انقشع الحلم.. وفاز التحالف الإيراني
انقشع الحلم.. وفاز التحالف الإيراني
لا حرب بين إيران وأمريكا بل تحالف ضد العرب السنة
د.صالحة رحوتي
[email protected]
انعتق
العالم كله وتنفس الصعداء.. فلن تُعلن الحرب على إيران من طرف أمريكا ولا من طرف
العالم الغربي برمته. إذ اضطر الكل لحبس أنفاسه منذ مدة للجعجعة حول الموضوع،
ولتواتر تهديدات بضرب "معقل الإرهاب" وموطنه إيران.
إيران،
ذلك البلد الذي تحدى وأراد لنفسه ما هو موفور فقط للغرب ولحلفائه.. سلاح مدمر ويهدد
وجوده كل من حوله، ومن ثم لا يصح أن يملكه إلا من كان في الصف الأول مع السادة
العظام. ولعل العرب ـ السنة منهم ـ وحدهم من لم ينعتقوا، ثم وهم لم يشعروا كغيرهم
بالسلم يغزوا كياناتهم، وذلك حين وصل إلى أسماعهم الحديث عن ترك ذلك الغزو المفترض
لصالح مفاوضات وحلول سلمية بين ذلك العدو التقليدي لهم إيران وبين ذلك الحليف الذي
كان لهم وأصبح الآن عليهم أمريكا.
و
لربما فاجأهم ذلك القرار.. ثم وهدَّ صُروح أنفسهم التي أضحت هشة بفعل تتابع الهزائم
والنكسات، وبفعل صغار تضاعف الإحساس به لديهم حتى ما بقي فيهم من بذرة يمكن أن تينع
انبعاثا ورفعا للهامات.
إذ
انتشى أولئك العرب لفترات متتابعة من الزمن بكونهم ذلك المُعوَّل عليه في تلك
المنطقة الغنية بثرواتها النفطية، تلك البقعة من العالم الضروري تواجد أمريكا فيها
لتتقن حماية مصالح لها هنالك بنفسها. فالعصب المحرك لها موجود طرفه ومُنغرز في رمال
هي من مكونات تلك الأرض.
ثم
واعتقدوا أنهم سيظلون الظهر للولايات المتحدة لتستقله من أجل الوصل إلى المآل
تريده.. لكنهم استُبقوا وما استفاقوا إلا على حفيف أقلام تخترق بياض أوراق أصبحت
صكوكا شاهدة على وشائج أخرى، وتكفُل تلكم الوشائج لذلك الحليف لهم ضرب عصافير كثيرة
بحجر كان توسله يردي معهم هم عددا أقل.. وحتى عصافير أضعف وأوهن.
هي
إيران.. تلك الجمهورية التي كانت الراجمة للشيطان الأكبر أفهمت ذلك الشيطان أنها
رأس الرمح الذي يعول عليه في ضرب العدو المشترك، تلك المنظمة الإرهابية "القاعدة"،
وذلك لأن المنتمين سنة، بل وهم المكونون لذلك الجناح المُهاب الجانب المتطرف
المُرهِب من السنيين.
واستوعبت أمريكا الإشارة وحفظت الدرس، وفعلت ذلك بعد أن قتل أكاديميوها وعلماؤها
الفروق بين الشيعة والسنة بحثا. وبعد أن غاص باحثوها ومستشرقوها في عمق المصادر
المعنية بالفرق الإسلامية تنقيبا.. وبعد أن اكتشفوا أن للأحقاد بين الجانبين ألسنة
لهب ما زالت متطاولة، ولو أن الشرارة انطلقت منذ تلك الحقبة الغائرة في ذلك الزمن
البعيد.
فالإسلام ليس "واحدا موحدا"، هذا ما أميط لهم النقاب عنه. وليس كله الخطر على
الغرب، هذا ما استيقنوا منه. إذ هنالك من المحسوبين عليه من الشيعة من يرى فيها هي
زعيمة الغرب شرا أقل من عدوهم التقليدي أهل السنة.. أولئك الذين تناسلت هُوَّات
وأُدرجت وهدات وتفاقمت عداوات بينهما وبينهم بفعل تاريخ قديم وحتى معاصر، مازال
القاني يتبحج بأنه يمرق من بين الكلمات والأسطر التي خطت بها فقرات أسفاره وأبواب
وفصول كتبه.
والشيعة في واد والسنة في آخر، و
هذا ما
لم يكن البادي والظاهر للعيان في البلدان العربية لانتكاسة كانت للهوية الدينية
بفعل العلمانية طغت فيما مضى من الزمن الحديث.. لكن العلائق التي ظهرت بيارقها
خفاقة الآن بين إيران وأتباعها من الشيعة العرب كانت قائمة، وحتى كانت اللبنات
تُرَصّ تَتْرى في صمت لتُبنى منها الهياكل المصفحة الصامدة منذ عشرات السنين.
و
لكن
الأعين من العرب الآخرين كانت النائمة، والقلوب منهم كانت الغافلة المطمئنة إلى
المصلحة تربطهم بسيدة العالم، تلك التي بزعمهم لا يمكنها أن تفرط فيهم لأنهم أحسنوا
التبعية وأتقنوا أداء فروض الطاعة والولاء.
عقدية
مذهبية هي تلك الوشائج وتربط بين قلوبهم جميعا هم الشيعة، إذ لا يمكن للعربي الشيعي
أن يركن للسني رغم أنه الذي يشاركه الأرومة، لكنه العدو، وتفصل بينه وبينه متاريس
من الحقد، بنيت على مصاطب راسخة صنعت من فتات دين وكثير من أحقاد "صفوية" معتقة
اصطنعت بعد انتهاء الوحي ووفاة الموحى إليه بوقت طويل..
فالقريب بالنسبة للشيعي العربي هو الأخ في المذهب مهما كان فارسيا أو باكستانيا أو
أفغانيا.. المهم هو الاشتراك في الفكر و في المعتقد.
و
لعل
هذا ما كان ينقص منظري القومية العربية أن ينتبهوا إليه حين مجدوا تلكم الروابط
العرقية وأشادوا بها، وحتى تغنوا بها كأمتن ما يمكن أن يربط بين الإنسان والإنسان،
أو لعلهم أدركوا ذلك هم المؤسسون لها، ثم وما كان يعنيهم في ذاك الزمن إلا أن
يستعملوها من أجل القضاء على قومية أخرى كانت حاكمة، هي تلك القومية التركية ولو
أنها كانت اللابسة لبوس الخلافة والدين.
ولقد
بقي العرب مُبحرين في خضم وَهْمِ تلك القومية العربية... ثم واستلذوا استدامة ذلك
الوهم وهم المستيقنون أن عروبتهم المشتركة في أوطانهم هي الحصن الواقي من كل انتماء
آخر قد يفت العضد ويوهن الصف، إذ صدقوا ـ مما علمهم الغرب ـ أن الدين لله وأن الوطن
للجميع.. ثم وهم أيقنوا الآن أن ما من وطن يمكن أن يُسترخى على صدره الحاني إلا ذلك
التجمع البشري الذي يدين بنفس دين المرء ويشاركه الحب والبغض لذلك الشخص أو ذاك..
أو لهذا الحدث في الماضي والحاضر أو ذاك.. أو حتى لهذا المفهوم أو ذاك.
انتبهوا فزعين ـ هم أهل السنة ـ فإذا هم بالعرب الشيعة (المصابين بعدوى الحقد
الصفوي على العرب والمسلمين) ـ في لبنان وفي العراق وفي سوريا وفي البحرين وفي
السعودية وأينما كانوا في أي مكان من العالم ـ شركاء وحلفاء للشيعة في إيران، ثم
وهم المُمالئون لهم في السياسة والفكر والثقافة والتوجه العام رغم تباين العرق
والجنس والأرومة.. وبالتالي فما من هدف ولا مصلحة يمكن أن تربطهم بهم هم غير الشيعة
لا في الحاضر ولا في المستقبل.
وحتى
لما انتبهوا بقوا المترددين وكذا المنتظرين ردحا من الزمن لضربة من حليفتهم
وحلفائها الغربيين تريحهم من ذلك العدو "الفارسي"، ذلك الذي أجج الانتماء العقدي
لدى مواطنيهم الشيعة وألبهم، وذلك الذي أقض مضجعهم بتفوقه المستمر المتواتر، حتى
أنه أضحى يمسك بزمام تلك الطاقة المبشرة بمزيد من التألق والارتفاع.
ولقد
كانوا النيام فعلا حين لم تتفتق مداركهم ولم يربطوا بين مسار الأحداث في لبنان وفي
العراق وفي سوريا وبين هذا المآل الأخير للعلاقات بين إيران وأمريكا، ذلك الذي
أُلغِي في إطاره كل قول ينضح بالعداء، وحتى استُبدل بآخر لا يزال خاليا من الود
الصريح لكنه الواعد بذلك في الزمن القريب:
ـ نصر
الله الشيعي هو الحليف للمسيحيين ـ أحباء أمريكا ميشال عون وغيره ـ ضدا على السنة،
ولو أنهم كلهم المسلمون في لبنان.
ـ و
الشيعة العراقيين هم الحلفاء لأمريكا ذاتها ضدا على السنة في العراق..
وما
قوة إيران ـ تلك التي تمتح منها ما تلوي به ذراع أمريكا وتُملي شروطها عليها ـ إلا
عمقُ تواجدها في الساحة العراقية، وكذا تغلغل حبها في قلب كل مصاب بالعدوى الصفوية
يشارك مواطنيها المعتقد والمذهب والفكر.
ـ ثم و
الشيعي النصيري الحاكم في سورية هو الحليف المخلص لإيران الشيعية، ولو أنه البعثي
القومي العروبي ـ نظريا ـ حتى النخاع.
ألم
يكن كل هذا من الواضح حد أن يرفع اللبس ويظهر أن العداء بين إيران وأمريكا لم يكن
إلا الجعجعة بلا طحن، وكان عليها أن تستمر تلك الجعجعة حتى يمر الوقت ويستساغ
التقارب بين جمهورية الملالي وذلك الشيطان الأكبر؟
عدو
مشترك لا بد و سرَّع وجوده وحتى تَفاقُمُ أَثرِه من إعلان الوئام، عدو هو تلك الفئة
المتطرفة المحسوبة من طرفهم على السنة: "القاعدة"، إذ التعاون من أجل القضاء عليه
ذلك العدو أملى الظهور في حالة تقارب من أجل تنسيق الجهود، وكان هذا مما سيخلق
البلبلة وحتى الارتباك في الأفهام التي لن تستوعب ذلك لو أن التنافر بقي والتهديد
استمر، فصُرِّح بالتقارب وأُلغِي الحديث عن الحرب.
حدث
هذا بين أمريكا المسيحية وبين دولة دينية إسلامية تجرأت على التصريح بامتلاك طاقة
لا تسمح هي سيدة العالم أن يمتلكها إلا كل مقرب في الفكر قريب. نعم حدث هذا على
الرغم من أنف العرب السنة، وبالرغم من كونهم ذلك التابع المطيع الذي لم يشق عصا
الطاعة منذ أن كان.. و منذ زمن بعيد..
فماذا
بقي للحكام العرب إذا أن يفعلوه؟
ـ وقد
أصبحت أمريكا تتجاهلهم و تغازل ذلك الخصم العنيد لهم إيران.
ـ ثم
وقد أضحى من مواطنيهم من يحادهم و يوالي ذلك الخصم اللدود كذلك.
ماذا
بقي لهم سوى أن يندلقوا على أعتابه هم أيضا، ثم وحتى يقدموا الولاء وقلوبهم الوجلة
تنتظر ما سيأتي وما لن يأتي...
ـ أمن
عروبة ما زالت تنفع إذا.. وما زالت تصلح أن يتغنى بها وتمجد ويرفع من شأنها؟
ـ أ من
قومية يمكن أن تكون الرابط بين المواطنين العرب وتجعلهم جميعا ينخرطون في عمليات
البناء والتشييد؟
أحداث
متسارعة توالت إذا في العالم العربي. و لعلها هذه الأحداث تكون الصادمة، ومن ثم
الداعية إلى إعادة التفكر من أجل إعادة صياغة المسار.. و ذلك حتى لا تكون الطامة..
ويتسع الخرق.. فيعجز الراقع ذلك المتهالك منذ وقت طويل.