دفاعا عن قضيتنا وليس عن عميرة هسّ
جميل السلحوت
أثارت قضية طرد الصحفية الاسرائيلية عميرة هسّ من جامعة بير زيت ردود فعل واسعة، خصوصا وأن تلك الصحفية معادية للاحتلال الاسرائيلي، ولسياسات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة العدوانية، وهذا ليس جديدا عليها، فهي منذ مارست عملها الصحفي وهذا نهجها، وقد خاطرت بحياتها واقتحمت أماكن خطيرة لتكتب عن جرائم الاحتلال وتفضحها، وهناك صحفي اسرائيلي آخر هو جدعون ليفي يعمل الشيء نفسه، وقد ترجمت الصحافة العربية آلاف المقالات والتقارير الصحفية التي كتبها هذان الصحفيان، وأعتقد أن اسميهما معروفان للمهتمين ولمن يقرأون الصحف، ويفترض أن يكون طلبة الجامعات من هؤلاء القراء.
ولمن ساهم أو حرَض على طرد عميره هس من جامعة بير زيت نقول: اذا كانت السبب هو حملها للجنسية الاسرائيلية، فكل فلسطينيي داخل الخط الأخضر يحملونها لواقع يعيشونة، وسبق لكثيرين منهم أن دخلوا الجامعة وحاضروا فيها، وفي مقدمتهم أعضاء كنيست عرب، واذا كان سببهم أنها يهودية! فهل عداؤنا هو مع اليهود، لكونهم يهود، أم أن عداءنا مع الاحتلال، ومن يدعمه ويساهم فيه حتى لو كان عربيا؟ فالصراع ليس بين العرب واليهود كيهود، وانما مع الفكر الصهيوني الاحتلالي العدواني التوسعي. وقد عاش اليهود بين العرب بمن فيهم الفلسطينيون كمواطنين لهم كافة الحقوق قبل نشوء الصهيونية في القرن التاسع عشر، وقبل قيام دولة اسرائيل في العام 1948، بل ان اليهود الذين اضطهدوا في أوروبا خرجوا مع العرب عند خروجهم من الأندلس"اسبانيا" عام 1492، واستقروا في البلدان العربية والاسلامية خصوصا في المغرب، وقد أنتجوا ثقافة يهودية في هذه البلدان، وهي جزء من الثقافة العربية. وقد استطاعت الصهيونية تضليلهم وتهجيرهم الى فلسطين، ليكونوا رعايا في دولة اسرائيل وساهمت أنظمة عربية في هذا التهجير، وبعض اليهود تمّ تهجيرهم عنوة ورغما عن ارادتهم من الدول العربية وخصوصا العراق، حيث وصلوا مطار اللد في رحلات مباشرة من مطار بغداد بعد قيام دولة اسرائيل.
وفي صراعنا مع الاحتلال وعدوانية اسرائيل دعونا نتساءل: هل نحن مع تغذية الفكر الصهيوني ودعمه، أم أننا مع الوقوف ضده وتحجيمه؟ وهل نعادي السامريين في نابلس أم نعتبرهم مواطنين فلسطينيين؟ وهل انتبهنا الى أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قد أعطاهم مقعدا في المجلس التشريعي الفلسطيني؟
واذا ما وُجد يهود معادون للصهيونية وللاحتلال فهل نحن معهم أم ضدهم؟ وهل لدينا القدرة على التمييز بين العدوّ والصديق؟ وهل يعلم طاردو عميرة هس من جامعة بير زيت أنها وأمثالها ممن يحملون فكرها مضطهدون في اسرائيل؟ وهل يتذكرون المحامية اليهودية الشيوعية فليتسيا لانجر التي دافعت عن الأسرى الفلسطينيين كمناضلين من أجل الحرية، وأن الرئيس محمود عبّاس منحها أعلى وسام فلسطيني تكريما لنضالاتها ودفاعها عن الحق الفلسطيني؟
واذا كان سبب طرد عميرة هسّ من جامعة بير زيت هو الخوف من التطبيع، فدعونا نناقش الموضوع. فصطلح"التطبيع" يردّده كثيرون دون فهم لمعناه، والتطبيع مأخوذ من الطبيعة، وطبيعة الأشياء هي سجيتها، وما فُطرت عليه، فهل يُمكن أن تكون علاقات طبيعية بين الجلاد والضحية؟ أو بين المحتل والواقع تحت الاحتلال؟ أو بين القامع والمقموع؟ وهل هناك تفريق بين العلاقات الطبيعية وبين العلاقات التي تمليها الضرورة القصوى؟ سبق وأن كتب وحاضر مثقفون عرب-ومنهم فلسطينيون- بأنهم لن يدخلوا فلسطين ما دامت تحت الاحتلال، لأنهم لا يريدون ختم جوازات سفرهم على الحدود بخاتم اسرائيلي كما يفعل الفلسطينيون المقيمون على تراب فلسطين! فهل تناسى هؤلاء بأن فلسطين محتلة، وأن الفلسطينيين الذين يعضون على تراب وطنهم ضحايا لهذا الاحتلال؟ وأن لا بديل لهم عن الخروج عبر المعابر الحدودية التي تسيطر عليها اسرائيل؟ وهل يتذكر "هؤلاء المنظّرون" بأنه قد مضى على احتلال الضفة الغربية بجوهرتها القدس، وقطاع غزة أكثر من سبعة وأربعين عاما؟ وهل يعلمون بأن أكثر من اربعة ملايين ونصف المليون فلسطيني يعيشون في هذه الأراضي؟ سقط منهم آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى الى درجة الإعاقة الجسدية، وأن أكثر من ثمانمائة ألف منهم قد تعرضوا للإعتقال والتعذيب والأسر لفترات متفاوتة؟
وهل الدفاع عن الحقوق أمام مغتصبها جريمة"تطبيعية"؟ وهل استقطاب مناصري حقوقنا في التحرر والاستقلال من الطرف الآخر أمر مطلوب أم خيانة؟ وللتذكير فقط فقد التقى عام 1986 كتاب وفنانون وأكاديميون فلسطينيون مع نظراء لهم اسرائيليين، ووقعوا على مسودة اتفاقية سلام تنص على انسحاب المحتلين من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بالكامل، واقامة دولة فلسطينة عاصمتها القدس، وايجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين كما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية، فهل استطاعت أي دولة عربية أو جهة سياسية الوصول الى هكذا اتفاقية؟ وهل استقطاب الاسرائيليين الذين وقعوا عليها ومن هم على شاكلتهم يصب في مصلحة القضية الفلسطينية أم "تطبيع" يصب في خانة الخيانة لها؟
وهل نتذكّر بأن واحدا من أسباب الانسحاب الأمريكي من فيتنام عام 1976 كان موقف الشعب الأمريكي من تلك الحرب؟
فهل نتـقي الله في أنفسنا وفي قضيتنا وفي حقوق شعبنا؟ أم أننا مضبوعون على رأي حكمتنا الشعبية المبنية على خرافة تقول"بأن الضبع يضبع ضحيته البشرية فتنقاد خلفه الى جحره كي يفترسها، ولا تفيق لنفسها إلا بعد أن يصطدم رأسها بسقف جحر الضبع، فتسيل دماؤها وعندها تفيق....لكن دماءنا سالت بغزارة فهل نتعظ؟ أم أننا سنبقى مضبوعين الى ما لا نهاية؟