مثقفون من كرتون
(أنت الذي تستثني نفسك، إيّاك أعني)
ياسين سليماني
[email protected]
هؤلاء
الذين تزدحم بهم المجالس المسماة نخبوية، ذوو البدلات الأنيقة بالألوان الداكنة، و
ربطات العنق المزركشة النائمة على البطون المنتفخة من التخمة والنوم الطويل.
السعداء بأوضاعهم، المرابطون في حصون تخلفهم.
هؤلاء
الذين يلهثون للتكريم، ويعشقون المدح والثناء بمناسبة وبغير مناسبة،
العرجان
عن طريق الحقيقة، الذين يسمون أنفسهم أساتذة
وبعضهم دكاترة.
والذين
يتحدثون في الميكروفونات أمام عامة الناس، فيشوشون أذهانهم بكلماتهم الواسعة
الغامضة عن الإيديولوجيا والأصولية والتقدمية وعن الاحتباس الحراري وأزمة
الديمقراطية في الزائير ومستقبل العالم في القرن الخامس والعشرين.
الذين
يحشرون أنوفهم في كل المواضيع المطروحة، عن الفلك وعن الفيزياء وعن الأدب والفلسفة
وعن الرياضيات ومشاكل الولادة والعمليات القيصرية وأزمة اكتظاظ السجون في روسيا
القيصرية أو الفيدرالية.
الذين ليست لهم من الشهادات
إلاّ شهادة الميلاد
(أعرف أحدهم ليس له إلاّ شهادة التعليم الابتدائي
ورغم ذلك يتحدث في كل شيء، ويناقشني أنا خريج قسم الفلسفة في مواضيع فلسفية و يصدر
أحكاما حولها وأنا أعلم الناسِ أنه لم يطلع عليها إلاّ كما اطلع الناس على الغيب).
هؤلاء
هم مثقفون من كرتون الذين ابتلانا
القدر بهم فنُكبنا النكبة الكبرى.
مصيبتنا نحن الجزائريون أننا نظن أنفسنا جميعا مثقفين،وأننا مركز الكون، وعقولنا
تزن بلدا بأكمله كما يقولون، والجميع مصاب بقلة الوعي ومن واجبه استشارتنا لنحلّ له
مشاكله ومشاكل أمه وأبيه وحتى أحفاده الذين سيتشرف العالم بميلادهم بعد نصف قرن!!
لذلك
تجدنا نأمر وننهى، ونرى الرأي ونخالف الآراء، ونُعدّل ربطات عنقنا لنبدو بالجمال
المطلوب أمام كاميرات الصحفيين الذين اشترينا ذممهم فأصبحوا أذيالا وتبعا لنا.
ما زلنا لم نعِ أنّ العالم
تغير من حولنا ونحن نفكر بعقلية عشرينيات القرن الماضي، لا نتعلم لغة ثانية ونسمي
هذا اعتزازا بلغتنا الأم لغة أهل الجنة، ولا نأكل بالشوكة والسكين لأنّ هذا من
تأثير العولمة أو الأمركة، كما لا نفعل غيرها من الأشياء بدعوى مخالفة الكتاب
والسُنة أو تقليد الغرب المادي اللائكي،في حين أنّ مئات من الذين كنا نحسبهم يافعين
قد ناطحونا وسبقونا وهاهم اليوم أرباب أعمال وأصحاب مشاريع فكرية عميقة نقف أمامها
خرسا.
نحن
الذين كذبنا الكذبة ثم صدقناها، هل نحن مثقفون حقيقة
ونحن لا نعرف إلاّ الجعجعة فيما الطحين قد خُبز وطُهي وأُكل في مكان غير مكاننا؟
ما
أحوجنا أن نفيق من هذا الوهم الكبير، وهم صناعة الثقافة ، فلسنا إلاّ فاشلين أمام
المعلِّم... وليت القارئ يعرف من نقصد به.