نهر البارد...

انتصار بطعم الهزيمة

د. ياسر سعد

[email protected]

في المعارك الشبيهة بمعركة نهر البارد, وحين تكون جزءا من هذه الأمة المكلومة, يكون الانتصار بأي معنى أمرا غير وارد, فمهما تكون النتائج على الأرض فالخسارة لجميع الأطراف واضحة والهزيمة مرة وفاضحة. لعل رئيس الوزراء اللبناني ووزير دفاعه كانا سياسيين فحسب وواهمين أو متوهمين حين أعلنا الانتصار وحين قدما التهنئة بهذا الانجاز الكبير وحين رددا ما مللنا من سماعه عن سيمفونية الحرب على الإرهاب والتي حمت المنطقة من الإخطار والشرور.

وحتى لا يساء فهمي, فإنني لا أقر مقاتلي فتح الإسلام على ما فعلوه, وإن كانت ملابسات قضيتهم مازالت غامضة وأتصور أنها ستبقى كذلك حتى يشاء الله. غير أن قراءة متأنية للحدث وتداعياته تستوجب الحداد والحزن ولا يمكن بأي لغة أو فهم أن تستدعى الاحتفال أو التهاني أو التبريكات. ففتح الإسلام والى يوم تفجر الأحداث الدامية لم تكن في عالمنا والذي يضج بالقنوات الإخبارية والخبراء والمحللين السياسيين رقم على الأرض أو حتى حالة تستدعي التذكر أو التدبر, فجأة سمعنا بتنظيم في رقعة أرض صغيرة تعجز الدولة اللبنانية لأسابيع طويلة على إنهائه على الرغم من الدعم العربي والدولي الكبيرين. السؤال الكبير, هو كم عدد التنظيمات أو التجمعات الشبيه بحالة فتح الإسلام منتشرة في لبنان وفي غيرها؟ وما هي العوامل والتي أدت لظهور مثل هذا التنظيم وأمثاله؟ وهل أسلوب معالجة مأساة نهر البارد ستكون إنزيما منشطا لولادة المزيد من هذه التنظيمات أم مثبطا لها؟

معركة نهر البارد والتي تجاوزت مئة يوم, أعادت للأذهان هشاشة الجيوش العربية وضعف قدراتها القتالية على الرغم من إن تلك الجيوش تستهلك نصيبا وافرا من الدخل القومي بتجهيزاتها ومصاريفها ورواتب منتسبيها. الجيوش العربية في مفهوم غالبية منسوبيها هي باب للارتزاق والمجد الاجتماعي بالرتب والنياشين والتي تزين صدور حامليها بعد ان ملئت رؤوسهم وعقولهم المفاهيم المغلوطة والأهداف الموهومة . لا استطيع أن أتخيل أن أكثر من 5% من منسوبي القوات المسلحة في غالبية الدول العربية يضع في ذهنه احتمالية الموت دفاعا عن الوطن أو السعي لتحرير السليب منه, بل إن الهدف الأساسي للغالبية العظمى من العسكريين العرب الحصول على المزايا والمنافع الاجتماعية والراتب التقاعدي من بعد ذلك. في الجانب الآخر نجد مقاتلين أشداء قاتلوا بضراوة وشراسة في ظروف صعبة. ماذا لو كانت أوضاع امتنا السياسية صحية وكانت أوضاعنا الاجتماعية سليمة ولو كان هولاء الشباب جزء من قدرات الأمة الدفاعية والقتالية؟؟

مقاتلو فتح الإسلام كانوا عقائديين بشكل لا غبار عليه, لكن هل كانوا ضحية ألعاب استخبارية وضيعة, وهل كان قادتهم أدوات مستأجرة بأيدي مخابرات خارجية؟ أسئلة ليس من السهل الإجابة عليها وان كانت مسؤولية الحكومة اللبنانية كبيرة في الرد عليها خصوصا مع توقيفها المفترض لعدد كبير من المقاتلين. ليس من المقبول على الإطلاق تسطيح الأمور على الطريقة الأمريكية وجعل تنظيم القاعدة شماعة نهرب إليها من استحقاقات أسئلة خطيرة أو لتبرير تصرفات وسياسات خاطئة!!

 التعامل القاسي مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وحرمانهم من ممارسة أكثر من 50 مهنة والظروف المعيشية الصعبة والتي يتقلبون بها, تعتبر عاملا رئيسيا في انتشار مفاهيم الرفض والتطرف والمواجهة. كما أن الظلم الكبير والذي تتجرعه وبشكل يومي أعدادا ضخمة من العرب والمسلمين إن كان في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرهم بالإضافة إلى الفقر المدقع والأحوال البائسة للكثير من الشعوب العربية والإسلامية والتي تتحكم ببلاده أنظمة فاسدة تتلقى الدعم والإسناد من الولايات المتحدة والغرب يفجر براكين من الغضب والسخط تترجم باعتناق أعدادا متزايدة من الشباب للفكر التفجيري والصدامي. المأساة المركبة هنا, تكمن في أن خصوم امتنا نجحوا وما زالوا في توجيه هذه الغضب وإفرازاته وما ينتج عنه من صدامات دموية وأحداث مأساوية ليكون في بلادنا وفوق أراضينا للتضاعف خسائرنا ويزداد نزفنا وينتشر الدمار في ربوعنا ولنحرم نعمة الأمن في الأوطان والأمان في حياتنا.

من المؤلم أن دولنا ومجتمعاتنا لا تستطيع استخلاص الدروس والعبر من ألأحداث الأليمة والموجعة كأحداث نهر البارد ليتم معالجة أسبابها ودوافعها وبالتالي تجنبها في المستقبل وتجنيب المجتمعات ويلاتها وتبعاتها المرة. ذلك لأن الطبقة السياسية في غالبية عالمنا العربي فاسدة ولا تملك من أمرها شيء, وأن المقربين منها هم من المطبلين والمداهنين فيما يقصي أصحاب الفكر والعقول الإستراتيجية هذه إذا لم يحاربوا ويحاصروا.