انتهاكات حقوق الإنسان في سورية

د. عبد الله السوري

د. عبد الله السوري

[email protected]

لقد تم التأسيس لانتهاكات حقوق الإنسان في سورية من خلال القانون الذي فرض على الناس، لتكون حقوق الإنسان منتهكة بالدستور والقرارات والتعليمات والإجراءات، وكذلك احتكار السلطة للمال والثروة، وليكون الاعتداء على حياة الإنسان السوري وحريته وأمنه مصاغاً بقوانين غريبة ومدعماً بإرادة سلطوية بيدها كل الصلاحيات لتفعل ما تريد، ولعل أبرز هذه القوانين هي:

1- قانون الطوارئ الذي فرض بالأمر العسكري رقم (2) تاريخ 8/3/1963 وعطل بموجبه الدستور والقوانين المعمول بها. وكذلك تم فرض الأحكام العرفية بالأمر العسكري السابق.

2- قانون حماية الثورة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 6 بتاريخ 7/1/1965 .

3- قانون "إحداث إدارة أمن الدولة" الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 14 تاريخ 25/1/1969، والمادة 74 والمادة 101 من قانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة، وقواعد خدمة العاملين فيها، الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 549 تاريخ 25/5/1969 .

4- المحاكم الخاصة الاستثنائية: أنشئت بمرسوم رقم (6) تاريخ 1 تموز 1965 وأعطيت تلك المحاكم حق النظر في القضايا السياسية الصرفة.

5- محكمة أمن الدولة: أنشئت بالمرسوم التشريعي رقم 47 تاريخ 28/3/1968. وهذه المحكمة اختصت بكل ما تختص به المحاكم الاستثنائية (الجرائم السياسية)، لكنها تفوقها بالإخلال بحقوق التقاضي أمامها وهي تعمل بدون نظام داخلي وليس هناك فرصة للطعن بأحكامها.

6- المحاكم العسكرية الميدانية: أنشئت بالمرسوم رقم (109) في 17 آب 1968 وهي تشكل في أي مكان أثناء الحرب أو خلال العمليات العسكرية. وقد خول وزير الدفاع بتعيين قضاة هذه المحاكم ومعظمهم يأتي من ضباط الجيش أو من الرسميين في حزب البعث، فهي محاكم مركزها خارج النظام القضائي. وقد اعتبرت نقابة محامي دمشق هذه المحاكم مناقضة للقانون والنظام القضائي وذلك بالقرار رقم (22)/حزيران 1978، وفي الوقت نفسه قدمت نقابة المحامين السورية شكوى ضد هذه المحاكم. وقد اعترف وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس الذي كان المشرف العام على هذه المحاكم بأنه كان يوقع على إعدام 150 شخصاً أسبوعياً وذلك خلال مقابلة له مع صحيفة دير شبيغل الألمانية (العدد: 8) تاريخ 21/2/1990 في حين أن الذين نجوا من سجن تدمر الرهيب يقولون إن وجبتين أسبوعيتين كانتا تعدمان وليس وجبة واحدة وفي كل وجبة مائة وخمسون رجلاً من رجالات سورية.

7- القانون 49 لعام 1980 الذي أقره مجلس الشعب السوري من نفس العام ويحكم بالإعدام على كل منتم للإخوان المسلمين (مجرد الانتماء وبأثر رجعي) ذروة الاعتداء على حق الرأي والعمل بالتمييز بسبب الرأي وقمع أي رأي مخالف.

8- استمرار العمل بالمرسوم التشريعي رقم 93 لعام 1962 الذي قرر سحب الجنسية من مائتي ألف شخص كردي.. وحرمانهم من حقوق المواطنة والحقوق المدنية وغيرها.

9- حماية الأجهزة الأمنية والعاملين فيها من أي ملاحقة قانونية فقد نصت المادة 74 من قانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 549 بتاريخ 25/5/1969، على أنه ((لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في إدارة أمن الدولة أو المنتدبين أو المعارين إليها أو المتعاقدين معها مباشرة أمام القضاء في الجرائم الناشئة عن الوظيفة أو في معرض قيامه بها..)).

10- تكريس نظام الحزب الواحد، فقد نصت المادة (8) من دستور عام 1973 على أن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع، وهذه المادة حرمت الإنسان السوري من كل حق من حقوقه الإنسانية والسياسية لأن منطوق هذه المادة تحرم المواطن من أي تشكيل سياسي أو اجتماعي أو حتى خيري.

11- مواد الدستور الحالي من (91-114) جعلت من رئيس الدولة مقنناً ومشرعاً وحاكماً تنفيذياً متفرداً ومستبداً لا قانون يحكمه ولا جهة تسائله.

المجازر الجماعية في عهد حافظ أسد:

شكلت المجازر الجماعية التي ارتكبها النظام ضد الشعب السوري منذ وصوله إلى الحكم بانقلاب عسكري أبرز الانتهاكات لحقوق الإنسان في سورية، وجريمة لإبادة الجنس البشري وأبشع صورة لسياسة التمييز العنصري، وذلك من خلال أجهزة الأمن والميلشيات من مثل سرايا الدفاع وسرايا الصراع، وقطعات الجيش المشكلة خصيصاً لحماية الحكم من مثل اللواء 70 واللواء 45.

أ- مجزرة دمشق: حضرت في 18/8/1980 أعداد كبيرة من القوات المسلحة إلى ساحة العباسيين في دمشق وانطلقت تداهم البيوت المجاورة وتطلق الرصاص بكثافة كما تطلق قذائف  (آر. بي. جي) وكان حصاد هذه المجزرة 60 قتيلاً و 150 جريحاً وتدمير ثلاث بنايات.

ب- مجزرة سوق الأحد بحلب: حصلت هذه المجزرة بتاريخ 13/7/1980 على خلفية اعتراض المواطنين على التصرفات الوحشية التي صدرت عن بعض عناصر الوحدات الخاصة المتواجدة في سوق الأحد بحلب، وعلى إثرها قامت القوات الخاصة بإطلاق النار وبطريقة عشوائية على المواطنين فقتلت (42) شخصاً بريئاً وجرحت 150 آخرين.

ج- مجزرة هنانو: وقعت المجزرة صبيحة يوم 11/8/1980 وهو أول أيام عيد الفطر حين أقدمت عناصر من الوحدات الخاصة على إجبار سكان منطقة المشارقة على الخروج من منازلهم وجمعتهم قرب مقبرة هنانو المجاورة وفتحت عليهم نيران أسلحتها وقتلتهم جميعاً وبلغ عدد الضحايا 83 قتيلاً.

د- مجزرة  سجن تدمر بتاريخ 27/6/1980: توجهت 12 طائرة هليوكبتر من مدينة دمشق إلى مدينة تدمر تحمل كل طائرة 30 عنصراً ثم طوقت سجن تدمر وأخرجت منه حرس السجن ووزعت مجموعات القوة على مهاجع السجن ففتحت الأبواب ودخلت إلى المهاجع تطلق النار على المعتقلين وخلال نصف ساعة قضت على جميع المعتقلين الذين بلغ عددهم 700 قتيل حسب رواية العملاء السوريين الذين تم القبض عليهم في عمان في محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأردني مضر بدران. ثم حملت الجرافات الجثث إلى سيارات شاحنة ودفنتهم بحفر جماعية في وادٍ شرق تدمر وبعد أن تم تنفيذ الجريمة عادت العناصر إلى دمشق فاستقبلهم العقيد معين ناصيف قائد اللواء 40 من سرايا الدفاع ووزع عليهم الهدايا. وقدمت في حينها حكومة الأردن شكوى إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مع تفاصيل الجريمة لمجزرة تدمر وقد طرح موضوع هذه المجزرة على لجنة حقوق الإنسان بالوثيقة رقم 1469/4/218 E تاريخ 3/4/1981.

هـ- مجزرة جسر الشغور: في 9/3/1980 قام المواطنون في مدينة جسر الشغور السورية بمسيرة جماهيرية يحتجون على سياسية التمييز العنصري التي تمارسها الحكومة بحق المواطنين السوريين. وبتاريخ 10/3/1980 حطت 16 طائرة حوامة في بلدة جسر الشغور وصوّبت مدفعيتها على المدينة فهدمت وأحرقت 20 منزلاً و50 محلاً تجارياً وقتلت 120 مواطناً ثم عقدت محكمة ميدانية برئاسة توفيق صالحة وحكمت بالإعدام على جميع من تم استدعاؤه للمثول أمام المحكمة وعددهم 109 مواطنين وبعد انتهاء المحاكمة وفي نفس اليوم قامت بتنفيذ حكم الإعدام فيهم.

و- مجزرة سرمدا: في صباح يوم 25/7/1980 وانتقاماً من أهالي بلدة سرمدا الذين قدّموا عريضة إلى الرئيس السوري يطالبونه بالحد من سياسة التمييز العنصري طوقت القوات الخاصة البلدة وطالبت السكان بترك مساكنهم والتجمع في ساحة البلدة ولما اجتمعوا قاموا بفتح النار على المجتمعين فسقط أربعون قتيلاً ثم عقدوا محكمة ميدانية وخلال ساعة واحدة حكمت بالإعدام على سبعة عشر مواطناً ونفذت فيهم حكم الإعدام في اليوم نفسه.

ز- مجزرة الرقة: في 15/9/1980 ونتيجة لمظاهرة حاشدة طافت شوارع مدينة الرقة تطالب بوقف انتهاكات حقوق الإنسان أقدمت القوات الخاصة باعتقال /400/ مواطن من الأشخاص المشاركين في المظاهرة ووضعتهم في مدرسة ثانوية بعد أن حولت هذه المدرسة إلى سجن، ثم أقدمت على تصفيتهم بأن أشعلت حريقاً في المدرسة وأزهقت أرواح جميع المعتقلين دون أن يتمكن أحد منهم من النجاة وجرياً على سياسة تزييف الحقائق فإن الحكومة عزت الحريق لحادث طارئ وجاء في بيان الحكومة (نشب حريق في إحدى المدارس أدى إلى قتل بعض الأبرياء وأنه تم إخماد النار بعد وقت قصير).

ط- المجازر الجماعية في مدينة حماه: لقد نالت مدينة حماة أكبر حصة من المجازر الجماعية على أيدي النظام فمنذ عام 1979 بدأت الإبادة الجماعية بحق سكان حماة وتصاعدت هذه الممارسات في عام 1980 حيث ارتكبت قوات النظام بتاريخ 7/4/1980 مجزرة بحق سكان المدينة وخاصة النقابيين من الأطباء نذكر منهم: الدكتور عمر شيشكلي والدكتور عبد القادر قندقجي ورجل الأعمال أحمد قصاب باشي والدكتور خضر شيشكلي واستمرت الممارسات حتى 22/4/1981 حيث ارتكبت مجموعة من المجازر استمرت حتى 26/4/1981 بلغ مجموع الضحايا وفقاٌ لسجلات المستشفى الوطني /255/ قتيل.

ظ- مجزرة حماة شباط 1982:

كان عام 1982 بالنسبة لمدينة حماة قمة الإبادة الجماعية فالمجزرة الكبرى بدأت بتاريخ 2 من شباط وحتى 5/3/1982 وهي أكبر مجزرة في تاريخ سورية. وقد نجم عن هذه المجزرة مقتل 10000 عشرة آلاف مواطن حسب تقدير منظمة العفو الدولية. إلا أن إحصاءات دوائر الأحوال المدنية في حماة بينًّت أن قيود النفوس التي أزهقت نتيجة لوفاة أصحابها عام 1982 بلغت 47.650 سبعة وأربعين ألفاً وستمائة وخمسين قتيلاً أما الأضرار المادية للمدينة فقد تم تدمير ثلث أحياء المدينة وهدمت بالكامل 88 مسجداً من أصل 100 مسجد كما هدم خمس كنائس. وقد تناولت أنباء هذه المجزرة أجهزة الإعلام العالمية والمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان. وإذا علمنا أن سكان مدينة حماة لا يتجاوزون 300000 ثلاثمائة ألف مواطن وأن تقديرات الضحايا كان في هذه المجازر يقرب من خمسين ألف مواطن فيكون سدس سكان مدينة حماة قد قتلوا بسبب سياسة التمييز العنصري في سورية.

سورية في عهد بشار الأسد:

بقيت القوانين التي ترتكب باسمها انتهاكات حقوق الإنسان والتي من أهمها قانون الطوارئ الذي مضى على فرضه 47 عاماً كما بقيت الأحكام العرفية والقانون 49 وغيرها من القوانين سارية المفعول في عهد بشار الأسد فلازالت حتى الآن انتهاكات حقوق الإنسان في سورية مستمرة، ولعل أهم المجازر التي حدثت في عهد بشار الأسد مجزرة سجن صيدنايا.

مجزرة سجن صيدنايا:

وقعت مجزرة سجن صيدنايا في 5 تموز عام 2008 وراح ضحيتها عشرات النزلاء السياسيين  فقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش المجزرة  ووفقاً لنزيل تحدثت إليه المنظمة الدولية عبر الهاتف فقد وجه الضباط في السجن الإهانات إلى النزلاء وداسوا بأقدامهم نسخاً من القرآن الكريم بعد أن ألقوا بها على الأرض، مما أدى إلى ردة فعل من قبل المعتقلين الذين تمت مواجهتهم بالرصاص الأمر الذي أدى إلى مقتل العشرات منهم وجرح آخرين.

- ما يزال بشار أسد ونظامه الحاكم يتمسك بالمادة رقم (8) في الدستور التي تنصّ على أن (حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع) وهي مادة تلغي أي حراك شعبي وطني سياسياً كان أم اجتماعياً.

- قيام المخابرات السورية بتاريخ (10/5/2005م)، بقتل الشيخ الكردي (محمد معشوق الخزنوي) رحمه الله، بعد خطفه من مكتبه في دمشق.. ثم العثور على جثته مدفونةً في حلب بتاريخ 4/6/2005م، ولم تسمح السلطات للجنةٍ محايدةٍ بالتحقيق في هذه القضية.

- بتاريخ 10/6/2000م، تم تعديل المادة 83 من الدستور السوري، بإصدار القانون رقم /9/ يجعل الحد الأدنى من عمر المرشح لرئاسة الجمهورية العربية السورية (34) سنةً بعد أن كان (40) سنة، وذلك تطويعاً للدستور، بهدف توريث بشار أسد الحكم بعد وفاة والده.. وقد تم ذلك خلال دقائق..

- استمرار العمل بالقانون رقم (49) الصادر بتاريخ 7/7/1980م، القاضي بالإعدام على كل مَن ينتسِب إلى جماعة الإخوان المسلمين، وقد حُكِم في عهد بشار أسد، على عشرات المواطنين السوريين بموجب هذا القانون في محكمة أمن الدولة والمحاكم العسكرية منهم، سبيل المثال: المهندس عبد الستار قطان وخُفف الحكم إلى السجن /12/عاماً.

- في شهر تشرين الأول 2005م، أعلِن عن انتحار وزير الداخلية (غازي كنعان).. لكن وكالة (قدس برسّ) علّقت على ذلك بقولها: [لقد انتهت إلينا أخبار مهمة منذ أربعة أسابيع، تفيد بأن اللواء (غازي كنعان) (مستعد للتعاون مع القاضي الألماني (ديتليف ميليس) الذي يحقق بقضية اغتيال الرئيس الحريري، ولكَشْف تفاصيل الاغتيال وسلسلة الأوامر التي مرّ عبرها التنفيذ.. مقابل وضعه (أي غازي كنعان) ضمن برنامج حماية الشهود)] (قدس برس-14/9/2005م). وهذا ما رجّح أنّ (كنعان) نُحِرَ ولم ينتحِر.

- اعتقلت السلطات الأمنية السورية الكاتب والصحافي المعروف (ميشيل كيلو) بسبب كتاباته وأنشطته الداعية إلى الديمقراطية، وقد تردّد أن السبب المباشر للاعتقال هو صلته بإعلان (دمشق- بيروت) الذي صدر قبل ثلاثة أيامٍ بتاريخ 12/5/2006م. (اللجنة السورية لحقوق الإنسان بتاريخ 15/5/2006م).

- اعتقلت السلطات السورية المحامي الناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان (أنور البني) وخمسة ناشطين آخرين في مجال حقوق الإنسان، وذلك على خلفية التوقيع على عريضةٍ تطالب السلطات السورية بتحسين علاقاتها مع الحكومة اللبنانية. (إذاعة البي بي سي بتاريخ 18/5/2005م).

- اعتقلت قوات الأمن السورية فجر يوم 25/5/2005 أعضاء (منتدى الأتاسي للحوار الوطني) الثمانية من منازلهم، وبينهم (سهير الأتاسي) رئيسة المنتدى، والكاتب الصحفي (حسين العودات) الذي كان يدير الندوات، المدير السابق لوكالة الأنباء السورية (سانا) والمستشار السابق لرئاسة مجلس الوزراء السوري، وذلك على خلفية مطالبتهم بالإفراج عن عضو المنتدى الكاتب (علي العبد الله). (وكالات، وصحيفة الرياض السعودية، واللجنة السورية لحقوق الإنسان، بتاريخ 25/5/2005م).

- أعادت الأجهزة الأمنية اعتقال المحامي هيثم المالح في أواخر تشرين الأول 2009م بسبب آرائه المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية.

مصادر البحث:

تقارير منظمة العفو الولية

تقارير اللجنة السورية لحقوق الإنسان

كتاب الوثائق الأردنية