شجاعة القذافي والنفاق الغربي

د. ياسر سعد

[email protected]

لم تتحمل مشاعر الرئيس بوش وحليفه بلير المرهفة ما يحدث في دارفور من انتهاكات مزعومة لحقوق الانسان هناك, فاعلنا عن نيتهم تشديد العقوبات على الخرطوم, جاءت المواقف الامريكية والبريطانية متزامنة مع نشر لتقرير أعدته مجموعة من المنظمات الامريكية غير الحكومية المناهضة للحرب بعنوان "اغتيال مجتمع" كشف أن العراق هبط اقتصاديًا واجتماعيًا إلى مستوى الدول الإفريقية الأكثر فقرًا جنوب الصحراء‏. ورسم التقرير الامريكي صورة قاتمة للأوضاع الإنسانية والاقتصادية في العراق‏,‏ مؤكدًا أنها تدهورت بصورة بالغة الخطورة منذ الغزو الأمريكي‏ في مارس 2003. ‏ ووفق صحيفة الأهرام المصرية في عددها الصادر يوم الاثنين 28-5-07 فإن التقرير أشار إلى أن عمليات العنف والجرائم والتدمير المنهجي للمجتمع العراقي لم تحدث بهذا الشكل في أي مكان بالعالم منذ الاجتياح النازي لدول أوروبا‏. وفيما يتعلق بالمعتقلين‏,‏ ذكر التقرير أن سلطات الأمن تحتجز نحو ‏38‏ ألف شخص‏,‏ بينما تعتقل القوات الأمريكية أكثر من ‏19‏ ألفًا‏. ‏امريكا والتي تنتهك حقوق الانسان بل وحقوق الامم في الحياة الكريمة وتغتال مجتمعات بأكملها مدمرة كل المعاني النبيلة والقيم الانسانية ما تزال تملك الجرأة إن لم نقل الصفاقة في توزيع شهادات الادانة وحسن السلوك فيما يتعلق بمسائل الحريات وحقوق الانسان.

بلير حليف بوش الاوثق او تابعه الاكبر في حرب تدمير العراق وإغتيال مجتمعه والذي يصر على أن غزو العراق عمل إيجابي وإنجاز كبير كيف لا وقد أطاح بديكتاتور عتيد, وصف الدكتاتور الليبي بعد محادثات بينهما خلال زيارته لطرابلس، بانه اظهر "شجاعة شخصية". وقال بلير ان محادثاته مع القذافي، كانت "ايجابية وبناءة". واعلن بلير انه تم الاتفاق مع الجانب الليبي على توقيع عقود دفاعية خلال الاشهر القادمة. وحسب ما اوردته وكالات الانباء نقلا عن رئيس وزراء ليبيا البغدادي المحمودي فان ليبيا ستشتري انظمة دفاع جوي وصواريخ بريطانية بموجب اتفاق جديد للتعاون الدفاعي بين البلدين, وستكون هذه أكبر صفقة حربية لبريطانيا مع ليبيا منذ رفع حظر سلاح دولي على طرابلس في عام 2004 . وقال بلير " لدينا الآن تعاون قوي جدا في مجالات الدفاع ومكافحة الارهاب"، موضحا انه منذ سنوات قليلة لم يكن من الممكن ان يكون بين البلدين مثل هذه العلاقة.

كما اعلنت شركة "بريتش بتروليم-بي بي" انها وقعت عقدا مع ليبيا للتنقيب عن الغاز الطبيعي وانتاجه يتضمن التزاما مبدئيا قيمته 900 مليون دولار لعمليات الاستكشاف. وقالت بي.بي ان الاتفاق هو أكبر التزام تتعهد به في مجال التنقيب والاستكشاف وانه يمثل عودتها الى ليبيا بعد غياب استمر اكثر من 30 عاما بعد أن قام القذافي بتأميم مصالحها هناك عام 1971.

الاتفاق البريطاني-الليبي والذي سيعقبه على الارجح إتفاقيات ليبية امريكية مشابهة يأتي كثمن دفعه نظام القذافي لإبقاءه في السلطة بعد محاصرته من الغرب وإدانة نظامه بارتكاب جريمة لوكربي الارهابية, وإنهاء المسألة كما هو معروف بدفع تعويضات كبيرة من اموال وقوت الشعب الليبي والذي يعاني الامرين من اوضاع اقتصادية وحياتية صعبة جراء الحكم الفاسد والدكتاتوري للقذافي. وبطبيعة الاحوال لم تصل شجاعة القذافي –حسب وصف بلير- الى شعبه والى حقوقه الاساسية وحرياته المهدورة. فلم يتغير شئ على صعيد حقوق الانسان الليبي وكرامته وما تزال السلطة المغتصبة في ايدي دكتاتور ارعن تجلت كل شجاعته في فتح بلاده على مصراعيها لإمريكا وبريطانيا وحلفاءهم لعقد الصفقات الضخمة والاستحواذ على مقدرات البلاد, والعودة للتحكم والهيمنة على قطاع النفط. الامر المثير للسخرية حقا تكمن في ان الغرب كان يهاجم نظام القذافي ونظام صدام لإنفاقهم الاموال الضخمة لشعوبهم على التسليح, لتعود تلك الدول كما تفعل بريطانية الان لعقد الصفقات التسليحية الضخمة مع النظام الليبي بعد دخوله حظيرة الطاعة, على الرغم من ان الشعب الليبي مازال يفتقر للخدمات الاساسية ويتقلب في فقر مدقع رغم القلة النسبية لتعداده في بلد بترولي ثري.

تأتي الاتفاقات الليبية-البريطانية وخصوصا النفطية منها متزامنة مع ضغوط امريكية وعلى اعلى المستويات على ما يسمى بمجلس النواب العراقي لإقرار قانون النفط والذي سيفتح الباب للشركات الاجنبية للتنقيب على البترول وإستثماره في العراق المحتل. ليظهر وبشكل جلي الهدف الحقيقي من إثارة الحروب والصراعات في المنطقة وإستهدافها دولة بعد أخرى وتحت ذرائع كاذبة من قبيل اسلحة الدمار الشامل وانتهاك حقوق الانسان وما شابهه, وهو في الهيمنة على مقدرات المنطقة واستلاب خيراتها ولو كانت الوسيلة الى ذلك تدمير الامم وإغتيال مجتمعاتها كما حصل ويحصل في العراق المنكوب.

الشجاعة في القاموس والمفهوم الانجلوسكسوني هو في فتح الباب امام الشركات الغربية العملاقة وعقد الصفقات الضخمة معها والاستجابة لمصالحها دون النظر للاعتبارات الوطنية او القيم الانسانية, والاعتدال هو في التنازل عن الحقوق والاوطان كما في فلسطين والعراق, والسلام هو في الرضوخ لطغيان الاحتلال وجبروته.

 الديمقراطية الامريكية تحول وبشكل عجيب لوردات ومجرمي الحروب والمتورطين في جرائم ضد الانسانية لرجال دولة وساسة من الطراز الاول كما حدث وما يزال في العراق وافغانستان, مقتدى الصدر المتورط في عملية إغتيال عبد المجيد الخوئي والمطلوب توقيفه في مذكرة قضائية, كما انه وهو وجيشه "المهدي" متهمان إن لم نقل متورطان في قتل المئات بل الالاف من العراقيين الابرياء, لما ظهر من غيبته الايرانية الصغرى عشية المفاوضات الامريكية-الايرانية حول العراق المنكوب, صرح المتحدث باسم البيت الأبيض جوردن جوندرو: "بإن الولايات المتحدة تأمل في أن يلعب الصدر دورا إيجابيا في تطور العراق وتنميته بعد عودته من إيران", وهكذا تحول الصفقات الامريكية المطلوبين "للعدالة" والمجرمين الى لاعبين رئيسيين وسياسيين معتبرين إذا ما كانوا غطاءا او جسورا للهيمنة الامريكية ولنهب خيرات الشعوب ولو على حساب معاناة ابناءها او جثثهم وكرامتهم.