عالقون في مصر

ايفون ردلي*

الناشطون من أولاد الشوارع الفاسدين الذين يقومون بالاستعراض في شارع الشواربي في القاهرة يمثلون أفضل صورة مجازية لعلاقة الحكومة المصرية مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة.

وكلا العلاقتين مثال للخزي والعار ، وهي مستعدة لفعل كل ما يطلب منها من أجل أن تضمن حصولها على حفنة من الدولارات.

ولكن الفسقة الذين يتسكعون في شارع الشواربي صادقون في تجارتهم ويتهافتون في إغراء الزبائن المحتملين.

نعم، إنهم وقحون ولا يستحيون، ولكن الحكومة المصرية مثلهم أيضاً، فهي لا تزال مستمرة في فرض الحصار الوحشي على قطاع غزة من أجل إسعاد إسرائيل ولكي تحصل على الدولارات الأمريكية.

وإن الدموع التي تذرفها على الشعب المحاصر في غزة ماهي إلاّ دموع تماسيح.

تقف الحكومة المصرية اليوم أمام شعبها عارية وقد تجردت من كل شيء يستر عورتها، وبدون شرف، كورقة التين الأخيرة التي تتقاذفها نسمات الريح على الأرض بدون اتجاه.

أقوم بنقل هذه الصورة وأنا في الفندق الذي أقيم فيه وغرفتي التي تطل على نهر النيل. المنظر مدهش وعلى بعد 50 ياردة فقط من المتحف المصري الذي يكشف عن تاريخ غني لدولة كانت عظيمة في يوم من الأيام.

المباني متداعية ومهدمة كغيرها من المباني في البلاد.

غير أنني لم أجلس لكي أكتب لكم تقريراً عن رحلتي. فأنا واحد من 1400 من ناشطي السلام من مختلف أنحاء العالم عالقون في القاهرة وغير قادرين على مواصلة مسيرتهم للمشاركة في المسيرة التي ستقام في غزة في رأس السنة الجديدة. وأغلبنا لبى النداء التعبوي الذي وجهته جماعة ناشطي السلام الأمريكيين كود بينك (Code Pink).

وفي ذات الوقت، تجري مسرحية مخزية على بعد عدة مئات فقط من الأميال حيث يقف نصير الشعب الفلسطيني المخضرم جورج غالوي عالقاً في ميناء العقبة بينما تم إيقاف قافلته تحيا فلسطين (Viva Palestina) وقد تم منعها من مواصلة مسيرتها.

قافلة عضو البرلمان البريطاني المكونة من 250 سيارة، والمئات من المؤيدين قد منعت من مغادرة الأردن بكل ما تحمله من المعونات الضرورية.

لماذا؟ لأن أمريكا وإسرائيل طلبتا من مصر عدم تمرير ولو مركبة واحدة أو ناشط سلام واحد من خلال أراضيها إلى حدود رفح ومن ثم إلى قطاع غزة حيث أن شعباً برمته يعيش معاناة لا يتصورها العقل، بل يبدو أنها أكبر من طاقة المعونات الإنسانية أيضاً.

لكن لماذا لا تطالب مصر تل أبيب وواشنطن بأن تدفع لها حقها؟ تماماً كما يفعل الصبي الفاسد المستأجر عندما يؤدي مهمته ويطلب المقابل من سيده... بالعملة الصعبة.

الدليل ؟ قبل سنتين بالضبط، وفي عهد إدارة بوش، قام كل من مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين بحجز مبلغ 100 مليون دولار من المساعدات المالية لمصر بعد مزاعم إسرائيلية بأن السلطات المصرية تفشل في منع تهريب السلاح إلى قطاع غزة. فمصر تتلقى حوالي ملياري دولار من المساعدات الأمريكية، مما يجعلها ثاني أكبر متلقي للهبات الأمريكية بعد إسرائيل، التي تتلقى ثلاثة مليارات من الدولارات سنوياً من المساعدات العسكرية. لكن الصبي المستأجر الأنشط في الشرق الأوسط لديه سيد آخر هو باراك أوباما.

والآن، وبينما تقوم الحكومة المصرية ببذل قصارى جهدها، فإن المنفذين الحقيقيين يجدون في ما تبذله الحكومة ضد حملة تحيا فلسطين (Viva Palestina) غير كافياً.

لقد جئنا من أكثر من أربعين بلداً إلى القاهرة بينما هناك آخرين سافرو آلاف الأميال بالسيارات إلى ميناء العقبة، وقد أتينا جميعا كي نظهر تضامننا مع شعب غزة. ونحن نمثل أكبر تجمع للتضامن العالمي للناشطين في تاريخ الشرق الأوسط.

قالت وزارة الخارجية المصرية، مستخدمة ذريعة التوتر المتصاعد في الحدود المصرية مع غزة، أن حدود رفح ستبقى مغلقة طيلة الأسابيع المقبلة. ورسالتنا للسياسيين واضحة شفافة كشفافية الكريستال: "دعونا ندخل غزة، ودعوا مسيرة الحيرة في غزة تسير". وببساطة لا يمكنكم شراء ذممنا. إن التضامن، والحرية وحبنا لغزة، ليس للبيع بأي ثمن كان.

لقد بدأ الحمقى من أجهزة الأمن المصرية بحملة تخويف ضد أصحاب الأماكن التي حجزها منظمو المسيرة، وكذلك ضد شركات النقل التي قامت بالتعاقد مع الحافلات لنقلنا من القاهرة إلى غزة، والنتيجة أن هذه الصفقات قد إلغيت.

بل أن سلطات الأمن المصرية مارست ضغوطا على إدارة مقهى غروبي في ميدان طلعت حرب لإغلاق المقهى، حيث كنا ننظم اللقاءات. وبالرغم من قيامهم بتحذيرنا من عدم التجمع لأكثر من ستة أشخاص في الأماكن العامة، إلاّ أن تجمعاتنا استمرت.

نحن لن نخضع للتخويف والترهيب، ولكننا سنزيد من الضغوط على الحكومة الأجيرة، وطالما هناك ظلم، فإن واجبنا هو المقاومة.

وكما قال مالكوم إكس ذات مرة "إن قوة الدفاع عن الحرية أقوى من القوة التي تمارسها قوى الاستبداد والظلم".

              

*صحفية بريطانية، سافرت في هذه الرحلة مع شركة (Indy) لصناعة الأفلام، لتصوير فيلم وثائقي عن مسيرة نصرة غزة . وهي عضو مؤسس لقافلة تحيا فلسطين (Viva Palestina) وعضو في حزب "رسبكت" البريطاني. وكاتبة في أعمدة صحفية للعديد من الصحف في مختلف أنحاء العالم. وموقعها على انترنت هو: (www.yvonneridley.org)