صواريخ برسم مزارع شبعا
فهل هناك صواريخ برسم الجولان السوري المحتل؟
الطاهر إبراهيم
بعض المراقبين يعتبر أن أخطارا محدقة تكتنف المنطقة الآن وسورية جزء منها. ولا يحتاج الأمر لبيان مدى الخطورة للتذكير بما قاله مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأدنى السفير الأمريكي السابق في لبنان "جفري فيلتمان" قبل عدة أيام عندما قدم شهادته أمام الكونغرس الأمريكي. أو ما قاله في مقابلة مطولة مع صحيفة النهار البيروتية لتحذير سورية من سماحها بمرور صواريخ "سكود" إلى حزب الله في لبنان.
كما قد لا يقل عنه خطورة حديث "هيلاري كلينتون" وزيرة الخارجية الأمريكية الخميس في 29 نيسان 2010 المنصرم أمام "إيباك" في واشنطن محذرة الرئيس السوري بشار أسد": (من حرب إقليمية جراء تزويد بلاده "حزب الله" بصواريخ "سكود" معتبرة أن ذلك سيعمل على زعزعة استقرار المنطقة"... نحن لا نقبل مثل هذا السلوك الاستفزازي الذي يزعزع الاستقرار. على المجتمع الدولي ألا يقبل ذلك أيضاً .. الرئيس الأسد يتخذ قرارات قد تعني الحرب أو السلام في المنطقة).(انتهى كلام كلينتون).
بعض المراقبين الذين نقلتُ عنهم آنفا يعتقدون أن شيئا ما تغير فاستدعى تلك اللهجة الحازمة في تحذير وزيرة الخارجية الأمريكية عندما اعتبرت أن هناك خيطا رفيعا يفصل بين الحرب والسلم في المنطقة، أوحتى يقول فيلتمان للنهار: (لو كنت لبنانياً لأقلقتني صورة الأسد ونجاد ونصر الله -في دمشق-). كان فيلتمان يوضح للنهار ما قاله في 22 نيسان الماضي بشهادته أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط من أن: (كل الخيارات مطروحة على الطاولة لقلب مثل هذا الإجراء إذا تبين أن سوريا قد زودت فعلاً "حزب الله" صواريخ ارض – ارض من طراز "سكود". وقال أيضا "نحن نريد صون الأمن والسلام في المنطقة والتحرك في اتجاه السلام الشامل، وإذا كانت هذه التقارير صحيحة، فإنها تأخذنا في اتجاه مضطرب جداً").
هذه التصريحات والتحذيرات لم تصدر من واشنطن فحسب. بل إن الإسرائيلي "عوديد طيرا" ضابط الموساد السابق كتب: (لنستعد لإسقاط النظام السوري في أي مواجهة قد تحدث مع سورية) (هآرتس 25/04/2010).
وحتى تكتمل الصورة من طرفها الآخر، فقد استدعى رد الفعل على كلام "كلينتون" وشهادة "فيلتمان، أن السيد "حسن نصر الله" استقبل مراسلَ قناة "الرأي" الكويتية وأجرى معه مقابلة ذكّر فيها بتهديده السابق بأن كل هجوم إسرائيلي سيقابل من حزب الله بأشد منه: (إذا ضربتم مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي في بيروت فسنقصف مطار بن غوريون.. وأي قصف للمباني في ضاحية بيروت الجنوبية سيقابله قصف مبان في تل أبيب). –ضع أيها القارئ أن شئت خطا أحمر تحت كلمة "الضاحية الجنوبية" فسنحتاجها لاحقا-. وقد علق "نصر الله" في بداية حديثه قائلا: إن سورية أنكرت وصول صواريخ "سكود" إلينا عن طريق حدودها، ونحن بدورنا –كالعادة- لم نعلق على الاتهامات. قد يقول قائل: ما الغرابة، وفي كل مرة كانت واشنطن تعلن شجبها لتسرب الأسلحة إلى حزب الله عن طريق سورية؟
بعض المراقبين عبر عن استغرابه بقوله: الله يستر فهذه المرة "قد لا تسلم الجرة"، وأنه شعر بأن أمرا يبيت لسورية. فالأمر ليس كما قد حصل سابقا عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية قرية الصاحب، ويوم أن اخترقت حاجز الصوت فوق القصر الرئاسي في اللاذقية، وعندما دمرت الطائرات الإسرائيلية منشأة نووية سورية مزعومة شمال مدينة دير الزور قرب الحدود مع تركيا شمالي سورية. وكان في كل مرة يصرح المسئول السوري: بأن سورية سترد في الوقت المناسب والمكان المناسب، وحتى الآن لم يحصل مثل هذا الرد المرتقب.
من جهتنا، ليس مجاملة أو تظاهرا فإننا نقول: إن الشعب السوري يقف مع أي مقاومة ضد إسرائيل من أي طرف كان. فقد أدمى قلوبنا قول "أبومازن".. ووافقه عليه كثير من زعماء العرب: "ليس أمام العرب لاسترجاع أراضيهم المحتلة إلا المفاوضات مع إسرائيل". مع أن هذه المقولة لا يقولها إنسان مسئول عندما يقرر بأن يسقط سلاح المقاومة من يده مختارا وقد احتلت أراضيه وانتهكت حرماته. وفي كل يوم كانت تغير إسرائيل على قطاع غزة والضفة الغربية فتقتل وتأسر وتدمر.
الإشارة التي أرسلها "فيلتمان": (لو كنت لبنانياً لأقلقتني صورة الأسد ونجاد ونصر الله) (في لقائهم في دمشق قبل شهر) لم تأتِ على ذكر قلق السوريين من تلك الصورة، لأن السوريين لا بواكي لهم عند واشنطن مثل حال اللبنانيين الذين لا يحسدون على عطف واشنطن عليهم. على كل حال فنحن السوريين لا نحزن عندما لا تهتم بنا واشنطن. لكننا نسعى أن لا تتورط سورية في معركة ليست معركتها، وأن لا تؤخذ على حين غرة، بدون أن تأخذ للأمر أهبته.
كنا نتمنى لو أن القيادة السورية انصرفت للعمل على تحرير الجولان مباشرة، وليس بالوكالة كما يقال في وسائل إعلام غربية وأخرى عربية. تزعم تلك الوسائل أن سورية تسلح حزب الله لتضغط على إسرائيل. فربما تضطر إسرائيل لتفاوض سورية كي تنسحب من الجولان وشبعا "وتعيش يا .. إلى أن ينبت الحشيش". على كل حال فحزب الله حرر جنوب لبنان من الاحتلال، "ويبقى الدور" على القيادة السورية كي تحرر الجولان.
لا يحتاج الأمر كثير فطنة وذكاء منا لنعرف أن تكديس الأسلحة في مستودعات حزب الله لا يراد منه تحرير مزارع شبعا فحسب. بل إن هناك أهدافا أبعد من مزارع شبعا وأكثر أهمية عند حزب الله. وإلا لو كان الغرض مزارع شبعا فلماذا استعمل حزب الله أسلحته في بيروت يوم 7 آب 2008. كما أن نصر الله ذكر في خطاب له في7 شباط (فبراير) 2010: إن قصف للمباني في ضاحية بيروت الجنوبية سيقابله قصف في تل أبيب. فقد خص نصر الله الضاحية وليس بيروت. كما أن "نصر الله" لم يشاور الحكومة اللبنانية في أي خطوة أقدم عليها ضد إسرائيل كما حدث في حرب تموز وآب عام 2006، فهو يخص بالمشورة إيران، وأحيانا سورية مع أن الحكومة اللبنانية تتحمل كل تبعات القصف الإسرائيلي.
نحن لا نعترض على قيام سورية بتسليح حزب الله بصواريخ "سكود"، إذا تأكد لدينا أن هذا السلاح لن يستعمل إلا في مواجهة إسرائيل. لكن على القيادة السورية أيضا، بل وقبل تسليح حزب الله، أن تبادر بزرع الأراضي السورية المحاذية للحدود مع العدو الصهيوني بمنصات سكود تكون جاهزة للانطلاق على المستعمرات الصهيونية في هضبة الجولان المحتل. فليس الجولان المحتل بأقل بأهمية عند السوريين من مزارع شبعا عند حزب الله.
لقد طال صمت المدافع السورية. وكان يندر أن يمر أسبوع قبل الوحدة مع مصر من دون قيام مناوشات مع الجيش الصهيوني. بل وحتى بعد هزيمة 5 حزيران 1967 وحتى نشوب حرب تشرين أول "أكتوبر" عام 1973 التحريكية فقد كانت الجبهة السورية نادرا ما يقف فيها تبادل إطلاق النار على جانبي الحدود، وسمي ذلك بحرب الاستنزاف. ومن يوم توقيع معاهدة فض الاشتباك أواخر عام 1973 برعاية "هنري كيسنجر"، وعلى مدى أربعة عقود، ما عدنا نسمع في هضبة الجولان، ولا حتى صوت إطلاق بنادق العصافير.
يبقى غير مفهوم ما قاله وزير الخارجية السوري "وليد معلم" بأن سورية جاهزة للدخول في حرب مع إسرائيل، إذا ما هاجمت حزب الله في لبنان. وإلا "ما عدا مما بدا" أن سورية لم تكن قد فعلت ذلك أثناء اجتياح إسرائيل للجنوب اللبناني في حرب تموز عام 2006؟ فهل وراء الأكمة ما وراءها؟ أم أن علينا أن نضع تصريح وليد معلم هذا في نفس سلة تصاريح المسئولين السوريين، عندما كانت الطائرات الإسرائيلية تخترق المجال الجوي السوري من دون رد سوري عليها؟