ماذا تعرف عن المرسوم (49)

د.خالد الأحمد *

عجائب عجيبة عند النظام الأسدي ، لايقبلها العقل ، والأعجب منها أن تسكت عنها منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية ، وكيف لاتقاطع الدول العربية والعالمية مثل هذا النظام الذي سـن المرسوم (49) ومازال متمسكاً بـه .

وهذه نظـرة تاريخية توضح البيئة التاريخية لهذا المرسوم ، وستبين هذه النظرة أن النظام الأسدي ، يفعل وينفذ ، ثم يشـرع ويسـن القوانين التي تبـرر أفعالـه :

يقول تقرير منظمة رقيب الشرق الأوسط لعام (1990) :

في السادس والعشرين من حزيران كاد عدد من أفراد الحرس الرئاسي ينجحون في اغتيال أسد الذي هرب متأثراً بجرح بسيط في يده جراء قنبلة يدوية. حمّل رفعت أسد الإخوان المسلمين مسؤولية هذا العمل ومن تـوّه خطط لعمل انتقامي من نزلاء سجن تدمر العسكري حيث الكثير من الإسلاميين محتجزون فيه في ذلك الوقت.

في الساعة الثالثة من فجر السابع والعشرين من حزيران، أُرِسِل مغاوير سرايا الدفاع، الذين جيء بهم من ثكناتهم في دمشق يتزعمهم معين ناصيف صهر رفعت أسد، إلى مطار المزة العسكري حيث التحق بهم مغاوير من لواء أمن علي ديب ذي الرقم ( 138 ) . قطع مائتان من الجنود بطائـرات الهيلوكبتر مسافـة (250) ميلاً ليطأوا أرضاً في منطقة بالقرب من سجن تدمر وسط الصحراء. كان ثمانون من هؤلاء الجنود المدججين بالسلاح قد تلقوا أمراً بدخول السجن. لقد روى أحد الجنود العلويين من اللاذقية ما حدث بعد ذلك داخل السجن كما يأتي:

"وصلت حاملة (دودج) لتقلّنا إلى السجن حيث تم توزيعنا على سبع حظائر. كان معي في حظيرتي أحد عشر جندياً تقريباً بإمرة الملازم منير درويش.. فتحوا لنا باب زنزانة سجناء جماعية، اقتحم ستة أو سبعة جنود من صفوفنا الزنزانة وقتلنا كل من كان فيها كان عددهم (60) شخصاً أو (70)، بالنسبة إليّ، فأنا أحمل بندقية سريعة الإطلاق، وقد قتلت برصاص سلاحي (15) شخصاً أو ما يقرب من ذلك أما مجموع من كان علينا قتلهم فأقدره بحدود (550) شخصاً من الإخوان المسلمين القذرين . مات أحد أفراد سرايا الدفاع وجرح اثنان منهم فقط، بعد ذلك غادرنا السجن، ذهب الملازم رائف عبد الله ليغسل يديه ورجليه من آثار الدماء التي غطتها، لم تستغرق العملية أكثر من نصف ساعة، كانت حالتنا النفسية أشدّ ما تكون رعباً، كانت أصوات انفجارات القنابل اليدوية تمتزج مع صيحات "الله أكبر" وأخيراً، غادرنا عائدين بطائرات الهيلوكبتر.. وفي المـزة رحب بنا الرائد ناصيف وشكرنا على حسن أدائنا".

إن الدليل الأخير في الواقع، يوحي تماماً بموت مالا يقل عن (ألف) سجين في ذلك اليوم .

مجلس الشعب يقر قانون (49) :

وفي السابع من تموز ( أي بعد مجزرة تدمر بعشـرة أيام ، ليبرر لسـرايا الدفاع جريمتها ) ؛ أقر مجلس الشعب قانوناً برقم (49) معتبراً الانتماء إلى حركة الإخوان المسلمين - عملاً خارجاً عن القانون تماماً وجعل عقوبتها تصل إلى الموت.

 

إذن نفـذت سرايا الدفاع قتل مايقرب من ألف من الإخوان المسلمين ؛ لأن عنصراً من الحرس الجمهوري حاول اغتيال حافظ الأسـد ، وكل جريمة تقع في سوريا ، كان النظام يحملها للإخوان المسلمين ، كما في مجزرة مدرسة المدفعية التي تبرأ منها الإخوان المسلمون واستنكروها ببيان نشر في مجلة المجتمع ( شعبان 1399هـ) ، ومع ذلك أعدم النظام الأسد بضعة عشر أخاً قيادياً من الإخوان المسلمين كانوا محتجزين لديـه قبل مجزرة المدفعية بسنة أو أكثر ... مع أن منفذي مجزرة المدفعية تركوا منشورات تبين أن المنفذين كانوا الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين كما سموا أنفسهم ... وهذا سيقودنا إلى استنتاج هام جداً وهو أن النظام الأسدي يبحث عن مبررات ليقتل الإخوان المسلمين ويقضي على الحركة الإسلامية في بلاد الشام ، وهذه مهمته التي كلف بها من قبل الصهيونية العالمية ، وسأعالج هذا الموضوع في مرة قادمـة ...

والذي يهمنا هنا أن التنفيذ كان قبل سـن القانون ، لقد فتحت النيران الرشاشة على هؤلاء السجناء لأنهم متهمون أنهم من الإخوان المسلمين ...

ووصل الأمر إلى أكثر من ذلك ، ليس فقط إعدام من ينتمي إلى الإخوان المسلمين ، بل معاقبة أولاده ، وزوجته ، وأقارب الدرجة الأولى ، وسجن بعضهم كرهائن لمدة تزيد عن شعر سنوات ... وحقق مع أكثر من مواطن ، يضربونه لأنه زوج ابنته لمواطن يتهم أنه من الإخوان المسلمين .... وأعدم صهر أحد قادة الإخوان ، مع أنه لاصلة له أبداً بتنظيم الإخوان المسلمين ...

وسمعت أخيراً أن المحكمة العسكرية في النظام الأسدي حكمت بالإعدام على بعض المواطنين لأنهم ( حاولوا ) الانضمام للإخوان المسلمين ، ولم يتمكنوا طبعاً من ذلك ...

وحكم على الفتى مصعب الحريري ( في المرحلة الثانوية ) لأن والده متهم بالانتساب للإخوان المسلمين ... حكم عليه بالإعدام حسب المرسوم (49) ...

وأعدم سبعة عشر ألفاً في سجن تدمر خلال عقد الثمانينات :

يقول الأخ محمد سليم حماد في كتابه ( تدمر شاهد ومشهود) :  

.... فوجئنا ذات صباح بالمشانق تنصب من بعد الفجر بقليل ، وبالشرطة يجوبون المهاجع ويسألون عن أسماء بعينها . ولم تلبث أصوات التكبيرات أن علت من جديد .. فأسقط بأيدينا .. وانهارت آمالنا الواهية .. وعدنا يلفنا الوجوم والترقب . حتى إذا فتح الشرطي باب المهجع 26 علينا انتفضنا كلنا وقد بلغت القلوب الحناجر واحتبست أنفاسنا .. وكل منا يتوقع أن يتلو الشرطي اسمه ويناديه للردى . لكن جلادنا لم يناد إلا اسم أخ واحد من بلدة سراقب اسمه عبد الحكيم العمر كما أعتقد . كان مدرس لغة عربية وملازماً مجنداًً حين اعتقل . وكان صاحب فضل علينا في المهجع بدماثة خلقه وحسن معشره ، وبحلقات البلاغة والنحو التي واظبنا عليها حتى تعلمنا منه الكثير . وقال له أن يضب أغراضه لأنه سينقل إلى مدرسة المدفعية بحلب حيث كان يقضي خدمته الإلزامية . ورغم استغرابنا من هذا الأسلوب الجديد إلا أننا قدرنا أنهم إنما أخروا إعدامه لأنه عسكري وحسب ، وأن دوره الآن قد دنا .

وأدرك عبد الحكيم أنها منيته ، وجعل رحمه الله يطوف علينا ويتفرس في وجه كل منا ويردد آخر كلمات له في هذه الدنيا سمعناها :

سامحوني يا شباب .. واللقاء إن شاء الله في الجنة .

فلما وصل بتطوافه إلى مجموعة من أهل بلده كانوا شركاء في مجموعة الطعام في المهجع أوصاهم بأهله وأولاده .

وتتابع نصب المشانق وتكرر مشهد الزهرات تساق إلى حتفها على أيدي الزبانية الطغاة . وكان من أشد المشاهد إيلاماً كما بلغني يوم أن سمع أخ من بيت العابدي من دمشق اسم أبيه يطلب للإعدام من مهجع مجاور . ورآه يساق أمام عينيه من خلال ثقوب الباب فتزهق روحه على حبل المشنقة . وكان الولد قد اعتقل مع أبيه وهو ابن خمسة عشر عاماً في مرحلة دراسته الإعدادية !

ولم يكن أقل إيلاماً يوم أن طلبوا فيما بعد اثنين من الشباب المعتقلين معنا للإعدام هما طريف حداد وملهم الأتاسي وكلاهما من حمص . وكان معهما في نفس المهجع شقيقاهما بشار حداد ومطاع أتاسي . وعندما تقدم بشار ليودع أخاه طريف ثابت الجنان قال له : اثبت واصبر .. واللقاء في الجنة . والحمد لله أن رزقك الشهادة . ولا تنسانا من الشفاعة .

كذلك خرج من بيننا أخ آخر للقاء الله في تلك الأيام العصيبة هو عبد الغني دباغ من حمص . ثم لم نلبث أن سمعنا بأن أخوين اثنين له في مهجع آخر أعدما بعد مدة وجيزة من الزمان .

وهكذا استمر تنفيذ الإعدام في سجن تدمر طوال عقد الثمانينات ، وتسمى مجزرة تدمر المستمرة التي ذهب ضحيتها قرابة سبعة عشر ألفاً ممن ظن الزبانية أنهم ينتمون للإخوان المسلمين ، مجرد انتمـاء فقط .... وهؤلاء يعرفون اليوم بمصطلح ( المفقودين ) الذين تطالب جماعة الإخوان النظام بإخبار ذويهم أنهم ( ماتوا ) لأن أهلهم مازالوا ينتظرونهم حتى هذه الساعة !!!

واليوم يخفض بشار الأسد حكم المحكمة من الإعدام إلى السجن اثني عشرة سنة مع الأشغال الشاقة ...

فلماذا لايلغى هذا المرسوم !!!؟  إسألوا بشار الأسـد لعله يعرف الجواب !!!!؟

              

    * كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية