ماتريده المعارضة السورية ومايريده النظام الأسدي!

ماتريده المعارضة السورية ومايريده النظام الأسدي!

 

جان كورد

يبدو ظاهريا وكأن المعارضة السورية تتعارض في أطروحاتها ومواقفها مع أطروحات ومواقف النظام في سورية تماما، ولكن إذا ما أمعنا النظر في كل ما يجري حقا على المسرح السياسي السوري فإننا سنجد أدوارا متشابهة وخطابات متقاربة وطرائق غير متفاوتة كثيرا في التفكير والاستنتاج ... بل نرى أحيانا تداخلا فظاً في الحراك المسرحي ، وانتقالا عجيباً لشخوص النظام إلى صف المعارضة وبالعكس... فنائبان لرئيس الجمهورية الراحل حافظ الأسد يظهران اليوم وكأنهما معارضان كبيران للنظام الذي خدماه وخدمهما لعقود من الزمن... وعلى العكس نجد شخوصا تبدو وكأنها معارضة تنطق بمواقف النظام ونيابة عنه في مختلف المحافل الدولية واللقاءات مع الأوربيين والأمريكان، ولا أريد هنا الكشف عن بعض الوجوه فهي تكاد تصدمنا كل يوم ونقرأ آثارها من خلال بيانات ومقالات تظهر بأسماء شخوص وحركات وأحزاب ومنظمات تدعي الليبرالية والتضامن الوطني والحرية والديموقراطية ، بل وتدعي الثورية في التغيير ، وما إلى هنالك من أقنعة بائسة حقا....

طبعا ، كل من يترك صف النظام في هذه المرحلة بالذات يستحق التصفيق ، وقد نفذ بجلده إلى حد كبير، رغم مشاركته الواسعة في جرائم النظام المختلفة الوجوه.. ولكن ما لهذه المعارضة تراوح في مكانها وتتمسك بإعلان دمشق الذي لايريد ترك صفوف النظام إن نظرنا إليه بتمعن وتدقيق. إذ لايكفي الادعاء بأنك مخاصم للنظام وخارج على جلاديه ومقارعه بمختلف الأسلحة التي لاتملك منها إلا القليل ورافض لوجوده، في حين أن مواقفك تشابه مواقفه تجاه معظم ما يدور حول دمشق من أحداث متشابكة دوليا واقليميا... وحقيقة لو وضعنا بعض أسماء رموز المعارضة في مكان بعض رموز النظام لما وجدنا اختلافا كبيرا، لا في الأقوال ولا في الأداء، إلا من رحم ربي وربك.... فبعضهم يدغدغ النظام وبعضهم يتملقه والبعض الآخر يتحسر على الأخطاء التي يقع فيها النظام وينبهه بقوة:"أخي دع هذا وذاك لتعيش طويلا!".. بل كاد أحدهم أن يقول على شاشة تلفزيونية من تلك التي تسعى جاهدة ل"دمقرطة!" النظام السوري:" يا أخي نظام دكتاتوري معتدل يفرج عن إخواننا أفضل من نظام ديموقراطي نجهل ماذا يخبئه لنا..."

بعضهم يهاجم الأستاذ وليد جنبلاط ، الزعيم اللبناني الشهير، بنفس الوتيرة التي يهاجمه فيه النظام السوري وحزب البعث، لأنه طالب أمريكا بتغيير النظام الحاكم في دمشق، وكأنه فعلا مع احتلال سوريا من قبل الأمريكان كاحتلال الفرنسيين للجزائر أو احتلال العراق للكويت.. وكلنا يعلم بأن هذا الرجل، ومن قبله أباه الأستاذ كمال جنبلاط الذي اغتالته أياد آثيمة، كان ولايزال أحد أبرز رموز النضال الوطني الديموقراطي اللبناني ولن يرضى أبدا بأن تحتل أمريكا سوريا وتسلبها الحرية والسيادة الوطنية.. البارحة اتصلت به ، وثقتي كبيرة بأنه لن يرضى عن الحرية لسوريا ولبنان بديلا، فأكد لي بأنه لم يقصد من تصريحاته تلك قبول الاحتلال لأي بلد في العالم فكيف يقبله لسوريا الجارة؟ ولكنه في الوقت الذي سيصحح فيه قريبا ما تم فهمه خطأ سيسأل المعارضة السورية: " بالله عليك يامعارضة سورية،كيف ستغيرين النظام السوري؟..."

بلا شك ، إن بقاء البعث مستفردا بالسلطة ومعتمدا على "جبهة وطنية تقدمية!" عقودا من الزمن قد شوه كثيرا من فهم السوريين للديموقراطية التي معظم شبابهم لم يذق طعمها في يوم من الأيام منذ أن أنجبته أمه...وحقيقة لايتعلم المرء هذه الفضيلة الإنسانية من مواقع الانترنت وشاشات التلفزيونات المدعومة من مالكي البترول العربي الكارهين للديموقراطية، فالديموقراطية ثقافة حية وعملية يتعلمها المرء منذ طفولته ، في العائلة والمدرسة والوظيفة والخدمة العسكرية والجمعية والحزب...و...و...و... وهذا ما حرم منه الطفل السوري ، والحزب السوري ، والمدرسة السورية، والنقابي السوري .. وكذلك الإعلامي السوري، وبالتالي النائب البرلماني والحاكم السياسي والمعارض السوري الذي لم يعش في بلاد الحرية زمنا طويلا...

 ولكن... مع هذا كله ، فإن من الضروري أن لاتكون المعارضة نسخة طبق الأصل عن النظام، سواء فيما بينها كتنظيمات وكأشخاص منظمين فيها، أوكنشطاء يقارعون النظام في الشارع والمنتدى، أو كمحاورين وديبلوماسيين، سواء في الداخل أو الخارج...

الأستاذ رياض الترك ، يرفض سماع حجج الأكراد المتعلقة بوجودهم القومي كشعب أساسي في سوريا إلى جانب الشعب العربي ويدعي بأن التاريخ يثبت عروبة الجزيرة، وهو لايدري بأن العرب السوريين قد طلبوا يوما من عصبة الأمم تكوين دولة سورية حدودها الشرقية نهر الفرات... وهذا العملاق الشيوعي ، من مدرسة دكتاتورية البروليتاريا الرافضة للنزعات القومية، غارق في عروبته أو تركيته حتى آخر نفس من أنفاسه المتبقية، ويتهم في نفس الوقت الكورد بتهم باطلة... فلو كان ديموقراطيا لتصرف معهم تصرفا آخر... كان يمكنه الاستماع إلى مطالبهم والسكوت عن ادعاءاتهم "ولوكانت من وجهة نظره باطلة!" ومحاولة كسب أفئدتهم وصداقتهم، لا تنفيرهم بمزاعمه ونظرته اللاديموقراطية بحيث دفعهم إلى الخروج من سيميناره ببرلين مؤخرا في صورة تشبه – مع الأسف – الإهانة الشخصية له... في حين أنني سمعت من معارض سوري أصغر منه عمرا يقول في نفس المدينة قبل شهر تقريبا من الآن: "إن من إحدى مهام المعارضة السورية جمع شمل الكورد السوريين وأحزابهم بهدف توحيد مطلبهم القومي، ولنناقشهم جملة حول حدهم الأعلى وحدهم الأدنى بصدد هذا المطلب ونتفق في النهاية معهم على قاسم مشترك بينهم ..."

معارض سوري آخر يرتدي "إعلان دمشق" أينما سافر أبدى قلقا كبيرا تجاه إسم بارتي ديموقراطي كوردستاني سوريا، وقال حرفيا على أطراف اجتماع المعارضة السورية في برلين مع (معهد ايسبن الأمريكي): " يا أخي ليس هناك فصيل معارض سوري يقبل بوجود كوردستان في سوريا ولا أحد يقبل بمنح الأكراد حكما ذاتيا كما يطالب به هذا الحزب..." وكأنه يجهل حقا بأن أي كوردي يتنازل عن وجود الجزء السوري من كوردستان يعتبر في نظر الأمة الكوردية جمعاء خائنا لها ولحقها القومي العادل وناكرا للحقائق التاريخية ومستخفا بمشاعر هذه الأمة التي أراد لها المستعمرون أن تتجزأ وتتمزق... مثل هذا المعارض الذي يؤيد دولة فلسطينية تفصل بينها اسرائيل طولا وعرضا لايختلف في نظري عن محمد طلب هلال الذي أراد محو الوجود القومي والثقافي للشعب الكوردي في سوريا مرة وللأبد ونفذ البعثيون نقاط مخططه الجهنمي الحاقد حرفيا وإلى حد كبير.

عبد الحليم خدام ، الذي يندفع لاحتلال المقعد الأمامي في المعارضة السورية ، بعد خراب البصرة والشام معا، تحدث عن كثير فيما يتعلق بجرائم النظام وأخذ كثيرا من وقته المال المسروق من قبل الطغمة الحاكمة التي لم يعد ينتمي إليها – حسب رأيه – ولكن جريمة حرق الوجود القومي للشعب الكوردي في سوريا لم ترسم آثارها ولو بحرف واحد على شفتيه... فماذا لو أن هذا الرجل الذي نحترم جرأته في هذه اللحظات التاريخية الحرجة تسلم زمام المعارضة السورية "الديموقراطية، الليبرالية، الثورية، الوطنية والتحريرية..." حقا؟ فهل سيمنح ثاني أكبر قومية في البلاد حقوقا أو يعتذر لها على الأقل عما ارتكبه بحقها نظام ساهم هو في بنائه وصونه؟

ليس كل من شكل حزبا أو جمعية أو منتدى يحمل إسما ديموقراطيا صار ديموقراطيا بين ليلة وضحاها، فمن شروط الديموقراطية أن تحترم الرأي المخالف لرأيك وتدافع عنه تماما وكأنه رأيك... فالكورد سيشكون بكل من يرقص أمامهم على خشبة المسرح، مالم يثبت لهم حقا بأنه لن يفرض عليهم سياسات عنصرية مستقبلا، ولن يتعاونوا مع أحد يتنكر لوجودهم القومي كقومية أساسية في البلاد، وسيعارضون أكبر رأس في سوريا حتى ولو كان بحجم رأس رياض "الترك!" مالم يحصلوا على حقوقهم القومية المشروعة في إطار نظام ديموقراطي اتحادي وعصري... هذا هو رأي الشعب الكوردي ، فإن لم يحترمه من يزعم أنه معارض نرفض تسميته بالمعارض الديموقراطي ، حتى ولو رفع يافطة الديموقراطية بدل الشيوعية أو الإسلام أو القومية والعروبة.. فالشعب الكوردي لن ينخدع بعد اليوم برغوة الصابون المتعاظمة ولن يتنازل عن حقه القومي العادل، لا في سوريا ولا في أي جزء آخر من كوردستان، وهو مستعد لأن يدفع الثمن كما دفعه باستمرار... وسترتفع وتيرة المطالبة الكوردية بالحق القومي لهم في سوريا وستأخذ أشكالا وصورا أرقى من النضال التحرري الوطني مستقبلا... ونحن واثقون مما نقوله هنا.