دور الإعلام الحر في بناء المجتمع

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

( نستطيع أن نقول ؛ بأنه لاوجود للأمم والدول والكيانات المُجتمعية والحضارات والحياة الإنسانية الصحيحة دون وجود السلطة الرابعة الرقابية الفاعلة والمؤثرة على كل القوى السياسية والإقتصادية والتنفيذية والإجتماعية والعسكرية وغيرها ، والتي تستمد قوّتها من قوّة تأثيرها في الشعوب التي تستثيرها للمطالبة بحقوقها ، بعدما استطاعت هذه السلطة الإعلامية من توعية الناس بحقوقهم وواجباتهم ونوّرتهم بالمعرفة ؛ ليتشكّل الرأي العام الصحيح للقضايا المشروعة التي من حقهم أن يكون لهم رأي فيها ، ولذلك يكون تأثير الإعلام في كثير من الأحيان أقوى من السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية لإحقاق الحق ، والتزام السلطات المتنوعة بالقوانين ) 

فمن غير المقبول مثلاً : أن يصوت المجلس الذي عيّنه الدكتاتور حافظ الأسد ، والمُسمّى ظُلماً بمجلس الشعب في عام1973 بأن يكون مدخولات النفط والثروة المعدنية هدية لصالحه ، والذي استمرّ الحال على ذلك الى مابعد وفاته ومجيء الدكتاتور الإبن ، الذي أبطل فيما بعد هذا القانون ، وسنّ قانوناً أخر بحيث يسمح أن يأتي بعض الإيرادات من هذا القطاع لخزينة الدولة ، ومن ثُم يخرج عبر الحنفية الواسعة ، فلا يصل للشعب منها شيء ،بل للسيد المُتأله وأفراد أسرته ، وآل مخلوف وأصهرته وحاشيته ومن يلوذ بهم ، وبالتالي فإن ألدّ أعداء الإستبداد والطغاة هو الإعلام الحر ، لأنه يكشف عورتهم وزيفهم وأراجيفهم وشذوذهم العقلي وانفصامهم الشخصي وطغيانهم وممارساتهم اللاإنسانية واللاأخلاقية ، ولذلك فهو يُعرّيهم، وبالتالي فهو من أشد الممنوعات ، وبالتالي فقانون المطبوعات والصحافة الذي أعلنوا عنه منذ ماقبل تسلّط بشار ، وحين استيلائه على السلطة ، وإلى يومنا هذا لم يجد طريقه الى الظهور، على الرغم من كل مساوئه ، لأنّ الذي خطّه هم الفئة المتسلطة والمُستنفعة من مثل هكذا وضع متردّي يعشعش فيه الفساد 

فلا يمكن الوصول الى مجتمع متقدّم وحضاري وإنساني وحيوي إذا لم تُصان فيه حقوق الإنسان ، وإذا لم يكن حق الكلام والتفكير وإبداء الرأي وحق الإنتخاب والخيار والمُشاركة مُصاناً ، ولا نصل الى ذلك إلا بالحكم الوطني والوصول الى ذلك بالطرق الصحيحة ، وليس عبر العراضات والزعبرات والهوبرات والإدعاءات الكاذبة والكلام الفارغ بأن سورية لايصلح لها إلا الدكتاتور والعصابات المُلتفة حوله التي تفتك بمقدّرات الأمة وثروات الوطن، ولن نصل الى صيانة الوطن والدفاع عن حياضة إلا بتطبيق الديمقراطية الحقّة التي تمكن الشعب من تعيين حُكامها وقادتها الصالحين بإرادتهم واختيارهم ، ولن يتأتى ذلك إذا لم يكن هناك إعلام حُرٍ ونزيه يكشف فيه المُتلاعبين والسارقين والمُعتدين ويفضحهم ، وبالتالي سوف لن يكون لأحد من هؤلاء أن يُرينا وجهه الأسود ، بل مكانه الطبيعي سيكون في السجن، وراء القضبان ، شأنه شأن أي لصٍ أو قاتل أو مُتعد على إرادة الناس وحق الشعوب  

ولن يتحقق هذا المطلب إذا لم نُسارع الى ايجاد المؤسسات والهيئات الإعتبارية المُستقلّة والقويّة والقادرة على امتلاك وسائل إعلامية حيادية وشفافة ، وبالتالي لابدّ أن يكون الإعلام الحكومي والمدعوم من الدولة وعرق الناس وجهدهم وليس من كيس الحاكم المُتأله ، أن يكون إعلاماً مُحايداً ، فلا يُساير أحد على مصالح الدولة ، ويكون الفيصل في كشف الحقائق واستيضاح الأمور ، وبالتالي لايجوز استخدام الإعلام الرسمي للمصالح الشخصية أو الحزبية ، أو العمل على تأليه الحاكم أو تبرير أفعاله المُشينة ، واعتباره بمصاف الآلهة الذي يصير فيه خطأه صواباً وظُلمه عدلاً ، كما هو سائدٌ الآن مع طاغية الشام ، الذي يُبرر له من حوله الأحكام الجائره بحق المئات من المُعتقلين بأنه عدل ، واعتبار قانون الجريمة والعار 49 لعام 1981 الذي يحكم على الإنتماء للفكر بالإعدام ، بل زادها طاغية الشام حتى صار يحكم على النوايا بالسنين الطوال ، فلا بدّ أن يكون الإعلام حُرّاً ونزيهاً ومُستقلاً ، بحيثُ تُتناول فيه الأمور بكل حرّية سلباً أو إيجاباً ، ولا يخشى ذلك إلا الطغاة ، أمّا الشرفاء والوطنيين الأحرار فلا يُضيرهم اعلام ولا قضاء ولا مُحاسبة ، لأنهم الأطهار الذين لايخشون إلا الله 

وأخيراً أقول : إن حرّية الصحافة تُشكّل احدى الحريات الأساسية الثمينة ، بحيث أنّ ممارستها هي احدى الضمانات الأساسية لاحترام الحقوق والحريات الأخرى ، والسيادة الوطنية وبناء المجتمع الصحيح والسليم ، وبالتالي نستطيع أن نقول : بأنه لاوجود للأمم الحيّة والفاعلة بدون وجود اعلام حر ، ولذا نجد سورية اليوم بغياب هذه السلطة الرقابية مرتعاً للفساد في كل مناحي الحياة ، وهي أشبه بالميت الذي لاحراك فيه ، إلا للمجرمين والقتلة واللصوص ، ولابد أن نكثّف جهودنا لسرعة الخلاص.