هل يعي الساسةُ دمعات الطفولة ولوعاتها
مع اقتراب العيد
هنادي نصر الله
مضت تحلمُ بعيدٍ سعيد يجلب لها الفرحة ويطردُ عن عينيها الدمعات التي أبتْ أن تُفارقها منذ استشهاد والدها إثر قصفٍ ـ إسرائيلي ـ طاله وطال آخرين أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم أصحاب حقٍ وأرضٍ وكرامة!
سألتْ نفسها"كيف يُمكن أن أًُصبحَ سعيدة؟!"هي لا تحلم بخاتم سليمان ولا بمصباح علاء الدين العجيب ولا بقصرٍ من وردٍ وأحلام وخيال..هي لا تُريدُ المستحيل ..هي تبغي فقط لحظة حبٍ تقلبُ عمرها التعيس وتجعله جميل!.
هي طفلةُ عزتْ عليها الإبتسامة بعد أن وجه العالم الظالم لأبيها الملامة واتهمه بأنه من سعى لقتلٍ نفسه بنفسه يوم أن ثار على الأوغاد محتلي أرضه وعرضه؛فكان نصيبه الملاحقة والمطاردة التي انتهت باغتيالٍ جبان ومؤلم للغاية.
ويمر على هذه الطفلة شهر رمضان الكريم دون أن يكون بجانبها ذلك الحنون الهادئ الطيب،دون أن يُقبلها ويوقظها من نومها قائلاً لها"صغيرتي..قومي تسحري إن في السحور بركة" تتدللُ عليه الصغيرة وهي تُقاوم الكرى والنعاس،يُوقظها مرةً أخرى؛فتلبي نداءه؛يمسحُ على رأسها بحنان أبويٍ خالص... يأبى إلا أن يجلس بجانبها ويُطعمها بيديه،ويعِدها إذا صامت الشهر الكريم أن يجلب لها أجمل الملابس وأن يُعطيها عيديةً كبيرةً تليقُ ببسمتها البريئة وفرحتها الكبيرة لاحتضان العيد وأيامه الجميلة...!
كل هذه الذكريات تخيلتها تلك الصغيرة الفلسطينية البائسة وهي تقصي شهرها الكريم ذرفت دمعات الحرمان غزيرةً على وجنتيها بللتْ لقمتها ومائدة إفطارها الحزينة وكل محاولات والدتها الأرملة لإسكاتها باءت بالفشل والخسران؛ولأشد ما أثرّ في نفسِ هذه الطفلة المحرومة اقتراب العيد الذي لن ترى فيه سوى صورةً لوالدها الراحل عنها وهو يضحكُ معها ويُلاعبها....!
بالأمس تاهتْ عن وعيها ورحلتْ بفكرها عن دنياها وأطرقتْ العنان لأفكارها وأخذت تتمتم بصوتٍ لن يفهمه إلا من يعيش مأساتها ويُتمها وتشريدها ـ وهم بالطبع أطفال فلسطين والعراق فقط ـ أمسكتْ دفترها وخطتْ"أبي ...أيها الحبيب الراحل...جاء العيد علينا ...كم أحلمُ برؤيتكَ..ببسمتكَ بطيبة قلبكَ وأنتَ تصطحبني إلى أراجيح الطفولة ..هل هذا كله أصبح حلم يا أبي صعب المنال ..بل مستحيل؟!"
تتخيل روح والدها تخاطبها قائلةً لها"أصغيرتي ...لا تبكي ...لا عليكِ إن جرحوا طفولتكِ ..افرحي بالعيد ..العبي وتأرجحي ...ماما بجانبكِ وستعوضكِ إن شاء الله...."
تحاول الصغيرة أن تناديه بعد أن تخيلته أمامها فيهرب سريعًا،تنهمر دموعها ولسان حالها يقول"لا نامت أعينِ الجبناء الذين قتلوا الأبرياء وسلبوني أغلى الآباء!!".
هذه لمحة سريعة بطلتها "طفلة فلسطينية" تعيش هذه الأيام في جوٍ من الألم والحرمان؛لفقدانها والدها بنيران الإحتلال وعملائه تًُرى هل يعي الساسةُ الألم الذي يجتاح أطفال فلسطين لفقدانهم آبائهم وربما أمهاتهم أيضًا...؟!
أناتهم المتراكمة ودمعاتهم المتواصلة تحثكم على التمسكِ بفلسطين كل فلسطين،وإلا فإن أحزان البراءة ولوعات الطفولة ستنهال عليكم لعنات يوم لا ينفعًُ مالٌ ولا بنون ولا مفاوضات مع محتلٍ حقير يتلاعب بعقول الصغار أمثال من سيذهبون إلى مؤتمر الخريف المشئوم.