اصمد يا أقصى

شيماء محمد توفيق الحداد

1 !

شيماء محمد توفيق الحداد *

[email protected]

   يطالعنا اليهود كل مرة بجريمة جديدة ، نلمس فيها تقدُّمَهم في التمادي يوماً بعد يوم .. وفي المقابل نجد صمت العالم الإسلامي ينحسر بالمسلمين – إلا من رحم ربي - عن سبيل الدفاع آناً بعد آن ..

   والآن .. وبعد أن واصل اليهود خطتهم الإجرامية في الحفر تحت الأقصى ومن ثم الابتداء ببناء الهيكل – بعد أن سلبوا الحرم الإبراهيمي !! - .. لا أدري إن كان المسلمون سينتفضون للقيام بواجبهم أم لا !..

   ليت شعري متى سيكون ذلك !.. فعلاً متى سيكون ؟!!..

   أحين يزول الأقصى فعلاً – لا قدر الله - ؟!..

   أم حين لا يبقى في القدس مسجد واحد ؟! ..

   أم حين تضيق أرضها بمئات المعابد اليهودية ؟!! ..

   ولربما .. هم ينتظرون وساطةَ اليهود للأقصى عندهم (!)كما حدث في ذلك الصراع المخزي بين فريقين : مصري وجزائري ، من أجل كرة تتقاذفها الأرجل كما يعبث أشرار العالم بكرامتنا ويركلون حقوقنا ويستخفون – أو يتلذذون بالأحرى – بآلامنا !! ..

   وحينها – يا للعجب ! - ظهرت العضلات !!.. وحينها – يا لصرخة وا معتصماه البائسة ! - انتفخت الأوداج وثار الحقد في القلوب !! .. وحينها (فقط ! ) – يا للعار ! - عرف أولئك معنى الغضب ومعنى أن تصرع غريمك وتطرحه أرضاً وتهجم عليه !! ..

   خاصة وأنه لن يصرع أحدٌ رأسَك بطرائفِ الحديث عن أولويةِ الحوار في مثل هذه الحالات ! ، وأنه لا يصح انتزاع الحق من ( الغاصب !!!! ) باليد .. ولِمَ يُتعِب الناعقون أنفسَهم بهذا الكلام وتلك القضيةُ سخيفة والغريمُ فيها أخ شقيق ؟؟؟! .. إنهم لن يفعلوا ذلك ولن يمطرونا بسيلِ محاضراتهم تلك إلا إن طالبنا بحقوقنا من مجرمين عانى العالم كله منهم !! ..

   ويومها أيضاً توسط ( اليهود !! ) بين الفريقين لحقن الدماء وفض الشجار ساخرين هازئين شامتين !! .. يا للموقف المخزي الذي وضعتم أنفسكم فيه يا مَن يُفتَرض أن يكونوا أحفاد الفاروق !! .. ليت عيني الفاروق رأتاكم !! .. لَكان أيقظكم على حقيقة أن الله مطلع عليكم يرى ما أنتم عليه !! ..

   ليت شعري .. هلا أعطيتم – يا هؤلاء - الأقصى بعض اهتمامكم بتلك الجلدة المتقاذَفة ؟.. أم أنه لا يستحق ذلك بعد ؟!!..

   ليت شعري ماذا تنتظرون ؟.. ماذا ؟..

   هل بذل صلاح الدين جهده وقوته وجنَّد جيشه وأعمل فكره ولم يدع وسيلة لتحرير الأقصى من الغاصبين ....... لنأتي نحن الآن ونفرِّط فيه بكل بساطة ؟!!! ..

   لماذا ؟.. حقّاً لماذا ؟..

   ألا يملك شابان مسلمان أن ينقضَّا على فأر يهودي ويجرِّداه سلاحَه ويجندلاه به ؟! .. ألا يستطيع شباب الضفة فعل ذلك باليهود أيضاً ؟!! ..

   إن المسلمين الأوائل لم يهابوا أساطين الكفر ولا فرسان المعارك والحروب من كفار قريش ، أَفَيَجْبَنُ شبابُنا الذين حضنت قلوبُهم جوهرةَ الإسلام عن ملاقاة جرذان ضالة من قطعان اليهود اليوم ؟!!! ..

   ليت شعري .. كم هذا غريب ! ، وعن سلائقنا بعيد ! ..

   هنا في المسجد الأقصى – حيث قبع اليهود الآن ورفعوا أعلامهم – صلى النبي محمَّد صلى الله عليه وسلم إماماً بالأنبياء والمرسلين .. هنا صلى صلاح الدين ، وعمر ، وغيرهما من أبطال المسلمين الأحرار .. لنأتي نحن اليوم ونسمح لحثالة البشر بأن يطؤوا هذا المكان المقدس ، ويدعسوا [2] بأقدامهم القذرة موضعَ سجود أجدادنا !!!! .. يا للخيبة والهوان !! ..

   إنني أسمع صراخ الأقصى كل يوم ، وأرى صورته الحزينة وعينيه العاتبتين في كل صفحة أقرؤها من تاريخ أجدادنا المشرِّف المكلَّل بالغار وأتنهد بألم ثم أحنق على صمتنا وتراخينا اللَّذَين لن يبررهما أي مبرر ! ..

وَأقـصـانـا  يريدُ iiأمانْ
وَها هوَ في الأسى حيرانْ
- أيـنـضبُ نبعُ شلاَّلِي
أتـطـغـى  فوقَ iiآمالي
أخـافَ الأُسْدُ منْ فأرِ ii
وَقـامَ الـكـفرُ في الفِكرِ





مـنَ الأعـداءِ iiوَالأحزانْ
يـنـاديـني وَيدعوني ii:
وَتـعقمُ أرضُ أبطالي ii؟!
جنودُ الكفرِ تغزوني ii؟!!!
وَغـارَ الـحـقُّ iiبالسِّحرِ
مقامَ الماءِ في الطِّينِ ii؟!!!

   قد يقول قائل: إننا ندعو للأقصى كل حين ، وفي كل صلاة ! .. لكن هذا وحده لا يكفي .. قال تعالى: { وقل اعملوا } ، { وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم } ، { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } .. فلا بد من العمل .. لا بد من الجهاد .. والسبب:

فإن الجهادَ قرينُ الدُّعاءِ       وَذروةُ ديني ، وَدربُ الجدودْ

   إن العمر واحد فلنعشه بعزة وكرامة ، ولنختمه بصفحة إباء وفخار .. لا يجبَنَنَّ أحد منا عن الجهاد ، أو يبررْ لتراخيه بحب التمسك بأهداب الحياة ؛ فلن يموت أحد ناقصَ عمر ، ولن يتقدم أو يتأخر عن ميعاد أجله مقدار لحظة واحدة .. ثم إن اليهود قوم لا يفهمون ولا يرعوون ، ولذلك لن يجدي الكلام معهم ولا الاستكانة لمطالبهم الظالمة المتعسِّفة ..

إذا  مـا انتصرْتُ فذاكَ iiالمنى
وَلـنْ يفرحوا إنْ قُتِلْتُ فإنْ ii...
عـقـائـدُ شـرعيَّةٌ ، منهلٌ ii،
أنـا  سوفَ أغدو وَلو بعدَ iiحينٍ
لـمـاذا إذاً لا نـمـوتُ iiبعزٍّ
ألـسـنـا  سنجني إذا ما iiفعلنا





  إذا مـا قُتِلْتُ غدوتُ iiالشَّهيدْ
 ... نَ ديانةَ ديني قُرانٌ مجيدْ ،
  وَفِكْرٌ سيبقى وَيفنى الوجودْ ii!
 رفـاتـاً وَهـذا مصيرُ iiالعبيدْ
  وَنقفو سِراعاً سبيلَ الجدودْ ii!
  ثمارَ الفلاحِ وَمجداً مجيدْ ii؟!!

   نعم .. إن اليهود لا يفهمون ، ولا يريدون أن يفهموا ! ، يعرفون الحق ويحاربونه ! ، ويظلمون الناس بغير حق سوى أنهم يريدون ذلك ! ، فكيف نحاور مخلوقات هذا شأنها ؟!! .. إنهم لو كانوا عقلاء أو صالحين لما أتوا بتلك الجرائم كلها من الأساس ! .. ولكن ليس هنالك ثمة عقل !! ..

لا حوارٌ للأعادي ؛     إنَّهم لا يرعوونا

لو وعوا يوماً لما كـانوا طغاةً ظالمينا !!

   فلماذا نضيع أوقاتنا بحوارهم غير المجدي يا إخوتي ؟! ..

   قولوا كلمتكم بحد السيف ، وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ، واصبروا وصابروا ، ولا تلقوا بالاً لكلامهم ولا لوعودهم .. أرجوكم فقد كفى ما رأينا !.. كفى ما عايشناه من ألم ، وما تجرَّعناه من غصص ، وما رأيناه من وبال ومحن ! ..

قوموا وخلُّوا كِذبَهم ؛ قدْ طالما        كانَ الحصادُ المرُّ منْ تلكَ الوعودْ !

   لستُ أدري لماذا نتعِب أنفسنا ونبدِّد جهودَنا بكل ذلك رغم أن الله تعالى أخبرنا عن السبيل ودلنا عليه وقال لنا جاهدوا لأنصركم ، واثبتوا لتغنموا ، واصبروا لتنالوا .. هذا وحده سبيل النصر ! .. فما بالنا نسينا أنفسنا وغفلنا عن قرآننا ؟!! ..

   أنصدق الأعداء ولا نصدق كلام الله ؟!!! .. حاشا لله !! .. ثم إننا قد جربناهم مراراً وتكراراً وصدَّقناهم مع أن الصدق بريء منهم براءةَ الذئب من دم يوسف عليه السلام .. فماذا رأينا ؟! ..

قدْ ركنَّا للوعودْ        وَأمِنَّـا  لليهودْ

وَلبثنا كالحيارى       وصمتنا كالعبيدْ !

* * * *

فإذا الوردُ حرابُ !    وَإذا السِّلْمُ كِذابُ !

وَإذا النُّعمى بلايا !    وَإذا الأمنُ عذابُ !!!

   ويا لها من نتائج رائعة تستحق منا كل ذلك العناء !!!! ..

*****

 يا إخوتي .. إن سبب كل ما نحن فيه من ويلات ومآسٍ كامنٌ في ابتعادِنا عن شرعنا الحنيف ، وإعراضِنا عن كنوزه التي تقول لنا : ها أنا ذي فخذوني ! ..

   ولقد سمعنا أقواماً جهلة ينعتون عصور أجدادنا بالتخلف والظلام ، لكن في تلك العصور لم يحدث أن تجرأ اليهود ولا غيرهم أن يتطاولوا على الناس ويؤذوهم ويبغوا عليهم ، ولم يحدث أن تعرَّض إنسان واحد للظلم دون أن يأخذ حقه معززاً مكرماً – إلا في حالات نادرة ليست جديرة بالذكر - ، ولم يحدث أن تعرَّض أقصانا للهدم والاغتصاب ... والعالم كله يتفرج !! .. فهلا كنا أمثالَهم وقد سرت في عروقنا دماؤهم ووصلتنا أخبارُهم ؟!! ..

   اصمد يا أقصى فالنصر آت - إن شاء الله - عندما يستحقه المسلمون ..

   اصمد يا أقصى .. اصمد ! .. فالتاريخ لم يسجل الكلمة الأخيرة بعد ! ..

              

**عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

[1]  ألَّفتُها بتاريخ: 1/4/1431 هـ ، وكل ما في المقال من أفكار وجمل وأبيات شعريَّة ....... من تأليفي الخاص .