واجب المعارضة السورية في الوقت الراهن

إبراهيم درويش

الناطق باسم وحدة العمل الوطني لكرد سورية، المشرف على موقع

syriakurds.com

[email protected]

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين

رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً.

أيها الإخوة الكرام: إن من محاسن الصدف أن تأتي هذه المحاضرة في عيد أو ذكرى المولد النبوي الشريف، وبهذه المناسبة الكريمة العزيزة على قلوبنا فإننا نقول للجميع:كل عام وأبناء شعبنا الكردي المسلم وأبناء الأمة الإسلامية جمعاء والبشرية المعذبة، بكل خير ورحمة ونعمة، سائلين الله تعالى أن يرزقنا حسن الاقتداء بهذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، والسير على نهجه القويم، لنفوز بخيري الدارين، إنه أكرم من سئل.

فقرات المحاضرة:

ـ  بين يدي المحاضرة: مدخل: كلمة موجزة عن شهري شباط وآذار في الذاكرة السورية

ـ  صورة المجتمع في الحديث النبوي الشريف

ـ الإنسان أو المواطن السوري الذي أوجده النظام السوري بمناهجه وإعلامه طوال هذه العقود المتطاولة؟

ـ نظرة عجلى على المعارضة السورية

ـ نحو التلاقي والاجتماع

ـ ما المطلوب إذن؟

بين يدي المحاضرة:

ـ مدخل: كلمة موجزة عن شهري شباط وآذار في الذاكرة السورية

أيها الإخوة: الشهر الذي نعيشه الآن هو شهر شباط، وما أدراكم ما شهر شباط؟! هذا الشهر الذي يبشر بالخير والنماء حوّله حكام دمشق في الذاكرة الجمعية السورية إلى شهر الأحزان والمجازر، بل إلى شهر الكارثة الوطنية التي لا يمكن نسيانها!

وإذا كان قد مضى على مجازر حماة المروّعة نحو ثمانية وعشرين عاماً فهل نسي أبناء هذه المدينة الشهيدة مأساتهم؟ بل حقدهم المقدس؟ عشرات الآلاف قضوا تحت الأنقاض، وعشرات الآلاف تشردوا في أنحاء المعمورة، وعشرات الآلاف من النساء ما زلن ينتظرن الكشف عن مصير أزواجهن،أو أبنائهن، أو آبائهن أو إخوانهن، وعشرات الآلاف من الرجال ـ الذين كانوا أطفالا  وقت وقوع المجزرة ـ ما زالوا ينتظرون الكشف عن مصير آبائهم.

إن الذاكرة تأبى الاستجابة لرغبة تناسي أو تأجيل التذكير بما حصل في مثل هذا الشهر من عام 1982م في مدينة حماة الشهيدة، على يد عصابة تنتسب إلى هذا الوطن، يدل حجم الجريمة التي ارتكبتها على مدى ما تمتلكه من معاني الوطنية والشعور الإنساني. اقرؤوا إن شئتم كتاب(حماة مأساة العصر)، وكتاب( تدمر المجزرة المستمرة).

إننا لا نريد لأهلنا الباقين على قيد الحياة، ممن كُتِبت لهم النجاة من المجزرة الرهيبة في حماة، التي استمرت طوال شهر شباط" فبراير" 1982م، ولا لذوي الضحايا في تلك الأحداث التي قلّ أن يحدث في أيّ مكان من المعمورة...لا نريد لهم أن يحوّلوا هذه الذكرى إلى كربلاء أخرى في حياة المسلمين...، ولكننا في الوقت نفسه نعلنها صراحة أننا سنرضع صغارنا الحقد المقدس مع الحليب على أولئك الذين تسببوا بهذه المأساة التي ما زال الناس يعانون من آثارها، ويشهدون فصولها بأشكال أخرى. فإن جرائم القتل ـ لا سيّما إذا كانت بحجم جرائم آل أسد في حماة وتدمر ـ لا تسقط بالتقادم، وإن الإصرار على تقديم عتاولة الجناة لمحاكمة عادلة لينالوا جزاءهم العادل لهو أبسط معاني الوفاء للشهداء. وحتى يأذن الله بمجيء تلك الساعة، وهي قريبة بإذن الله، فإن ألسنتنا لا تفتر عن صبّ اللعنات على جميع من صنع تلك الجريمة، سواء كانوا أمواتاً، أم أحياء، وسواء أكانوا مستمرّين في السلطة أم متسكّعين في شوارع العواصم الغربية والشرقية، أم معتوهين أم مشلولين، يجرّون أذيال الخيبة والندامة وقذف تبعات تلك الجرائم على آخرين. كما أن أيدينا ممدودة لكل أبناء الوطن المخلصين، للتعجيل بالعمل المشترك، لإنقاذ سورية وطناً وشعباً من الكابوس الجاثم على الصدور. صدور الجميع.

أما شهر آذار، شهر الربيع والبهجة والخير، شهر نوروز، هذا الشهر شهد في الثامن منه عام 1920م المؤتمر السوري العام ـ الذي كان يمثل مختلف مناطق بلاد الشام، وأعلن استقلال سورية والمناداة بفيصل بن الحسين ملكاً عليها. ليشعر السوريون ـ بمسلميهم ومسيحييهم وعربهم وكردهم وسائر الفئات الأخرى من المواطنين ـ لأول مرة منذ قرون أن عهداً جديداً بدأ يطلّ بتباشيره،لولا أن الحلفاء كانوا يبيتون شراً ومكراً وسوء طوية.

إن الثامن من آذار بهذا المعنى يعدّ رمزاً لعزة السوريين وفخارهم في العصر الحديث،لأنه بداية عهد من الآمال الكبيرة والطموحات العظيمة والأحلام الوردية التي راودت مخيلتهم.

وإذا كان الفرنسيون والبريطانيون قد حالوا مدة ربع قرن بين السوريين وجني ثمار جهدهم وجهادهم فإن الأصلاء الغيارى من أبناء الوطن لم يستكينوا للذل ولم يستسلموا للاستعمار ومشاريعه، بل هبوا يدافعون عن كرامتهم وتراب وطنهم بما أوتوا من طاقة وقوة. ولا يزال الناس يذكرون بالإكبار والاعتزاز جهاد الشيخ كامل القصاب ويوسف العظمة وإبراهيم هنانو وعزالدين القسام وعمر البيطار وأحمد مريود والشيخ بدرالدين الحسني وحسن الخراط وسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وشكيب أرسلان ود.عبدالرحمن الشهبندر وإحسان الجابري وشكري القوتلي وفارس الخوري ود.عبدالرحمن كيالي وهاشم الأتاسي وغيرهم وغيرهم من أبناء الوطن البررة رموز الجهاد والوطنية ،الذين جعلوا من هدف استقلال سورية وخروج المستعمر الفرنسي همّهم الأول،ليحيا أبناء الوطن أحراراً موفوري الكرامة.

لكنّ لصوصاً موتورين ذوي تربية غريبة وانتماءات بعيدة عن روح الأمة ورحمها تسلّقوا على كراسي الحكم في ليل الثامن من آذار عام 1963م البهيم،وسمّوا حركتهم الانقلابية المشبوهة ثورة ورفعوا شعارات براقة خدّاعة ،إمعاناً منهم في تزوير تاريخ الوطن وتقبيح كل جميل فيه،في مسعى إجرامي منهم لمحو ذاكرة الشعب وغسل دماغ أجياله الصاعدة، ظانّين جهلاً منهم وغباء أنّ انتفاش باطلهم وسراب وعودهم يمكن أن يغطي على جرائمهم وفساد طويتهم، ففرّغوا الاستقلال من محتواه،وأثبتوا أنهم بئس الإنتاج لفرنسا التي رحلت،فأصبح الثامن من هذا الشهر مناسبة لتذكّرِ الشؤم الذي حلّ بالشعب والوطن في سورية وما زال!!

وبلغت الوقاحة بهؤلاء حدّ الغثيان في تزوير إرادة الشعب والاستهتار بها عبر انتخابات تشريعية أشبه بالتهريج والتلفيق منها إلى الانتخابات، في ظل قانون الطوارىء والأحكام العرفية والمادة الثامنة التي تجعل من حزب البعث قائداً للمجتمع والدولة، وفي ظل القانون الانتخابي الذي يتاجر باسم العمال والفلاحين فيخصّص نصف مقاعد مجلس الشعب لأزلام النظام ومحاسيبه تحت هذا المسمّى، وكل العمال والفلاحين في سورية يعلمون أن أوضاعهم في ظل مبادىء البعث(الوحدة والحرية والاشتراكية) تزداد سوءاً،كما يعلمون أن هؤلاء المهرجين المصفقين لكل ناعق لا يمثلونهم ولا يشعرون بهمومهم ومشكلاتهم .

وفي الثامن من آذار عام 1980 قال الشعب السوري كلمته عبر المظاهرات والمسيرات والأعمال الاحتجاجية التي عمّت معظم مناطق سورية،احتجاجاً على تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للناس في ظل "الوحدة والحرية والاشتراكية"هذه الشعارات التي فسّرها الرفاق المتسلطون على رقاب الناس بالحديد والنار والعنف الثوري المتناهي في القسوة والوحشية...فسّروها بإفقار الشعب ونهب ثروات الوطن وإيداعها بأسمائهم في بنوك أجنبية، وخلق طبقة من الطفيليين أو الحيتان همّها السلب والنهب والابتزاز وإفساد الذمم والأخلاق والنفوس، وتوسّع في المعتقلات، وتخريب للاقتصاد الوطني والعملة المحلية، وتدمير الوحدة الوطنية، باتباع سياسات تقوم على الطائفية والعنصرية.

لقد ردّ الرفاق على الثورة الشعبية في الثامن من آذار عام 1980م بعنفهم الثوري المعهود والمتوقع، وأنزلوا الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع للسيطرة على الأوضاع بارتكاب المجازر وسائر الموبقات التي كان الفرنسيون على ما كانوا عليه يتورعون عنها، وجعلوا من جماعة الإخوان المسلمين كبش فداء فسنّوا القانون المرقم 49 في السنة نفسها،الذي يحكم بالإعدام على كل متهم بالانتساب لهذه الجماعة، ثم توسّعوا في تطبيق هذا القانون فأعدموا بموجبه أعداداً كبيرة من المواطنين لا علاقة تنظيمية لهم بالإخوان المسلمين، وإنما كانوا مجرد مسلمين متديّنين يؤدون شعائر الدين،الأمر الذي يؤكد أن هدف السلطة كان ضرب الإسلام وأهله وليس فئة معينة. فخفتَ صوتُ الوطن والمواطن إلى حين، وصار الناس يربطون بين الثامن من آذار ووحشية السلطات الحاكمة في دمشق والمجازر التي أقامتها للأحرار والاعتداء على الحرمات وانتهاك الأعراض.

وفي مثل هذا الشهر من عام 2004م هبّ المواطنون الكرد السوريون هبّة رجل واحد،احتجاجاً على سوء أوضاعهم وسياسة التمييز العنصري ضدهم من جانب هؤلاء الرفاق الذين دمّروا الوحدة الوطنية ـ كما قلنا ـ  وجرّدوا عشرات الآلاف من الكرد السوريين من جنسيتهم لمجرد أنهم أكراد، مع ما ترتّب على هذا الإجراء الإجرامي من مصادرة أملاك هؤلاء المجردين وحرمانهم من حقوق المواطن السوري في التملك والتوظيف والتعلم والانتقال والسفر والعلاج في المستشفيات الحكومية وغيرها من الإجراءات التعسفية التي يندى لها جبين كل منتم للجنس البشري!

لقد انتفض هؤلاء المواطنون الكرد وتحدّوا بصدورهم العارية رصاص السلطات المجرمة وقنابلها، فسقط عدد كبير منهم بين شهيد وجريح، كما كان الاعتقال التعسفي من نصيب أعداد كبيرة منهم، وبخاصة الأحداث، الذين قضوا سنوات في سجون النظام دون محاكمة، حتى إذا بلغوا السنّ القانونية قُدّموا للمحاكمة أمام محاكم عسكرية تفتقر إلى أبسط معايير العدالة،حتى لا يقال إنها حاكمت أحداثاً دون السن القانونية! أرأيتم خسة ودناءة أشدّ من هذه؟

لقد حوّل هؤلاء الرفاق الأغراب اللصوص الدمويون هذا الشهر الذي يحمل السوريون تجاهه أجمل الذكريات إلى شهر للشؤم والنحس وتذكّر المآسي والنكبات، بل لقد ربط السوريون بين هذا الشهر والعنف الثوري للاشتراكيين الجدد، الذين يحملون تفسيرات ومفاهيم جديدة للوحدة والحرية والاشتراكية بعيدة عن قيمنا وأعرافنا وروح ديننا!!

إن السوريين على اختلاف انتماءاتهم ومذاهبهم مدعوون لتصحيح المسيرة التي انحرفت على يد هذه الفئة الضالة، ولجعل شهر آذار شهر الاستقلال الحقيقي، شهر إعادة المظالم لأصحابها، ورفع الحيف والظلم عن المواطنين، وإعادة رسم البِشر والبسمة على وجوه أبناء الوطن، فهل ترانا نحلم أم نطلب المستحيل؟ وهل تراهم يفعلون؟

ـ صورة المجتمع في الحديث النبوي الشريف:

أيها الإخوة الحضور:

أجدني مضطراً للتذكير بأحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنها ذات مساس مباشر بصلب موضوعنا، وحتى يعرف من لم يعرف بعدُ أن الإسلام ليس صلاة وصوماً وذكراً لله تعالى فقط.

الصورة الرائعة التي وردت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المجتمع ودور المصلحين والمجرمين فيه

أخرج الإمام البخاري عن النعمان بن بشير- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا! فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا" وفي رواية: "نَجَوْا وَنَجَّوْا جَمِيعًا".

وأخرج الترمذي وصححه أحمد أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْمُدْهِنِ فِيهَا (أي المداهن) كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا يَصْعَدُونَ فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ فَيَصُبُّونَ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلاَهَا، فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَعْلاَهَا: لاَ نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَنَا! فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا: فَإِنَّا نَنْقُبُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا فَنَسْتَقِي، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جَمِيعًا، وَإِنْ تَرَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعًا".

وفي رواية أخرى: عند ابن حبان في صحيحه، أن الإمام الشعبي قال: سمعت النعمان بن بشير على منبرنا هذا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرغت له سمعي وقلبي، وعرفت أني لن أسمع أحدًا على منبرنا هذا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْمُدَاهِنُ فِي حُدُودِ اللهِ كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا فِي سَفِينَةٍ، فَاقْتَرَعُوا مَنَازِلَهُمْ، فَصَارَ مِهْرَاقُ المَاءِ وَمُخْتَلَفَ الْقَوْمِ لِرَجُلٍ (أي صار المكان الذي يؤخذ منه الماء لرجل) فَضَجِرَ، فَأَخَذَ الْقَدُومَ- وربما قال: الْفَأْسَ- فَقَالَ أَحَدُهُمْ لِلآخَرِ: إِنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يُغْرِقَنَا وَيَخْرِقَ سَفِينَتَكُمْ، فَقَالَ الآخَرُ: دَعْهُ فَإِنَّمَا يَخْرِقُ مَكَانَهُ".

زاد الطبراني في الأوسط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فَإِنْ مَنَعُوهُ سَلِمَ وَسَلِمُوا، وَإِنْ تَرَكُوهُ غَرِقَ وَغَرِقُوا".

أقسام الناس حسب هذا الحديث الشريف:

هذا الحديث بهذه الروايات يقدم صورةً واضحةً لأقسام الناس في المجتمع، ولما يجب أن يكون عليه المجتمع المسلم من الأخذ على يد من يريد الفساد والإفساد.

فهذا الحديث برواياته المختلفة يشمل ثلاث فرق: فرقة تنهى عن المعصية، وهذه هي الفرقة الناجية وهم القائمون على حدود الله، وفرقة تقع في المعصية والحرام والفساد، وهي التي تستحق عذاب الله عز وجل، والفرقة الثالثة: هي فرقة غير المبالين، الذين لا يهتمون بأن يمنعوا الواقع في حدود الله من الوقوع، وقد جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الروايات المتعددة بمنزلة واحدة مع الواقعين في حدود الله. أي أنه لا حياد عند العقلاء عندما تكون سفينة الوطن تتهددها العواصف والأمواج العاتية.

والحديث واضح تمام الوضوح في بيان المعنى، وهو أن الأمة مثل ركاب السفينة، وأن من واجب اليقظان أن يحمي النائم، ومن واجب العاقل العالم أن يحمي نفسه وأن يحمي الجاهل من نفسه أيضًا، وأن يحمي هذه السفينة من الغرق.

وكأنما العامة إذا وقعت في المعاصي لن تُهلك وحدها، وإنما كذلك تُهلك معها الفئة الخاصة التي لم تقم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال الله عز وجل ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ (الأنفال: من الآية 25) ). وهذا يقودنا إلى التذكير بحديث آخر للنبي صلى الله عليه وسلم، رواه الإمام أحمد وغيره، يقول فيه: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ: أَنْ يَرَى أَمْرًا للَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ ثُمَّ لاَ يَقُولُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ خَشِيتُ النَّاسَ. فَيَقُولُ: وَأَنَا أَحَقُّ أَنْ تَخْشَى"، وفي رواية "إِنِّي كُنْتُ أَحَقُّ أَنْ تَخَافَنِي".

أخرج أحمد والحاكم وصححه هو والذهبي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو- رضي الله عنه- سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا رَأَيْتُمْ أُمَّتِي تَهَابُ الْظَالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ إِنَّكَ أَنْتَ ظَالِمٌ فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ". ومعنى تُودِّع منها: أي استُريح منها وخُذلت.

حينما تيأس الأمة من إصلاح الأمور وحينما تقعد عن عملية الإصلاح فإنها يُتودَّع منها، وهذا يعني أنها أصبحت لا معنى لها ولا قيمة لها، وهذا من أشد أنواع النكير على الأمة حين تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حسب المفهوم الديني، والمعارضة الإيجابية البنّاءة حسب التعبير السياسي المعاصر.

وقد حكى الله تبارك وتعالى عن قوم صالح أنه أخذهم جميعًا بسبب فساد تسعة منهم وسكوت الباقين فقال: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48)﴾ (النمل)، فكم فينا من رهط يفسد ونحن نتفرج ولا نبالي؟ إذا كان الله تبارك وتعالى يعلمنا أنه أخذ الأمة بسبب تسعة من الرهط؛ لأنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فكيف بنظام وأجهزة أمنية قمعية..! إنه ينذرنا إذا كثر الفساد فينا، ولم نقم بواجب الإصلاح، ولم نسع إلى التغيير، ولم نسع إلى إرساء دعائم العدل والمساواة تحت أي دعاوى.

ما أحوجنا إلى غرس هذه المعاني الرائعة، التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، في النفوس! ولا يقولنّ أحد إن هذا معناه العودة إلى الدين؛ ونحن دعاة العلمانية وفصل الدين عن الدولة، فإن مواطننا لايتحرك ولا يستجيب إلا إذا علم أن ثمة ثواباً عظيماً ينتظره إن هو قام بأداء هذا الواجب. أما أن يقال له: إن الوطنية والقومية ومصلحة الشعب تفرض عليك كذا وكذا، فإنه حينئذ سيسأل، وهذا حقه: وإذا متّ قبل وصولي إلى هدفي فماذا لي في الآخرة؟ أيعقل أن أخسر دنياي ولا أعرف ما مصيري في الآخرة؟ إنه لا بد من ربط الدنيا بالآخرة، وربط الدين بالحياة، ليحيا الإنسان سعيداً في دنياه، متطلّعاً إلى ما بعد الموت بنفس متشوّقة.

وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد وضع الناس أمام مسؤولياتهم الدينية والسياسية والاجتماعية، وحذّرهم من مغبة السكوت على الظلم وانتهاك المحارم، فما الإنسان الذي أوجده النظام القائم في سورية عبر مناهجه الحزبية والإعلامية، وعبر سياساته الاقتصادية والاجتماعية؟

ـ ما الإنسان أو المواطن السوري الذي أوجده النظام السوري بمناهجه وإعلامه طوال هذه العقود المتطاولة؟ أهو المواطن الذي ينشده أحرار سورية ويحتاجه الوطن؟

   إن المتتبّع لآثار هذه السياسات والمناهج سيقف على الحقائق الآتية:

أ. ارتفاع نسبة البطالة والفقر يوما بعد يوم بين صفوف الشعب.

ب. ازدياد نسبة الهجرة للأدمغة والعقول السورية إلى خارج الوطن، بحثا عن لقمة العيش والكرامة والحرية.

ج. انتشار الفساد الأخلاقي، وأهم مظاهره الرشوة والمخدرات والاتجار بالدعارة والجنس.

د. انتشار الطائفية والقومية والمحسوبية.

هـ.انتشار التواكل والانهزام من تحمّل المسؤولية. حتى بتنا نسمع كثيرا الأمثال الآتية ـ على سبيل المثال ـ من جديد بعدما نسيها الناس قبل مجيء الرفاق إلى سدة الحكم بانقلاب أسود في ليل بهيم شديد الحلكة: العين ما بتقاوم المخرز، ألف عين تبكي ولا عين أمي تبكي، الإيد اللي ما بتحسن تعضها بوسها وادعي عليها بالكسر، حلال على الشاطر، الهزيمة تلتين المراجل، حط راسك بين هالرؤوس وقول ياقطّاع الرؤوس، الدنيا كلها هيك صايرة ايش تحسن تسوي...

إن هذه الأمثال وغيرها المنتشرة بين الناس، وهي بمنزلة الدليل والمرشد لهم في حياتهم يدل على أن مواطنا سوريا جديداً قد تشكل، ليس له همّ إلا مصلحته فحسب، الأمر الذي يعني أن خطراً ماحقاً ينتظر الجميع ما لم يتدارك العقلاء إلى الأخذ على يد السفيه الذي يقود سفينة الوطن. 

ـ نظرة عجلى على المعارضة السورية:

أيها الإخوة الحضور:

في سورية الوطن يوجد: المسلم (السنّي والعلوي والدرزي والشيعي)، ويوجد الصوفي والسلفي والمذهبي وغير المذهبي، كما يوجد المسيحي(الأرثوذكسي والكاثوليكي والبروتستانتي)، ويوجد اليزيدي والملحد أو اللا ديني، كما يوجد المتمسّك بدينه وصاحب الدين الرقيق، ويوجد العربي والكردي والآشوري والأرمني والسرياني والتركماني والشركسي وغيرهم، ويوجد المستقل والحزبي، ويوجد من الأحزاب: الدينية، والقومية، والعلمانية، والليبرالية، والثورية، والإصلاحية، ويوجد من هو في الحكم ومن هو خارج الحكم، ومن هو في المعارضة ومن هو بين بين. ومن يعمل في وضح النهار، ومن يتحيّن الفرص للانقضاض، ومن يؤمن ويعمل بالقدرات الذاتية ومع أبناء الوطن حصراً، ومن يضع بيضه في سلة الدول الأخرى ويرهن إرادته لإرادتها ومصالحها ويحاول أن يقاتل بسيفها، وفي كل تقسيم سابق يوجد المعتدل والمتطرّف، كما يوجد المؤمن بالتدرج في الإصلاح، والانقلابي وما بينهما، ويوجد اليميني واليساري وما بينهما...إلخ من التقسيمات. مع ملاحظة أن كل قسم من هذه الأقسام يختلف حجماً وقوة عن الأقسام الأخرى، أي ليس بالضرورة أن تتشابه مع بعضها في القوة والنسبة إلى عدد السكان. ولكن في النتيجة يشكل الكل مع بعضهم الشعب السوري. ومع التأكيد أيضاً أنه ليس بالضرورة أن تكون بين هذه التقسيمات فواصل فولاذية، بل نرى هذه التقسيمات عبارة عن دوائر متداخلة، فقد يكون المسلم سنياً وعربياً ـ أو كردياً ـ متديناً وإصلاحياً وصوفياً أو سلفياً...إلخ. وقل مثل ذلك عن باقي المكوّنات.

    ـ نحو التلاقي والاجتماع

والسؤال هو: هل يعني هذه التقسيمات المتعددة والمعقدة أن لا رابط يربط بين أبناء الوطن الواحد؟ وهل يعني هذا أن لا قواسم مشتركة بينهم؟ وهل يعني بالضرورة أن تتعارض أهدافهم كلها، وألا يلتقوا على شيء؟ وهل يعني أن العلاقة بينها هي علاقة تضادّ لا علاقة تنوّع ـ بتعبير علماء الأصول والتفسير؟ وهل سورية الوحيدة بين دول العالم التي تزخر بكل هذا التنوع؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة لو كانت بالإيجاب لرأينا كل سوري أمة قائمة بذاتها، ولرأينا كل شبر من الأرض السورية بلداً مستقلاًَ قائماً بذاته، وهذا ما لا نراه على أرض الواقع، وسورية ليست بدعاً بين الدول، بل ربما كانت أكثر تجانساً من كثير من دول العالم ولكن في الوقت نفسه فإن شعوراً من عدم الرضا بما هو حاصل يسيطر على قطاع واسع من الشعب السوري، بعضهم يصرّح به، وبعضهم يورّي، أو يؤجّل التصريح به إلى وقت لم يجيء بعد.

أيها الأحباب:

إزاء هذا الواقع المرّ الذي يزداد تعقيداً ومرارة، فإن عقلاء هذا الشعب ـ من مفكرين وسياسيين وقادة الرأي ـ تقع على عاتقهم مسؤولية جسيمة، تتمثّل في وجوب العمل على تغيير هذا الواقع نحو الأفضل، عبر أساليب حضارية تليق بسورية الحضارة والتاريخ، ذات التجارب والخبرات الطويلة من العمل المشترك والجبهوي. وفي سبيل ذلك لا بد من توفّر ما يأتي:

1. إنه لا بد من ترتيب الأولويات، فعندما يكون الشخص مصاباً بنزيف حادّ، فمن الغباء الانشغال عن وقف النزيف بتمشيط شعره أو قصّ أظفاره، أو تكحيل عينيه!! ماذا يفيده كل ذلك إن مات من جرّاء النزف إلى آخر قطرة من دمه؟!

وعلى ذلك قل: إذا كان الوطن كله، حاضره ومستقبله على كف عفريت ـ كما يقال ـ فإن من الغباء والحمق ترك إنقاذه والانشغال بأمور ثانوية، وخلافات حزبية ضيقة.

2. إنه لا بد من امتلاك سعة الأفق وبعد النظر والواقعية، لأن أي إنسان أو تنظيم أو كيان بغير هذه الصفات لا يستطيع الحراك أو العمل أوالوصول إلى أيًّ من أهدافه، ذلك أن سورية الوطن بيت الجميع، وكل السوريين قدَرُهم أن يعيشوا في هذا البيت، رضي من رضي وسخط من سخط، ومن متطلّبات العيش السعيد الاعتراف بخصوصية كل من في هذا البيت على قدم المساواة في الحقوق والواجبات، وإلا كانت الصراعات والمنازعات وربما الاحتراب أو اللجوء إلى أساليب عنفية قد تمتد آثارها إلى كل من في البيت. وهذا ما لا يرضاه أحد.

3. إن الخروج من حدود الحزبية الضيقة إلى آفاق الوطنية الرحيبة، يعدّ من ضرورات المرحلة التي يحياها الشعب السوري. وإن قيام كل تنظيم أو حزب أو كيان سوري للمراجعة الدورية لأهدافه وسياساته لهو من صميم النجاح، سواء على صعيد التنظيم نفسه، أو على مستوى الوطن أجمع. أما التقوقع ضمن قوالب حزبية جامدة أو متحجرة فمعناه الموت البطيء.

4. الابتعاد عن لغة التخوين وتوزيع شهادات الوطنية والعمالة على الأحزاب والهيئات والأشخاص جزافاً، هذا الأسلوب الرخيص غير المنضبط، الذي يزرع الشكوك بين الناس، وهو ما يريده عدوّنا المشترك، ليبقى جاثماً على صدورنا. كفانا تحطيماً لبعضنا، بل تدميراً لقوانا بهذه الأساليب التي أكل الدهر عليها وشرب، ولم نجن منها سوى المزيد من التراجع والضعف والانحطاط!!!           

5. إن من الاختلال في ترتيب الأولويات، أو فكرة الإلغاء المبطن، أو المراهقة السياسية، أو الجهل غير المقبول، أن ينصرف بعضهم إلى تسخير كل طاقاتهم وتوجيهها نحو فصائل أخرى في المعارضة، بسبب اختلاف في وجهات النظر أو السياسات أو المبادىء، وترك النظام الحاكم يفتك بالجميع، دون تمييز، فيصبحون من حيث يدرون أو لا يدرون معاول هدم بيد النظام الدكتاتوري في جسد المعارضة، "قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً، الذين ضلّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسِنون صنعاً!؟"سورة الكهف/ الآيتان 103و104. كلا إن هذا الأسلوب لا يغيّر واقعاً ولا يغيظ عدواً ولا يفرّح صديقاً، ولا يُكسب أنصاراً جدداً إلى الفكرة. بل إنه في آخر المطاف يطيل من عمر هذا النظام الظالم المستبدّ الجاثم على صدور الجميع، المستخف بكل مقدس وكريم، بل بكل الخطوط الحمراء.

بل الواجب في الظرف الراهن يتطلّب التصدي للخطر المشترك الذي يتهدد الجميع، دون استثناء، حتى إذا ما زال الخطر، وتنفس الناس الصعداء، وصار بمقدورهم أن يستنشقوا نسائم الحرية والكرامة بملء رئتيهم، عرض الجميع بضاعتهم في سوق السياسة على المواطن السوري، وتقدّم الجميع لخطب ودّ الناخب السوري، الذي سيقرر عبر صناديق الاقتراع في جوّ من الحرية والنزاهة من هو أهل لثقته وصوته وتأييده.

إننا نعتقد أن كل دقيقة يصرفها أي معارض سوري في افتعال أي معركة جانبية، مع أي طيف سياسي سوري(تنظيماً أو شخصاً)، مهما كان الدافع وجيهاً، إنما يعني إدخالاً للسرور في نفوس أعداء شعبنا، الذين لم يدّخروا جهداً في سبيل إذلاله وإفقاره وسحقه، تحت شعارات طنانة جوفاء لا تنطلي على أحد.

وإننا نعتقد أن أضعف الإيمان في المعارضة السورية هو تسخير كل الجهود والطاقات في معركة استرداد المواطن السوري لكرامته وحريته وحقه في أن يعيش في وطنه حراً عزيزاً سعيداً، في ظل حكومة عادلة منبثقة عن الشعب، في ظل قانون عادل شرعي يخضع له الجميع دون تمييز. 

إن المعارض الحق هو الذي يعرف هدفه جيداً، فيضع الوسائل الشريفة في حدود طاقاته وإمكاناته، ويسير إلى ذلك الهدف واثق الخطوات، دون التفات إلى المشككين والمعوّقين والمثبّطين، حتى إذا عرف الناس صدقه وصوابيته اتّبعوه من تلقاء أنفسهم. أما أسلوب تحطيم الآخرين وتشويه سمعتهم ومبادئهم بقصد الظهور فليس له إلا نتيجة واحدة وهي المزيد من التقهقر والفشل والابتعاد عن الهدف الأصلي.

نعم، نحن مع تكوين جبهات عريضة قوية للمعارضة السورية، قادرة على التأثير في النظام، عصية على التخلخل والتصدع عند أول أزمة أو هزة تواجهها، ولكن إذا تعذر تكوين مثل هذه الجبهة، فلا أقلّ من أن يعمل كل في حدود طاقته وإمكاناته، دون تسفيه أو غمز ولمز للآخرين، فإن الله تعالى من وراء القصد، وهو يعلم المفسد من المصلح، وقد وعد عباده الصالحين والعاملين بأن العاقبة ستكون لهم.   

ما المطلوب إذن؟

المطلوب على وجه السرعة هو الآتي:

1. تفعيل الحوار وصولاً إلى مفاهيم موحدة أو متقاربة، وصيغ مشتركة، على طريق اتخاذ سياسات ومواقف ناضجة تجاه كل ما يهمّ شعبنا.

وتفعيل الحوار، بالرغم من صعوبته، بسبب انتشار السوريين على دول العالم أجمع تقريباً، يكون بالتوازي على أكثر من صعيد:

أ. بين الكرد أنفسهم، بجميع اتجاهاتهم ومشاربهم، للتوصل إلى صيغ مشتركة ورؤى موحدة يقدمونها لأطراف المعارضة الأخرى ومحاورتها على أساسها. وعليهم أن يعلموا أن الحقوق لا تعطى أو يتصدّق بها، بل إنهم بوحدتهم وواقعيتهم وتطمين شركائهم في الوطن يمكن أن يحصلوا على ما يريدون.

ب. بين العرب أنفسهم، بمختلف تياراتهم واتجاهاتهم، للتوصل أيضاُ إلى نقاط مشتركة تهمّ الجميع.

ج. بين العرب والكرد والمكوّنات السورية الأخرى، للتوصل إلى نقاط مشتركة، وإزالة الشكوك والمخاوف التي تنتاب كل طرف تجاه الطرف الآخر.

د. بين أطراف المعارضة وبعض أطراف النظام الحاكم المؤمنين بالحوار.

هـ. بين أطراف المعارضة السورية والدول والأنظمة والأحزاب ذات العلاقة بالشأن السوري، وتفهيمها أن الحكمة والنظرة البعيدة تملي عليها أن تتعاون مع ممثلي الشعب السوري وليس مع ظالميه.

فإنه لا شيء كالحوار يزيل اللبس ويذيب الجليد ويوصل إلى التفاهمات ويقرّب وجهات النظر.

إن المطلوب هو أن يخرج كل فصيل سوري من الخندق الذي حبس نفسه فيه، وظنه هو العالم، وينطلق إلى آفاق رحبة من الحوارات والتفاهمات والرؤى المشتركة وصنع الثقة المتبادلة بين أبناء الوطن الواحد، لرسم الغد المشرق بسواعد كل السوريين.

المطلوب في الوقت الراهن هو قيام كل سوري حر شريف كريم، بكل ما أوتي من قوة سياسية وإعلامية واقتصادية وعلمية، كل من موقعه وضمن اختصاصه، لإعادة البسمة وإشراقة الأمل إلى وجوه السوريين المتعبة المعذبة.

إن كل أطراف المعارضة السورية، دون استثناء، تطالب بالديمقراطية والحرية السياسية والحزبية، وحرية الرأي والتعبير، وإلغاء حالة الطوارىء والأحكام العرفية، وتبييض السجون والمعتقلات وإطلاق سراح سجناء الرأي والضمير، وإلغاء المحاكم الاستثنائية، والكشف عن مصير المفقودين في السجون السورية، وإلغاء القانون 49 لعام 1980 الذي يحكم بالإعدام على كل متهم بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، وإلغاء النتائج المترتبة على الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة عام 1962، والمرسوم 49 لعام 2008م الذي يجمّد الحياة الاقتصادية في المناطق الحدودية، أو الكردية بمعنى أصحّ، ومنح الحرية السياسية والثقافية للكرد السوريين، وعودة السوريين المهجّرين إلى وطنهم ليساهموا في بنائه، والتعويض على المتضرّرين، والتداول السلمي للسلطة، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في أجواء من الحرية والنزاهة والشفافية، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تجعل حزب البعث الحاكم وصيّاً على الشعب السوري، وإلغاء الطائفية السياسية، ومعالجة الفساد ونهب المال العام.

فلتكن هذه المطالب الحقة أرضية مشتركة بين أطراف المعارضة السورية كلها، وعلى أساسها تبني تحالفاً أو جبهة معارضة قوية تزلزل الأرض تحت أقدام الفاسدين في أرض الشام المباركة. فهل ترانا نطلب المستحيل؟ أم توصل السوريين إلى مثل هذا التحالف مستحيل؟

وبهذا أختم محاضرتي، شاكراً لكم حسن الاستماع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ثم كانت مداخلات بعض المستمعين وتعليقاتهم واستفساراتهم مدة ساعة أخرى من الزمن.