البرنامج النووي الإيراني 8
مقالة رقم (8)
أحداث 11 سبتمبر 2001
وأثرها على البرنامج النووي الإيراني
حسين علي محمد حسنين
كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر
تابع البرنامج النووي الإيراني
(1)
11 سبتمبر 2001 واعادة ترتيب الأوراق
وخطة أوراسيا
جاءت ضربة 11 سبتمبر 2001 وتورط القاعدة فى الإعتداء على الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة جواز مرور لتحقيق الإمبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس .. وعلى الفور فتحت ملفات عديدة كان أبرزها على الإطلاق خطة اوراسيا أو إحكام السيطرة على منطقة اوراسيا التى تمتد من الاتحاد الاوربى غربا الى اليابان الواقعة فى أقصى شرق آسيا. ويعود الاهتمام بتلك الخطة الى زمن المراحل الأخيرة من الحرب العالمية الثانية (1945) التى تركزت فى صياغة نظام دفاعي يضمن أمن الولايات المتحدة الامريكية بعد هزيمة قوات المحور. تمثلت خطة أوراسيا فى ضرورة تشييد نظام جيوبوليتيك فى منطقة اوراسيا (الاتحاد الاوربى حتى اليابان وما يحوي تلك المنطقة من دول وبحار) ، وكانت أهم مشكلة تواجه واشنطن هي القضاء ما أمكن على أية قوة تهيمن أو قد تسيطر على قارتي أوربا وآسيا فى المستقبل . ويؤمن أصحاب هذه الخطة (أوراسيا) أن الفضل الأعظم بعد الحرب العالمية الثانية يعود الى رجلين هما الرئيس الأمريكى رونالد ريجان الذى توصلت إدارته الى تفكيك الاتحاد السوفيتي الذى كان يعد العقبة الأعظم أمام الهيمنة الامريكية على منطقة اوراسيا، ثم الرئيس الحالي جورج بوش الابن الذى أدخل أمريكا فى عمق منطقة أوراسيا عن طريق محاولة وضع اليد على كل من أفغانستان والعراق ، وذلك للمضى قدما فى إحكام السيطرة على اوراسيا، ولكن بشكل تدريجي . الا أن واشنطن ترى أن ذلك قد يستغرق بعض الوقت لتقليم أظافر الصين وروسيا الاتحادية وإيران فى الوقت الذى ستقوم فيه واشنطن بالدعم المطلق لكل من تركيا والعراق وأفغانستان وإسرائيل لتقوية نفوذهم فى تلك المنطقة .
الاستفادة الإسرائيلية من أحداث 11 سبتمبر 2001:
أشارت التقارير الإعلامية الى أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء شارون قد استفادت كثيرا من أحداث 11 سبتمبر 2001 ، فقد حرص شارون منذ اللحظات الأولى على تحميل العرب والمسلمين مسئولية تلك الأحداث عبر أجهزة الإعلام الامريكية والأوربية ولعب اللوبي الصهيوني دورا حيويا ومؤثرا فى هذا الخصوص . واتخذت اسرائيل من تلك الأحداث برهانا إضافيا لتأكيد مصداقيتها وتعزيز موقفها الخاص بأن تلك الأنظمة العربية الديكتاتورية هى التى أفرزت ذلك الإرهاب سواء فى فلسطين أو العالم ( تشاطرها فى الرأي واشنطن وبعض البلدان الأوربية) . وهكذا برز فكرا جديدا تبنته بعض بلدان أوربا وأمريكا يرى أن المقاومة الفلسطينية للاحتلال الاسرائيلى بمثابة إرهابا عربيا وإسلاميا . وقد ساعد على تعضيد ذلك الفكر طبيعة الأنظمة العربية الشديدة الإرتباط من حيث المنفعة بواشنطن والدول الأوربية ، إضافة إلى بعض الدول التى تتكسب من وراء إطالة أمد الصراع العربى الإسرائيلى بالمنطقة حفاظا على بقاء أنظمتها أطول مدة ممكنة فى الحكم مستغلة فى ذلك اللعب مع الكبار على ضرورة استمرارية الصراع العربى الاسرائيلى . وهكذا استطاعت اسرائيل والولايات المتحدة وعدد غير قليل من الدول الأوربية تحميل الأنظمة العربية الدكتاتورية تبعة الإرهاب الدولي بصفة عامة وأحداث 11 سبتمبر بصفة خاصة. وفى إطار ذلك صعدت اسرائيل من عمليات الاغتيال ضد قادة وكوادر المنظمات الإسلامية النشطة مثل الجهاد وحماس والقسام وغيرها . وكان الهدف هو القضاء نهائيا او ما أمكن على تلك العناصر القيادية على ان يتم التعامل مع الصف الثاني الأكثر اعتدالا (من وجهة نظرهم) . جاء ذلك فى الوقت الذى انشغلت فيه واشنطن والعالم الغربي بالحملة الامريكية ضد الإرهاب فى أفغانستان وهو انشغال مقصود ومخطط (حيث تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية خاصة فى الإعلام الإقليمي او العالمي ) .
***********
(2)
إيران والإستفادة القصوى من أحداث 11 سبتمبر 2001
فى 13 سبتمبر 2001 أدانت الحكومة الإيرانية بشدة أحداث 11 سبتمبر، وبمرونة شديدة وحسابات واقعية وعدت طهران كل من الدول الأوربية والولايات المتحدة فى تصريحات إعلامية بالآتى: (1) تقديم كافة المساعدات لقوات التحالف بصفة عامة والأمريكية بصفة خاصة فى حربها ضد حركة طالبان بأفغانستان وضد تنظيم القاعدة فى اى مكان بالعالم.
(2) وعدت طهران بالمساعدة الغير محدودة للجنود الأمريكيين العاملين فى الحملة العسكرية بأفغانستان إذا تعرضوا لأية صعوبات. (3) وافقت حكومة طهران دون شروط على فتح المطارات الإيرانية بجنوب البلاد للقوات الامريكية . (4) أيضا وعدت الحكومة الإيرانية بنقل كافة أنواع الإمدادات الى داخل أفغانستان . (5) وافقت طهران على قبول المساعدات الغذائية الامريكية للاجئين الأفغان فى ايران خاصة وان حدود ايران مع أفغانستان تمتد لأكثر من 560 ميلا . (6) ولم يتوقف ذلك التعاون الإيراني الغير مسبوق مع واشنطن وقوات التحالف عند هذا الحد، فقد وافقت طهران على دعم تحالف الشمال فى الوصول الى السلطة(يذكر أن وزير الدفاع الامريكى دونالد رامسفيلد اعترف بأن الضباط الإيرانيين والأمريكيين عملوا جنبا الى جنب مع قوات تحالف الشمال الأفغاني ضد طالبان وتنظيم القاعدة ).
لكن لماذا تعاونت ايران مع واشنطن ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة ؟:
تشير بعض التقارير الى أن ذلك التعاون العلني المفاجئ والذي لا مثيل له بين ايران وواشنطن منذ الثورة الإسلامية يرجع لعدة أسباب أهمها على الإطلاق الآتي:
(1) وجود خلاف مذهبي عميق بين ايران الشيعية وحركة طالبان السنية الحنفية.
(2) أيضا أن ايران لا تنسى الصدامات الدموية فى مزار الشريف والتى راح ضحيتها عشرات الآلاف من الطرفين.
(3) بالإضافة الى وجود خلاف بين ايران وتنظيم القاعدة السني السلفي.
(4) أن النظام الإيراني يسعى الى حماية مصالحه فى أفغانستان التى تعد بوابة ايران الشرقية وان واشنطن تعلم ذلك ولا تمانع شريطة ان يكون الموقف العام تحت السيطرة الامريكية .
(5) بالإضافة الى ما تقدم هناك مصالح استراتيجية للطرفين بالمنطقة .
(6) وهناك مطلب إيراني آخر وافقت عليه واشنطن فى سرية وهو رفع قيود الادارة الامريكية عن توسيع نطاق التعاون الإيراني الأوربي .
ضغوط أمريكية على ايران بشكل يثير الشكوك!!
على الرغم من التعاون الإيراني المكثف مع القوات الامريكية وأجهزة استخباراتها الا ان الادارة الامريكية فى 17 سبتمبر 2001 قامت بتسريب معلومات تشير فيها الى ان واشنطن حصلت على صور من قمرها الصناعي ( ايكونوس) تفيد بوجود نشاط مكثف بمدينة بوشهر النووية الواقعة على ساحل الخليج الشرقي لإيران، وان تلك الصور أكدت أن ايران تقوم ببناء مفاعلين نوويين وليس مفاعلا واحدا كما كانت تدعى طهران ، وأحد هذين المفاعلين قد شارف بناؤه على الانتهاء . واشارت معلومات متعلقة بهذا الخصوص الى انه تم إحاطة هذين المفاعلين بمجمع نووي يتكون من 630 مبنى صغير، وهو ما أكد وجود مشروع نووي ضخم اكثر مما كان متوقعا من قبل . كما أوضح تقرير للاستخبارات الامريكية أن إيران خلال معظم عقد التسعينات كانت تحاول الحصول على تقنية الطرد المركزي وتقنيات أخرى لتخصيب اليورانيوم ضمن جهود كبيرة لصنع قنبلة ذرية . وشدد تقرير الـ CIA على أن ايران وسوريا وليبيا يسعون الى زيادة احتياطهم من الأسلحة التقليدية ذات التكنولوجيا المتطورة وامتلاك أسلحة دمار شامل .
وقد بدا واضحا أن تلك التسريبات الأمريكية كان الهدف منها الحد من المطالب التى تسعى أيران فى الحصول عليها من الولايات المتحدة والدول الأوربية مقابل تعاونها المطلق مع واشنطن فى أفغانستان ضد تنظيم القاعدة السنى السلفى.
خاتمي يعمل على تحسين العلاقات البريطانية الإيرانية:
على الرغم من تلك التسريبات الأمريكية ضد المشروع النووى الإيرانى إلا أن إيران قررت الحصول على ما إتفق عليه سلفا ، أو على الأقل معظمه . وعليه ففى 21 سبتمبر 2001 أكد الرئيس الإيراني محمد خاتمي على أهمية عودة العلاقات الإيرانية البريطانية وبناء الجسور بين الدولتين ، جاء ذلك بناء على الاتفاق الخاص المبرم بين ايران من جهة وقادة قوات التحالف نتيجة التعاون الإيراني المنقطع النظير فى أحداث أفغانستان بعد موافقة واشنطن . وقد دعا خاتمى في مكالمة هاتفية استمرت عدة دقائق مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير إلى تعزيز حوار الحضارات لمواجهة المتطرفين من الجانبين(سعيت إيران من وراء ذلك إلى تقليل الحملات السنية ضد النظام الشيعى الإيرانى الذى سعى مع دول الغرب إلى تقليم أظافر المد السنى الحنفى فى أفغانستان). في نفس الوقت ذكر تليفزيون طهران أن الرئيس الإيراني أكد لرئيس الوزراء البريطاني أثناء المحادثة الهاتفية أن الحوار بين الأديان يمثل أفضل وسيلة لمنع حرب الحضارات ، وأن التعاون بين طهران ولندن الخاص بتنظيم عقد اجتماعات بين مثقفين من العالمين الإسلامي والغربي بهدف منع حرب الحضارات سيكون فعالا كثيرا . وأعرب خاتمي عن أسفه حول أحداث 11 سبتمبر 2001 والتى قد تتسبب في مواجهة بين الإسلام والعالم الغربي خاصة وأن المتطرفين من الجانبين يعملون على إشعال المواجهة بين الطرفين مستغلين فى ذلك بعض الاختلافات في وجهات النظر . وشدد خاتمى على إدانة تلك الإعمال المتطرفة ، وطالب قادة قوات التحالف بعدم الرد على كارثة 11 سبتمبر بكارثة أخرى حتى لا يقع أبرياء في أفغانستان أو غيرها ضحية غزو أو تمرد . ( يذكر أن إيران وبريطانيا قامتا بتطبيع علاقاتهما سنة 1998 إثر إعلان طهران أنها لا تعتزم تطبيق عقوبة الإعدام المعلنة سنة 1999 بحق الكاتب البريطاني سلمان رشدي) .
تجاوب بريطاني لإيران:
فى 22 سبتمبر 2001 كشف رئيس الوزراء البريطاني للصحفيين الذين كانوا يرافقونه في الطائرة التي كانت تقله إلى الولايات المتحدة عن مضمون محادثة هاتفية استمرت 15 دقيقة مع الرئيس الإيراني محمد خاتمى. وقال توني بلير: لم أكن أتخيل مطلقا حدوث تلك المحادثة مع الرئيس الإيراني قبل بضعة أسابيع . وأكد بلير أنها كانت ممتازة ، وأن خاتمي أعرب عن تضامنه التام مع الرئيس بوش بشأن أحداث 11 سبتمبر بالولايات المتحدة وعن إدانته التامة للإرهاب . وأكد بلير على مدى أهمية إعادة بناء العلاقات بين بريطانيا وإيران. ( يذكر أن تأزم العلاقات البريطانية الإيرانية كان بسبب سوء التفاهم الذى وقع حول تعيين السفير البريطاني ديفيد ريداواى بإيران الا ان حكومة طهران رفضت تعيينه لاعتبارات أمنية واتهامه بالجاسوسية وعلاقته بإسرائيل . وذكر فى ذلك الوقت ان الحكومة البريطانية تمارس ضغوطا على حكومة طهران حتى تقبل بتعيين السفير ريداواى . والمعروف ان ديفيد ريداواى هو دبلوماسي إنجليزي سابق عمل بالسفارة البريطانية فى الفترة من 1977 حتى 1980 عندما تم طرده من ايران من قبل رجال آية الله خميني ، ثم عاد بعد عشر سنوات ليعمل قائم بالأعمال فى طهران عام 1990 لكن الصحف والإعلام الإيراني اتهمه بالجاسوسية ومعاداة ايران ) .
كيف استفادت روسيا من أحداث 11 سبتمبر؟ :
فى 24 سبتمبر 2001 أخذت موسكو موقفا حازما إزاء الأوضاع المتردية فى الشيشان مستغلة فى ذلك أحداث 11 سبتمبر وحرب واشنطن ضد الإرهاب الذى بدأ يطلق عليه بالإرهاب الإسلامي . وطالبت موسكو من الدول الغربية وقف حملة الانتقادات ضد السياسة الروسية فى الشيشان وذلك على ضوء اعتبار ان المقاتلين الشيشانيين جزء لا يتجزأ من جبهة الإسلام المتطرف الدولي . كان ذلك على الصعيد الروسى المحلى ، اما على الصعيد الدولي فقد اخذت موسكو تمضى قدما فى استعادة نفوذها فى منطقة آسيا الوسطى الغنية بثرواتها المعدنية وموقعها الإستراتيجي والقريبة جدا من الحدود الأفغانية .
وبناء على تقارير روسية امنية فور احداث 11 سبتمبر تبين ان موسكو قامت بعقد عدة اجتماعات مع قادة دول آسيا الوسطى خاصة (اوزبكستان وتركمانستان وطاجاكستان) وذلك لتنسيق المواقف بصدد الحملة الدولية ضد الإرهاب . وشددت روسيا بقوة على أنها لن تسمح لقوات التحالف باستخدام أراضى آسيا الوسطى فى حربها ضد حركة طالبان بأفغانستان الا بعد موافقة موسكو ، وهو ما حدث بالفعل بعد إجراء مشاورات مكثفة بين واشنطن وموسكو انتهت بعقد صفقة لصالح روسيا ، حيث وافقت موسكو على استخدام أجواء واراضى آسيا الوسطى فى العمليات العسكرية الامريكية ضد طالبان فى أفغانستان.اما عن الصفقة الامريكية لصالح روسيا فقد تمثلت فى الآتي: (1) اعتراف واشنطن بأن منطقة آسيا الوسطى والقوقاز منطقة نفوذ روسي. (2) وقف توسع حلف شمال الأطلنطي نحو الشرق. (3) بالإضافة الى إدخال حرب روسيا بالشيشان فى نطاق الحرب ضد الإرهاب الدولي. (4) موافقة واشنطن على فتح اعتمادات مالية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لروسيا. (5) مراجعة الادارة الامريكية لموقفها بصدد مبادرة درع الصواريخ وإلغاء الاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد السوفيتي السابق. (6) واخيرا ان تتعامل واشنطن مع روسيا بوصفها شريكا يسهم فى صنع القرارات الدولية وليس كما تتعامل واشنطن مع دول الاتحاد الاوربى .
*************
(3)
عودة واشنطن وأوربا إلى سياسة التشدد
مع النظام الإيرانى وسط شكوك المراقبين
فى 28 سبتمبر عام 2001 أعلن موريس كوبيثورن مبعوث لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة عن تخوفه لما يدور داخل إيران ، وقال : إن المأزق الراهن بين مجلس صيانة (مراقبة)الدستور الذي يحظى بصلاحيات قوية في إيران وبين البرلمان المنتخب هو ان مجلس الصيانة يقيد إلى حد كبير قدرة طهران على تبني إصلاحات هامة في مجال حقوق الإنسان ومن ثم فهو معوق كبير لبناء الديمقراطية . وأضاف موريس كوبيثورن انه على يقين من أن معظم الشعب الإيراني يرى أنهم يستحقون حكومة أفضل وأكثر قدرة على تحمل المسؤولية، ويحلمون بمجتمع يتوافر فيه مزيد من الاحترام والكرامة لأفراد الشعب. وأوضح كوبيثورن فى تقرير له خاص بالأمم المتحدة : أنه بالرغم من التقدم الذي أحرزته إيران في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات الست الماضية فإنه يبدو أن مساعي الحكومة لا ترقى لطموح الإيرانيين. وشدد التقرير على ان الشعب الإيراني يدفع ثمنا باهظا بسبب المواجهة بين البرلمان ومجلس مراقبة الدستور غير المنتخب الذي يتألف من ستة من رجال الدين وستة محامين ويتمتع بحق نقض القوانين التي يوافق عليها البرلمان . وهو ما يعنى ان هذا المجلس يقف في طريق التغيير الديمقراطي ويمنع الإصلاحيين من ترشيح أنفسهم لعضوية البرلمان. وقال تقرير الامم المتحدة أيضا: إن الصراع القائم بين الجبهتين أدى إلى درجة واضحة من الشلل منعها من إدخال تحسينات على النظام الإيراني الذى هو في حاجة ماسة إليها خاصة في مجال حقوق الإنسان. وشدد التقرير على ما تقوم به ايران من عمليات قمع شامل للصحافة الإصلاحية وعدم التسامح مع الأصوات المعارضة . وبين التقرير انه في الفترة من أبريل إلى يوليو عام 2000 أغلقت السلطات الإيرانية أكثر من أربعين صحيفة ومجلة وإصدارات أخرى لمدد مختلفة وبعضها أغلق لأجل غير مسمى. في نفس الوقت تم تغريم عشرات المحررين والصحفيين وسجن البعض ومنع آخرون من ممارسة العمل الصحفي بعد اتهامهم بتهم مختلفة ، وأشارت بعض التقارير الى أن أكثر من عشرين صحفيا صدرت ضدهم أحكاما بالسجن . ( الجدير بالذكر ان السلطات الإيرانية لم تسمح لمبعوث الامم المتحدة لحقوق الانسان كوبيثورن بزيارة ايران منذ فبراير عام 1996 نظرا لتقاريره النارية الخاصة بانتهاك حقوق الانسان داخل ايران) .
انفراجة شبه متفق عليها فى العلاقات الامريكية الإيرانية:
فى نهاية الأسبوع الأول من أكتوبر 2001 دعا عدد من أعضاء الكونجرس الامريكى رئيس البعثة الإيرانية فى الامم المتحدة الى عشاء عمل فى مبنى الكونجرس الامريكى لمناقشة العلاقات الامريكية الإيرانية وحرب الولايات المتحدة الامريكية على الإرهاب وقد حضر ذلك اللقاء عدد من أعضاء أجهزة الاستخبارات بكلا البلدين . هذه الدعوة الرسمية كانت الأولى من نوعها منذ اكثر من عشرين عاما ، وقد جاءت فى إطار تطبيع العلاقات الامريكية مع حكومة طهران فى إطار حملة واشنطن ضد الإرهاب فى أفغانستان (تلك الدولة المتاخمة للحدود الإيرانية التى تمتد لمسافة 560 ميلا على أقل تقدير) . يذكر ان هذا اللقاء شهد مباحثات مركزة للدور الإيراني فى المرحلة المقبلة وما تقوم به من تسهيلات للولايات المتحدة فى حربها ضد تنظيم القاعدة بصفة عامة وكذلك منح قوات التحالف مزيدا التسهيلات داخل أفغانستان والعراق عبر حدودها لكلا البلدين خاصة فى القطاع الجنوبي معقل شيعة العراق والأكثر ولاء لإيران من ناحية المذهب الشيعى. وقد تركزت تلك التسهيلات الإستخباراتية الإيرانية لواشنطن على إقتفاء عناصر بتنظيم القاعدة الذين دخلوا الأراضي الإيرانية والعراقية .
مزيد من التعاون الإيراني الاوربى:
وفى إطار الاتفاق الخاص بالتعاون بين ايران وقادة قوات التحالف، قام الاتحاد الاوربى فى 19 نوفمبر 2001 بخطوة جديدة إلى الأمام في اتجاه توقيع اتفاق للتعاون والتجارة مع إيران من شأنه زيادة الروابط الاقتصادية والتجارية بين ايران ودول الاتحاد الأوربى شريطة ان يصاحب ذلك فتح الطريق أمام المزيد من الحوار بخصوص حقوق الإنسان والحد من التسلح فى ايران (يذكر أن المكتب التنفيذي للاتحاد الاوربى قد تقدم بمشروع لتوسيع نطاق التعاون بين دول الاتحاد وإيران وبدأ مناقشته بين الأطراف المعنية فى مطلع عام 2000 ). فى نفس الوقت أشار بيان لجنة الاتحاد الاوربى إلى أن ما تشهده إيران حاليا من إصلاح سياسي واقتصادي هو ما شجع لاتخاذ هذه الخطوة رغم البطء الذي تتسم به هذه الإصلاحات. وأشارت اللجنة إلى أن الاتحاد الأوروبي سيدعم الإصلاحات السياسية على الساحة الإيرانية، كما سيتمكن من مواصلة الحوار والتعاون مع طهران في عدد من القضايا: منها حقوق الإنسان خاصة في النواحي المتعلقة بالسجون والحريات الصحفية والسياسية. الجدير بالذكر أن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإيران بدأت في التحسن منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة والتي أدانتها طهران بشدة رغم عدائها المعروف لواشنطن فى الإعلام ( وليس على أرض الواقع كما تشير التقارير؟؟؟!!!).
إنجلترا تكشف عن ترسانة الصواريخ الإيرانية فى محاولة لإرضاء الطرف الآخر !! :
فى الوقت الذى بدأت علاقات الاتحاد الاوربى فى التحسن مع ايران على أثر الصفقة الخاصة التى أبرمت بين قادة النظام الإيراني وقادة دول التحالف وخاصة واشنطن بالنسبة لغزو أفغانستان تم تسريب تقرير خاص من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن (إنجلترا) فى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 2001 ليكشف عن تملك ايران لترسانة متميزة من الصواريخ . وأوضح التقرير ان تلك الشبكة الصاروخية هي نتاج تطور محلى تكنولوجي ، إضافة إلى حصول ايران على مساعدة أجنبية مباشرة . وعلى الرغم من محدودية كفاءة تلك الصواريخ الإيرانية الا ان ذلك لا ينفى أنها تمثل تهديدا للمصالح الغربية بالمنطقة وخاصة الامريكية ، وقد أوضح التقرير نوعية تلك الصواريخ فى الآتي:
· سكود- ب الذى يصل مداه الى 200 كيلومتر ويستخدم الوقود السائل وهو صناعة كوريا الشمالية وتمتلك منه ايران نحو 17 منصة اطلاق و150 صاروخا .
· سكود- سى ويصل مداه الى 600 كيلومتر ويستخدم الوقود السائل وهو صناعة كوريا الشمالية ويوجد 16 منصة اطلاق و130 صاروخا .
· صاروخ عقاب والذي يصل مداه الى 40 كيلومتر ويستخدم الوقود الصلب وهو صناعة صينية .
· صاروخ نازيمات ويصل مداه الى 130 كيلومتر ويستخدم الوقود الصلب وهو صناعة صينية .
· صاروخ M-11 ويصل مداه الى 280 كيلومتر ويستخدم الوقود الصلب وهو صناعة صينية .
· صاروخ M-9 ويصل مداه الى 560 كيلومتر ويستخدم الوقود الصلب ، وهو صناعة صينية .
· صاروخ شهاب-2 ويصل مداه الى 800 كيلومتر ويستخدم الوقود الصلب ، وهو تصنيع محلى بالتعاون مع روسيا والصين .
· صاروخ شهاب-3 ويصل مداه الى 1300 كيلومتر ويستخدم الوقود الصلب وهو صناعة محلية إيرانية ويوجد منه نحو 150 صاروخ .
· شهاب-4 ويصل مداه الى 2000 كيلومتر ويستخدم الوقود الصلب وهو صناعة محلية وجارى تطويره بواسطة العلماء الايرانيين .
وشدد التقرير على أن ايران تعتمد على المصادر الخارجية فى الحصول على احتياجاتها التكنولوجية الحرجة حيث أنها تلجأ فى ذلك الى التفاوض السري عن طريق وفود لها تقوم بزيارة تلك البلدان والالتقاء بعلماء تلك الدول ، ثم عرض شراء المعلومات منهم ، وقد نجحت هذه الخطوة فى روسيا وكوريا الشمالية وبعض البلدان الأخرى ، وتمكنت طهران من الاستعانة بعشرات من كبار الخبراء الروس من الصف الثاني . أضف الى ذلك تمكنت ايران من الحصول على تلك التكنولوجيا عن طريق التفاوض العلني مع دول لا تحتفظ بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية حيث تجرى المفاوضات فى هذا الخصوص على مستوى الرؤساء كما فعل رافسنجانى مع الصين وخاتمي مع روسيا.
***********
(4)
إيران فى مواجهة مع إسرائيل وواشنطن
وحروب إعلامية للتسكين
رد فعل إيراني فوق العادة:
جاء تقرير المعهد البريطاني بمثابة مفاجأة غير متوقعة على الصعيد المحلى العام (ليس على الصعيد الإستخباراتى) خاصة وان العلاقات بين البلدين كانت آخذة فى التحسن ، وعليه تمثل رد الفعل فى كشف الرئيس الإيراني السابق هاشمي رافسنجانى فى نهاية شهر ديسمبر 2001 عن أن بلاده استكملت قاعدتها من الخبرات التقنية لتطوير منظومتها الصاروخية المتوسطة والبعيدة المدى ، وشدد رافسنحانى على ان بلاده لم تعد فى حاجة الى استيراد تلك الصواريخ او مكوناتها من الخارج . كان رافسنجانى يقصد بذلك انه تم التوصل الى بناء ورشة تصنيع إيرانية لصواريخ شهاب واصبح بمقدور ايران الآن (على حد قوله) أن تغطى مناطق الدول المجاورة التى تهدد أمن ايران (كان يخص بذلك تحديدا اسرائيل والأسطول الامريكى المتواجد على الحدود الإيرانية والدول الخليجية التى لها إتفاق دفاع مشترك مع واشنطن). لكن لم يشر رافسنجانى الى عدم امتلاك ايران لتكنولوجيا الوسائط الفضائية مثل الأقمار الصناعية وطائرات التجسس بدون طيار خاصة وان تلك الوسائط متوفرة وبكثرة لدى الولايات المتحدة وإسرائيل وقوات حلف الناتو المتواجدة فى تركيا القريبة جدا من الأراضي الإيرانية .( ملحوظة : حصلت ايران بعد ذلك مباشرة على طائرات تجسس بدون طيار ويعتقد أنها قد توصلت الى إنتاجها) .
توقعات(إعلامية) بمواجهة عسكرية بين اسرائيل وإيران:
جاء أول رد فعل على تصريحات رافسنجانى من اسرائيل عندما تم تسريب خبر إعلامي مفاده : انه فى 4 يناير 2002 قام وفد إسرائيلي يضم خبراء فى صواريخ (أرون) ومسئولين فى وزارة الدفاع الإسرائيلية بزيارة العاصمة التركية أنقرة وذلك فى إطار استمرار التعاون العسكري التركى الاسرائيلى الخاص بإقامة مشروع صاروخي دفاعي لمواجهة احتمال هجوم صاروخي إيراني ( وهو المشروع الذى قررت الادارة الامريكية إعطاء اسرائيل وأنقرة الضوء الأخضر لتنفيذه بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 ) .
فى نفس الوقت تم تسريب معلومات إسرائيلية تفيد بحتمية وقوع حرب إسرائيلية إيرانية: وتؤكد تلك المعلومات ان الحرب حتمية بل وأنها واقعة الآن على ارض الواقع بين حزب الله وإسرائيل فى جنوب لبنان حيث تقوم ايران بإمداد حزب الله بكل ما يحتاجه من إمكانات مادية وعسكرية فى حربه ضد اسرائيل ، اضافة الى مشاركة سوريا . أما الحرب الشاملة بين اسرائيل وإيران فقد بدأ الاعداد لها بتمركز اسرائيل فى عدة مواقع بالقرب من الحدود الإيرانية وبالتحديد فى المواقع الشمالية الواقعة فى العراق (مناطق الأكراد) حيث تقوم اسرائيل بإنشاء منصات لاطلاق الصواريخ من نوع ( أريحا-1 ) و( أريحا-2 ) لضرب مناطق همزان وجاف الواقعتين فى غرب ايران . وسوف تقوم القوات الامريكية المرابطة فى قواعد حلف الناتو بتركيا بتغطية عمل تلك المنصات وتسهيل مهمتها العسكرية ، اضافة الى قيام الأقمار الصناعية الامريكية برصد اى تحركات إيرانية جوية أو برية والعمل على ردها فى أسرع وقت سواء بنيران إسرائيلية أو أمريكية حسبما يقتضيه التنسيق بين الطرفين . فى نفس الوقت ستقوم اسرائيل بمساندة القوات الامريكية بضرب الجبهة الشرقية لإيران مستخدمة فى ذلك الأراضي الأفغانية مع إعطاء كافة التسهيلات الامريكية وقوات حلف الناتو هناك وهو ما سيؤثر تأثيرا سلبيا على الجيش الإيراني ويجعله فى حالة عدم اتزان بين الضربات المتلاحقة من الغرب ومن الشرق فى آن واحد . فى نفس الوقت سيقوم الطيران الاسرائيلى بضرب المفاعلات النووية الإيرانية فى جميع أنحاء البلاد فى ظل وجود مساعدات جوية أمريكية والتدخل الامريكى إن اقتضت الضرورة .
ايران ترد على تلك التهديدات الإعلامية:
جاء الرد الإيراني على التهديدات الإسرائيلية اكثر عمقا عندما أعلن قادة ايران أن اى تهديدات ستتعرض لها ايران من قبل أعدائها سيقابل بقوة إيرانية غير متوقعة للطرف المعادى ولأبعد الحدود . كما أعلن قادة ايران أن المواقع النووية والصاروخية المنتشرة فى الأراضي الإيرانية قد تم تحصينها بدرجة كافية ولديها قوة ردع لتصدى اى هجمات جوية أو أرضية أو صاروخية معادية .. وان لدى ايران القدرة على استيعاب الضربة الأولى من قبل أعدائها ، ثم توجيه ضربة مضادة قاتلة لعدوهم. كما أن لدى ايران القدرة على مواصلة تطوير نظامها الدفاعي دون خوف من اى حصار سياسى او تكنولوجي او اقتصادي.