في مصر, ممثلو السينما أهم من حجاج مكة

في مصر, ممثلو السينما أهم من حجاج مكة

أحمد الفلو*

[email protected]

بعد الامتعاظ والانزعاج الذين أبداهما رئيس سلطة رام الله ومساعده فياض من موقف الحكومة المصرية بعد سماحها لحجاج بيت الله الحرام بالمرور عبر معبر رفح والتوجه إلى الديار المقدسة باعتبار ذلك السماح عصياناً للشروط الأمريكية والإسرائيلية القاضية بخنق قطاع غزة والقضاء على حركة حماس , خاصة وأن حاكم رام الله ومساعديه يعتبرون أنفسهم السلطة صاحبة الصلاحية عن تنفيذ أوامر إسرائيل بشكل مباشر , وعليه فإنه لا بد أن يلتزم جميع أركان الحلف المعادي للإسلام ومن ضمنهم النظام الحاكم في مصر بالهدف المعلن و هو إسقاط حركة حماس عن طريق الحصار .

   وقلما سجل التاريخ عبر عصوره حكاماً يتآمرون على شعوبهم مثلما يسجل الآن ما يفعله حاكم رام الله وحاكم مصر وذلك مقابل ضمانات حصل عليها هؤلاء الحكام من الصهاينة بتثبيت وجودهم على رأس السلطة , وقد تجسدت تلك الطاعة العمياء للسيد الأمريكي والإسرائيلي والتي يتسابق هؤلاء الحكام لإظهارها بأقصى مدى من الانكشاف الصارخ حين تستقبل وزارة الثقافة في صالة كبار الزوار بمطار القاهرة  و في فنادقها الفخمة نجوم ونجمات السينما العالمية و هن يرتدين ملابس أكثر احتشاما بقليل من ارتداء البكيني وهن مبتسمات وسط  أجواء احتفالية تتناثر فيها قبلات سعادة الوزير على خدود الجميلات , ومشاهد الرقص الحالم للحم الأبيض في أحضان رجل الأعمال المصري المكلف بتنظيم الحفل , ويقابله المشهد الآخر لتلك الحاجة الفلسطينية التي توفيت على متن سفينة الحجاح لعدم توفر الدواء لها أو تعرض رسامة الكاريكاتير الملتزمة أميمة جحا للإذلال وهي ضمن الحجيج  , وفي الوقت الذي يتبادل فيه السينمائيون أنخاب الشراب حتى الثمالة فإن حجاج فلسطين يتبادلون الأذكار التي تمجد الله في علياءه وتصلي على رسوله الكريم بعيداً عما حرمه الله .

   وفي الوقت الذي يشتم فيه أحد القادة الفتحويين الذات الإلهية  ويقوم قيادي آخر يتقلب في ولائه بين التنظيمات الفلسطينية ليستقر عضواً دائما في قيادة منظمة التحرير بالاستهزاء من الجنة وحور العين ,وفيما يعَّبر الكثيرون من أصحاب السيادة في مصر عن استياءهم من انتشار الحجاب ,وليس هذا فحسب بل إن مصر وقعت مع إسرائيل قبل أيام قليلة اتفاقية زادت  بموجبها كميات النفط والغاز اللذين تصدرهما للعدو الإسرائيلي مع علم تلك السلطات بأن ذلك النفط هو الوقود الذي تستخدمه طائرات ودبابات العدو لقتل أبناء الشعب الفلسطيني وتدمير بيوته خاصة في ظل حظر إمدادات الوقود الداخلة إلى قطاع غزة وبطلب من محمود عباس وهذا ما يجعلنا نتساءل عما يؤدي إليه ذلك السلوك المشين من تداعيات على حياة الإنسان الفلسطيني والتمادي في الإذلال و التركيع لشعب فلسطين و الذي تمارسه القيادتان  في رام الله والقاهرة .

   إن محاولات سلطة عباس بالاشتراك مع حاكم مصر للقيام بإذلال حجاج فلسطين لم تكن الأولى بل تم تسجيل حالات كثيرة كان أهمها مصادرة مصر للأموال التي أحضرها رئيس الوزراء الشرعي إسماعيل هنية بعد جولته عام2006 وتم إنزاله من السيارة التي تقله في الجانب المصري من الحدود و إجلاسه على الرصيف ساعات طويلة وإجباره على المشي في المنطقة الفاصلة بين الجانبين لتكتمل المؤامرة بمحاولة اغتياله من قبل الحرس الرئاسي التابع لمحمود عباس , ويبدو أن ذلك الحلف الشيطاني لم يعد لديه لا خطوط حمراء ولا صفراء يقف عندها خاصة بعدما أعطاهم أولمرت وبوش الضوء الأخضر لفعل أي شيء لتحطيم قطاع غزة على رؤوس أهله .

   ومن المؤكد أن صمود الفلسطينيين وصبرهم ومقاومتهم في وجه الهجمة الشرسة التي يشنها العدو الإسرائيلي بالتعاون مع سلطة عباس وحاكم مصر , هو صمود لا حدود له ومقاومة لا تنفذ وسائلها بل إن تلك المقاومة قد أوجدت حالة من الرعب غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل كان أهم دلائلها انخفاض أعداد المهاجرين إلى فلسطين إلى أدنى مستوياته منذ نشوء الكيان الغاصب , كما أن المقاومة الباسلة قد أعادت قضية فلسطين إلى المربع الأول  وأنها أفشلت كل ما خطط له الصهاينة من اتفاقيات مهينة ومذلّة للشعب الفلسطيني كانت قيادة فتح قد التزمت بها .

   إن محاولة إسرائيل الزج بقضية الحجاج الفلسطينيين ضمن سياسة إحكام القبضة على الشعب الفلسطيني ستنقلب على إسرائيل نقمة وكراهية في العالم العربي والإسلامي , كما أن استجابة حاكم مصر للمطالب الصهيونية ربما ستكون خطوة نحو التعجيل بنهاية نظامه وسقوط هيبته أمام الشعب المصري , و من الممكن أيضاً أن نعتبر الدعم السياسي والمالي والعسكري الذي تلقاه سلطة محمود عباس المتهالكة من إسرائيل ومصر والولايات المتحدة لن يصمد كثيراً في حال نجاح حركة حماس في توظيف قضية الحجاج العالقين توظيفاً إعلامياً وسياسياً على الساحة العربية والإسلامية والدولية , وربما يحترق هؤلاء بالنار التي أوقدوها هم .

               

* كاتب فلسطيني