ماذا أعد السوريون لاستعادة الجولان
في مواجهة الفعل الصهيوني؟!
محمد فاروق الإمام
مع ارتفاع وتيرة إيقاع دقات طبول الحرب التي أعلنتها إسرائيل منذ بداية هذا الشهر ولا تزال ترددها على لسان قادتها السياسيين والعسكريين ممهورة بعبارات الويل والثبور ومدلهمات الأمور إلى سورية بشأن القبول بالأمر الواقع ونسيان هضبة الجولان المحتلة منذ العام 1967.
فمع ارتفاع وتيرة التهديد والوعيد الإعلامي كانت إسرائيل تنفذ واحداً من أضخم المشاريع الاستيطانية في الجولان أطلقت عليه اسم «سي هغولان» (أي قمة الجولان)، وفي محاولتها القضاء على كل أثر سوري في المنطقة اتخذت من قرية (واسط) السورية المدمرة مركزاً لهذا المشروع، وقررت تحويل بيوت ما زالت قائمة منذ احتلال الجولان إلى مراكز لمشروعها الاستيطاني. وأنجزت خلال شهر المرحلة الأولى من المشروع وشملت تحويل بيوت كان يستخدمها الضباط والجنود السوريون إلى مركز للاستعلامات السياحية، ومطعم كبير للسياح، وحانة تحوي النبيذ الفاخر الذي ينتج في مستوطنات الجولان، ومتنزه أقيم على مساحة واسعة من المنطقة السورية المعروفة بـ (قصر الأمير). حيث وضعت أعمال فنانين تشكيليين ونحاتين من المستوطنات لتمحو المعالم والرموز التاريخية والحضارية لهذه المنطقة السورية. والمنطقة التي أقيم عليها المشروع هي آخر ما تبقى من قصر الفاعور، أمير قبائل الفضل الجولانية، وزعيمها. ووفق ما تخطط إسرائيل سيتم ترميم المنطقة، في غضون أشهر قليلة، بما في ذلك قنوات مياه قصر الأمير، ومبنى القصر المميز ذي القناطر الحجرية. هذه المشاريع جعلت قرية واسط السورية مستوطنة صغيرة متطورة يؤمها المئات من الإسرائيليين والسياح الأجانب، ومن شأنها أن تتحول في غضون أشهر إلى واحدة من أهم المراكز السياحية في منطقة الشمال عموماً، والجولان بشكل خاص.
وما تقوم به إسرائيل حالياً ليس هو الجديد في عملية تهويد الجولان وتغيير معالم الحياة فيه أرضاً ومجتمعاً فقد حولت القرى المهدومة والمهجورة إلى مراكز لمشروعها الاستيطاني في الجولان وأقامت فيها مشاريع اقتصادية وإسكانية وسياحية واستثمارية بهدف (إنعاش هذه المنطقة لاعتبارها منطقة إستراتيجية هامة لأمن إسرائيل)، وحولت المناطق السورية جنوب الجولان إلى أهم المناطق في إسرائيل كلها.
وفي ظل السياسة الإسرائيلية المفروضة على هذه المنطقة المحتلة بقيت القرى الجولانية التي بقي فيها أهلها غير قادرة على التطور والبناء، ونفذت إسرائيل على حساب تطوير الأراضي الزراعية للسوريين مشاريع ري وزراعة في المستوطنات فاتسعت الفجوة بين الطرفين، بحيث تطورت المستوطنات واتسعت وازدهرت مشاريعها الاستيطانية فيما القرى الجولانية تعيش ظروفاً قاسية وصعبة إلى حد أنّ المزارع الجولاني يجد نفسه عاجزاً أحياناً حتى عن صيانة أرضه والحفاظ عليها.
حتى عندما وقف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، إلى جانب الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، في زيارته الأخيرة إلى فرنسا، يتحدث عن رغبته في سلام مع سورية كان موظفو حكومته يخططون لتهويد المزيد من الأرض السورية في الجولان والسيطرة عليها بخطوات تحمل رسالة استفزازية إلى سورية والدول الساعية إلى هذا السلام. ففي سابقة لم تقدم عليها المؤسسة الإسرائيلية منذ احتلال الجولان عام 1967، أعلن عن مناقصة رسمية تعرض فيها إسرائيل قسائم أرض للبيع في المنطقة التابعة لقرية (عين قنية) السورية. المناقصة بحد ذاتها خطوة خطيرة لمستقبل هذه الأرض السورية لكن الأخطر منها ما تضمنته شروط شراء هذه الأرض. فقد كتب في المناقصة أن على مقدم عرض الشراء أن يحمل مستندات تؤكد خدمته في واحد من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أي أن يكون قد خدم في الجيش أو في جهاز الاستخبارات.
المناقصة وردت تحت اسم (دائرة أراضي إسرائيل) وهي مؤسسة حكومية نقلت إليها ملكية مساحات شاسعة من الأرض الفلسطينية والسورية التي تركها أصحابها عامي 1948 و1967. وتم إبلاغ سكان القرية بعرض بيع الأراضي عبر رسائل وصلتهم بصناديق البريد كما تم النشر في الموقع الإلكتروني لدائرة أراضي إسرائيل.
الدولة الصهيونية تسير على مسارين الأول يقوم على الفعل والثاني يقوم على القول.. وهذا ديدبانها منذ وطئ أول مستوطن يهودي أرض فلسطين منذ ما يزيد على قرن من الزمان والعرب لم يعو هذه الحقيقة حتى الآن ولم يقرأوا جيداً العقل الاستيطاني اليهودي ولا مخططاته ولا أجندته، ولا أتقنوا مواجهته باللعبة السياسية ولا أجادوا النزال العسكري معه. فمنذ قيام هذه الدولة عام 1948 خاض العرب معها خمسة حروب (1948 و1956 و1967 و1973 و1982) وأخفقوا في مواجهتها، وألحقت بهم الهزائم والانتكاسات والانكسارات، ثم سلك العرب مع هذه الدولة طريق السلام، فعقدوا اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 التي حيدت مصر أكبر دولة عربية وجعلت منها وسيطاً بدلاً من أن تكون طرفاً في المعادلة، وانجر الفلسطينيون إلى توقيع اتفاقية أوسلوا عام 1993 ثم كانت اتفاقية وادي عربة مع الأردن عام 1994، ولم تعط إسرائيل الفلسطينيين أي شيء مما اتفق عليه في معاهدة أوسلو.. اللهم إلا وجود رمزي هلامي لما يسمى بالسلطة الفلسطينية في مقاطعة رام الله، وسمح الصهاينة أن يرتفع على هذه المقاطعة العلم الفلسطيني.
وفي المقابل على الأرض مزقت الأرض الفلسطينية إلى أشلاء، وزرعت المستوطنات حتى أعتاب بيت المقدس وحوافّه، وأقامت جدار الفصل العنصري على شكل أفعى تقسم البيت الواحد إلى بيتين والقرية إلى قريتين.. ناهيك عن آلاف الحواجز الصهيونية التي تذل الفلسطينيين وتجرح كرامتهم وتستهين بمشاعرهم.. وهكذا.
كل هذا ولا يزال العرب متمسكون في خيارهم الإستراتيجي القائم على السلام، واندفع عباس أبعد من ذلك في هذا الخيار فحرّم حمل البندقية أو مواجهة العدو الصهيوني حتى بكلمة غضب أو استنكار أو تأفف، وتبنى النضال السلمي حتى النهاية (حسب قوله) مع هذا العدو الذي لا يقيم وزناً لعهود أو وعود أو مواثيق مهرها بختمه وتوقيعه في أروقة الأمم المتحدة أو منتجعات الدول الراعية لهذا السلام.