ومضات محرّضة

عبد الله القحطاني

عبد الله القحطاني

شعاران ممتازان.. يشكّلان أروع وصفة

لتدمير أعظم دولة في العالم!

هما : الله.. سورية.. بشّار.. وبَسّ  ..

ثم : بالروح ، بالدم.. نفديك يا بشّار..!

هذان هما الشعاران ، اللذان فرضتهما أسرة ابن الأسد النبيلة ، ذات الدم النقي ، المتحدّر من آلهة (أوثان) الأولمب اليونانية... اللذان فرضتهما على شعب سورية ، في حفلة التهريج الرخيص ، المسمّاة : استفتاء .. التي يساق فيها الناس كالأنعام ، من بيوتهم ، ومقرّات عملهم، ومدارسهم ، وجامعاتهم ، ومزارعهم .. ليدوروا في الشوارع ، ويهتفوا بهما ، لابن الأسد ، العملاق ، الفذّ ، النادر..!

 وهما لدى النظرة البسيطة الأولى ، بلا تحليل ، ولا تركيب .. كما يلي :

·  الله .. سورية.. بشار.. وبَسّ ( أيْ : فقط ) :

هذه التركيبة الثلاثية ، حين تفرَض على أنها شعار واحد متكامل ، على الحسّ الجمْعي ، وعلى حسّ كل فرد في المجموع .. تصبح كتلة واحدة ، مع التركيز الإعلامي الشديد عليها..! ويصبح غياب عنصر واحد منها ، مَدعاة لخلل في الإحساس ، كما أنها تَندعم لاشعورياً ، في قيمة نفسية ذهنية واحدة ، كل عنصر من عناصرها يكمل العنصرين الآخرَين ، ويعطيهما قيمته الرمزية الكامنة في لفظه ، في اتّحاد لا انفكاك له..! وهذا ممّا يعرفه علماء النفس والاجتماع والتربية !

·  بالروح.. بالدم.. نفديك يا بشّار:

  وهنا ، ينتقل التركيز على العنصر الأهمّ ، بين العناصر الثلاثة في الشعار الأول ، وهو بشّار: فالفداء بالروح والدم له وحده ، بين العناصر الثلاثة ، ليكون هو الأول بينها جميعا ؛ إذ لا تُسمَع كلمة فداء ، أو تقديس ، أو تمجيد .. لأيّ من العنصرين الآخرَين ! وهذا يقتضي بالضرورة ، أن تدور حياة الفرد ، بكل ما فيها من سلوكات ومشاعر، حول الأوحد الفذّ ، الذي لا تعادله قيمة ، ولا شيء في الحياة يستحق أن يضحّى له بشيء سواه ! لا الإله ، ولا الوطن ، ولا أيّ مقدّس أو عزيز !

·   لو سمع رجال المخابرات ، الذين يقودون المسيرات الشعبية ، واحداً من عناصر المسيرة، يهتف بشعار يوحّد فيه الله ، أو يمجّده ، أو يكبّره ، مثل :( لا إله إلا الله ..أو: العزة لله .. أو: الله أكبر ..) لكان مصيره أسود في أحد المعتقلات ، بحجّة أنه خالف الشعارات المقرّرة للمسيرة ! وكذلك لو ردّد مواطن شعاراً وطنياً ، يفرِد فيه الوطن بشيء من الاهتمام أو التمجيد ..!

·  المحصلة لهذا العبث .. نتيجتان:

1)     مطلوبة تُعدّ هي الهدف ، وعناصرها ما يلي :

-       نقل البشر من عبودية الله ، إلى عبودية الحاكم الفرد ، بصورة منهجية ، منظّمة ، واعية ، مركّزة !

-   تحطيم أيّة قيمة ، دينية ، أو وطنية ، أو ثقافية ، أو اجتماعية ، أو خلقية .. غير مستمدّة من الرمز الأول ، الذي يفدَى وحدَه ، حصراً ، بالروح والدم .. وهما أغلى ما يملك الإنسان ، ومِن باب أولى الفِداء بالولد والمال ..!

-   تحطيم أيّة إرادة للفرد ، في الرفض ، أو التمرّد ، أو الإباء .. وجعلُه آلة صمّاء ، تنطق لتسبّح بحمد الزعيم ، وتفديه بالروح والدم ، وتقدّسه ، وتمجّده !

-   تسويغ أيّ فعل يفعله الحاكم الأوحد ، حتى لو كان جريمة بشعة ، أو خيانة عظمى ، دون مناقشة ، أو مجادلة ، أو تفكير، أو مجرّد استفهام عن صحّة الفعل .. وهل يَستـفهم عاقل عن صحّة ما يفعله الإله !؟

2)     غير مطلوبة ، بل ناجمة عن تداعيات الأولى وآثارِها :

-   زيادة الشحن السلبي المضادّ ، لدى المؤمنين الموحّدين ، الذين يرفضون عبودية أحد غيرالله ، ويرون الشرك الفظيع ، المفروض عليهم ، وعلى أبنائهم ، وأبناء وطنهم ، بصورة همجية مقيتة ، ويَحسبون حسابات للمستقبل ، تختلف عن حسابات صناع الشعارات الإجرامية البليدة !

-   إيقاظ بقايا المروءات النائمة ، أو المهشّمة ، في نفوس أصحاب المروءات ( من مدنيين وعسكر) الذين يأنفون هذا النوع من العبث الصبياني ، بمروءاتهم ، وكراماتهم ، وأوطانهم ، وحاضر أجيالهم ومستقبلها .. ويكثّـفون أنشطتهم ، للبحث عن الخلاص ، من هذا الكابوس المخزي ، مهما يكن الثمن المدفوع ، وأياً تكن النتائج ! فليس ثمّة تدمير أبشع من مسخ الشخصية الإنسانية ، بما في ذلك تدمير المباني والبيوت ! فقيمة الوطن هي من قيمة أبنائه .. فإذا فقَد الفرد قيمته ، ضاعت قيمة الوطن ، بالضرورة.. وهو ما يفعله ابن الأسد وعصابته ، حين يَسحب كل قيمة وطنية ودينية وإنسانية ، من نفوس الناس ، ويعزّز داخلَها قيمته هو وحدَه ، حصراً !

-   صِمامات الأمان ، التي بثـتها عصابة آل أسد ، في سائر أنحاء البلاد .. الأساسيةُ منها: ( المخبرون ، والعملاء ، ورجال المخابرات ) والاحتياطية الجديدة ، التي استوردتها من بلاد فارس ، واستوردت معها دينها الجديد ، الذي طفقت تبشّر به شعب سورية .. صمامات الأمان هذه ، التي بثّتها العصابة لتخليد حكمها وتسلّطها على شعب سورية إلى الأبد .. كم تثبت في مواجهة الطوفان البشري الهادر، إذا تفجّر في شوارع المحافظات السورية ، وسطها ، وشرقها ، وشمالها ، وجنوبها..!؟ كم يبقى من هذه الصِمامات ثابتاً ، في المدينة التي هو فيها ، والقرية التي يتحكّم بأهلها ، والبلدة التي يبتزّ أبناءها ، ويَفرض عليهم الحكم الفرعوني المقيت ، وفرعونيتَه هو ، الصغيرة البائسة !؟

  إذا كان مجرمو آل أسد ، ظنوا أن طول الرعب ، أفرغ سورية من رجالها ، أصحاب المروءة والنخوة ، وشبابها الذين تتفجّر نفوسهم حيوية وحمية وإباء .. فـبئس ما ظنّوا وما حسبوا ..! ونرجو أن يروا نتائج سوء حسابهم ، قريباً ، بل قريباً جداً ، بإذن الله ، إذا لم يهبّ العقلاء مِن حولهم ، لشَكم عـُرامهم ، وإعادتهم إلى صوابهم ! وإلاّ فإن سعي ابن الأسد ، إلى تحويل أبناء سورية ، عن عبادة الله الواحد الأحد ، إلى عبادته هو .. سيحول سورية إلى جحيم ، على رأسه ، ورؤوس زبانيته ، الذين يروّضون له الناس في الشوارع والسجون ، ليألفوا عبادته ، ويستمرئوها ، ويصبحوا مجرّد قطعان بليدة ، يسخّرهم كما يشاء،  ويذبح منهم من يشاء ، متى يشاء ..!

 ولله درّ المتنبّي ، القائل قديماً :

ويْلُمّها خُطّةً ، ويْـلُـمِّ قابِـلِها        لِـمِثْـلِها خُـلِقَ الـمَـهْـريَّـةُ القُود

ولله درّ بدوي الجبل ، القائل حديثـاً :

يَسومُنا الصَنَـمُ الطاغي عبادتَـه        لنْ تَـعبـدَ الشامُ إلاّ الواحدَ الأحَدا

*   *   *

هيهات (يا سيل) ..! متى كان سَيل الكلمات،

يوقف سَيل الأحقاد والنذالات!؟

 الصحفي البريطاني المعروف ، باتريك سيل ، مؤرّخ الأسرة الأسدية ، وصديقها الحميم ، وجّه رسالة إلى بشار الأسد ، يرجوه فيها أن يطلق سراح سجناء الرأي في سورية ، حرصاًُ على مصلحة النظام الحاكم وسمعته في العالم !

·        أحسنت يا (سيل ) في توجيه النداء ، من منطلق إنساني..!

   وأسأت التقدير، في حسن ظنك بالمخاطَب ، وحسن ظنك بفهمه ، وتقديره لمصلحة بلاده، وحتى لمصلحته الشخصية ، التي هي مدار حياته ، والتي خاطبتَه من خلالها !

·        أحسنت يا (سيل)  في توجيه  الرسالة عبر الإعلام ، ليقرأها القاصي والداني ، ويطّلعوا على ما يفعله ابن الأسد بالشعب السوري ، الذي يفترَض أنه شعبه ، وبالنخَب السورية التي يفترَض أن يرفع ابن الأسد رأسه بها ، فخراً واعتزازاً أمام العالم ، ويقول للناس: انظروا .. هذه النخب المثقفة النبيلة الرائعة ، هي شرائح من شعبي النبيل الرائع ، الذي أحكمه ، وأعتزّ بحكمه..!

وأسأت يا (سيل ) بتخلّيك عن معرفتك الطويلة العميقة ، بالأسرة (الميمونة!) ، وبمعدنها، وبأحقادها الهائلة المزمنة ..! هذه المعرفة التي كوّنتَها عبر عشرات السنين ، وعبر كتابة ألوف الصفحات عنها ، وعبر مقابلات كثيرة وطويلة معها ، استهلكت من وقتك مئات الساعات ..! فكأنك ما عرفت هذه الأسرة ، ولا عرفت مدى حرصها على أحقادها، التي تعدّها كنوزاً حقيقية ، إذا تخلّت عنها تخلّت عن حياتها ذاتها ..! ولو نظرتَ نظرة عجلى إلى قانون التجريم الوراثي ( القانون 49 لعام 1980) الذي يحكم  على الأبناء بالإعدام ، بتهم ألصقَها مبتكر القانون الهالك ، بالآباء ، وأورثَه لابنه الهمام.. والذي ما يزال الوريث يحافظ عليه ، كما يحافظ على أغلى كنز لديه ، برغم (عدم حاجته إليه !) ، وبرغم كونه وصمة عار بشعة ، في جبين أبيه ، وجبينه ، وجبين كل فرد في أسرته ، على مرّ السنين .. لو نظرتَ إلى هذا القانون ، وإلى حرص الوريث عليه ، لعرفتَ أيّ رجل تخاطب ، وأيّ حاكم تنصح ، وأيّ ربيب أسرة نبيلة تستثير إنسانيته، وأيّ سياسي محنّك تبصّره بمصلحته ، وبكيفية حسابها داخلياً وخارجياً ! كما أنك لو اطلعت على ما فعله المجرم المؤسّس ، ومِن بعده المجرم الوريث ، بالشيخ المهندس، الهادئ المبدع ، العبقريّ النبيل .. عبد الستار قطّان ، الذي نَهكه السجن ، والمرض في السجن، في عهد المؤسس ، ثم عاد ليسجنه الوريث، بتهمة نقل مساعدات،  لأسَر نكَبها المؤسّس والوريث ، وحكَم عليه بالقانون الرائع المذكور ، قانون الشرف الأسدي ..! ثم خفّض العقوبة إلى اثنتي عشرة سنة ، ومَنع خلالها العلاجَ عن الشيخ المهدود ، المشرف على الهلاك .. لو اطلعت على هذا كله ، لعرفت أنك أضعت عمرك في الكتابة ، عن أناس ، اكتشفتَ أنك لم تعرفهم ، برغم ألوف الأوراق التي حبّرتَها ، ومئات الساعات التي أنفقتَها، في المقابلات ، والحوارات ، والمنادمات .. مع المؤسّس، وأفراد أسرته النبلاء !

ولو أن سَيلَ الكلمات ، يا سيّد (سيل) يوقف سيل الأحقاد الجارف ، في صدور الأسرة الأسدية النبيلة ، لأوقفتْه سيول كلام كثيرة ، قبل سيل كلماتك ، حملتها وفود كثيرة ، من شتّى الدول ، والتوجّهات الفكرية والسياسية .. إلى الوريث ، وإلى المؤسّس قبله ، فكانت كلها تصرخ في واد ، وتنفخ في رماد !

ولو أن سيول الدموع ، توقف سيول الأحقاد ، أو تطفئها، في صدور الأسرة (الكريمة)، لكان حقد الوريث قد انطفأ من عهد بعيد ، منذ امتلأت مدن سورية وقراها ، بسيول الدموع المتفجّرة ، من عيون الأمّهات الثكالى ، والزوجات المكلومات ، والأبناء الأيتام، وأشباه الأيتام ، الذين لا يعرفون مصائر آبائهم ، والذين لا يعرفون متى يرون آباءهم أمام أعينهم ، يضمّونهم ، ويمسحون على رؤوسهم ، ويخفّفون عنهم هواجس الخوف، والجوع ، والحرمان ، والوحشة !

·        إن ثمّة سيلاً واحداً ، يا سيّد (سيل) ، كفيلاً بإيقاف السيول المنكرة ، التي لا ترى أنت منها ، إلاّ بعض رذاذها .. سيولِ الحقد والإجرام والفساد، واللصوصية ، والدمار..! إن ثمة سيلاً واحداً ، كفيلاً بإيقاف هذه السيول كلها ، هو سيل البشر، الذي يَخرج هادراً ، في شوارع سورية كلها ، شوارع مدنها وقراها .. يخرج هادراً مزمجراً ، هاتفاً ملءَ الحناجر المخنوقة : يسقط الظلم والطغيان .. يسقط الفساد والفاسدون والمفسدون.. يسقط الخونة واللصوص .. يسقط ذابحو شعب سورية وسارقو لقمة عيشه .. يسقط الوحوش والجلاّدون .. يسقط بشار الأسد ، وأسرته ، وزمرته ، وأنصابه ، وأزلامه ، وسماسرته، ومرتزقته ، وعصاباته المجندة لتدمير المنطقة كلها ، في لبنان وغير لبنان ، وعلى امتداد الأرض العربية ، التي يتسلّل إلى عواصمها مرتزقة الأسد وأسرتِه ، وحماة نظامه الأسود المقيت !

هو ذا السيل الوحيد ، يا سيّد (سيل) الذي يوقف سيل الإجرام الأسدي البشع ، بكل ما يحمله من أحقاد أثقل من الجبال ، ومن دناءات أحطّ من طين المستنقعات جميعاً !

أمّا السيل الآخر، الذي يعرفه بشار بن حافظ ، جيداً .. فهو يعرف أنه مرفوض ، لدى قادة شعب سورية كلهم ..! لا لأنهم جبناء ، بل أنهم عقلاء نبلاء ، يتحملون الضيم ولا يغرِقون وطنهم وشعبهم ، بهذا السيل الهائل المدمر.. حتى وإن كان يجرف ـ أول ما يجرف ـ ابن الأسد ، وعصابته المجرمة الفاسدة ..! ولعل هذا هو ما يزيد في تماديه وفساده ، وحماقته وعناده .. غافلاً عن أن للشعوب العزلاء هبّاتها ، التي لا تقف لها سيول الطغاة المجرمين ، سواء أكانت سيول حقد ، أم سيول رصاص و لهب ..!

 ولله درّ القائل :

وجاهلٍ مَدّه في جَهلِه ضحِكيْ      حتّى أتَـتْه يَـد فَـرّاسة وفَـمُ

 ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريباً .

*   *   *

مطبخ القرار العربي.. مَن الطباخ الأول فيه !؟

1)  هل هو :

·        إدارة البيت الأبيض في أمريكا ؟

·        دولة من دول أوروبا ، أو مجموع دول الاتحاد الأوروبي ؟

·        الحكام العرب .. كلّ في دولته ؟

·        الشعوب العربية .. كل شعب في بلاده ؟

·        المعارضات العربية .. كل معارضة في بلادها ؟

·        إسرائيل ، عبر نفوذها المباشر لدى بعض الحكومات ، وعبر حليفتها أمريكا ، لدى أكثر الحكومات ؟

·        أم هي كل أولئك ؛ كما تدلّ على ذلك المشاهدات الحسّية اليومية !؟

2) فإذا كان صانع القرار ،  خليطاً من كل أولئك .. فما دور كل منهم في طبخ القرار !؟

3) إذا كانت الأحجام والأوزان ، في شبكتَي القوى والمصالح ، هي التي تحدّد دور كل شريك ، في صناعة القرار.. فهل ثمّة تناسب طَردي ، دائماً ، بين ضخامة القوّة وضخامة المصلحة ، في حساب المعادلة السياسية ، في كل دولة ، وفي كل قرار.. أم أن القويّ يستأثر لنفسه ، بالدور الأكبر في صنع القرار ، ليحقّق لنفسه مصلحة ليست له في الأصل، على حساب مصالح الآخرين .. أم أن صاحب المصلحة الحقيقية ، هو الصانع الأول في مطبخ القرار ، حتى لو كان ضعيفاً ، بالقياس إلى قوى الآخرين !؟

4) وإذا كان الخلل واضحاً ، في العلاقة بين ضخامة القوى وضخامة المصالح .. أفلا ينبغي على أصحاب المصالح الحقيقية الضخمة ، في البلاد العربية (وهي هنا الشعوب) أن يعرفوا ، بالضبط ، أحجام مصالحهم ، وأحجام قواهم الكامنة ، القابلة للتوظيف.. لتحقيق أكبر المصالح لأنفسهم ، في بلادهم..!؟

وإذا كان هذا التفكير واجباً  ـ سواء أكان موجوداً على أرض الواقع ، أم لا ـ فكيف يمكن إخراجه إلى حيّز الفعل ، على الأرض !؟

5) إن التحليل السياسي السليم ، هو لبّ صناعة القرار السياسي السليم ! وبناء عليه تحسَب القوى ، وتوظّف لخدمة المصالح ..!

6) إن المسألة ، في الحالة العربية ، شديدة التعقيد ، وذلك لتشابك هذه العناصر، كلها ، في صنع القرار العربي ، حتى الداخلي منه ، مع الأسف ! على خلاف ما هو حاصل في دول أخرى ، كالصين ، واليابان ، وكوريا ، وأصغر دولة في أوروبا ..! إذ القرار في هذه الدول ، من شأن ساستها وشعوبها وحدهم .. وأيّ تدخّل من جهة أخرى ، إنّما يتمّ عبر ساسة الدول ، وموافقة شعوبها ، الممثلة في مجالس نيابية منتخبة ، مِن قِبل هذه الشعوب . وبناء عليه ، لا تسمح هذه الدول لأحد ، بالتدخّل في قراراتها ، إلاّ لخدمة مصالحها ، هي أولاً .. ثم مصالح الآخرين ، بعد ذلك !

7) ما يهمّنا في الحالة العربية ، هو الشعوب ومصالحها .. فهي :

  - الضحيّة ، التي يسعى المتنافسون في الساحة السياسية ، على اقتناصها ، أو الهيمنة عليها ، وتسخيرها ، وتسييرها في الاتجاه الذي يريده صاحب كل مصلحة !

- وهي صاحبة بلدانها ودولها ، وصاحبة السلطات المسلوبة فيها ، والثروات المنهوبة منها !

- وهي الممثّـلة برموز، ورؤوس ، وقيادات .. يفترَض أنها تعمل لأجل مصالحها ومصائرها ، على اختلاف مناهجها في العمل والتفكير ! ويفترَض ـ بالتالي ـ أن تحسب لها قراراتها بدقّة وعمق ، وتحدّد مصالحها على ضوء الواقع الراهن ، وما فيه من قوى متشابكة متصارعة ، ومصالح متشابكة متنازعة متقاطعة !

- في الحالة السورية ، ثمّة مجموعات من القوى التي تزعم أنها تمثّل الشعب السوري، وتعبّر عن مصالحه ! ولكل منها رؤيتها الخاصّة على المستوى النظري ، وحركتها الخاصّة على المستوى العملي، بحسب ما تتصوره الأفهام ، وتعين على تحقيقه الأوزان والأحجام !

- الجنرال الغائب عن أذهان المعارضات ، كلّها أو جلّها ، والمتحكّم بالمعادلات ، كلّها أو جلّها ، والذي يمسك برقاب القرارات ، وصناعها ، والمصنوعة لهم .. هو الزمن ! الذي يسير بسرعة هائلة ، مغيّراً ، في كل خطوة يخطوها ، بعض العناصر السلبية ، في المعادلة هنا ، أو مضيفاً بعض العناصر الإيجابية هناك .. مقدّماً فرصاً ذهبية ، اليوم ، ليحوّلها إلى تحدّيات قاسية غداً ؛ بسبب ـ وبحسب ـ ما يتغيّر ويتبدّل ، من معطيات الحياة ، وقدرات الأحياء ، وإراداتهم ، وخبراتهم !

- الشعوب ، عامّة ، لا تجيد الحساب السياسي ! لكنها تجيد التشبّث بالآمال ، وتجيد تصديق الوعود ..! فهل تستطيع المعارضات السلمية ، أن تتعلم كيف تجيد تحقيق وعودها، لشعوبها ، مرّة واحدة : كل معارضة تحقّق وعدَها لشعبها ، مرّة واحدة في العمر! بعد أن قَضت أعماراً طويلة ، وهي تعيش على آمال ، تغذّيها وعود ، تزركشها كلمات ، تطلقها حكومات وزعامات !؟

 نرجو ذلك .. وما نملك إلاّ أن نرجو ذلك .. أو ما يشبه ذلك !

*   *   *

حسناً ، وحدة وطنية ، ذلك ما كنا نبغي ..

لكنْ : حولَ ماذا.. ومَن!؟

·  حول وطن ، وحكم وطني .. أم حول حزب ، وحكم حزبي متفرّد ، قائد للدولة والمجتمع !؟

·  حول حكم يمثّـل شرائح البلاد كلها ، وطوائفها كلها ، واتجاهاتها كلها.. أم حول حكم يمثّـل طائفة واحدة ، تَحكم باسمها أسرة واحدة .. سواء أشاءت هذه الطائفة أم أبت، وسواء أتحقّـقت لها مكاسب تشمل أبناءها جميعاً ، أم اقتصرت المكاسب على الموالين لآل أسد ، والتابعين لهم ، والحاطبين في حبلهم .. بينما يعيش كثير من أبناء الطائفة ، في فقر مدقع ، ويعيش كثير من رموزها ، بين المنافي والسجون ، والقبور التي حفرها لهم آل أسد ، في عهد الهالك ، ووريثه العبقري المتفلسف !؟

·  حول رجل صالح ، كفء متمرّس ، حريص على خدمة شعبه ووطنه ، لديه ضمير حيّ ، وإحساس كبير بالمسؤولية عن كل صغيرة وكبيرة في بلاده ، يختاره الشعب عبرَ ممثّـليه ، المنتخَبين انتخاباً حراً نزيهاً ، أو انتخاباً مباشراً في عملية تنافسية حرّة شريفة ، بينه وبين مؤهلين أكفاء من رموز الوطن ، المشهود لهم بالصلاح والأهلية ، والنزاهة والاستقامة ، والشرف والعفّة ..

  أم حول غلام غرّ جاهل متفلسف لصّ ، ورث الحكم عن لصّ ، سرقه من الشعب، وفرض نفسه عليه بقوّة الحديد والنار، وسلّم أعوانه وأزلامه ، الجَهلة الفاسدين المفسدين، أزمّة القرار في الدولة ، ومصائر البلاد والعباد .. فعاثوا فساداً ، وأهلكوا الحرث والنسل، وارتكبوا من الموبقات والمنكرات والمحرّمات ، ما يعف عنه أشدّ الناس دناءة ونذالة، وأكثرهم وحشية وشراسة .. وما تزال عصابات المافيا المجرمة ، تمارس الأفعال ذاتَها، وبصورة أبشع ممّا سبقها ، في عهد الغلام الوريث ، وتَسوق الناس بالعصا والسوط والمسدّس .. إلى ساحات التهريج ، والهتاف والتصفيق للغلام البليد ، وفدائه بالروح والدم، والاستفتاء عليه رئيساً قَسرياً ، وثناً قميئاً ، لا وزن له ولا قيمة ، إلاّ بقدر ما يمارسه مجرمو حكمه من منكرات ، بحقّ الوطن والشعب !؟

 مرّة أخرى نقول : وحدة وطنية .. لكن : حولَ ماذا !؟ ومَن !؟

*   *   *

هل معاداة الله، ومحالفة الشيطان: من الدين، أم من السياسة!؟

(إبليس عدوّ للإنسان، لا لِلّه.. وبعض البشر يعادون الله، دون الشيطان!)

·  لابدّ ، بدايةً ، من طرح السؤال التالي : الوقوف مع الله وأنصاره ، أو مع الشيطان وأنصاره .. هل يدخل في السياسة ، أم هو عمل ديني بحت !؟

·  قد يبدو السؤال غريباً ، للوهلة الأولى ! إلاّ أنه موغل في أعمق أعماق العمل السياسي ، برغم ماران على الكثير من العقول ، العاملة في الحقول السياسية والثقافية، من ركام ، خلّفته عقود من التزييف السياسي والفكري ، على امتداد الساحة العربية والإسلامية ..! وأهمّ المقولات الزائفة ، الرائجة بقوّة ، مقولة : (لاسياسة في الدين ، ولا دين في السياسة) ! التي اخترعها أحد شياطين الإنس ـ وربّما أوحَى إليه بها أحد شياطين الجنّ ! ـ  وقَذف بها في عقولٍ وقلوبٍ ، مستعدّة لتصديقها ، وتبنّيها، و( تسويقها !) . / وما يعنينا منها ، هو العقول والقلوب التي قذِفت فيها ، لا الشيطان الذي قَذفها فيها /!

·  إبليس ، زعيم الشياطين كلهم ، وأستاذهم غير المنازَع ، لم يقل في يوم من الأيام ، منذ امتنع عن السجود لآدم ، فعصى أمرَ ربّه .. لم يقل : إنه عدوّ لله ..! بل أعلن جِهاراً، وبلا مواربة ، أنه عدوّ للإنسان ، تحديداً ! وأن عبوديته لله ، لا تشوبها شائبة! وهو لا يستطيع ، أصلاً ، أن يقف موقف العدوّ من الله ، عزّ وجلّ ، برغم عصيانه له ، في الامتناع عن السجود لآدم ! بل إن معصيته لله ، نابعة من حَسده لآدم ، الذي أخذ مكانة مميّزة عند ربّه ، الذي أمر إبليس ـ وهو من الجنّ ـ ، وأمر الملائكة جميعاً ، بالسجود له ـ أي لآدم ـ الذي خلقه بيديه ، بينما خلِقت المخلوقات الأخرى بقول (كنْ) ! وها هو ذا إبليس ، يعلن عبوديته لله ، في آيات كثيرة ، يخاطب بها ربّه: ( قال ربّ فأنظِرني إلى يوم يُبعَثون ) .. (قال فبعزتك لأغوينّهم أجمعين . إلاّ عبادك منهم المخلَصين ) .. ( قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين..).. وآيات أخرى كثيرة ، يراها من يقرأ القرآن ، منبثّة في كتاب الله في ، سوَر عدّة ..!  ولا يمكن ، بالطبع ، الافتراض بأن إبليس منافق ، في إعلانه العبودية لله ، أو أنه يؤمن بمبدأ (التقية) ، ويخفي عن الله كفره ، ليخدعه بادّعاء الإيمان به ! كبعض المنافقين من بني البشر، الذين تدفعهم عوامل الخوف أو الطمع ، إلى إظهار الإيمان، وإبطان الكفر، بعضهم تجاه بعض ..! لأن إبليس يعلم جيداً ، أن الله لا تخفى عليه خافية ، ولا يمكن خداعه !  

·  فإذا كان الأستاذ ، نفسه ، يدين لله بالعبودية ، ولا يجرؤ على معاداة ربّه.. فما بال بعض تلاميذه الصغار، يجاهرون بالعداوة لله ، ولكل ما جاء من عنده ، من تشريعات، وأحكام ، وأخلاق .. عن طريق رسله الكرام !؟

·  وإذا كانت الأكثرية الساحقة لشعب ما ، تدين بديانة معيّنة ، تُلزم أتباعَها بتشريعات معينة.. فهل من السياسة أن تُفرض على هذا الشعب ، تشريعات من ديانة أخرى، مخالفة لديانته ..!؟ كأن تُفرض على شعب نصراني تشريعات إسلامية ، أو تفرض على شعب مسلم تشريعات نصرانية ، أو يهودية ، أو إلحادية .. أو تفرض على شعب بوذي تشريعات مجوسية ! وما مكان مَن يفعل هذا ، من السياسة ، أو الفهم السياسي، أو الفهم الإنساني .. بشكل عام !؟

·  وإذا كانت عقيدة الأمّة ، أيّة أمّة ، هي روحها ، التي تنبثق منها تشريعاتها ، وآدابها، وأخلاقها ، وفنونها ، وعاداتها ، وتقاليدها ، وأعرافها ، وفلسفتها ، وتاريخها ..(كما يرى المفكّر الفرنسي جوستاف لوبون ..)..

فماذا يعني أن يفرَض عليها استيراد كل ما ذكِر، أو جلّه ، أو حتى بعضه .. مِن أمم أخرى ، ذات عقائد أخرى ، مختلفة اختلافاً كبيراً ، عن عقيدة هذه الأمّة ، من حيث مصدرها وجوهرها ، وكلياتها وتفصيلاتها .. وتُرفض عقيدة الأمّة مِن قِبل بعض أبنائها ، أو المحسوبين عليها ، حتى على مستوى أن تكون مرجعيّة للمجتمع الذي يدين بها ..!؟ ماذا يعني هذا !؟ .. ولماذا !؟ ولمصلحة من !؟

·  واضح أننا ، حين نشير إلى المفارقات ، بين موقف إبليس ، أستاذ الشياطين جميعاً..  إنسهِم وجِنّهم .. وبين مواقف تلاميذه ، الصغار منهم والكبار .. واضح أننا لا يعنينا إبليس ذاته ، ولا مصيره يوم القيامة ! فما هذا من شأننا .. ولا نبالي بهذا العدوّ اللدود الخبيث ، في أي وادٍ هلك ..! إنما الذي يعنينا ، تحديداً ، هو مواقف بعض تلاميذه ، من المحسوبين على ملّتنا ، الذين تشمئزّ قلوبهم إذا ذكِر الله وحدَه ! وإذا ذكِر الذين مِن دونِه ، فرحوا واستبشروا ..! أنّى كان هؤلاء الذين مِن دونه .. وسواء أكانوا من أوثان البشر والحجر، أم من أوثان النظريات والفلسفات والأفكار..! وهم في الوقت ذاته ، يتصدّرون مجموعات من شعوبهم ، لقيادة مجتمعات تدين أكثريتها الساحقة ، بعقيدة لا ترضى عنها بديلاً .. وهي الدافع الأول والأقوى لها ، لصناعة حياتها ومستقبلها ، والدفاع عن أوطانها في مواجهة الأخطار الداهمة ، من أيّة جهة جاءت ، ومهما كان نوعها !

·  فهل هذا الإصرار على الاستبدال ؛ استبدال أيّة عقيدة ، وفرضُها على الأمّة ، مكان عقيدتها التي هي عليها.. هل هو من السياسة الحكيمة الرشيدة ، في إطار الحساب السياسي البحت ، بصرف النظر عن نيّات الأفراد ، وعقائدهم ، وفلسفاتهم التي هم أحرار في تبنّيها ، على المستويات الفردية !؟

·  لابدّ من طرح هذا السؤال ، على المستوى السياسي .. والبحث عن إجابات سياسية له، عند الساسة الذين يحملون هموم التغيير والتطوير، للشعوب والأوطان !

( مع التذكير، بأننا لسنا ، هنا ، في موقع مَن يلقي على الآخرين المواعظ الدينية ، ولا في موقع من يتلقّى من الآخرين ، دروساً في فلسفة التنوير!)