أمريكا وإيران عدوان أم حليفان
أمريكا وإيران عدوان أم حليفان !!؟
د.خالد الأحمد *
هذا سؤال يتردد لدى كل متابع لمسيرة الثورة الإيرانية مذ تخلت أمريكا عن عميلها القديم شـاه إيران السابق ، ويتردد اليوم بشكل أكبر من خلال محنة الشعب العراقي الذي تتقاسم إيران وأمريكا ذبحـه وتشريده ونهب ثرواتـه .
وفيما يلي خلاصة لما كتبه ( نبيل أبو جعفر – باريس) حول الموضوع نفسه :
أبرز النُقَاط السّاخنة في حوار الملالي مع الشيطان الأكبر ببغداد
جولة المفاوضات الثانية أكدت الاعتراف الإيراني بالاحتلال مقابل الاعتراف الأميركي بدور إيراني في حاضر ومستقبل العراق .
عاد نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني الجنرال محمد جعفري صحرارودي ليتصدّر عملياً وفد بلده في المباحثات الثنائية مع الولايات المتحدة التي تمت ببغداد وكان موضوعها الأساس " بحث شؤون.. العراق "!
ومع أن هذا الرجل مطلوب للإنتربول والقضاء النمساوي، وقد صدرت بحقه مذكرة جلب لمسؤوليته عن عملية فينا التي ذهب ضحيتها رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني عبد الله قاسملو واثنين من رفاقه في 13 تموز 1989، كما كان هو المستهدف الأول في هجوم القوات الأميركية على القنصلية الإيرانية بأربيل، إلاّ أن الأميركان رحّبوا به وجلسوا معه وجهاً لوجه للمرة الثالثة، بعد التقائهم بمؤتمر شرم الشيخ حول العراق، والمباحثات الثنائية الماضية في بغداد، أواخر أيار.
الجنرال محمد جعفري صحرارودي الذي قاد عملياً ومن تحت ستار وفد بلده في اللقاءات الثلاثة - وليس وزير الخارجية متّكي ولا السفير الإيراني ببغداد – لقي اهتمام الإعلام الأميركي أيضاً وجرى التركيز عليه أكثر من الأعلى مسؤولية منه، حتى أن صحيفة "النيوزويك" قد خصّته بلقاء مميّز حول العلاقات الثنائية وسير المفاوضات، تحدّث فيه هُوّ وليس متّكي أو السفير الإيراني، عن ايجابيات التنسيق بين الدولتين المتواجدتين على أرض العراق لرسم مستقبله، وأعرب عن اعتقاده بأن هذه المباحثات كان يجب أن تبدأ منذ سنين (أي منذ حلول الاحتلال!)، لافتاً النظر إلى أن بإمكان الولايات المتحدة التي أضاعت فرصاً كثيرة في السابق – كما قال – التوصّل إلى نتيجة لصالح الطرفين فيما يتعلق بمستقبل العراق، إذا قرّرت استمرار الحوار مع طهران والتعاون معها من أجل المصلحة المشتركة"!" مؤكداً إصرار إيران على "استحالة أن يعود المعادون لها إلى حكم العراق، في إشارة واضحة إلى "النظام الرسمي والشرعي ما قبل الاحتلال".
صديق صديقي ، صديق لي أيضاً :
هذا الكلام الذي أعجب الأميركان بدليل ما توصلوا إليه في المفاوضات الأخيرة من اتفاقات أولية حول أكثر من محور عراقي وحتى خليجي، جاء في الوقت الذي تعرف فيه الولايات المتحدة جيّداً ما تقوم به إيران على أرض العراق من تدريب وتسليح ودعم للميليشيات التي تُنفّذ عمليات القتل الجماعي، وفي الوقت الذي ما زالت توجه لها فيه سلسلة اتهامات بالأدّلة غير المفبركة هذه المّرة، كما تعرف – بداهة – حجم دعمها لحكومة المالكي المنّصبة من قبلهم،وهذا يعني دون ذكاء في التفسير أن الحكومة ضالعة في كل ما يجري، وهي وراء ما تنّفذه فرقة الموت التابعة لوزارة الداخلية.
وإذا طبقنا مقولة "صديق صديقي صديق لي" فإن هذا يعني أيضاً أن نظام طهران كنظام المالكي – في المحصّلة النهائية – بالنسبة للأميركان، مهما وجّهوا له من اتهامات، وبالرغم من بعض مظاهر التناقض والتنافس بينهما على الحصّة الأكبر من "الكعكة العراقية".
وفي ضوء هذا الواقع تبدو إمكانية نزع فتيل صدام المصالح ممكنة من خلال التنسيق الجدّي، وهو ما يجري الآن على طاولة المفاوضات التي تعود قيادتها الفعلية لرجال الأمن والمخابرات – لا السياسة – في الجانبين – فهم الذين يديرون دفة الحوار من خلف السياسيّين المتواجدين أمام عدسات الإعلام كديكور، ولهذا لم يكن مفاجئاً أن يسارع مصدر رسمي أميركي إلى الإعلان عن رفض اقتراح وزير الخارجية الإيراني رفع مستوى المفاوضات لتكون بين نائبي الوزيرين.
هكذا إذن إيران: تعارض وتناكف علناً، وتساعد سراً، وهي في ذلك لا تمارس "لعبة مزدوجة"، كما اسماها مايكل هيرش في مقال له بصحيفة "النيوزويك"، بل أعمق من ذلك وأخبث، إنها طبيعة مزدوجة ومعقّدة قديماً وحديثاً، طبيعة يُمارسها النظام في الداخل الإيراني، وتجاه الجيران، [ وهذا هو التغميز على اليسار والذهاب من اليمين ، وربما يسمونه ( التقية ) ، هذا الأسلوب الذي برع فيه النظام الإيراني ، والنظام الأسدي ، مما يؤكد الصلة القوية بينهما ] ..
نقاط الاتفاق الأولّى
هذه الطبيعة التي تلتقي مع طبيعة إدارة الشيطان الأكبر حقّقت خطوات على طريق التفاهم المشترك، فحسب آخر المعلومات المسّربة إلى مصادر أوروبية يعنيها "استيعاب" إيران أن أبرز ما أنتجه الاجتماع التحاوري الأخير ببغداد يتعلق بتأكيد الاعتراف الإيراني بالاحتلال، مقابل تأكّيد الاعتراف الأميركي بخصوصية الدور الإيراني في حاضر ومستقبل العراق، هذا بالنسبة للإطار العام، أما بالنسبة لتفاصيل ما دار الحوار حوله فقد تركّز على النقاط المحددة التالية:
* كيفية ضمان تنفيذ ما ينص عليه مشروع استثمار النفط دون مفاجآت مستقبلية، وضرورة الالتزام بكامل "سلّة الاتفاقات" التي سيُقّرها الطرفان دون خروقات.
* كيفية المساهمة المشتركة في السيطرة على أوضاع العراق بعد استفحال العمليات "الإرهابية"، والحؤول دون عودة أو قيام نظام معادٍ للطرفين.
* ضرورة الحفاظ على "خليج هادىء" خصوصاً في هذه المرحلة، وتجنّب الانزلاق إلى حرب التهديدات الكلامية مهما كانت الأسباب، لأنها ستسمم أجواء المنطقة، على أن يجري لاحقاً وضع التفاصيل الكفيلة باستمرار التهدئة، في ضوء تجربة المساهمة المشتركة (أي تجربة تقاسم المصالح والنفوذ في العراق)!
* استغلّ الوفد الإيراني جوّ طرح "سلّة" القضايا السابقة، فأعاد على مسامع الوفد الأميركي طرح موضوع قديم لم يلق تجاوباً من إدارة بوش، ويتعلق بمصير المعارضة الإيرانية المتواجدة على أرض العراق، وتحديداً منظمة مجاهدي خلق الذين يسميهم النظام بالمنافقين، وطالب بضرورة انسجام الولايات المتحدة مع نفسها، والتعامل معهم كإرهابيين – وليس وفق اتفاقية جنيف – أسوة بقرار الاتحاد الأوروبي الذي رفض الالتزام بقرار محكمة العدل الدولية القاضي برفعهم من قائمة الإرهاب.
*كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية