حقا ... انه أزهي عصور الصحافة
حقا ... انه أزهي عصور الصحافة!
أ.د. حلمي محمد القاعود
واضح أن الأمور أخذت طريقها نحو مزيد من التصعيد السافر ضد الحريات العامة , وفي مقدمتها حرية الصحافة , وذلك بحبس مجموعة من الصحفيين بلغ عددهم السبعة , بانضمام رئيس تحرير الوفد واثنين من صحفييها, إلي من سبق الحكم بحبسهم وهم أربعة من رؤساء تحرير صحف خاصة هي : الدستور وصوت الأمة و الكرامة و الفجر.
ويبدو لي أن القوي السياسية لم تلتفت جيدا إلي الخطوات التدريجية التي اتخذتها السلطة لتقنن الاستبداد السافر , وتحرم الشعب من المشاركة في تقرير مصيره واتخاذ القرار في القضايا التي تعالج حاضره وتصنع مستقبله .
وكان ما سمي بالحراك السياسي بين عامي 2004 و2006 م علامة علي سعي السلطة المستمر لوضع الحريات العامة داخل زنزانة بوليسية فاشية لا تعرف لغة الحوار ولا تفهم منطق التعددية ..
كانت تمثيلية المادة 76 من الدستور متقنة للغاية , وظن الناس أن الأمر جد وليس تسلية يراد منها إلهاء الناس عن واقع شرس ضاق بهم وضاقوا به , وكان تعديل هذه المادة من أعجب ما عرفه العالم حيث صيغت في نحو ثلاث صفحات فحققت بذلك رقما قياسيا في دساتير الدنيا بوصفها أطول مادة في كل الدساتير , وجاء فحواها مخالفا لكل التوقعات الحالمة بانفراج سياسي حقيقي يتيح للقوي الحية أن تعبر عن نفسها وتشارك في بناء الوطن , فقد صُممت بحيث يصير من الصعب "ترشيح" - مجرد ترشيح - من لم ترض عنه السلطة البوليسية الفاشية ويكون طوع بنانها .. مع الإفادة سلفا بمن سيكون الفارس المحظوظ .
وفي انتخابات 2005 م التشريعية شهد الناس "تراجيديا" مؤلمة ومحزنة حيث تم الاعتداء علي القضاة , ومنع الناخبين من الوصول إلي لجان التصويت , وإعلان نتائج مزورة في الغالب .. وكان الحصاد أربعة عشر قتيلا ومئات الجرحي سقطوا برصاص النظام .
وفي خطوة مباغتة وفاجعة تم تأجيل انتخابات المجالس المحلية حتي ينتهي النظام من إعداد تعديلاته الدستورية التي تنهي وجود القضاة الحقيقي وإشرافهم علي الصناديق الانتخابية , وقد جاءت التعديلات لتحرم القوي الحية من المشاركة في العمل السياسي تماما حيث يتم تزوير الانتخابات علنا ومباشرة , يساعد علي ذلك انصراف الجمهور عن الإدلاء بصوته ثقة منه بعدم جدوي ذهابه وتصويته لمن يختار , فقد أخذت السلطة علي نفسها واجب التصويت لمن تريد هي ولمن تختار هي .
وقد ترافق مع هذا الحراك السياسي الملتبس , بدء الضربات للصحافة وتكرار تجربة إغلاق صحيفة الشعب الناطقة بلسان حزب العمل وحبس رئيس تحريرها واثنين من زملائه وتغريم آخر عشرين ألف جنيه , وتم القبض عليه في يوم صدور الحكم لدفع الغرامة !
أقول تكررت التجربة بإغلاق جريدة آفاق عربية وتشريد أكثر من سبعين صحفيا لم يتقاضوا مرتباتهم منذ عام ونصف عام , ثم بدأت المناوشات للتحقيق مع بعض الصحفيين الأحرار , وتحويل الأقلام الراسخة في الدفاع عن حقوق الإنسان المصري إلي أقلام مرتعشة , تغمغم ولا تفصح, وتدمدم ولا توضح, كي يطمئن دهاقنة الفساد إلي استمرارهم في النهب والتخريب والاحتكار وإفساد حياة الوطن بالتعليم السطحي والإعلام الكذاب, والثقافة المزيفة الخانعة .
ربما كان الحكم بحبس رئيس تحرير الوفد واثنين من زملائه القشة التي قصمت ظهر البعير وكشفت لكل من كان يعلق أملا علي ما يسمي هامش الحرية في تغيير الأحوال إلي ما هو أفضل وأحسن . لقد انكشفت الخدعة عن سراب كبير يقوم علي تقديم صورة ديكورية تخاطب العالم الخارجي وحده , وتقوم علي أربعة وعشرين حزبا لا يمكن لأحد أن يعرف أسماءها كاملة , ولا يمكن لأي حزب منها أن يعقد اجتماعا جماهيريا أو ينظم مظاهرة عامة , بل إن النظام لا يجد غضاضة في الإيقاع بين أعضاء كل حزب يخشي من نموه وتطوره في اتجاه يهدد وجوده السياسي !
إن دعم النظام للصحافة القومية في مواجهة الصحف الحزبية والمستقلة ينبع من رغبته المستبدة في تهميش الأخيرة وتحويلها إلي مجرد أبواق تابعة له تسبح بحمده وتشيد بأفضاله , وهو أمر – فيما أتصور – لن يتحقق بسهولة اللهم إلا إذا استمر في هجمته الإرهابية بتجنيد أتباعه لرفع مزيد من القضايا علي هذه الصحف وإدخال صحفييها السجون , وحينئذ تتوقف تلقائيا , ويبدو في الوقت نفسه بريئا من دمها !
لقد آن الأوان أن تقف نقابة الصحفيين والنقابات المهنية والقوي الحية وقفة حازمة ضد الاستبداد الغشوم للجمه وفرض التراجع عليه, و أعتقد أن كتاب لاظوغلي ومثقفي الحظيرة وكتاب البلاط يجب ألا يؤثروا علي حركة أحرار الأمة في سعيها لمقاومة الاستبداد واستعادة مصر من قبضة الفاسدين المفسدين .
ويا أيها المحامون الشرفاء : قوموا بدوركم ضد أبواق السلطة , الذين يسيئون إلي الشعب كله والأمة كلها والقيم الشريفة كلها ... والله ناصركم ومؤيدكم.