هل تقبل حماس بحوار غير مشروط؟

بعد الكشف عن المخطط الإجرامي بغزة

هل تقبل حماس بحوار غير مشروط؟

مخلص برزق*

[email protected]

كانت ردود الفعل الصادرة عن رئاسة السلطة الفلسطينية في مقاطعة رام الله على ما تم الكشف عنه من مخططات إجرامية رهيبة في المؤتمر الصحفي للأستاذ سعيد صيام وزير الداخلية الفلسطيني السابق محبطة ومخيبة للآمال.. كان عليها أن تتصرف تصرفاً حضارياً لائقاً -قبل أن يكون وطنياً- يتناسب وبشاعة تلك المخططات الفظيعة وتعلن مباشرة إعلاناً واضحاً لا لبس فيه رفضها القاطع لها ووقوفها بحزم أمام كل من تسول له نفسه استغلال حالة التشظي الفلسطينية لارتكاب جرائم تزهق فيها الأرواح البريئة وتخرج معها أفاعي الفتنة من جحورها لتسلبنا كل أمل في إعادة اللحمة وترميم ما تصدع من جدران في البيت الفلسطيني..

كان عليها أن تعلن أنها ستتحقق من جميع ما ورد في مؤتمر وزارة الداخلية بنزاهة وحيادية والعمل على كشف كافة المتورطين في ذلك المخطط الإجرامي إن ثبت وجود أحد منهم في رام الله ولو تبوّأ أي رتب ومناصب وعلى رأسهم أمين عام الرئاسة الطيب عبد الرحيم لأنها لا يمكن بأي حالة من الأحوال أن تمنحهم الحصانة للضلوع في ارتكاب جرائم بهذا الحجم غير المسبوق في تاريخ شعبنا الفلسطيني..

الرد المتسرع الذي صدر سريعاً جداً عن الرئاسة وعن بعض الناطقين باسم حركة فتح عبَّر عن حقيقة أليمة لا تسر إلا أعداءنا المتربصين بنا وهي أن المهيمن على القرار في منظومة الرئاسة الفلسطينية فئة لا تعير أي وزن للدماء الزكية وأنها غير معنية أبداً بحق ولا حقيقة إن كان ذلك سيسلبها مزايا ومكاسب سياسية أو مالية أو حتى إعلامية وأن لديها الاستعداد للمضي بعيداً في أي وسيلة مشروعة أو غير مشروعة للتخلص من حركة حماس ونهجها المقاوم..

وللتوضيح أكثر فإن الأجواء الإيجابية بين فتح وحماس التي لاحت في الأفق عقب المجازر الدموية البشعة المتتالية التي ارتكبها العدو الصهيوني الغاشم في قطاع غزة والتي بلغت ذروتها في حي الزيتون وارتقى فيها القائد القسامي حسام نجل الدكتور محمود الزهار مع ثلة كريمة من إخوانه الأطهار.. تفاءل الجميع بأن الاتصالات التي أجراها أبو مازن ومجموعة من قادة فتح بالدكتور الزهار يمكن أن تذيب الجليد بين الحركتين رغم ما تمر به المنطقة من صقيع سيبيري غير معهود.. والحق أن عقد المؤتمر الصحفي لوزارة الداخلية كان مناسباً جداً في توقيته على عكس ما سوف تروج له أبواق الفتنة من أنه عمد إلى تعكير صفو الأجواء كي يقطع الطريق على محاولات التقريب بين فتح وحماس للبدء في الحوار المنشود بينهما..

أجزم بأن عقد ذلك المؤتمر كان مدخلاً حقيقياً لحوار جاد ينبني على أسس وطنية صحيحة وسليمة لا تختبئ خلفها نوايا مبيتة أو مخططات أثيمة أو أجندات مستوردة. فلا يعقل أن يبدأ الحوار في ظل احتماء مجموعة من المتورطين بالجريمة تحت عباءة الرئاسة في رام الله!!

لا يعقل البدء بحوار وطني مع منح رئاسة السلطة الغطاء التنظيمي الكامل لعصابة مجرمة أباحت لنفسها المساس بشخصية عملاقة كرئيس الوزراء إسماعيل هنية وإزهاق أرواح حجاجنا الأبرار..

إن على الطرف الذي يبغي الحوار بصدق وإخلاص نية أن يذلل كافة العقبات وعلى رأسها تحييد تلك الفئة من الناطقين والمستشارين المحيطين بالرئيس محمود عباس الذين ما فتئوا ينفخون في نيران الفتنة والفرقة والتحريض بل والتآمر على حركة حماس. وهو ما يفسر قيام أبي مازن بالدعوة إلى الحوار بين الفينة والأخرى بطريقة غير منطقية تحوي أسلوباً تهجمياً صدامياً يشي بحقيقتها القائمة على قاعدة تسجيل موقف سياسي ولو كان على حساب الوحدة ولم الشمل وتضميد الجراح..

إنها دعوة "منبعجة" لا يمكن أن يقبلها صاحب عقل وضمير حي فضلاً عن حركة لها وزنها وثقلها واحترامها في الشارع الفلسطيني كحركة حماس التي أثبتت أنها الأجدر بقيادة شعبنا الفلسطيني الذي انتخبها وأعطاها زمام القياد ورضي بمشروعها القائم على المزاوجة بين المقاومة وإدارة الشؤون الحياتية بأيد طاهرة نظيفة عفيفة.

دعوة استعلائية تقول للآخر حاورني وأنت ذليل صاغر مقر بارتكاب جرائم لا آخر لها!! دعوة عجيبة غريبة أطلق فيها أبو مازن لنفسه العنان أن يسب ويشتم وينعت الحركة وقادتها بأسوأ الأوصاف والنعوت ويتطاول فيها على هامات عالية عزّ أن يوجد مثيل لها في شعب من الشعوب أو أمة من الأمم. ثم هو يريد من حماس "الانقلابية" "الظلامية" "العبثية" أن تحاوره بعد أن تعود عن انقلابها وتقر بشرعية حكومته "اللقيطة" وتقبل مسبقاً بإجراء انتخابات مبكرة تزهق فيها الديمقراطية على مذبح التزوير والتزييف الذي تكفلت أطراف دولية وإقليمية أن توفره للفئة الباغية. جاء المؤتمر الصحفي لوزارة الداخلية ليكشف زيف تلك الادعاءات بالحرص على الحوار من قبل أبي مازن وفقرها إلى أدنى مصداقية ففي مقابل عرض تفاصيل المخططات الإجرامية وبيان الأسماء والأدوار والأدوات وما صاحبها من اعترافات صريحة وأدلة محسوسة ملموسة على أنها جريمة معدة إعداداً متكاملاً مع سبق الإصرار والترصد والتخطيط من جهات مقربة جداً من الرئيس -هذا إن لم يكن هو بنفسه على اطلاع بها- في مقابل ذلك تشبث عباس بروايته الهزيلة المضحكة حول محاولة اغتياله بحفر الأنفاق من تحته والتي حلا له أن يعيدها ويكررها في الكثير من خطاباته "التاريخية" ويتمسك بها ظناً منه أن أحداً سيتساوق مع روايته المتهالكة والتي ما زادت عن أنها قد أزرت به أمام كل من عرضها عليهم من الزعماء والرؤساء وحتى الشعوب لأنهم يعرفون يقيناً أن حماس لا تنزل بمستواها إلى دركات تلك الفئة الفالتة عن الصف الوطني المحيطة به إحاطة السوار بالمعصم.. وعلى الرغم من تهافت رواية عباس تلك إلا أن رد قادة حماس عليها كان رزيناً حكيماً –على خلاف كل ما صدر ويصدر عن عباس ومستشاريه- برفض تلك المحاولة ونفيها والتدليل بأدلة قطعية على عدم صحتها ثم بقبول تحكيم لجنة محايدة لتقصي الحقائق تباشر عملها في التحقيق بكل الادعاءات وعلى رأسها محاولة الاغتيال المزعومة.. وما كان من عباس إلا أن واجه كل ذلك بأنها "عنزة ولو طارت"..

إزاء كل ذلك فإن على حركة حماس أن تتصرف بحزم ومسؤولية كبيرة تجاه ذلك الرد الفج من الرئاسة على الجريمة الكبرى بمحاولة اغتيال هنية وتفجير عبوات ناسفة في حفل تكريم الحجاج. فلا يعقل أن تقبل الحركة بحوار غير مشروط مع أناس تورطوا بتلك الجريمة وأبوا أن يسلموا المجرمين الفارين إلى رام الله بل وأعطوهم الأمان والغطاء التنظيمي على فعلتهم النكراء!! بل إن دفاع الرئاسة الشرس عن أولئك القتلة المجرمين وإيوائهم يجعلهم شركاء معهم في الجريمة ويثبت تورطهم فيها ويكشف تلك الوسائل الدنيئة الخسيسة التي يسوق لها فهمي الزعارير وأحمد عبد الرحمن وغيرهم من دعاة الفتنة والتي -ومن خلالها- يبشروننا بقرب "انقضاض" الشعب على حكم حماس وإسقاط انقلابها في غزة..

على حركة حماس أن تسلك سلوكاً مغايراً لما تبديه من ليونة وحرص على محاورة أولئك بلا أدنى شروط وإلا فلو افترضنا بأن ذلك المخطط الإجرامي قد نجح في اغتيال أبي العبد هنية فهل كانت ستقبل حماس بالحوار بلا أية شروط مع من خطط ودبر وقدّر فقتل كيف قدّر؟ وإذا كان من عقلاء في حركة فتح فعليهم أن يسارعوا إلى التبرؤ من أصحاب المخططات الإجرامية وكل من يعطيهم الغطاء التنظيمي ويرفعوا أصواتهم بالانحياز إلى مطالب شعبنا بحماية مشروع المقاومة والتوحد في مواجهة العدو المتغطرس بدل اللهاث على مفاوضته، عليهم أن يتداركوا حركتهم بتخليصها من براثن خاطفيها قبل أن يسجل التاريخ أن خاتمتها كانت على يد فئة طعنت مشروع المقاومة بخنجر غادر مسموم في وقت استعذبت اللقاء مع الأعداء وأدارت ظهرها للأشقاء.

              

*  كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.