الحياء شعبة من الإيمان
أ.د/
جابر قميحةعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ *البخاري
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الإِسْلَامِ الْحَيَاءُ *ابن ماجة " .
وهناك غير هذين الحديثين أحاديث آخرى متعددة تدور في نفس الفلك .
وقد عرفه علماء الشريعة بأنه خلق يبعث على ترك القبيح ،ويمنع من التقصير في حق ذي الحق . أو هو الامتناع عن فعل ما يعاب.
وأخيرًا هو نهي النفس عن القبيح . )وهو كل ما يغضب الله تعالى(. .
ونخلص من ذلك إلى أن الحياء صفة لها جانبها السلبي وهو " الامتناع " ، ولها جانبها الإيجابي وهو الإتيان والارتكاب ، وبعبارة مبسطة أن الحياء امتناع عن فعل الخير مع قدرة الشخص عليه ، كما أنه إتيان الشر والخبيث من الأعمال . وصفته الجامعة هي البعد عن إغضاب الله بالامتناع عن القبيح قولا وفعلا . وفي الحياء حياة للأفراد والمجتمعات . ومن مظاهر ما يناقضه ما نراه في مجتمعاتنا من تهور وفاحشة والإعلان عن القبيح السيء دون شعور بالخجل .
**********
ونحن للأسف الأسيف نعيش تحت وطأة نظام نزع الله الحياء من قلوب القائمين عليه ، فاختلت في رؤيتهم المفاهيم إلى النقيض : فالتهور عندهم شجاعة فائقة وارتكاب الفحشاء حضارة وتنور ، والسرقة والنهب قدرة " وجدعنة " ، والكذب والتزوير عبقرية سياسية ناجحة . ونرى ذلك عمليا في وسائل الإعلام وخصوصا " الصحافة القومية "( !!!! ) التى يتربع على عروشها رجال يسيرون في ركب الحاكم ، ويعملون على إرضائه ، وتبرير كل أخطائه ، فلم تعد صحفا قومية ، ولكنها صحف حزبية ساقطة تنطق بلسان الحزب الوطني الديمقراطي ، وإن شئت فقل الحزب المباركي الذي يدعي القائمون على أمره أنهم حزب الأغلبية في الوقت الحاضر " وفي المستقبل وإلى الأبد " كما قالها كمال الشاذلي من عامين بحماسة دفاقة .
وعلى سبيل التمثيل تنشر الصحف المذكورة كلمات أحمد عز التى يقول فيها : إن نجاح الإخوان سيكون على جثته.. والمنوفية: محافظة الرئيس لن يكون فيها نائب إخواني في مجلس الشعب القادم .
ومن قبل صرح أن الإخوان لم يحصلوا على 88 مقعدا لأن لهم شعبية في الشارع المصري ، ولكن لأخطاء وقع فيها الحزب الوطني ولن تتكرر هذه الأخطاء .
ومعنى هذا أنه لن يتمكن أي عضو في جماعة اإخوان من النجاح في الانتخابات القادمة .
ونذكر أحمد عز ــ إن نفعت الذكرى ــ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحياء شعبة من الإيمان " .
**********
وفي الصفحة الأولى من صحيفة أخبار اليوم ( السبت 10 / 4 / 2010 ) يلطم عيوننا رسم كريكاتيري ظهر فيه أحمد نظيف بقامته المرتفعة وقد انحنى بعض الشيء على صفوت الشريف وجمال محمد حسني مبارك ، وهو يقول لهما : " كل ما اشوفكم مع بعض بقلق ( أي أشعر بالقلق ) ، مهوا الحزب الوطني ده هو اللي خلا الناس تعرف الحرية ، وصوتها يعلى ، وكله على دماغي "
وهذا يعني :
1- أن حرية الشعب منحة من الحزب الوطني ، وخصوصا ثنائي القمة صفوت الشريف وجمال مبارك . ورحمك الله يا عمر فأنت القائل " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟
2- أن الناس يعبرون عن مطالبهم بالصوت العالي ( في صورة إضرابات واعتصامات ومظاهرات ) ، وهذا احساس بفداحة الظلم الواقع عليهم . فرأوا أن هذه السلوكيات هي السبيل الوحيد لنيل حقوقهم المهدرة ، أو بعضها على الأقل .
3- أن في هذا السلوك الجماهيري انكارا ضمنيا بل صريحا بأن وسائل الإعلام الحكومية وخصوصا الصحف لم تعد معبرا حقيقيا عن حقوق الناس ، والمطالب الجماهيرية .
4- أن أحمد نظيف يعتبر هذا السلوك الجماهيري إنما ينعكس عليه ويسبب له المتاعب ، كأن مطالبة الشعب بحقوقه ــ على أي طريقة كانت ــ يعد لطمات موجهة إليه شخصيا .
ويجب ألا ننسى أن نظيف له رأي مشهور بأن شعبنا المصري ناقص الأهلية ، ومن ثم ليس جديرا بالديمقراطية .
**********
ونسأل الثنائي صفوت وجمال حسني : أي حرية منحها الحزب الوطني للشعب ؟
أهي استعمال الطرق الوحشية في التعامل مع المعتصمين والمتظاهرين ؟
رجالا ونساء وشبابا بالضرب وتمزيق الملابس ، وإلقاء القبض على العشرات منهم ، وإلقائهم في غيابات السجون ، وتعذيبهم على يدي زبانية الأمن وراء الجدران السوداء .
أم هي الحرية في محاكمة الأبرياء من المدنيين بالقضاء العسكري ، وصدور أحكام قاسية ضدهم ، مع أنهم أشرف المواطنين على الإطلاق ؟.
أم هي الحرية في الاستيلاء على أراضي الدولة ، دون رقابة أو حساب ؟ .
وأردد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم موجها لهذا الثلاثي : الحياء شعبة من الإيمان ، وقد فقدتموه ، دون أن يحاسبكم أحد .
**********
ويأخذني الأسى وأنا أرى وزير التربية والتعليم يستخدم سلطاته استخداما تعسفيا لا يتفق مع الحد الأدنى من الإنسانية والحرص على مصلحة الوطن ؛ فسيادته يرى أن النقل وسيلة ناجعة من وسائل إصلاح التعليم ، فنقرأ أنه نقل مدرسي بعض المدارس إلى مدارس بعيدة عن مقر سكناهم وإقامتهم .
وإذا صح هذا الإجراء الذي زعم الوزير أنه اتخذه حرصا على"جودة " التعليم وارتقاء به . فإنا نسأل ما ذنب المدارس التي نقل إليها هؤلاء ؟
إنها ــ ولا شك ــ ستعاني من تقصيرهم وانحرافهم . وما ذنب المدرسين الأسوياء الذين يرعون حق العمل في مدارسهم ، فهؤلاء قطعا سينقلون نقلا عكسيا حتى يحل مكانهم المقصرون ، والمخالفون .
يا سيدي الوزير المسألة ليست مسألة عقاب ينزل بأناس مخالفين وإلا تحولت سياسة الوزارة إلى قوة أمنية عشواء . ولا يتسع المجال لأن أرسم لسيادتكم خريطة لمنهج في الإصلاح الحقيقي . وقبلها عليك أن تقوم بإصلاح لغوي : فعبارة : لجنة أو لجان " جودة التعليم " خطأ ، والصواب هو " لجنة إجادة التعليم " لأن معنى العبارة الأولى أن هذه اللجنة أو اللجان تتولى شئون تعليم يتمتع بالجودة والرقي ، وهذا غير صحيح ، أما التعبير السليم فيكون بكلمة " إجادة " وهي تعني العمل الناشط على تحقيق الجودة للتعليم بكل أنواعه .
**********
وكنت أتمنى أن أتحدث عن التهويلات والأكاذيب التي جاءت في صفحة كاملة على لسان الوزيرة المشهورة عائشة عبد الهادي وزيرة القوى العاملة ، وأشهر من أمطرت يدي السيدة سوزان مبارك بوابل من القبلات الحارة . صفحة كاملة في أخبار اليوم تصدرتها العناوين الأتية :
الاعتصامات والإضرابات لا تقلقني
نرفض الوساطة والتنازل عن حقوق العمال والحكومة تساند مطلبهم " ص 9 من أخبار اليوم 10 / 4 / 2010 "
كنت أتمنى ولكن :
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن
ولكني أحاول أن أذكر الوزيرة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
**********
والخلاصة أننا نعيش عصر الأكاذيب والزيف والعار ... سقوط متتابع في سقوط ، الكلمة للهوى ، والهيمنة للباطل . وإنه لعار ضارٍ أن يصرح وزير مصري ــ لا فائدة فيه أسمه مفيد شهاب في معسكر للشباب : " إن الإخوان المسلمين أشد خطرا على مصر والبلاد العربية من إسرائيل " ( !!!!! ) .
وأن ينشر الأهرام بالخط الكبير في صدر الصفحة الأولى :
اتهام إسرائيل وحماس بارتكاب جرائم حرب
العفو الدولية : إسرائيل قصفت غزة بالفوسفور الأبيض .. وحماس روعت المدنين بالصواريخ ( الأهرام الجمعة 3 / 7 / 2009 ) (( تنبيه : الأهرام صحيفة مصرية) . ومن هذه الأسطر القليلة نخلص إلى ما يأتي :
1- المساوة في الحكم بين اللص المعتدي ، والضحية المعتدى عليها فيه ظلم صارخ .
2- خطأ تعبير " المدنين الإسرائيليين " . فقد غاب عن هؤلاء أن إسرائيل ليس فيها مدني وعسكري ، لأن كل إسرائيلي ــ من الجنسين ــ جندي في جيش العدوان الإسرائيلي .
3- والأهرام أو ما يسمى بالصحف القومية المصرية لا تنقطع حملاتها على حماس ، وعلى كل جماعة تتمسك بدينها ، وتنتصر له .
هذه الصحف التي تتمتع برعاية الدولة، وتملك أوسع الإمكانات، ويعيش رؤساء تحريرها، ومجالس إداراتها في نعيم "قاروني" حتى إن أحدهم أعاد إنشاء "حمامه" في دار صحيفته بتكلفة مليونين من الجنيهات.. هذه الصحف سموها الصحف القومية. أي والله...والمعروف أن هذا الوصف وصفٌ "شريف"؛ لأنه يعني العمل لمصلحة الوطن، ولو أدى إلى "إغضاب" القادة والحكام،
ولكن وصف "القومية" الذي يخلعه كُتاب المستنقع وصحفيوه على صحف الحكومة يعد وصفًا مغلوطًا لا يتفق مع الواقع، ووراء هذا الوصف باعث نفسي قوي هو "الحرص على إرضاء" السلطان، فإذا تحقق هذا الهدف، تحقق النفع الذاتي من مناصب، وأموال، ورحلات في مصاحبة القادة والسلطان.
أما هذه الصحف فمهمتها الأولى هي "التبرير" و "التلميع" ... تبرير أخطاء النظام وتصويرها على أنها خير "الممكنات" ، وأنها تدل على بُعد النظر والرؤية الصائبة.. بل المثالية.
ويتطوع المستنقعيون ـ في سبيل إرضاء السلطان ـ بالتنافس بإصدار أحكام تعتبر نقيض الواقع . مثل:
ـ قولهم إننا نعيش حاليًا أزهى عصور الحرية، والديمقراطية.
ـ وقولهم إن العهد الحاضر هو أرقى العهود تفتحًا وتقدمًا، وعدالة من عهد مينا حتى الآن.
ـ قولهم: المعارضون للنظالم الحالي كلهم عملاء، تمونهم "دول أجنبية".
ـ وقولهم: الجماعة المحظورة تستحق هذه الضربات الإجهاضية.
ولا بد "رفع" درجة هذه الضربات حتى يتحقق للدولة القضاء البات الكامل على هذه المحظورة.
ولا أنسى ما قاله مكرم محمد أحمد في برنامج تلفازي "إن الإخوان إذا دخلوا قرية أفسدوها".
ولا خلاص لهذا الشعب من الكوارث التي يعيشها إلا بالتغيير الشامل السديد ، وكفانا كوارث ومصائب وضياع .
وفي الختام أقول لهؤلاء جميعا : شيئا من الحياء يا هؤلاء ؛ فالحياء شعبة من الإيمان .