لازال الوطن بخير فالشرفاء كُثر
سورية
محمد فاروق الإمام
[email protected]
ليس
من السهل أن تسمع صوتاً حراً معارضاً في دولة ذات حكم شمولي وتستظل بقانون الطوارئ
والأحكام العرفية والاستثنائية التي لا تستند إلى أي قانون أو ميثاق، من هنا فإنه
لأمر ملفت للنظر.. أن تستمع إلى مثل هذا الصوت وفي وضح النهار وأمام عيون وسمع كبار
أهل الحكم وبكل هذه الجرأة والشجاعة الممهورة بالحجة والبرهان والدليل والوقائع
والأحداث.
وكان هذا الصوت هو صوت المحامي الأستاذ عبد الله الخليل في مداخلة له في مؤتمر
نقابة المحامين بالرقة،
الذي عقد يوم الخميس 11 آذار الحالي. ونظراً لأهمية هذه المداخلة وما تضمنت من كشف
العديد من الحقائق، وما حوت من مطالب عادلة هي حق للمواطن السوري وواجب على الحكومة
السورية أن تلبيها باسم القانون وشرعة حقوق الإنسان السماوية والدولية، فإنني
أنقلها حرفياً كما وردتني عن طريق الإيمل.
نص مداخلة المحامي عبد الله الخليل:
(السيد رئيس المؤتمر.
السيد المحامي العام ممثلاً عن وزارة
العدل
السيد محافظ الرقة
السيد نقيب المحامين في سورية السادة
أعضاء النقابة المركزية.
السادة الضيوف وأعضاء الهيئة العامة.
قبل
أن ابدأ مداخلتي المعتادة والتي أصبحت في ذهن البعض مكررة ومملة, سألني أحد الذين
يتنطحون للقيادة في المحافظة عن نتائج مطالبي التي تقدمت بها في مؤتمر المزارعين
بصفتي وصيا على ابنتي القاصرة سارة وكأنه يعتقد أن مجرد طرح المشكلة والإقرار بها
يفترض أن يكون لها حلا!
ضحكت
وأعلمته أن لي سنين طويلة بدأت تقترب من ربع القرن وأنا أطالب بمجرد وقف حالة
الطوارئ وليس إلغاء القانون وبالمساواة بين المواطنين السوريين من حيث تولي المناصب
والمنافع كما المسؤولية والمساواة بحقهم بالحياة والسفر والحرية وتنفس الهواء
والماء النظيف وغيره وغيره إلا أن الكثير منها لازال يراوح مكانه, بعدها هل تريد
حلولاً للمشاكل الزراعية وأحوال المزارعين والفلاحين الذين يشكلون الدعامة الرئيسية
للاقتصاد السوري (ولعملنا كمحامين في محافظة الرقة ونعتمد عليهم ) خلال أيام
!!!!!!!!!!! أدار ظهره ولم ينتظر الجواب .
أوردت
تلك الواقعة للثبات على الموقف رغم السنين الطويلة واعتقادي أن تلك الحقوق سنظل
نناضل من أجل الحصول عليها, وعلى رأسها أن نكون متساوون في كل شيء بغض النظر عن
انتماءاتنا الحزبية سواء في صفوف الحزب الحاكم ومن يواليه أو في الجانب الآخر سواء
المعارض منها أو الصامت. هذا الأمر يجرنا إلى الحديث على التأكيد على مطالب:
*
تعديل الدستور لجهة إلغاء المادة الثامنة منه, وإنهاء استحواذ حزب البعث على قيادة
الدولة والمجتمع وجعله (أي الاستحواذ) خاضعا للصندوق الانتخابي بدءاً من أعلى درجة
في المراتب وهي رئاسة الجمهورية إلى أخفض درجة في السلم الوظيفي والقيادي, ذلك
الاستحواذ الكامل وإبعاد الآخر المختلف في الرأي, والذي يطالب ببناء أفضل لوطنه,
أدى إلى تردي حالة القضاء والتعليم, وأصبحنا مع شديد الأسف والحزن في مراتب دنيا
بالرغم من إمكانية مجتمعنا الفكرية والاقتصادية والاجتماعية الهائلة, هذا الحديث
ينقلنا إلى مطالبة نقابتنا في الدفاع عن أعضائها حتى وإن اختلفوا مع السلطة الحاكمة
في الرأي, على رأسهم الشيخ الكبير المحامي هيثم المالح (تجاوز الثمانين من العمر
والخمسين عاما في العمل واعتقل بهذه السن) يقبع في السجن بسبب رأيه, بالرغم من
معرفة الجميع سواء النقابة أو حتى الأجهزة الأمنية بمواقفه الوطنية سواء أيام حرب
لبنان أو اجتياح غزة أو احتلال العراق، كما يعرف الجميع موقفه الواضح والصريح من
الخارج المعادي للوطن, وكذاك الزميل مهند الحسني يشطب من نقابة المحامين فرع دمشق
ويقبع في السجن بسبب دفاعه ومواقفه المشهودة له أمام محكمة أمن الدولة المخالفة
لدستور البلاد المعمول به والمرتكزة على حالة الطوارئ المستديمة, وذاك الزميل أنور
البني يمنع عنه ربع المدة ويمنح لمرتكبي الجرائم العادية, وأنا الماثل أمامكم ومعي
عدد ليس بقليل من المحامين السوريين منهم في داخل هذه القاعة وخارجها وفي محافظات
أخرى, نُمنع من مغادرة البلاد بسبب معارضتنا ووقوفنا بوجه الفاسدين والكل يعلم بما
فيها أجهزة الأمن. إن ما أتحدث به خارج البلاد هو أقل بكثير مما أطرحه داخل وطني
كما يعلمون أيضاً علم اليقين أن الأمور ميسرة لي خارج البلد بشكل كبير إلا أنني
آثرت وفضلت البقاء رغم تقديري أنني سأتعرض للمنع من السفر ولأكثر من ذلك, والقائمة
كبيرة مع شديد الأسف وهذا المنع لم يصدر بقرار قضائي بل استنادا إلى حالة الطوارئ,
ومن الأجهزة الأمنية .
هذا
الواقع يتناقض كلية مع ما جاء في التقرير السياسي وبخاتمته والذي دعا إلى بناء دولة
القانون, وطالب المحامين بدفع الظلم وربط بين خدمة الوطن والمواطن من خلال
التشريعات المتطورة كما طالب الجميع بدفع عجلة التطور والتقدم والإصلاح كما اعتبر
المحامين هم الأكثر قدرة على مكافحة الفساد والقادرين على تأسيس دولة القانون .
من
هذا المضمار ندعو السيد رئيس الجمهورية لإصدار عفوٍ عام عن نشطاء حقوق الإنسان
والمعتقلين السياسيين وعلى رأسهم الأستاذ الشيخ هيثم المالح.. الذي يستحق عفواً
خاصاً مثل غيره, كما نطالب السيد نقيب المحامين العمل على رفع الظلم عنا من خلال
مكتب الأمن القومي وذلك للسماح لنا بالسفر متى نشاء، وإخضاع هذه المسألة (منع
السفر) للقانون حصراً وعن طريق القضاء.
كما ندعوه إلى مساعدة النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان من المحامين ومنحهم
الحرية وعدم التضييق عليهم باعتبار أن نقابة المحامين هي الدرع الأول في الدفاع عن
الحق ونقابتنا وضعت كلمة الحق قبل العروبة وقرنتها معها, وليكون العنوان للمؤتمر
أكثر ترسيخاً وتلاحماً لابد من إيصال الحقوق إلى أصحابها وأهم حق فيها هو حق الحرية
والعيش بكرامة.. هذا الأمر يجرنا إلى المطالبة بحل الإشكاليات العالقة لجزء ليس
بيسير من شعبنا السوري ألا وهم الأكراد ومنحهم حقوقهم, وأهم حق فيها هو حق الهوية
السورية وحق اللغة والثقافة.
ولكي
تحارب الفساد بشكل صحيح لابد من آليات مجتمعية وبنيوية أهمها حق الآخر أن يعارضك في
الرأي ويتمتع بنفس الحقوق التي تتمتع بها, فلما تجيز لنفسك يا أخي بتشكيل حزبك
والجهر برأيك والتمتع بحريتك وتمنع ذلك عن الآخر الذي تعيش معه بنفس الوطن. تلك
معادلة لابد من تحقيقها لنصل إلى مجتمع قوي ومتماسك ويستطيع أن يقاوم ويحتضن ويدعم
المقاومة, لابد أن نعترف بحق الآخر بالاختلاف بالرأي.
لقد
مر التقرير السياسي مرور الكرام على قضية المقاومة العراقية, لا أدري إن كان من أعد
التقرير نسي أن تلك المقاومة هي حجر الزاوية الأساسي الذي أوقف المشروع الأمريكي
الصهيوني عند حده الحالي, وكانت ولا زالت تلك المقاومة والرصاص الموجه إلى صدور
المحتلين والغزاة هي المفصل الأساسي عن الدفاع عنا. بعد تلك المطالب المشتركة بين
الجانبين المهني والسياسي إذ أن المحامي بدفاعه عن الحق والظلم يمارس العمل السياسي
بوجه آخر لابد من تكرار عدد من المطالب وأهمها :
1-
جعل
النقابة سيدة جدولها ومستقلة عن أي تدخل من حيث النص القانوني وإلغاء كل المواد
التي تسمح للحزب أو رئيس الوزراء من التدخل بعملها وفقا لنص القانون, كما أدعو إلى
إعادة تشكيل لجنة إعادة القيد وشطب المحامين وتغليب عدد أعضاء النقابة المركزية في
هذه اللجنة لتصبح ثلاثة من النقابة واثنان من محكمة النقض.
2-
لقد
تم اختراق القانون وتجاوزه أثناء انتخابات الفرع وبغض النظر عن صحة النتيجة من
عدمها إلا أن النص واضح وصريح إذ أن القانون حدد الورقة الانتخابية بالبيضاء إلا أن
ما تم تنفيذه (مع الأسف الشديد) غير ذلك, وبالرغم من تقديم الاعتراض رسمياً على هذا
الأمر إلا أن ممثل نقابة المحامين المركزية أفتى بصحة الإجراء, من هذا المنطلق أدعو
النقابة المركزية ودفعاً للإحراج ما بين النص والحزب الحاكم, أما لتعديل النص
ليتلاءم مع ما يطبق على ارض الواقع, أو تنفيذ القانون بحرفيته وبشكله الصحيح
واعتبار هذه الفتاوى لاغية مستقبلاً .
3-
لازال عناصر الشرطة يمارسون التعذيب بشكل واسع تحت ذريعة أن المجرمين لا يعترفون
إلا بالضرب, هذا الأمر مخالف للقانون وعار عن الصحة ويدل على فشل هذا الجهاز للحصول
على المعلومات بغير هذه الطريقة إضافة لاعتبار وسيلة لابتزاز المواطن. أدعو النيابة
العامة لممارسة دورها الرقابي والقانوني في هذا المجال .
4-
في
كل سنة نتحدث عن عدم تنفيذ القرارت القضائية, من قبل الجهات الإدارية , في السنة
الماضية طرحنا هذه المسألة بشكل محدد وبينا أن المتضررين من مزارعي القطن أوقفت
قراراتهم القضائية المكتسبة الدرجة القطعية, الوقف جاء بناء على تعليمات إدارية
وسياسية من رئيس الوزراء, من هذا المكان نقول إن هؤلاء المزارعين تضرروا بشكل فعلي
مرتين, الأولى عندما أتلف إنتاجهم بسبب الحرارة نتيجة لسوء البذار, والثانية عندما
ردت دعاويهم وتمكنوا من الحصول عليها بعد صرف الكثير من الوقت والمال, ليأتي بعد
ذلك من يقول ويأمر بوقف صرف هذه التعويضات, نحن كمزارعين ووكلاء عنهم نؤكد أننا
أصحاب حق وتؤيدنا قراراتنا القضائية وواقع الحال, من هذا المنطلق ندعو السيد أمين
فرع الحزب بما يملك من صلاحيات وقدرته على الدفاع عن الفلاحين التدخل المباشر
والشخصي لدى الجهات المعنية ومساعدة هؤلاء المظلومين الذين ضاعت مزروعاتهم وضاعت
أموالهم ولحقتها قراراتهم القضائية).
ملاحظات:
ساد الهدوء أثناء المداخلة, ولم تكن هناك أية مقاطعة في الجزء الأول منها, حصلت
مقاطعة من قبل عضو قيادة فرع الحزب الحاكم مسؤول المنظمات أثناء طرح مطلب تعديل
قانون نقابة المحامين وفك ارتباطها مع الحزب معتبراً هذا المطلب: سياسياُ, وتم شرحه
باعتبار أن هذا المطلب يتعلق بمهنة المحاماة إلا أنه أصر على عدم موافقته على
الطرح.
- كان رد أمين فرع حزب البعث في إطار خطابه المعتاد إلا أنه استخدم عبارات في غير
محلها عندما اعتبر أن من يطالب بإلغاء المادة الثامنة من الدستور معلولا ً (أي مصاب
بعلة وسيبقى بعلته) كما اعتبر مجرد السماح للمحامي عبد الله الخليل بطرح هذه
الأفكار قمة الديمقراطية .
- محافظ المدينة اعتبر أن بناء القصر العدلي يرى النور الآن ومن لا يرى ذلك فهو
أعمى (علما أن واقع الحال لازال كما كان.. والأرض المخصصة لم يدق بها مسماراً
واحداً).
- قائد الشرطة لم يرد على مطلب وقف التعذيب في الأقسام نهائيا لا سلبا ولا
إيجابا.
- نقيب المحامين في سورية تحدث عن توقيف الأستاذ هيثم المالح والحسني وقال إن الأمر
في إطار القانون كما قال أنه يدافع عن المحامين الذين يتبنون فكرة حقوق الإنسان
وأورد ذكر المحامي محمد رعدون.