الخلافات الصهيونية الأمريكية سحابة صيف
محمد فاروق الإمام
[email protected]
ليس
بخافٍ على أي مراقب أو باحث أو مهتم بشأن العلاقات الصهيونية الأمريكية، من أن هدف
الدولة العبرية من إعلانها عن بناء 1600 وحدة سكنية في القدس بوجود شخصية أمريكية
مهمة، هو لتحويل أنظار الغرب وأمريكا عن جريمتها في تزوير جوازات سفر أوروبية
وأمريكية لتسهيل مهمة عملائها من عناصر الموساد باغتيال القائد العسكري الفلسطيني
المبحوح، وقد وضعت دبي أمام الأنتربول الدولي والحكومات الغربية صاحبة العلاقة
أسماء وصور العملاء الذين استخدموا الجوازات والوثائق الغربية والأمريكية
لملاحقتهم. أقول لم يكن تصريحها هذا بوجود نائب الرئيس الأمريكي في فلسطين المحتلة
وتحت سمعه وبصره إلا لإنجاح السيناريو الخبيث الذي أعدته بدقة، وحبكته بعناية
فائقة.
وكما
تعرض جهاز الموساد الصهيوني إلى نكسة خطيرة – باعتقاد معظم المحللين – بعد فضحه على
الملأ وعبر كل الوسائل الإعلامية في العالم وإثارة المجتمع الغربي والأمريكي، لما
ارتكبه هذا الجهاز من حماقة بتوريط مواطنين غربيين وأمريكيين بسرقة جوازاتهم
وبطاقات إئتمانهم لتكون وسيلة تمويه فائقة الدقة ساعدت عناصر الموساد في هذه
الجريمة النكراء التي لا ناقة لهم ولا جمل بارتكابها.
وجاء
توقيت الإعلان عن بناء المزيد من الوحدات السكنية الصهيونية في القدس العربية بحضور
نائب الرئيس الأمريكي الذي يقوم بمساع لإعادة المفاوضات بين الفلسطينيين والكيان
الصهيوني، ومحاولة دفع مسير عربة السلام إلى المنطقة بعد توقف طويل أصاب المصداقية
الأمريكية ووعود أوباما للعرب في الصميم.. جاء هذا الإعلان بعكس ما تمنت الدولة
العبرية، فقد شعر المجتمع الدولي بالغضب عقب القرار الذي اتخذه مجلس التخطيط المحلي
الإسرائيلي الأسبوع الماضي بالموافقة على بناء 1600 وحدة سكنية في حي يهودي بالقدس
الشرقية، أقيم في الأصل على أرض مقدسيين طردوا من بيوتهم. ويعتبر المجتمع الدولي
المنطقة جزءا من الأراضي المحتلة وعاصمة الفلسطينيين المستقبلية، بالرغم من إصرار
الدولة العبرية بأن لها الحق في البناء في أي مكان تريد بالمدينة المقدسة التي
تعتبرها (عاصمتها الأبدية).
كما
حاول جزئيا خلال خطابه تهدئة الفلسطينيين، ومنعهم من الانسحاب من المحادثات غير
المباشرة التي أعلنت من أسبوع واحد فقط.
ولأول
مرة في تاريخ العلاقات الأمريكية الصهيونية وفي سابقة فريدة أذهلت المراقبين من
أعداء وأصدقاء الدولة العبرية، نجد وزيرة الخارجية الأمريكية (هيلارى كلينتون) توجه
انتقاداً لاذعاً للدولة العبرية. وتتحدث مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هاتفيا
لمدة استمرت 43 دقيقة - كما قيل - لنقل أفكارها إزاء هذه التطورات. ثم عقدت مجموعة
من اللقاءات الإعلامية للتعبير عن سخطها.
وتحت
ضغوط نهاية الأسبوع، أصدر نتنياهو بياناً حول هذه القضية صباح يوم الأحد (14 آذار
الجاري) في افتتاح اجتماع الحكومة الأسبوعي.
واختار
أن يهاجم وسائل الإعلام لمبالغتها في تصوير خطورة الحادث، ثم اقترح أن يتم معالجة
هذه المسألة بطريقة مناسبة.
وقال
نيتنياهو (إننا نعرف كيف نتعامل مع هذه النوعية من المواقف بجدية، وهدوء،
ومسؤولية).
بعض
المحللين يعتقدون أن توتر العلاقات بين واشنطن وتل أبيب هي سحابة صيف ولن يكون لها
أي تأثير على علاقات البلدين، وخاصة وأن العلاقة بينهما إستراتيجية، وهذه العلاقة
لن تؤثر فيها مثل هذه الأحداث، وهذا ما حدث في الماضي وما سيحدث في المستقبل. فهذا
(إيتان جيلباو)، الباحث في مركز (بيجين – السادات) للدراسات الإستراتيجية بجامعة
(بار – إيلان) يصر على أنه حدثت مشكلات مثل هذه في الماضي، وسوف تتكرر في المستقبل،
لكن العلاقات بين الدولتين من المتانة بحيث لا يمكن إخراجها عن مسارها.
ويتفق
معه في الرأي (شلومو أرونسون) المحلل في قسم العلوم السياسية بالجامعة العبرية
بالقدس، حيث يرى أن هناك الكثير من المصالح المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة
التي لا يمكن أن يؤثر الجدل الأخير حول الإسكان بالقدس على أسس تحالفهما. وقال
(الصديق هو الصديق، الحليف هو الحليف).
ويقترح
أرونسون أن تأخذ إسرائيل حذرها في المستقبل في مثل هذه القضايا مثل الإعلان عن
مشروع البناء في القدس الشرقية خلال زيارة مسؤول أمريكي رفيع المستوى، ولكن وفي نفس
الوقت، يجب على إدارة أوباما أيضا توخي الحذر في حجم الضغوط التي تمارسها على
إسرائيل.
المؤسف
أننا لم نسمع عن موقف عربي رسمي تجاه هذه الأزمة التي نشبت بين الحليفين أمريكا
والدولة العبرية، واستغلال هذا الخلاف لمصلحة الفلسطينيين والقدس، وكأن هذا الأمر
لا يعنيهم لا من قريب أو بعيد فالأمر يخص الحليفين أمريكا والدولة العبرية ولا شأن
لهم في ذلك، من منطلق (رحم الله امرأًًً عرف قدر نفسه)!!
وعندما ألقى بايدن خطابه الهام في تل أبيب يوم الخميس (11 آذار الحالي)، بدا من
لهجته أنه بالرغم من انزعاجه إزاء قرار البناء، إلا أنه اعتقد أن الرسالة وصلت إلى
الدولة العبرية، وإنها لن تكرر هذا الخطأ مرة أخرى.
بيد أن الأسف الذي أعرب عنه نتنياهو تركز فقط حول توقيت إعلان مشروع البناء. ولم
تجر حتى الآن أية محاولة من الدولة العبرية للقول بأن أعمال البناء لن تستمر إذا ما
تم ومتى تم الحصول على الترخيص النهائي من لجنة التخطيط، كما لم تصدر أية تصريحات
تشير إلى أنها ستوقف أعمال البناء في القدس الشرقية.