : لقد شعر برجفة خفيفة من المحرك وأنه قد ارتجف واهتز للحظة قبل أن تتوقف كليا !  ومع ذلك فالكاتب المذكور – وهو يساري يعوّل عليه الشيوعيون العرب كثيراً في إقناع المسئولين هناك بالسلام – يشبه الفلسطينيين بفئران المجارى التي لا تتأثر بانقطاع الكهرباء ، وأن دعايتهم تخدع العالم !

ومن أطرف ألوان الدهاء النازي اليهودي ما كتبه جاد شمرون في معار يف 24 /1/2008م ، حين ذكر أن غزة تعد في نعيم إذا قورنت بمسلمي بورما ( ميانيمار ) ، ثم يتهم الكاتب النازي اليهودي العالم بالنفاق . ومسلمو ميانيمار ويسمون ( الروهينجا ) يبلغون نحو مليون شخص ، اضطهدتهم الحكومة العسكرية في رانجون ، ومن قبلهم الخمير الحمر وهجّرت كثيراً منهم إلى بنجلاديش بعد مذابح عديدة !

وفى كل الأحوال ، فقد اعترفت الصحف النازية اليهودية في فلسطين المحتلة ، بفشل الحصار ، وانتصار شعب غزة ، بهدم الجدار الذي بناه جنود الغزو النازي اليهودي بالعرق والمعاناة ! وبعد أن كان " أولمرت " يقول للفلسطينيين : امشوا على أرجلكم ، أو اركبوا الحمير ، فقد عادت الروح إلى غزة ، وتعانق الشعب الفلسطيني والشعب المصري ، ووجد الفلسطينيون الماء والطعام والدواء والوقود ، بعد أن حرمهم الغزاة النازيون اليهود منه طويلاً ، ظناً بأن الحصار سيدفعهم إلى الاستسلام ، ورفع الرايات البيضاء .

وقد بدأ الغزاة النازيون اليهود يخرجون ما في جعبتهم من مكر وخداع ووقيعة ، وكان أبرز ما صدروه إلى العالم وفى مقدمته مصر ، أن الفلسطينيين قد احتلوا شريطاً في سيناء بطول 25كم ، وعرض 20 كم ، لتنطلق منه القاعدة والاستشهاد يون إلى النقب ومدنها ، وأنهم سيساومون مصر على هذا الشريط ، مقابل رفع الحصار وأشياء أخرى ، وانساق البعض في مصر وراء المكر اليهودي الخبيث ، وتعالت الصيحات أدركوا سيناء التي ستكون وطناً بديلا للفلسطينيين ، وتطوع البعض بتشبيه الأمر بما حلم به هرتزل قبل قرن من الزمان عن إقامة وطن لليهود في فلسطين ولم يصدقه أحد يومها ، حتى صار الحلم حقيقة ، وكأن مصر والعرب جثة هامدة ، وستبقى مجمدة في ثلاجة التخلف والهزيمة إلى الأبد !

والمفارقة أن اليهود النازيين الغزاة أنفسهم يعترفون بإنجازات العرب ، ومنهم الفلسطينيون ضد كيان الغزو النازي اليهودي ، ويعترف " عوفر شيلح " في معار يف 25/1/2008م ، بأن الاحتلال النازي اليهودي في لبنان كان مستنقعاً لجيش الدفاع ، وأن غزة صارت اليوم مصيدة لهذا الجيش الذي يؤمن – حسب وصفه – بالصبر والسحق التدريجي للأعشاب ( يقصد المقاومة ) . عملية تتلوها عملية ، واغتيالا يتلوه آخر ، ولكنه لا يحقق الانتصار أبداً ، بل تزداد خسائره ، ويذكّر الكاتب بلجنة " فينو جراد " التي تحقق في إخفاق هذا الجيش في لبنان ، وأن قراراتها التي ستصدر اليوم ( الأربعاء  30/1/2008م )  قد تطيح بأولمرت وزمرته الحاكمة ، مما سيؤدى إلى انتخابات جديدة ، وستنتظر غزة صبورة كعادتها دون أن تتأثر بتغيير قادة الكيان – لتكون مصيدة للجيش وجنوده !

من المؤكد ، أن تهويل البعض عندنا ، وحملتهم الرخيصة على حماس والمقاومة الإسلامية الباسلة في فلسطين ، لن يؤثر في صمود شعب غزة والضفة والفلسطينيين داخل الخط الأخضر ، بل سيزيدهم إصراراً على الصبر والانتظار ليكونوا مصيدة حقيقية ، وليفجروا الجدران على الجانب الآخر بجوار الخط الأخضر ، وليُطلقوا سراح شعبهم الأسير من قبضة النازيين اليهود الغزاة !

إن حماية الفلسطينيين ، وإنقاذهم من الموت خنقا بالحصار واجب مصري وعربي وإسلامي ، ومصر – كما كانت دائماً في المقدمة – والشعب المصري يعلم جيداً أن فلسطين في قلب الأمن القومي المصري ، والدفاع عنها دفاع عن مصر ، أما ما يقوم  به بعض المتعاونين ، الكبار والصغار في السلطة وجهاز الأمن الوقائي من تحرشات ، ومحاولة جرّ مصر إلى اشتباك مع الشعب الفلسطيني ، فلن يجديهم ، ولن يجدي سادتهم نفعا ، وبارك الله في صواريخ القسام التي لم ولن تكون عبثية كما يقول خفيف الظل والابتسامة وحبيب أولمرت وليفنى – أعنى آية الله محمود رضا عباس ميرزا –  إنها بداية الطريق الطويل لتحرير الأقصى وقبة الصخرة والإنسان الفلسطيني !