إيران تأبى إلا أن تكون كسروية
محمد فاروق الإمام
هدد وزير النقل الإيراني حميد بهبهاني يوم الأحد 21 شباط الجاري رحلات الشركات الأجنبية القادمة من الدول العربية بحظرها إذا ما استخدمت عبارة (الخليج العربي)، بعد أن تم طرد مضيف جوي يوناني استخدم ذات العبارة.
وذكرت وكالة أنباء فارس أن مضيفاً جوياً يونانياً في شركة (كيش إير) الإيرانية للطيران طرد من عمله ثم أبعد صباح الأحد بعد شجار مع ركاب حول استخدام عبارة (الخليج العربي) بدلاً من (الخليج الفارسي).
ونقلت الوكالة عن غلام رضا رضايان قائد شرطة الهجرة والرعايا الأجانب أن (المضيف اليوناني على الرحلة 7081 لشركة (كيش إير) بين طهران وجزيرة كيش (جنوب) طرد بسبب تصرفه اللامسؤول وغير اللائق).
إن تمسك العرب بمسمى (الخليج العربي) لم يكن تعصباً عنصرياً أو قوميا بل هو تعبير عن حقائق تاريخية تعود إلى ما قبل الإسلام وفتوحاته وبقيت متزامنة حتى غدر شاه إيران محمد رضا بهلوي بأمير المحمرة الشيخ خزعل الكعبي عام 1925 واستولى بدعم من الإنكليز على منطقة عربستان الغنية بالنفط، والتي كانت تشكل الساحل الشرقي للخليج العربي، وما زال تمسك العرب بهذه التسمية تعبيراً عن رفض لسياسات الهيمنة ومحاولة فرض النفوذ من قبل إيران في زمن الشاه، وهي سياسة لم تتغير قيد أنملة بعد ثورة الخميني.
وحتى لا ينسى العرب أو يظنون الخير في هذا النظام الخميني أو يعتقدون أنه أفضل من نظام الشاه نورد تلك الحادثة التي وقعت عام 1965.
في التاسع من كانون الثاني عام 1965 منعت سلطات مطار طهران الدولي طائرة كويتية من تفريغ حمولتها وأعادتها بركابها إلى الكويت بحجة أن بوليصة الشحن الخاصة بهذه الطائرة تحمل اسم (الخليج العربي) وليس (الخليج الفارسي)، فما كان من الكويت إلا أن أعادت طائرتين إيرانيتين رداً على التصرف الإيراني، وقد تناول نواب مجلس الأمة الكويتي وقتها هذه الحوادث في جلسة انتقدوا فيها بشدة التصرف الإيراني بل قال النائب علي العمر في تلك الجلسة (إن موقف طهران يدل على أطماع إيرانية كبيرة في الخليج العربي). واليوم يجدد الوزير (بهبهاني) حكاية ما فعله سلفه أيام حكم الشاه قبل نصف قرن تقريباً، ليؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ثورة الخميني هي امتداد لحكم الشاه ولا تختلف عنه إلا من حيث التسمية والشكل وأبواق الإعلام.
اقرأ التاريخ جيداً أيها الوزير (بهبهاني)، إن الذي يدعم التزامنا بتسمية الخليج بـ(الخليج العربي) أنه حتى نهاية القرن التاسع عشر كانت غالبية سواحل الخليج الشرقية يسكنها عرب، وقد هاجر كثير من هؤلاء إلى دول الخليج بعدما مدت إيران نفوذها هناك وفرضت اللغة والثقافة الفارسية، وبإمكان الإيرانيين أن يسموا الخليج فارسياً إن كانت عنصريتهم تدعو إلى ذلك، لكن المسألة عندهم تتعدى التسميات إلى التجاوزات السياسية والأمنية والأطماع التي تتعدى سواحل الخليج الغربية وجزره، وليس ببعيد عنا احتلال الإيرانيين الجزر العربية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وقد رفضت إيران الخمينية باستعلاء كل الوساطات الدولية والعربية لإعادة النظر في احتلالها لهذه الجزر العربية لتحسين العلاقات مع العرب وإبداء حسن النية من قبلها تجاههم، وبالأمس القريب احتلت قوات الحرس الثوري بئر (فكة) النفطي العراقي، مستغلة أوضاع العراق المحزنة، وأعلنت أن هذا الموقع النفطي أرض إيرانية.
وواقع الحال أيها السيد الوزير (بهبهاني) أن الخليج لم يعد (عربياً) أو (فارسياً) بل صار (أمريكياً) ببركة حكام طهران ومشروعهم النووي الطموح لامتلاك القنبلة النووية ليعيدوا – بظنهم – أمجاد دولة فارس المجوسية، وقد كرمها الله بالإسلام، وأخمد نارها التي كانوا يعبدونها من دون الله، وجعل منها جزءاً مهماً من الدولة الإسلامية، وقاعدة انطلاق لفتح السند والهند وتخوم الصين وروسيا، ونبوغ المئات من علماء الإسلام وفقهائهم ليحملوا مشاعل النور والهداية والعلم والمعرفة، والمسلمون في مختلف بقاع الأرض يقدرون ويجلون هؤلاء العلماء لما قدموه للإسلام والمسلمين.. واليوم صارت أساطيل الغرب تملأ مياهه وجيوشه على سواحله، ولو كانت سياسة إيران تتوافق مع خطابها الظاهري الذي يدعو إلى الوحدة الإسلامية لما كانت أظهرت كل هذه الحساسية والتعصب ضد مسمى (الخليج العربي).
حتى الرياضة أيها السيد الوزير (بهبهاني) وألعابها أرادت إيران أن تسخرها لخدمة تطلعاتها العنصرية والفارسية، ففي شهر كانون الثاني الماضي ألغى الاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي ومقره الرياض بطولة ألعاب القوى المقررة في طهران لأن إيران أصدرت ميداليات تمثل خارطة البلاد نقش عليها عبارة (الخليج الفارسي).
إننا أيها الوزير (البهبهاني) نرفض العنصرية ونمقتها ونحاربها لأنها عدوة الإنسان في كل مكان وزمان، ونؤكد لك يا معالي الوزير أننا سنظل، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، مصرين على تسميتنا لهذا الخليج بـ(الخليج العربي) فسموه انتم ما شئتم فلن يغير هذا من الأمر شيء، لأن تسميته أمر سيادي بالنسبة لنا ولن نتخلى عن هذه التسمية مهما أصدرتم من (فرمانات)، لأن هذه (الفرمانات) العنصرية لن تخدم مصالحكم ولا مصالح الشعب الإيراني الذي تحكمونه بعنصريتكم وتطرفكم!!