أطلق سراح الشيخ "الكوكي"
أطلق سراح الشيخ "الكوكي"..
فماذا عن باقي المعتقلين في سورية؟
الطاهر إبراهيم *
مهما كانت دواعي الإفراج عن الشيخ "عبد الرحمن الكوكي"،فهي بلا شك خطوة في الاتجاه الصحيح. ومع أنها صححت خطأ ارتكب بحق الشيخ "الكوكي"، فهي تستحق الترحيب بها. نددنا باعتقال الشيخ وفي نفس المعيار نرحب بإطلاق سراحه. ومن نفس الزاوية التي نُظِر منها إلى قضية الكوكي، نجد أن القضية لاتختلف في قليل أو كثير عن النظرة إلى استمرار اعتقال الناشطين السوريين الآخرين. فليس فيهم من ثبت –على وجه التأكيد- أنه تآمر على الوطن أوأوهن عزيمة الأمة، حتى ولو زعم ذلك قضاة نظروا وأدانوا وحكموا، أو الذين ما زالوا ينظرون في قضايا أخرى لم يصدر فيها الحكم بعد.
نعيد هنا إلى الأذهان كلمةً قالها قاض سوري، ليس في العهد الديمقراطي الوحيد الذي مر على سورية، في خمسينيات القرن العشرين، بل في هذا العهد الذي ضيّق على الحريات فيه. فقد نظرت الغرفة الثانية من محكمة الجنايات بدمشق قضية ناشط سوري من نشطاء ربيع دمشق. (لم تكن محكمة مدنية صرفة، فقد كان قضاتها من لون معين). أجمع قاضيان على أن الناشط مدان ويستحق الحكم عليه. بينما انفرد القاضي الثالث برأيه قائلا: "حتى لو نظرنا إلى ما اتهم به على أنه ضد النظام الحالي فقد يأتي عهد ينظر إليه فيه على أنه بطل وطني". حجب هذا القاضي الإدانة عن هذا الناشط وسجل ذلك في محضر الحكم. لا أدري ما كان مصير هذا القاضي الجريء؟ هل بقي في منصبه، أم أحيل على المعاش؟
ثقافة: "الوطن للجميع" يجب أن تسود وأن تلغى ثقافة "كل مواطن خفير" التي تجعل البعض ينصب من نفسه رقيبا على ما يقوله جاره المواطن في وظيفته وفي متجره وفي مصنعه. وأن لا يصنف المواطنين إلى "موالين ومعارضين"، وأن يحاكم المتهم أمام قاضيه المدني بحسب ما نص عليه الدستور والقانون، وليس بحسب قانون الطوارئ. بل إننا نطالب بأن يوضع الدستور والقانون موضع التطبيق في حياة المجتمع، بدلا من كونهما مواد تدرس في كلية الحقوق فقط. وألا تستدعى عناصر الأمن والقوانين الاستثنائية والمحاكم الاستثنائية إذا ما جهر مواطن من "خصوم النظام" برأي لا يرضي أجهزة الأمن.
إن قيام أجهزة الأمن السورية باعتقال الناشطين السوريين وأن يندد إعلاميو السلطة بهؤلاء الناشطين وأن يحالوا أمام قضاة مسيّسين للحكم عليهم، يجعل المراقب السياسي يتساءل عما إذا كان هؤلاء يزايدون على الرئيس السوري "بشار أسد"، وأن رأيهم يختلف عن فحوى ما قاله الرئيس السوري في مقابلته مع "نيويورك تايمز" أواخر عام 2003؟
فقد سأله محرر "نيويورك تايمز" في مقابلة بعد احتلال العراق: عما إذا كانت المعارضة السورية تأمل أن يحصل في سورية ما حصل في العراق؟ قال الرئيس السوري : (سأقدم لك وجهة نظر المعارضة السورية الموجودة في كل مكان، سواء كانت داخل سورية أو خارجها. هم لا يؤيدون النظام السوري، ولا الدستور ولا الحكومة، ولكنهم ضد ما يقوله الأمريكيون بخصوص نشر الديمقراطية في العراق. أقصد أنهم ضد تصدير الديمقراطية بالقوة أو بأي وسيلة أخرى. هذا هو رأيهم، وهو في غاية الوضوح، ويمكنك العثور عليه في التلفزيون والصحف. يمكنك سؤالهم).
هذه الشهادة من الرئيس "بشار أسد" بالمعارضة السورية –داخلا وخارجا- يجب أن تترجم إلى حوافز من النظام تجاه المعارضين، وأن تحسب لهم كشهادة حسن سلوك توضع بملفهم ، يعاملون على أساسها كلما ألقي القبض على أحدهم وأحيل إلى المحكمة. لأنه لا يعقل أن أشيد بوطنية إنسان، ثم أبادر إلى اعتقاله، لأنه عبر عن رأيه السياسي وطالب بالديمقراطية والحرية لكل أبناء الوطن، وليس لرجل الحكم فقط.
كم تمنينا أن لا يكون مصير مفاعيل شهادة الرئيس السوري بالمعارضة السورية كمصير مفاعيل خطابه في القسم الرئاسي في حزيران عام 2000، عندما تكلم عن مفهومه لحقوق الآخر في الدولة السورية التي سيحكمها. لكن قوى الشد العكسي في النظام وقفت في وجه أي إصلاح يلغي تقسيم المواطنين إلى معارضة وموالاة، أو إلى "مع النظام" و"ضد النظام". وكانت النتيجة أن تم إجهاض حركات المجتمع المدني واعتقل رموز ربيع دمشق، ومن بعد ذلك تم اعتقال رئيسة وأعضاء المجلس الوطني في تجمع إعلان دمشق.
* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى.