هكذا تكلم الرئيس في خطاب القسم 3

هكذا تكلم الرئيس في خطاب القسم...!! 3/3

بدر الدين حسن قربي*

[email protected]

الملحوظ في خطاب القسم للرئيس الأسد الابن استخدامه لمفردات خشبية استخدمها النظام على مدى أكثر من أربعين عاماً مؤكداً عزفه على نفس الأوتار وتقديم نفس النغمات.

كتبة خطاب القسم - وفي الأرقام التي قدموها عن الزيادات في الميزانية العامة للدولة والرواتب والأجور ودعم المحروقات، وعن سعي الدولة في تحسين الوضع المعاشي للمواطن، وعن المراكز الصحية والمستشفيات والمدارس الجديدة، وعن تسوية الديون الخارجية وخفضها وزيادة الاستثمارات وارتفاع حجم الصادرات- أرادوا فيها إقناعنا أن الأمور ماشية إلى الإمام حتى رغم تراجع النفط وأن البلد في حالٍ ينمو فيه الاقتصاد، وأنهم قادرون على تغطية السماوات بالقباوات.  ولكن كتبة الخطاب تجاهلوا الإشارة إلى الجانب المظلم من معاناة جماهير فقراء الشعب التي يزداد حالها سوءاً، والطبقة الوسطى في البلد التي تتوجه نحو الانعدام منضمةً بمعظمها جبراً إلى طبقة الفقراء والمعدمين وهو ماأشارت إليه دراسةٌ وتصريحٌ دراسةٌ أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سورية مع المكتب المركزي للإحصاء وهيئة تخطيط الدولة 2007 أن نسبة الفقر في سورية وفق خط الفقر الأدنى بلغت 11.40% من عدد سكان سورية اي ان 2.2 مليون سوري هم ضمن خط الفقر الأدنى و 30.13 بالمئة من السوريين أي 5.8 مليون سوري ضمن خط الفقر الأعلى. يعنى أن عدد السوريين مابين خطي الفقر هم 8 مليون مواطن بائس يلعنون الفقر وساعته، ومن سبَّب لهم هالفقر.  وتصريح الرئيس بشار الأسد نفسه لل (بي بي سي البريطانية) في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2006 عندما قال:

المشكلة الأصعب التي يعاني منها الناس هي الوضع الاقتصادي، نحن بلد فقير وليس غنياً، وأينما أذهب كمسؤول فإني ألتقي الناس وأول شيء يتحدثون عنه هو الأجور والبطالة والمدارس والخدمات الطبية، إنهم لا يمتلكون الأساسيات بعض الأحيان في بعض المناطق.

أشار كتبة خطاب القسم إلى أن الفساد كوفح بشكل مرضٍ على المستوى الأعلى وهذا ماقاله الرئيس بشار، ولكنهم لم يشيروا مثلاً إلى حجم المليارات المنهوبة والأموال المرتجعة إلى خزانة الدولة كما لم يشيروا حتى إلى بعض أسماء هؤلاء الفاسدين الكبار ومواقعهم والمحاكم التي عرضوا عليها والأحكام التي نزلت بهم لتتأكد صحة الدعوى بمكافحة الفساد.  وكأن كتبة الخطاب الرئاسي كل همهم الدفاع عن المستوى الأعلى في البلد وعدم الظن به أو بهم ظنّ السوء لاسمح الله ولاسيما أن الفساد في وسطهم كوفح وبشكل مرضٍ لنَقرّ عيناً ونهدأ بالاً ونطمئنّ نفساً.  الشيء الجديد فيما كتبوه أنهم جعلوا للفساد مستوى أعلى وهذا يعني أن هنالك مستويات أدنى وأدنى للفساد، ولكنهم لم يقصوا علينا مافعلوه على صعيد هذه المستويات.  ومن ثمّ أراد خطاب القسم في 17 تموز/ يوليو طمأنة جماهير السوريين أن النظام ليس في طريقه لمكافحة الفساد في المستوى الأعلى أو أنه يخطط لذلك أو أنه يكافحه بل كافحه وبشكل مرضٍ.  ولكن كيف للجماهير أن تطمئن إلى هكذا خطاب، وقد سمعت ماقاله السيد/ غسان الرفاعي وزير الاقتصاد السوري الأسبق في مؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط الذي استضافته دولة قطر في الأسبوع الأول من ابريل 2007 بأن أبرز المعوقات التي تجابه الاستثمار الأجنبي في سوريا تتمثل في البيروقراطية والفساد. 

ماقيل لنا عن المكافحة المُرضية على المستوى الأعلى مع كلام/الرفاعي يجعلنا نستدعي قولاً حَكماً ومُحْكَماً لرئيسُ المركز العربي للتنمية الدكتور/سمير سعيفان:كانت هناك محاولات من الحكومة لمكافحة الفساد لكنها باءت جميعاً بالفشل. وسببه كما يقول د. سعيفان: يجب أن نبدأ بمحاربة الفساد الكبير لأن الفساد الصغير يستظل بالفساد الكبير.  كما نستدعي أيضاً تقرير منظمة الشفافية العالمية عن مؤشرات مدركات الفساد المكشوف فقط وليس الحقيقي لعام 2005 ومقرها برلين الذي وضع سورية في المرتبة 67 عالميا في انتشار الفساد بين 163 دولة شملتها الدراسة، ووضعتها في المرتبة 93 لعام 2006 .  وبالمناسبة حصلت سورية على 2.9 نقطة من أصل 10 في مجال مكافحة الفساد في القطاع العام وفقاً لمؤشر مدركات الفساد 2006 الصادر عن المنظمة نفسها التي تعنى بهكذا دراسات، لاسيما أن أبحاثها في كل البلدان المشمولة بالدراسة أوصلتها إلى نتائج كثيرة من أهمها أن الفساد أكبر معوّق للإصلاح والتنمية فضلاً عن أن تقرير منظمة الشفافية أرجع سبب انتشار الفساد في سورية إلى أسبابٍ رئيسة متعددة ومختلفة، كل واحد منها قادر على تخريب بلد بحالها، منها طغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، ضعف الجهاز القضائي وغياب استقلاليته، غياب حرية الاعلام، ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني، تدني رواتب العاملين وغياب التشريعات والأنظمة التي تكافح الفساد وهي أسباب تخترق كل وسائل الإخفاء والتمويه.

كتب كتبة خطاب القسم ماكتبوا وياخسارةَ ماكتبوا، لأنهم لم ينصحوا فيما كتبوا، وإنما قرؤوا على الناس مزامير العهد القديم مكرورة ومعادة أظهرنا بعضاً من تناقضاتها فيما كتبنا من مختصرات كان يمكن أن تستمر لولا وعدٌ وتحذير.  وعدٌ سبق للقراء بالاختصار، وتحذيرٌ يستوجب الرحمة والرفق بأهلنا وناسنا أَخبرَنا بأنه إذا لم تتوقف التعليقات فلسوف يعيدون قراءة الخطاب على الناس وإقراره في المدارس كنص نثري من خطاب القسم للحفظ نكايةً و(جكارة) بالمعلّقين.

كتب كتبة خطاب القسم ماكتبوا وياخسارة ماكتبوا، لأنهم مارسوا دوراً تشطيفياً قبيحاً وقميئاً لنظام استبدادي فاسد لتبيضه وإظهاره على غير حقيقته خداعاً للناس فويل لهم مماكسبت أيديهم وويل لهم مما يكتبون.

كتب كتبة خطاب القسم ماكتبوا، ولكنهم عجزوا أن يكون فيهم واحد ناصح وأمين يقول الحق وإليه يدعو كما فعل مواطن غيور على وطنه وشعبه اسمه غسان نجار عضو مكتب الأمانة العامة في حركة إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي المعارِضة في الداخل السـوري عندما كتب إلى الرئيس/ بشار قائلاً ومنبهاً بكلامٍ نذكر بعضاً منه:

السيدَ الرئيس: لقد استلمتَ ترِكةً ثقيلةً من والدك. بلدٌ يعجّ بالفساد، يمتلأ بالمظالم، يترنح بالتخلف، يتضور بالجوع والفقر والحرمان.  البطانة التي حولك ملأتِ الجيوبَ، وسرقتْ قوتَ الشعوب، فازدادت الهوة والفوارق بين طبقات المجتمع وتحولت الفئات الفقيرة الى العدم، وكاد الفقر أن يكون كفراً، فنشأت العصابات المسلحة التي تسرق وتسطو ولا تبالي، وازداد ثراء الطبقات المترفة فحشاً، كل ذلك على حساب غالبية فئات الشعب المعدمة وطبقاته المسحوقه، واختلت موازين العدالة وغاب الأمناء الناصحون.  ويتابع السيد/ نجار وصف بطانة السوء هذه فيقول: هذا الوسط الموغل في الفساد من قبل فئة جشعة، كلّما ملأت جيوبها وأرصدتها بمليارات الدولارات كلما ازدادت نهماً وطمعاً وجشعاً فهي لا تشبع ولا ترعوي.

كُتبَ عن خطاب القسم ماكُتب، وقيل فيه ماقيل إن صدقاً وإن كذباً، ولكن ماهو مؤكد أن الخطاب عكس أن النظام بعناده واستكباره مصر على استبداده وفساده، وعكس بوضوح أيضاً كما جاء في بيان إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي المعارض من دمشق غياب إرادة مواجهة الواقع والإقرار بالأخطاء السياسية والاقتصادية وتبني خيار التغيير الديمقراطي ورأى فيه تتويجاً لسياسة دفن الرأس في الرمال وتجاهل المخاطر المترتبة على ذلك .

              

    * كاتب سوري