العمل العربي المشترك يدخل مرحلة جديدة

تدعو للتفاؤل وبمستقبل واعد

أقوال الجامعة العربية تتحول لأفعال في السودان والأمل بأن ينتقل هذا الزخم لفلسطين

محمود خلوف

صحفي وطالب دكتوراه إعلام

[email protected]

كان لي شرف مرافقة وفد الأمانة العامة لجامعة الدول العربية خلال جولة افتتاح مشاريع تنموية طموحة في مختلف تجمعات إقليم دافور السوداني ما بين الثالث عشر والرابع عشر من شهر فبرلير/شباط الجاري، والتي اختتمت باجتماع فريد من نوعه لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين.

بلا شك أن الرحلة كانت شاقة لأننا جبنا مناطق مدمرة بفعل الحرب، وكانت تفتقد للكثير من الخدمات والمرافق، قبل أن تدخل الجامعة العربية الميدان وتقرن القول بالفعل...وما لفت انتباهي خلال هذه الرحلة شخص أمين عام الجامعة العربية الأستاذ عمرو موسى، الذي تنقل بين بيت وبيت ومركز وآخر لافتتاحها مبتسما فرحا، وبأجواء الحر الشديد دون كلل أو تعب....

كنا في الماضي نتحدث كإعلاميين وصحفيين معتمدين في الجامعة العربية، مع أنفسنا ومع آخرين عن الحال العربي، وكانت السمة الغالبة على كلامنا وتشخيصنا للواقع التشاؤوم، وحتى عندما ذهبتُ وعدد آخر من الزملاء إلى دافور، كنا نعتقد أن الأمر لا يتعدى المعتاد الذي تعودنا عليه...ولكن الواقع "يشرح الصدر"...

إن مشاريع الجامعة العربية قوبلت بتأييد واسع لدى القاعدة الجماهيرية ومختلف القوى المتصارعة في دارفور...كلهم وقفوا وقفة رجل واحد وتوحدوا ونحوا خلافاتهم جانبا، واستقبلوا أمين عام الجامعة العربية والوفد المرافق بفرحة وكثير من الأمل والتفاؤل...وما زاد الفرحة كلمات المسؤولين في الإقليم بأنهم مصممون على المصالحة وإنهاء حقبة الحرب.

وقد تزامن وجودنا في قرية هابيلا كناري، مع مخاض إحدى السيدات، ليسارع زوجها بتسمية المولود الجديد "عمرو موسى" تيمنا بأمين عام الجامعة العربية، وبصراحة هذا الحدث الذي مر مرور الكرام لدى عدد من وسائل الاعلام، لا بد من التعليق عليه.

فوالد المولود الجديد، عبّر بهذا السلوك عن شعور أهالي الاقليم، الذين اصطفوا وغنّوا ورقصوا بهجة بالوفد الضيف، وبـ"دينمو العمل العرب المشترك"...وهم لم يرقصوا بهذا الشكل الرائع، إلا لأنهم يفتخرون بانتمائهم للأمة العربية، التي افتقدوها سنوات طويلة، ليأتي ربان مختلف برياديته ويضغط كثيرا لتتحول الأقوال إلى أفعال، ويشعر أهالي الإقليم بقيمة العمل ويعبروا بأسلوبهم الخاص عن فرحتهم به.

سبع سنوات من العمل من داخل مصر، وسنوات عديدة من العمل من داخل الجامعة العربية لم تكن كفيلة بالنسبة لي لاكتشاف بعض سمات عمرو موسى،...إنه فعلا غاية بالجدية والنشاط...لقد افتقدنا الراحة ولم ننم إلا قليلا، والسبب أنه أراد ألـ48 ساعة التي خصصت لدافور، بأن تكون لدافور فقط.

لم يكن أمين عام الجامعة العربية متساهلا مع أي خلل، وكان يتابع تفاصيل التفاصيل بما يخص التجهيزات والتحضيرات لافتتاح المشاريع فيه، كما أنه حرص على أن ينقل الإعلام هذا الحدث الكبير بالشكل الذي يستحقه.

واجهتنا في البداية صعوبات جمة في موضوع نقل الأخبار، ولكنني وزميلاي صلاح جمعة كبير محرري الشؤون العربية في وكالة أنباء الشرق الأوسط وأحمد صديق الصحفي بالوكالة، عندما سمعنا كلام الأمين العام، ونصائحه لنا بضرورة إعطاء الموضوع حقه، "خلقنا المعجزات" لنتابع الحدث أولا بأولا، فسارعنا لاقتناء جهاز متطور خاص بتزويد "الانترنت" رغم ثمنه الباهض، لنقوم بما هو مطلوب منا دون تردد...ورفضنا الاتكال، والتذرع بأي حج...

لقد شجعنا بذلك حماسة السفراء ومندوبي الدول العربية والأمين العام للجامعة الذين لم ترهقهم المشقة، وظروف الصحراء الحارقة، والأجواء المغبرة، وصمموا على العمل بإرادة وابتسامة،..لا لشيء، إلا لأنهم بدأوا يشعرون بالتغيير الإيجابي، ولأنهم شعروا بحجم الراحة لدى المواطنين ضحايا القهر والحرب.

وكإنسان عاش رحلة افتتاح مشاريع الجامعة العربية في إقليم دافور، اعتبر  بأن كلام السيد عمرو موسى في قرية هابيلا كناري التي أعادت الجامعة العربية بناءها، قد وصل قلوب مختلف الأطياف السياسية في الإقليم، ودليل ذلك توقيع اتفاق الإطار في الدوحة قبل بضعة أيام، ووجود رغبة حقيقة غير مسبوقة لدى حركة العدل والمساواة بفتح صفحة جديدة، وبإنهاء تبعات الحرب نهائيا...وكذلك إعلان عدد من الحركات السودانية في الإقليم السير على نفس النهج.

إن عمل جامعة الدول العربية في السودان خلال شهر شباط/ فبراير2010 "كان ختامه مسك" في مدينة جوبا، حيث نُظم مؤتمر الاستثمار والتنمية في جنوب السودان، بمشاركة 70 شخصية رفيعة تمثل مختلف الفعاليات العربية المعنية بالاستثمار وكذلك تجمعات رجال الأعمال.

وبلا شك أن هذه الجهود تعزز الأمن والاستقرار في السودان، وتجعل الوحدة خيارا جاذبا بالنسبة للجنوب ولأهالي إقليم دافور، لتبقى في النهاية السودان عربية موحدة، وقوية، ومدعومة بجهد عربي مخلص.

وفي الختام لا اعتبر كمتابع للواقع العربي ما جرى في السودان من إنجازات إلا بداية لمرحلة جديدة وهامة في تاريخ العمل العربي المشترك، هي مرحلة تحويل الأقوال إلى أفعال، وتبقى أنظارنا نحن أهالي فلسطين تتجه نحو الجامعة العربية، آملين بأن تحدث "طفرة" إيجابية نوعية على صعيد دعم المقدسات والقدس المحتلة وعموم مناطق فلسطين المحتلة، وأن نجد الإنجازات أكثر وضوحا على الأرض كما وجدناها في دافور وجوبا.