البدل النقدي لخدمة العلم
البدل النقدي لخدمة العلم
د.خالد الأحمد *
شرع البدل النقدي منذ الخمسينات ، ليتخلص أبناء الأسر الثرية من عبء الخدمة العسكرية ، وخاصة الأسر ( السنية ) صاحبة الثراء الواسع كالتجار الكبار في دمشق وحلب ، وكبار الإقطاعيين ، كانوا يأنفون من إرسال أولادهم إلى الجيش ، حتى لو كانت الكلية العسكرية ، وكان البدل النقدي (500) ليرة سورية فقط ، ثم أوقف دفع البدل النقدي بعد حرب (1967م) ، وبقي في حالات خاصة جداً لأبناء المسؤولين والمتنفذين الكبار حيث ، يعلم الشخص المعني ليجهز أوراقه ، ثم يصدر الأمر لمدة ساعات فقط ريثما يدفع ذلك الشخص المعني ، وقد يستفيد منه بضعة أشخاص من المقربين الذين عرفوا سر اللعبة ...
البدل النقدي للمغتربين :
واستحدث قانون البدل النقدي للمغتربين منذ فترة قريبة ، ربما من الثمانينات ، عندما صار النهب والسلب علنياً لدى المسؤولين الكبار ، وخلاصته أن يقيم المواطن خمس سنوات في بلدان الخليج ، ويدفع خمسة آلاف دولار أمريكي بدلاً نقدياً عن خدمة العلم ...وصار كثير من الشباب السوري يخرج إلى دول الخليج للعمل ودفع البدل النقدي ، ليتخلص من الخدمة العسكرية حيث الإذلال كما في دورة الأغرار ، والاحتقار للمجندين ، وضباط الصف المجندين ، خاصة عندما يقارن وضعهم بالضباط العاملين ، وعليه أن يقدم سند إقامة لشعبة التجنيد التي يتبع لها في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الميلادي ، يثبت أنه موجود في بلدان الخليج ،وإذا غاب عن البلد أكثر من شهر أو شهرين لا أعرف بالضبط تخصم عليه من مدة السنوات الخمس ،حتى يصل إلى العام الخامس فيدفع البدل النقدي وقدره خمسة آلاف دولار أمريكي فقط ، تدفع في بنك أمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية لصالح وزارة الدفاع السورية !!! والعجب كل العجب أن يكون حساب وزارة الدفاع السورية لدى بنك في الولايات المتحدة الأمريكية ( طبعاً تحت إشراف المخابرات المركزية الأمريكية ) ...
والمواطن المسكين يوفر ويحرم نفسه وأولاده وأسرته في سوريا التي تتتظر مساعدته ، يحرم هؤلاء كلهم خمس سنوات كي يتمكن من توفير خمسة آلاف دولار ، يدفعها في بنك أمريكي لصالح وزارة الدفاع السورية ....
ومنذ أكثر من عشر سنوات متوسط راتب الوافد في بلدان الخليج يتراوح بين ألف وخمسائة ريال سعودي ، وثلاثة آلاف ريال للمهندسين والأطباء في بداية عملهم ، وهذا يعني أن هذا المواطن السوري الذي يعمل بألف وخمسمائة ريال سوف يسجن نفسه ويحرمها من معظم حقوقها ، وربما يحرم أولاده من حاجاتهم كي يوفر خمسمائة ريال شهرياً ، أي خمسة آلاف سنوياً ( تحذف الإجازة ) ، وبعد أربع سنوات يوفر خمسة آلاف دولار كي يدفعها لحساب وزارة الدفاع السورية في بنك أمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية ، زعيمة الإمبريالية في العالم ، والشيطان الأكبر كما يقول الصفويون !!!
أما أولاد المهجرين قسرياً ، ويقيمون في دول الخليج ، فعليه أن يتخرج من الجامعة ، بعد أن يدفع له والده من (50) إلى ( 100) ألف ريال سعودي ، وكلامي قديم ، وربما الآن تضاعفت الأرقام ، وبعد تخرجه يعمل براتب من (2000) إلى ( 3000) آلاف ريال سعودي ، وعليه أن يتزوج وكل هذه الشريحة من الناس تعجل الزواج قبل دفع البدل النقدي ، حرصاً على أن تعف أولادها وتصونهم ، ولذلك يتخلف أولادنا حسب أنظمة خدمة العلم في سوريا ، لأن وحدات الأمن لاتقبل وضعهم تحت الإشراف وهم طلاب ، ولاتعطى لهم سندات إقامة من بلد الخليج لأنهم يدرسون خارج بلد الخليج ، وبالتالي ليس أمامهم إلا التخلف عن الخدمة العسكرية ... وبعد الزواج والسيارة حيث يستنزف من الشاب السنوات الخمس الأولى على الأقل ، وبعدها يتمكن أولادنا من جمع خمسة آلاف دولار أمريكي لصالح وزارة الدفاع السورية تودع في بنك أمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية عندما يقارب الخامسة والثلاثين من العمر ... وقبل بضع سنوات بعد أن يدفع تلك ( الأتاوة ) لايمنح جواز سفر ، وكنت أقنع أولادي كي يدفعوا ، وكانوا يجادلوني لماذا ندفع إذا لانعطَ جواز سفر ، هل نحن أسرى !! أم مواطنون !! يطالبوننا بالخدمة العسكرية لأننا مواطنون ، فلماذا لايمنحونا جواز سفر حيث يعطى لكل مواطن !!!؟؟ وقد تكررت هذه الظاهرة عشرات المرات في محيط إقامتي ، حيث يمنح أولادنا جواز سفر مادام مؤجلاً بسند إقامة ، حتى إذا دفع البدل النقدي ، حرم من جواز السفر وطولب بالنزول إلى سوريا !!! ولذلك أحجم بعض المواطنين عن دفع البدل النقدي ... وكي لا أجحد الواقع الآن والحمد لله يعترف بالمهجرين القسريين أو الطوعيين ، كثلث مواطن ، ويمنحون جواز سفر لمدة سنتين ، وكثير منهم وجدها نعمة كبيرة من الله عزوجل ، ويدعون الله أن تدوم هذه النعمة ، وأن يعترف بهم كنصف مواطن على الأقل ....
ألفان دولار فقط :
وقبل عام أو عامين صدر قانون جديد جريء ولصالح المواطن السوري ، وخاصة أولاد المهجرين القسريين أو الطوعيين ، وهو تخفيض البدل النقدي إلى ألفي دولار فقط ، لمن ولد في بلدان الخليج .... ومن المؤسف أن كثير من أولادالمهجرين القسريين من مواليد ( 1980) أحضروهم معهم وأعمارهم بضعة شهور ،ومعظم المهجرين خرجوا من سوريا في عام (1980) ، وُيتندر على مواليد ( 80) الآن وُيقال لهم : لو مكثتم في بطون أمهاتكم بضعة شهور زيادة ، لقبل منكم البدل النقدي ألفان دولار فقط ، لكن لأنكم ولدتم على تراب وطنكم الأصلي، وكأنكم ارتكبتم جريمة تستحق الغرامة فيجب عليكم أن تدفعوا خمسة آلاف دولار .... ويبدو أن هذه المكرمة جاء بها معالي وزير المغتربين ( بثينة شعبان ) بعد عدة لقاءات مع المواطنين في بلاد المهجر ، وبعد أن عرفت أن كثيراً منهم لايزورون بلدهم لأنهم لم يدفعوا البدل النقدي ، وأظن البدل النقدي في بلاد الغرب أكثر من خمسة آلاف دولار ، وربما يصل إلى خمسة عشر ألف دولار...
المرسوم (30) :
وفي 6/5/2007 صدر المرسوم (30) القاضي بتخفيض البدل النقدي للمولودين خارج سوريا إلى مبلغ رمزي فقط وهو (500) دولار فقط ... ولأولئك ( الذين أسرعوا بالخروج من بطون أمهاتهم )وولدوا على أرض الوطن، خفضت غرامتهم من خمسة آلاف دولار إلى ثلاثة آلاف دولار ، ويقال أنه سيأخذ عليهم تعهد أن لايستعجلوا مرة أخرى ، وأن يتريثوا ، فالعجلة من الشيطان ، و( وطول البال من الرحمن ) .....
ومن الجدير ذكره أن مدة الخدمة العسكرية في سوريا نقصت من (30) شهراً إلى (24) شهراً ، وهذا يستوجب منطقياً أن ينقص البدل النقدي ، وجاء المرسوم (30) محققاً للمنطق المتوقع في الظاهر ، وعسى أن لايكون مقدمة لإلغاء الخدمة العسكرية في سوريا إرضاء لأمريكا والصهاينة .... ويتوقع كثير من الناس المتابعين لتلهف النظام الأسدي على المصالحة والتطبيع مع الصهاينة أن تلغى الخدمة العسكرية ، إذا اشترطت إسرائيل ذلك ، أو تخفف إلى سنة واحدة فقط ...وقد يكون هذا من شروط التطبيع التي يتذلل النظام الأسدي من أجلها ، كي يحفظ كرسي الحكم في دمشق ... وربما تطوى صفحة الخدمة العسكرية الإلزامية تماماً ، ويصبح جيلنا الذي أدى الخدمة العسكرية قديماً جداً وقد يسمى ( سفر خدملك ) ...والله أعلم ...
* كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية