مصر والرضوخ للابتزاز الإسرائيلي
مصر والرضوخ للابتزاز الإسرائيلي
د. ياسر سعد
[email protected]
مصر الدولة العربية الكبرى كبلتها اتفاقيات السلام مع الدولة العبرية, وأرهقتها
وحجمتها مرارة المساعدات الأمريكية والتي ما عادت مصر الكنانة بفضل إخفاقات نظام
الحكم فيها بقادرة على التنفس من غيرها أو الحياة من دونها. ها هي مصر تخضع وبصغار
سياسي مؤلم للابتزاز الإسرائيلي, فبعد أن هاجم السياسيون الإسرائيليون مصر واتهموها
بالتقصير في منع تهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية (ويا لها من تهمة مشرفة) بل إن
وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني وصفت دور مصر في حماية حدودها بالبشع. لم
يجد الرئيس المصري حسني مبارك سوى وسائل الإعلام الإسرائيلية ليحتج ويشتكي لها
تصريحات الوزيرة تسيبي ليفني, بيد أن تصريحات مبارك كانت أقرب للتبرير والاعتذار
منها للاحتجاج والاستنكار.
ففي مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونت الإسرائيلية قال الرئيس المصري: إن تسيبي ليفني
تجاوزت الخطوط الحمراء معي وأنه من السهل عليها أن تجلس في مكتبها وأن تنتقد أداءنا
على الأرض معتبرا بأن هذا يعكر الأجواء. وأضاف مبارك, العلاقات مع إسرائيل مهمة جدا
بالنسبة لي فلا تفسدوها, وإذا كنتم لا توافقون على طريقتنا في وقف تهريب السلاح،
فتولوها أنتم. وقال مبارك: "تسيبي ليفني سعت لأجهزة الإعلام كي تشتكينا وتمنحنا
درجات، بدلا من رفع سماعة الهاتف والتحادث معنا أو إرسال شخص ليتحدث معنا. هذا
تجاوز للخطوط الحمراء معي."
هكذا يرد الرئيس المصري على تجاوزات ليفني واستفزازها, بأن العلاقات مع إسرائيل
بالنسبة له مهمة جدا, وأن الذي يريده من الجانب الإسرائيلي التواصل الثنائي وعدم
إحراجه أمام شعبه عبر وسائل الإعلام. تخيل لو أن مسؤولا عربيا تعرض للرئيس المصري
بانتقاد لا يتجاوز خمس ما قالته ليفني وغيرها, ماذا سيكون رد النظام المصري؟ ردح
إعلامي عنيف وهجوم صارخ وربما استدعاء السفراء وقطع العلاقات!! فهل يعتبر النظام
المصري علاقاته مع إسرائيل أحد الدعائم الرئيسية التي يستند إليها النظام وظيفة
ومؤهلا لبقاء النظام, ونيلا للدعم الأمريكي في مسألة التوريث المرجحة؟!!
الحكومة المصرية من جانبها تقول بأنها تبذل قصارى جهدها لمنع التهريب في حدود عدد
أفراد الشرطة وقوات حرس الحدود المسموح لها بنشرهم في هذا الجزء من سيناء بموجب
معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية, أي أن مصر مقيدة بتلك الاتفاقيات حتى في
محاولتها القيام بحماية الدولة العبرية.
وحتى تثبت الحكومة المصرية حسن سلوكها للسلطات الإسرائيلية وجهودها المخلصة لتقديم
ما يلزم لنيل الرضا الإسرائيلي فقد عرقلت سير أكثر من ألفي حاج فلسطيني إلى غزة
وأغلقت بوجوههم بوابات معبر رفح الحدودي في محاولة لإرغامهم على العودة من خلال
المعابر الحدودية الإسرائيلية مما يسهل على السلطات الإسرائيلية اعتقال واحتجاز من
تريد منهم, خصوصا وأن منهم قادة في حركة المقاومة الفلسطينية.
وكانت مصر سمحت لهؤلاء الحجاج بمغادرة قطاع غزة عن طريق
معبر رفح لأداء فريضة الحج في الأراضي السعودية. واحتجت إسرائيل حينها رسميا لدي
الحكومة المصرية علي عبور الحجاج الفلسطينيين ولكن وزير الخارجية المصري احمد أبو
الغيط أكد انه غير معني بالاحتجاج الإسرائيلي بل إن ما يعنيه هو تمكين الحجاج
الفلسطينيين من أداء الحج.
الحكومة المصرية في موقفها من حجاج غزة تشارك بزيادة معاناة الفلسطينيين في غزة,
وتضيف إلى جروحهم النازفة جرحا جديدا مؤلما لنا جميعا ومهين لمصر نظاما ودولة.
الشعب المصري والذي تتضاعف احتجاجات قطاعات عريضة منه, من عمال ومهنيين وغيرهم على
السياسات الحكومية وظروف الحياة القاسية, يرقب بغضب فشل حكومته داخليا وعلى كل
الأصعدة وانتشار الفساد وتفشيه في كل مناحي الحياة مما يتضح من الكوارث المتتالية
من سقوط المباني وغرق العبارات وصدام القطارات, ثم يضاف إلى كل ذلك تبعية مزعجة
وتقزيم للدور المصري عربيا وإقليميا ودوليا مما قد يعجل بثورة شعبية عارمة ربما
تؤدي إلى تغييرات دراماتيكية ما لم يسارع النظام بتصحيح سياساته الداخلية وتخفيف
قبضته الحديدية مع المعارضة وتغيير سياساته الحريرية الناعمة مع القوى الإقليمية
والدولية والتي لا تريد خيرا بمصر ولا بشعبها.