المعارضة والجدل

م.نجدت الأصفري

[email protected]

منذ صدور المرسوم الرئاسي بالعفو عن المجرمين ، حتى اليوم وقراءات مختلفة بعضها معارض متحمس ، وبعضها لين متسامح  أما الباقي فهو  من نوع ( مين ما أخذ أمي بناديلو ياعمي ) فلما تشعبت آراء أخوتي في هذه المجموعة الطيبة ، ورأيت حرارة النقاش  استحثني الموضوع فقررت خوض غماره وبالله التوفيق .

ما هي المعارضة ومن هم المعارضون :

المعارضة هي الوقوف أمام شخص متنفذ ليخالفه الرأي لقناعته أنه صح والطرف الآخر على خطأ ، عدا مشتقات لكلمة المعارضة لغويا التي لا تعنينا هنا .

 تأخذ المعارضة سبل عدة منها : السلمي ، الناصح ، الرفيق ، اللين ... ومنها المتشدد ، المهاجم ، المقاوم ، العنيف ... المحارب .

المعارضون هم : مجموعة قل عددها أو كثر كالأحزاب، اتفقت على مباديء وأفكار تتعاون فيما بينها على التعاضد لتنفيذ آراؤها ، ويستخدمون لذلك الوسائل التي تتماشى مع نوعية معارضتهم ( سلمية ، أو غير ذلك ) ، هؤلاء النفر يجب أولا أن يتفقوا على هدف واحد هو عنوان عملهم الجماعي في حالتنا السورية ( تغيير الحكم من شمولي ديكتاتوري إلى ديمقراطي شعبي حسب النموذج المعروف عالميا ) لكن الأحزاب غالبا ما تتشقق وتتمزق فيكون لها جناح اليمين والوسط واليسار وقد تزيد الأقسام  إلى أكثر منة ذالك حتى تصل للعداوة والقتال ( كما في حزب البعث السوري والعراقي ) أيام حافظ وصدام .

في سوريا قبل انتشار التكنولوجيا الحديثة ( هاتف محوري ، هاتف نقال ، كومبيوتر ، فاكس ، وقنوات فضائية  ) كان التواصل بين المعارضين يتم شفاهة ومباشرة بين الأصدقاء المؤتمنين على أسرار بعضهم بعضا بعدما فقد المواطن الثقة حتى في أقرب المقربين الذين جندتهم الحكومة ( عسسا ) ضد الجميع تحت اغراءات المادة والسلطة والمنصب .

في تلك الحقبة تعرضت سوريا وشعبها إلى محن ونكبات كادت ان تفرق بين لحم المواطن وعظمه بحجة الإرهاب ، وقد تكتمت الحكومة على أفعالها فلم تنشر منها إلا النذر اليسير عبر وسائل اعلامها المملوكة لها لتجعل نفسها ضحية ( شراذم ضالة ، و حفنة مارقة ، أعمالهم زوبعة في فنجان ...)

قتل من قتل واستراح بينما من وقع أسيرا بيد الوحوش عملوا فيه تجارب يندى لها جبين الحيوان عداك عن الإنسان ولو أتيح لنا الإطلاع على بعض ما سمعنا لحرمت أجفاننا النوم ما حيينا ، رشحت بعض هذه الجرائم خارج الحدود ، لكن من سمعها لم يكد يرددها خوفا من عواقب نظام شرس لم يتورع عن نقل عصاه إلى أي منطقة في العالم ولم يعفها عن الرجال والنساء والأطفال ، لاذ بالفرار من استطاع النجاة بنفسه عبر حدود وعرة شاقة ، ولعل الكثير منا مدينون للدول المجاورة قرى و إقامة و أمانا .

كنا نتحلق حول مشيايخنا نستفسر ما حكم ما نرى وما يلزمنا الشرع قبله ؟ فيردون خائفين : إنه قدر الله ... إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني ... والظالم سيف الله في الأرض ينتقم به ثم ينتقم منه .وليست المواجهة هي سبيل يزيد النكبة أبعادا والكارثة فورانا .

أصبح المجتمع شتاتا حتى وأنت ترى البشر يملؤون الشوارع لكنهم كيوم الحشر كل يصيح نفسي نفسي .

بدأ الهروب خارج الوطن وأتسعت دائرة الهجرة وامتد قطرها ليشمل مساحة الكرة الأرضية كلها ، فمن اليابان والصين وكوريا إلى روسيا واوروبا  وأستراليا ونيوزيلاندا وأفريقيا حتى وصلت إلى بلاد ما وراء بحر الظلمات شمالا وجنوبا .

جاء القدر بنهاية طاغية وحل محله وريث كدنا نتفاءل به فهو شاب قد لا يحمل حقد أبيه وعمه وعائلته ، هو متعلم خلاف من أسلفنا من جماعته ، هو من عاش في أكثر بلاد الأرض ديمقراطية  فلعله تأثر بمضامينها وحلاوة التعامل بها مع الآخرين ، فتنفس الشعب الصعداء وبدؤوا يحلمون ،، لكن ( نقبهم طلع على خراب ) و( لم يجدوا في هذا العش عصافير ) حيث كان أفضل ماورثه هو  الحرس القديم الذي بنى لوالده من الجماجم قصورا ، فهذا معروف بقطع الألسن ، وذاك في أغتصاب الحرائر ، وآخر يعلم من وسائل الإجرام ما يمكن أنتخابه ملك الوحوش في فنون التعذيب ، ليس لحد الموت فيرتاح الأسير بل إلى حد أن يتمنى الأسير الموت ولا يناله . وجميعهم يشتركون في السرقة ونهب الأموال وتعاطي الرشوة ( السحت )

تبعثر الناس في الآفاق خلق لديهم رغبة في معارضة علنية طالما أن عصا السلطة قصيرة بعدما انتشرت التكنولوجيا وخاصة القنوات الفضائية التي جعلت العالم قرية صغيرة يرى ويسمع سكانها ما يحدث كأنه رأي أعينهم وبحديقة منازلهم .

بوادر التجميع بدأت غزيرة وسريعة تؤلف بين قلوب السوريين الذين يحلمون بالعودة إلى دار تؤوي أحبابهم وأهلهم ، ونشطوا في التجمع وقد فتحوا الأبواب على مصاريعها لكل من جاء بقافية منظومة ، وحكايات مرصوصة ، وقصص مؤثرة . لكن حساب السوق لم يطابق الصندوق ، وحجم البيدر لم يغل كما  المالك تصور. فقد اعترضت عقبات منها :

البعد الجغرافي

العوز المادي

والأهم جهل الفرقاء ببعضهم فاختلاف المدن ، والأعمار ، والثقافات ، والخلفيات الفكرية  والإنتماءات الحزبية ، العقائد الدينية ، والجذور القومية والقبلية .

هذه الفوارق تفرع عنها أمورا كثيرة منها :

الخلافات المستقبلية ، فمنهم من فكر بمركز الرئاسة ، ومنهم برئاسة الوزراء ، ومنهم من رغب بإقصاء زيد وعمر لأنهما لا يستحقان العمل معهما

الخلافات القومية فأخوتنا الأكراد نتيجة ما وقع عليهم من اجحاف في العهد الأول نحو تجاه الإنفصال وتأسيس دولة مستقلة ، ثم تراجعوا لحكم ذاتي . ثم  العلويون خامرهم الخوف والشك بأنهم سيكونون ضحية الثأر دفعا لما ورطهم به آل أسد بقولهم ( الآباء يأكلون الحصرم والأولاد يضرسون )

لكن الأمر الأقسى والأصعب هو ذاك الذي استغله مرضى النفوس الخبيثة فراحوا يخططون لإقتناص زملائهم في المعارضة ولدي أمثلة كثيرة أود تلخيص إثنين منها لتكون شاهدا على ما أقول .

في أول مظاهرة أمام السفارة السورية بواشنطن ، دعاني (الأخ د. ف . خ)

للمشاركة و فعرفني الداعي على صديقه ( ه .ق ) قائلا إنه من نفس ولايتك ألا تعرفه ؟

وتمت المعرفة وألح المذكور عليّ لأزوره في مدينته التي تبعد مسافة 3 ساعات بالسيارة عن مدينتي فلما زرته رأيته قد بذخ في الترحيب والحفلة وأفاض في الكرم الزائد وبدأ  في امكانية التعاون  بعمل المشترك يدر علينا أرباحا كثيرة  وظهر أمامي ذو خبرة واسعة ونجاح كبير في الحياة ، وتكررت زيارتي بناء على دعوات مستميتة ليريني مشاريعه وعرض علي بيع فرن أوتوماتيكي جلبه من سوريا وليس له وقت لتشغيله وقال إنه حرام أن يهمل هكذا بينما لديه عقد بآلاف الدولارات شهريا لشركات كبيرة ،،، وبعد عدة زيارات ( بق ) البحصة بقوله أريد خدمة منك : ما ذا أستطيعه مما لا يحملني فوق طاقتي فأنا جاهز ، قال سأسجل بيتي بأسمك .... ولم ؟ قال لأستفيد مما لي به من مال ، أمر قد لا يعرفه من يقرأه الآن لأنني وقتها لم أكن أعرف ما هو ، سألته بخجل : ما الذي يمكن أن يؤذيني أنا وأنت من هذا العمل ؟ وهل هذا قانوني .... ؟ طبعا طبعا . وقال أنا الوحيد الذي يمكن أن أتضرر ولا يمكن أن اسجل بيتي بأسم ( لا أثق به )  يمكنه أن يبيعه وأفقد البيت .

 وتم تسجيل البيت منذ عام 2005 فلما نصحني من علم الأمر وبين مخاطره ، سارعت أطلب منه استعادة بيته ، وبدأ يراوغ ويقدم مواعيد شهرا بعد شهر واسبوعا بعد اسبوع وتمر السنون وإذا بالشركة صاحبة الدين على البيت تطالبني بالمتأخر مما لا يدفعه هو .... والخلاصة عرفت أن مجموع الديون على البيت هي 390 ألف دولار وهو يغط في نوم عميق ... حتى انتهت صداقتنا إلى مأساة في يد القضاء.

قصة أخرى : في أول لقاء في واشنطن جمع كثيرين من أطياف المعارضة ، بينهم شاب دمشقي ( زكرت ) أناقة وفصاحة وأفكارا نارية مختصرها ( لديه 200 سوري في ولايته يتدربون على القتال والرمي وهو مستعد لنقلهم إلى دمشق ليبدؤوا حرب التحرير ) بعض المتحمسين قفذوا في الهواء فرحا وطربا ، وكادوا أن يضعوا فقرة ( العمل العسكري ) في البيان الختامي ليزيد الحماس ويرهب النظام لكن أحدهم ( قد أكون أنا ) قال هذه الكلمة قد توقعنا تحت تهمة الإرهاب هنا في أمريكا التي تشن حربين شعوائين ضد الإرهاب فحذفت الجملة ، هذا ((الصنديد )) أتصل بزميلين من المعارضة يقول للأول أنا بحاجة عشرة آلاف لمدة قصيرة ، أرسلها صديقه الكريم لهذا الجهبذ فورا ،،، وسلامتكم منذ بضع سنوات لم يعد يرد على تلفوناته ولا يشعر [انه مدين لأحد] ، والمغدور بماله صمت على القضية مخافة الفضيحة ، مما جعل أخا آخر يقع فريسة أمام (البطل الغضنفر ) ، أتصل به يسأله عن عمله ودخله ويعرض عليه أن يشاركه في مشروع ناجح ووفير الدخل ( فكم معك ؟) قال 85 ألف هاتها وكل ما يشير إلى المبلغ هو التحويل البنكي لا غير ، فلما لم يعد يسمع منه شيئا قرر السفر إليه ، هناك أخرج له ورقة مكتوبة بقلم يكاد حبره ينضب وبأسلوب ركيك وبكلمات مفككة  وبدون توقيع عن مقاول قام بتجهيز المحل ودفع له ضعف ما أرسله المنكوب ، وإذا به يطالبه بالفرق علما بأن المحل لم يصلح مما دعاه لتسليمه للمالك ... ورفض أن يريه المحل ، ولا يعرف هاتف المقاول ولا مكانه ... وبلغ ما مقداره 100 ألف دولار ومسحها بقفاه . ولدى استشارة محامي نصحه بعد إقامة دعوى لأنه لا يملك مستندات .

سقت هاتين القصتين ليكونا شرحا لما بين ( ألأخوة ) المعارضة . وطبعا هناك ما هو أفظع وأخطر لكنني أعف نفسي عن ذكر ها .

إذا ما هذه المعارضة ؟

 لو قسنا أنفسنا على بدء انتشار الدعوة على يد الحبيب (ص) فقد جهز الأساس حتى أصبح علي بن أبي طالب (ر) يرضى أن ينام في فراش الرسول (ص) ولم يساوره خوف أو هلع لأنه يطلب أحدى الحسنيين. كما أن ثوبان (ر) يحمل في كفه بضع تمرات وفي جيبه ( صداق ) زوجته وإذا به يسمع مناد الرسول (ص) يا خيل الله اركبي ، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ... رمى تمراته واشترى جوادا وانطلق به بدون سرج يريد الجنة .... وسمية وعمار وياسر (ر) وغيرهم كثير، قصصهم تفوح بعاطر الفخر والإيمان .

كان الهدف في التغيير ، رجال وضعوا أنفسهم في المكان الصح علما وإيمانا ويقينا ، وهدفا محددا هو نشر دين الله على الخلائق أجمعين ، كذلك لهم هدف واحد من اثنين ( النصر أو الشهادة )

إن أعمدة الدعوة هؤلاء دوخوا العالم ونشروا دين الله على أكبر رقعة من اليابسة في وقت قياسي يتعجب قواد الجيوش الحديثة من النصر المؤزر الذي حققه المسلمون بعد أن جعل منهم القائد (ص) رموزا لا مثيل لهم

نخلص من هذا أننا في مماحكاة لا تجدي نفعا مع تشتت الأهداف ، وتعدد والطرق ، وبين التغيير السلمي ، التغيير العنفي ، والإنكفاء على الذات وعدم معرفة ما نريد لعدم وجود منهج واحد واضح نقتفيه ونصل به للغاية النبيلة  المنشودة تجاه وطن أسير وشعب مغلوب .لذا فكل واحد منا يضرب بسيفه لنفسه وغاية لذاته كرد فعل لما تحمله من عذاب وعنت .

علينا أن نوحد الهدف ، ونلتزم بسلوك مرسوم ، ونطيع ما اتفقنا عليه ، لا لغاية شخصية ضيقة وإنما لهدف جليل ومستقبل مشرق  وكله في سبيل الله.