استقيلوا قبل أن تُقالوا !

استقيلوا قبل أن تُقالوا !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

مع احترامى الكامل وتقديرى العظيم لما يُعلنه قادة الإخوان المسلمين من مسبّبات لاستمرارهم فى مشاركة النظام البوليسى الفاشى لعبة الانتخابات الصورية ، فإن كرامتهم عندى فضلاً عن كرامة الشعب المظلوم تسبق أية ذريعة وأية حجة ..

لقد أعلن الجلاد الصغير ، بعد أن سحل نائب الإخوان فى المنوفية ومرغ وجهه فى الوحل ، ومزّق ملابسه ، أن النائب والمجلس الذى ينتمى إليه " على جزمته " ! وقد صدق الجلاد الصغير كما يصدق الجلادون الكبار فى أن البلد كلها على " جزمتهم " ، لأنهم ملوكها الحقيقيون ، وسادتها الفعليون ، وهم الذين يُحركون الأحداث ، ويصنعون الأبواق ، ويتدخلون فى كل صغيرة وكبيرة .. أليست البلد بلدهم كما يقول صغارهم ، والواحد منهم لما يزل ملازماً تحت الاختبار ؟

بالطبع ، فلم يكن منتظراً من الرجل الثانى فى البروتوكول أن يثأر لكرامة مجلسه ونوابه ، بل إنه تلقى – كما نقلت بعض الأنباء – وصلة توبيخ عنيفة ، عقب نشره بياناً صحفياً يُشير فيه إلى أنه استدعى وزير الداخلية ليعتذر للمجلس ، فقام على الفور بنفى صدور البيان ، وأتاح لنواب الإخوان أن يتحدثوا عن الجزمة ومن عليها ، ولكنه نهرهم وأوقفهم عند حدّهم لأن طريقة كلامهم لم تُعجب سيادته ، مما يعنى ضمناً أن وجود مجلسه على " جزمة " الجلاد الصغير مقبولة ضمنياً ، سواء كان فوق الجزمة أو تحتها ، المهمّ ألا يستمر نواب الإخوان فى رفع قميص النائب الذى مرّغوا أنفه فى الوحل ، وسحلوه فى الشارع ، فى وجهه ووجه نواب السلطة ، فقد سبق لأخ له من قبل اسمه " عصام العريان " أن صفعوه على وجهه جهاراً نهاراً عام 1988م ، وانتقل المجلس بعدها كالعادة إلى جدول الأعمال ، والتاريخ يُعيد نفسه فى بعض الأحوال !

لقد تنبأ الدكتور محمد حبيب نائب المرشد أن المجلس – الذى هو على جزمة أصغر جلاد فى أزهى عصور الديمقراطية – سيُحل عام 2008م . وأنا أتنبأ أنه سيُحل قريباً جداً ، بل أقرب مما يتصور بعض الناس . لسبب بسيط جداً ، هو أن النظام البوليسى الفاشى ، لم يعد فى حاجة إلى أن يتجمل – كان يكذب ويتجمل .. الآن هو يصدق مع نفسه ، لأنه لم يعد يخاف أحداً فى الداخل أو الخارج ..

أحزاب بير السلم راضية مرضية ، تترشح وتنتخب الحزب الوطنى ، لتحصل على المعونة ، وبعضها استطاع بشطارته " التقدمية " " المستنيرة " أن يحصل فى صفقة مفضوحة على أحد مقاعد الشورى فى الإسكندرية بالتزوير ، وأن تتم الصفقة على حساب مرشح الوطنى الذى لم يجد له ظهراً يسنده ضمن كبار الوطنى مما اضطره أن يخرج إلى أنصاره ويعلن أمام الناس والإعلام قائلاً : حسبى الله ونعم الوكيل  !

والخارج كما نعلم سعيد بهذا النظام – حتى لو أبدى بعض الملاحظات الشكلية - لأنه يُقدم له خدمات استراتيجية عظيمة لا تقدر بثمن ولو كان أضعاف المعونة الأميركية والأوربية !

لقد جرب النظام البوليسى الفاشى المادة 88 – المعدلة دستوريا – فى انتخابات الشورى ، ولم يذهب الناس إلى اللجان – اللهم إلا فى الدوائر التى ترشح فيها الإخوان – ومع ذلك قام الموظفون " بالواجب "  وزيادة ، وحقق الوطنى فوزاً كاسحاً ماحقاً صاعقاً ، أذهل الأعداء قبل الأصدقاء ، وكله بالقانون ، وتحت إشراف قضائى عام (؟) ومن لم يعجبه عليه أن يخبط دماغه فى أقرب حائط .وغداً ستصدر القرارات العليا بتعيين أحباب النظام البوليسى الفاشى فى مقاعد المعينين ، ومنهم بالطبع بعض رؤساء أحزاب " بير السلم " ، ليقول للناس : إننى متسامح وأعيّن المعارضة التى لا تنجح فى انتخابات ( التزوير ) فى المجلس التشريعى الأول !

بقى يوم واحد على الدورة الحالية لانعقاد مجلس الشعب ، وأنا أكتب هذه السطور ، أى إنه سيدخل فى إجازة الصيف ، ليعود بعدها لإصدار قانون الطوارئ والأحكام العرفية على الناشطين السياسيين من كل صنف ولون ، وسيُعمل المادة 179- المعدلة – من الدستور إعمالاً فعّالاً ، بحيث يصطاد الصحفيين والكتاب الذين يصعب حبسهم وفقاً لقانون النشر ، ليُحاكمهم أمام المحاكم الاستثنائية العسكرية بحيث يلبسون ملابس السجن الحربى كما حدث لطلعت السادات فى أقل من عشرة ايام .

وبعد الانتهاء من التصديق على قانون الأحكام العرفية الذى ستوافق عليه الأغلبية ، يتم حل المجلس ، مجلس الشعب طبعا ، ليأتى مجلس جديد على طريقة مجلس الشورى ، ولن يكون فوق الجزمة هذه المرة ، ولكنه سيكون تحتها دائماً .. ولن يدخله عضو واحد من الإخوان المسلمين !

أليس من الأولى والأشرف والأكرم والأجدى والأقوى أن يُقدم أعضاء الإخوان ال 88 استقالتهم الجماعية الآن قبل الغد ، فى مؤتمر صحفى ، يقولون فيه كل ما يريدون ، ويكسرون الحصار الإعلامى ، ويتفرغون – كما قلت فى المقال السابق – لتحرير الشعب من الغيبوبة التى وضعهم فيها النظام ، بتربيته تربية قرآنية تقوم على العبودية لله وحده ، ورفض كل القيم التى تُخالف سلوك الإسلام ومنهجه ؟

أليس من الأفضل الاستقالة قبل الإقالة ؟

هذه ليست سلبية ، وليست هروباً ، وليست تخلياً عن الواجب ، ولكنها ببساطة شديدة رفع غطاء الشرعية التى يتباهى بها النظام أمام العالم ، حيث يقول إن لدى 88 عضواً من " المحظورة " وأنا أتقبلهم وأستمع لهم وأسمح لهم بتقديم الاستجوابات وطلبات الإحاطة والأسئلة . ولكنه بالطبع ، لا يقول للعالم إننى أنتقل إلى جدول الأعمال ، وكأن شيئاً لم يكن ، وأن رجالاتى وفيهم بالطبع ، الفاسدون المفسدون ، لا يتأثرون بما يقوله أعضاء " المحظورة " وغيرهم ، لأنهم يبيعون الحديد بأسعار مضاعفة للشعب المصرى البائس ، ويقدمونه رخيصاً للمستوطنات الصهيونية ،في فلسطين المحتلة ، وكذلك يفعلون بالأسمنت والخشب ، ويستوردون الأغذية المسرطنة والدم الفاسد والأكياس المضروبة ، ويقدمون التعليم المغشوش والإعلام الكذاب والثقافة المزيفة والأدب الساقط والفكر المنحرف والأيام السوداء على الفقراء والمساكين الذين يمثلون أغلبية الشعب المظلوم ؟

استقيلوا قبل أن تقالوا ، فهذا خير من الاستمرار فى تقديم النظام إلى العالم وعليه مسحة من الشرعية المزيفة ، والوضع الملتبس ، وخير لكم أن تكونوا بعيدا عن مجلس " الجزمة " ورئيسه المبجل الذى لا يمل من الإعلان عن " الموافقة " ، ولو كانت خاصة بوجود المجلس تحت ... أو فوق .... ولله فى خلقه شئون!