ومضات محرّضة

ومضات محرّضة

عبدالله القحطاني

أيّهما أيسَر، عند حكّام سورية: التنازل، أم السقوط!؟

·  الإجابة على هذا السؤال ، لاتخلو من تعقيد ! لأنها تتضمّن جوانب نفسية ، شخصية، لدى كل فرد من أفراد التركيبة الحاكمة ! كما تتضمّن جوانب سياسية ، تتعلّق بتحليل عناصر القوّة ، داخل المطبخ الأسدي ـ مجموعة الخمسة : المرأتين ، والرجال الثلاثة  ـ ومستشاري الطبخ ، من الداعمين ، والمثـبّـتين ، والمموّلين ( سارقي مال الشعب ، ومعزّزي ثروات الأسرة به ) ! وبناء على هذا ، لابدّ من بعض التفصيل :

1)     إذا أيقنت الأسرة الأسدية الحاكمة ، وحدَها ـ مجموعة الخمسة ـ بأن السلطة ستُسلب منها ، يقيناً ، دون أيّ احتمال لبقائها فيها ، ستبحث عن أفضل البدائل لها :

ـ فإذا عرِض عليها ، أن تبقى شريكة فعلية ، في أيّه عملية سياسية ديموقراطية ، شأنها شأن سائر المواطنين في البلاد ، دون أن يكون لها امتيازات خاصّة .. ولن تُسأل عمّا فعلته بالشعب من مآس ، ولا عمّا نهبته من ثروات بلاده وخيراتها .. فمِن المرجَّح أن تقبل بهذا البديل ، الذي لايكلفها شيئاً ، سوى إعادة السلطة المسروقة إلى أصحابها ، مع أمل الحصول عليها ، بصورة ديموقراطية ، حرّة ، دستورية ، نزيهة ..!

ـ وإذا فرِض عليها ، أن تعيد إلى الشعب ، مع سلطته المسروقة ، أموالَه المسروقة.. فلا بدّ أن تغصّ بهذا البديل ! لكنها ستستجيب له ، إذا أيقنت أن السلطة منزوعة منها ، يقيناً، في كل الأحوال ..! ولا سيّما ، إذا كان إغراؤها بالمشاركة السياسية قائماً ، عبر الانتخابات الحرّة النزيهة !

- وإذا فرِض عليها ، مع تسليم السلطة والأموال ، المثول أمام القضاء ، لتحاكَم على مافعلته بالشعب والبلاد ، خلال سنوات تسلطها على رقاب الناس .. فمِن المرجَّح أن تفضّل الهرب إلى خارج البلاد ، حتى لو ضَمن لها شعب سورية كله ، ومؤسّسات الأمم المتّحدة ، وحقوق الإنسان في العالم ، أن محاكمتها ستكون عادلة نزيهة ، أمام قضاء عادل ، لا أمام محاكم أمن الدولة التي تحاكم بها الناس ..! لأن مجرّد مثولها أمام قضاء عادل ، يعني ، بالضرورة ، إدانتَها بالجرائم الرهيبة ، التي ارتكبتها بحقّ البلاد والعباد ! فهي أعرَف بنفسها ، وبما أنزلته بسورية وشعبها ، من ويلات وكوارث !

 ومن أنواع الهرب ، بالطبع ، اللجوء السياسي ، إلى سفارات بعض الدول القوية الكبرى!

- أمّا إذا طلِب منها ، تسليم السلطة ، وحدَها ، الآن .. أو التنازل عن بعض صلاحياتها ، وإشراك الشعب السوري ، في بعض سلطاته التشريعية والتنفيذية ، بصورة حقيقية ، جادّة ، غير مزيّفة على طريقة الجبهة الوطنية التقدمية ..! إذا طلب منها هذا ، فالأصل المعروف عنها ، أنها سترفضه ، كما رفضته عبرَ سنين طويلة !

 لماذا ترفض هذا الطلب !؟

لأن الاستجابة له ، تحتاج إلى أمور، لاتملكها هذه الزمرة الحاكمة .. مِن أهمّها :

1-    الجرأة الأدبية ، كتلك التي تحلّى بها عبدالرحمن سوار الذهب السوداني ، وعلي ولد محمد فال الموريتاني !

2-    الشجاعة ، في مواجهة القوى المرتبطة بها ، من العسكر، ورجال الأمن ، والمستفيدين ، من متنفّذي أبناء الطائفة !

3-    الوعي السياسي ، الذي يؤهّلها لحساب المستقبل ، ومعادلاته ، والأخطار الكامنة فيه، إذا استمرّت في تسلّطها وفسادها ، وعبثها بمصير البلاد والعباد !

سفاهة الرموز، في أيّ تجمّع بشري ..

تشمل تأثيراتها السلبية المجتمع بأسره !

أ ـ كل مَن تضعه أقداره ـ بإرادة منه ، أو بغير إرادة ـ في موقع القدوة ، فهو رمز ، بمعنى من المعاني ..! وهو ، بالتالي ، في موقع مَن يقلّد ، ويقتدَى به ، ويُحتجّ بقوله وسلوكه، سواء أشاء ذلك أم أبى ، وسواء أكان عالماً بمَن يقلّده ويقتدي به ، أم غيرَ عالم !

 ومن الأنماط الطريفة ، في السلوك البشري ، أن شرائح واسعة من البشر،على امتداد الزمان والمكان ، تميل بقوّة ، إلى تسويغ ضعفها ، وسلوكها غير السويّ ، وأخطائها .. بوجود مثل هذا الذي تفعله ، عند هذا الرمز السياسي ، أو الثقافي ، أو الاجتماعي ، أو الديني ..! وأنه إذا كان هذا الرمز، قد ضعفَ أو أخطأ ، فلا عتبَ على مَن دونَه ، مكانةً ، أو أهليّة ، أو مستوى! ( وهذا يختلف ، بالطبع ، عمّن يَعدّ السلوك غير السويّ للرمز، مذهباً سياسياً ، أو اجتماعيا ، أو فكرياً .. ويبني عليه فلسفة معيّنة ، أو اجتهاداً من نوع ما ، يشكّل على أساسه مدرسة فكرية ، يعتنق مبادئَها ، ويحرص على أن يجلب لها تلاميذ وأتباعاً !).

 أمّا السلوك السويّ ، عند الرموز ، والصفات العظيمة ، والأخلاق النبيلة .. أمّا هذا كله ، الذي يُعدّ حجّة حقيقية قويّة ، في مواجهة الانحرافات والأخطاء ، لدى الضعاف المقتدين المقلدين .. أمّا هذا ، فقـلّما يهتمّ به الضعاف ، الباحثون عن الضعف لدى الرمز! لأنهم لا يجدون لديهم القدرة ، على الاقتداء به ، أو تقليده ! وما أسرع ما يقول أحدهم ، إذا جوبِه بموقف عظيم ، من رمز ما ، أو خلق نبيل ، من رمز آخر.. ما أسرع ما يقول : وأين نحن من هؤلاء العظام !؟ ومن يستطيع أن يفعل ما يفعله هؤلاء الخالدون !؟

 ومن يستعرض أصناف الرموز ، يجدها كثيرة .. ومِن أهمّها ، وأبرزها :

·        الحكّام : في مواقعهم المختلفة ، ومستوياتهم المختلفة .. بدءاً برأس الدولة ، وانتهاء بأصغر ذي رتبه يمثّل سلطة الدولة ، في قرية من القرى النائية ! وبالطبع ، كلما ارتفعت الرتبة ، ازدادت قوّة الاقتداء والتأثر ، وقويت حجّة مَن يقتدي ويتأثر! فمنزلة رئيس الدولة ، تختلف كثيراً ، عن منزلة رئيس مخفر شرطة ، في قرية صغيرة !

وبناء عليه ، يُعدّ الحاكم اللصّ ، أو الكذّاب ، أو الماجن .. كارثة على شعبه ! إذ لا يستطيع شريف ، أن ينهى سفيهاً عن سفاهة .. لأن الجواب حاضر في مواجهته : رئيس دولتك يفعل هذا .. فهل أنت خير ، وأكرم ، وأشرف.. من رئيس الدولة !؟

وممّا ورد في تاريخ الصحابة ، أن عمر بن الخطاب ، حين رأى غنائم دولة الفرس أمامه ، بكل ما فيها من نفائس وكنوز .. قال : إن قوما أدّوا هذا لأمَناء !

 فقال له عليّ بن أبي طالب : يا أمير المؤمنين.. عَففتَ فعفّوا ، ولو رَتعتَ لرتَعوا !

·        الرموز الثقافية والتربوية الرسمية : وزير الإعلام ، يختلف تأثيراً بسلوكه ، عن موظف صغير ، في إذاعة أو تلفاز ! ووزير التربية والتعليم ، شأنه أعلى ، في نظر الناس المقلدين ، من شأن مدرّس ، أو مدير مدرسة ، إعدادية أو ثانوية ! ووزير الثقافة ، تأثيره أكبر من تأثير موظف في إحدى المديريات التابعة لوزارته !

 وهكذا الشأن ، بالنسبة لسائر المؤسسات ذات الطابع الرسمي ، ورموزها الكبيرة والصغيرة !

·        الرموز غير الرسمية :

1)     الرموز الدينية : العلماء ، والخطياء ، ومدرّسو العلوم الشرعية..

2)     الرموز السياسية : قادة الأحزاب ، والوجوه البارزة فيها ..

3)     زعماء القبائل والأحياء ..

4)     القادة النقابيون البارزون ، الذين يحقّقون لأنفسهم مواقع مهمّة ، في نفوس الأعضاء المنتمين إلى نقاباتهم !

5)     الآباء والأمّهات : وهم القدوة الأولى للفرد ، في محضنه الأول والأهمّ .. أسرته !

ب ـ من أنواع السفاهة :

   - الكذب ، والغشّ ، والخداع ، والغيبة ، والنميمة ، والكبر ، والحسد ، وتحقير الناس..

   - السرقة ، والسكر ، والمقامرة ، والزنا ، والرشوة ، ونهب المال العامّ ..

   - التآمر على الأصدقاء ، وشركاء العمل ، والأقارب ، وأعضاء الحزب الواحد.. والمكر بهم ، والسعي إلى تشويه سمعتهم ..

ج – سفاهة الشيوخ : أفرَدنا لهذا النوع من السفاهة ، بنداً خاصاً ، لما له من أهميّة خاصّة، في نظر الناس ، منذ القدم ..! ذلك أن نظرة الناس إلى الشيخ المسنّ ، تختلف عن نظرتهم إلى الشاب ، ومَن هو فوق سنّ الشباب بقليل ! فالأصل أن الشيخ ، قد اكتسب من تجارب حياته الطويلة ، مِن الحكمة ، وسداد الرأي ، ونضج العقل .. ما يجنّبه السفاهة ، بأنواعها ..! فإذا رأى الناس منه سفاهة ، أياً كان موقعه في الحياة أو المجتمع ، نظروا إليه بازدراء شديد .. أو اقتدى به الضعاف ، الذين يحبّون أن يجدوا لدى الضعاف الآخرين ، ما يسوّغون به ضعفهم ، أمام الناس !

 وقد قال الشاعر الجاهلي ، زهير بن أبي سلمى ، بعد أن بلغ الثمانين من عمره :

 رأيتُ سَفاهَ الشيخِ لا حِلمَ بَعدَه            وإنّ الفَتى بَعدَ السَفاهة يَحلم

 ومعلوم أن الشيخوخة تبدأ بعد سنّ الستّين ..!

 ( ومن الطريف ، المشاهَد في سلوك البشر عامّة ، أن أكثر الناس ارتكاباً للأخطاء وممارسة السفاهات ، هم أقدرهم على ابتكار الحجج والذرائع والمسوّغات ، التي يسوّغون بها سلوكاتهم المنحرفة ! فقـلّما يجد المرء سلوكاً فاسداً ، دون أن يجد معه حجّة من نوع ما ، أو ذريعة من طراز معيّن ، تسوّغه ، لتظهر حقّ صاحبه في ممارسته ، أو اضطراره إلى اللجوء إليه ! وحين يعجز المخطئ عن إيجاد أيّة ذريعة ، بعد أن يحاصَر بالحجج الناصعة ، التي تدين سلوكه ، يبادر إلى إلصاق التهمة بالشيطان .. الذي زيّن له الفعل المنحرف ، أو القول الفاسد المؤذي ..! حتى لو كان هو نفسه شيطاناً من نوع ما .. وحتى لو كان يرى نفسه أعدى أعداء الشيطان ، وأقدر الناس على تجنّب مكره ، وأكثرهم تحذيراً للناس منه ومن شروره !)

 د- السفاهة المركّبة : هذه أخطر أنواع السفاهة ، وأشدّها تعقيداً ! وذلك لأنها تضمّ سفاهات متراكمة ، متداخلة ..! ومن أنواعها :

 * الخطأ الذي يرتكبه صاحبه سفاهة وطيشاً ، وحين يلام عليه ، لا يَعتذر عنه ، بل يغطّيه بخطأ آخر، قد يكون أكبرَ منه ، أو مساوياً له ! كأن ينكر المخطئ خطأه ، ويكذب ليبرئ نفسه منه .. وقد يَتّهم الآخرين ، بأنهم يلصقون به الخطأ ظلماً وعدواناً..! ومثل ذلك ، الكِبْر الذي يمنع صاحبَه من الاعتذار عن خطئه ، والذي يدفعه إلى الاستعلاء على الآخرين ، وتصوير نفسه بأنه أكبر من أن يعتذر منهم ، أو أمامهم !

* الجهل ، الذي يدفع صاحبه إلى تبنّي رأي فجّ ، في مسألة ما . وحين يعارضه معارض برأي ، يتبيّن له أنه أقوى من رأيه ، وأصوب .. يكابر ، ويصرّ على رأيه ، ويسفّه آراء الآخرين ، وهو يعلم أن رأيه فاسد ضارّ ..! وقد يكون الرأي متعلقاً بشأن عامّ ، يضرّ الأخذ به فريقاً كبيراً من الناس ، على مستوى شعب ، أو حزب ، أو قبيلة ، أو نقابة ، أو شركة !

* تبنّي رأي ـ أو معتقد ـ فاسد ، والإصرار عليه ، جهلاً أو سذاجة (أو بناء على حسن نيّة!).. ثم السعي إلى فرضه على الآخرين ، تقرباً إلى الله ، أو حرصاً على المصلحة العامّة .. دون أن يعلم صاحبه أنه فاسد ، ودون أن تكون لديه القدرة العقلية ، على معرفة صلاحه من فساده ..! لأن ملكاته لا تؤهّله للتمييز، بين الصالح والفاسد ، من الآراء والأفكار، مهما قدّم له الآخرون من حجج ، وبراهين ، وأدلّة ..! وقد يسوّغ جهلَه هذا ، بمضمون الحديث النبوي المعروف : إذا اجتهد المرء فأخطأ فله أجر ، وإذا اجتهد فأصاب فله أجران ! فلمَ يتراجع عن خطأ ، له فيه أجر عند ربّه ، حتى لو كان يسبّب كارثة للآخرين !؟

* منازعة المرء للآخرين ، على أمر ليس له فيه حقّ ـ سواء أكان الحقّ مادياً ، أم معنوياً ـ .. ثم المبادرة إلى تجريحهم ، والنيل منهم أمام الناس ، واتّهامهم بتهم هم منها براء ..! وذلك ليثبت أنه هو الأحقّ ، أو الأكفأ ، أو الأجدر.. بما ينازع الآخرين عليه . فهذا عدوان مركّب على حقوق الآخرين ، ثم على أشخاصهم لانتزاع حقوقهم ، ثم على المجتمع الذي منحهم هذه الحقوق !

يبقى أن نذكّر بالمعنى الذي أوردته كتب اللغة ، للسفاهة ـ إضافةً إلى المعاني الأخرى المتداولة في المجتمعات الإنسانية ، ممّا ذكرناه آنفاً ، وممّا لم نذكره ـ فنقول : إنها الخفّة والطيش والجهل !