ماذا يعني الشرق الأوسط الجديد ...؟
ماذا يعني الشرق الأوسط الجديد ...؟
د.خالد الأحمد *
كتب بشير نافع في موقع الجزيرة موضوعاً خلاصته :
الاشارات في حديث خدام أكثر أهمية من التصريحات ومن هذه الإشارات : ماتعتبره أوساط أميركية وأوربية الآن مسألة ( السـنة ) . ومن هذه الإشارات :
1 ـ أن عبد الحليم خدام قدم دراسة لبشار حول الاصلاح الحزبي والسياسي ، وحول قضايا الديموقراطية والمشاركة ، وأن الدراسة تضمنت تصوراً حول العروبة والاسلام [ ولايفهم هنا إلا إسلام الأكثرية السورية السنية ] ، وتعزيز الوحدة الوطنية في البلاد [ ويفهم منها ماتعانيه سوريا من سيطرة الأقلية العلوية على الحكم ] .
2 ـ ذكر خدام أنه شهد توجهاً في القيادة السورية يرى أن الحشد السني اللبناني الذي قام به الحريري خطراً على سوريا ومصالحها في لبنان ، وتساءل خدام مستهجناً : أليست السياسة اللبنانية كلها طائفية !!؟ وقائمة على الطائفية !!؟ كيف يمكن اعتبار التفاف السنة حول الحريري خطراً بينما لايرى التفاف الشيعة حول نصر الله وبـري كذلك !!!؟
وهذه إشـارات للأكثرية السنية في سوريا ، التي عانت الظلم و الغبن الذي وصل ذروته في مطلع الثمانينات عندما احتدم الصراع الدموي بين النظام الأسدي القائم يومها على الطائفة العلوية ، والقوى الإسلامية ، وكان خدام يومذاك واحد من أبرز خصوم التيار الإسلامي ... وهي إشارة الآن كي يسقط النظام السوري ، وأن يصل خدام يوماً إلى حكم سوريا ، والموضوع الملح هنا هو ( المسألة السنية السورية ) .
3 ـ قبل شهور قليلة حذر الملك عبدالله الثاني ملك الأردن من هلال شيعي ، يمتد من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان ، وسرعان مالحق به الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي ؛ في التحذير من التدخلات الإيرانية الطائفية في العراق ...
4 ـ تكررت القراءة الطائفية لمنطقة المركز العربي الإسلامي في أكثر من دراسة وتقرير استراتيجي أمريكي خلال العام المنصرم . أغلب هذه التقارير صادر عن مؤسسات أميركية بحثية غير رسمية ، ولكن المعروف في واشنطن أن العلاقة بين ماهو رسمي وماهو غير رسمي علاقة وثيقة في معظم الأحيان .وكثير من السياسات الأميركية تبدأ بدراسات وأوراق بحثية تقدمها مؤسسات بحث غير رسمية ، بهدف مساعدة صانع القرار .
وعلى ضوء تلك الدراسات برزت في العام الأخير بوادر إدخال العامل الطائفي والإثني باعتباره عاملاً أساسياً في رسم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط . كما ظهرت مؤشرات تدل على إدراك الأميركيين لتعاظم القلق العربي السـني من تداعيات الاحتلال الأميركي على وحدة العراق ، وما أدت إليه سياسات الاحتلال من سيطرة شيعية طائفية على مقدرات الدولة العراقية الجديدة .
وما لوحظ في واشنطن من ( المسألة السنية العربية ) سرعان ما انتقل إلى باريس ولندن .
ولعل تصريحات عبدالله الثاني وسعود الفيصل جاءت في هذا السياق أصلاً .
ويمكن تحديد هذا التفكير الأميركي الأوربي ( الذي مايزال يشوبه كثير من الغموض ) : أن الاسلام هو أحد المشاكل الرئيسة للغرب ، وأكبر هذه المشاكل هي منطقة المركز الإسلامي ( المنطقة العربية الايرانية التركية ) . هذه المنطقة الهامة تستعصي على السيطرة وإحدى وسائل كسر قوى الممانعة فيها : إحياء الهويات الطائفية والإثنيـة ، خاصة وأن دول المنطقة كلها تضم تنوعاً طائفياً وإثنياً واضحاً .
5 ـ ولمواجهة الآثار السلبية للمشروع الأميركي في العراق ، لابـد من إرضاء العرب السنة في المنطقة ، وتعزيز قدرات المنطقة على مواجهة الخطر الإيراني ، وقد وفر التورط السوري في لبنان فرصة نادرة لضرب عدة عصافير بحجر واحدة :
1. إطاحة النظام الحاكم في دمشق وإعادة سوريا إلى أحضان السنة سيجعل سوريا منطقة استقبال للعرب السنة العراقيين وسيضع سوريا في موضع عداء مع الحكم الشـيعي العراقي ، ويساعد هذا على حصر التوسع الإيراني .
2. سينهي علاقة التحالف بين سوريا وحزب الله ، ويحجم نفوذ الأخير بشكل لارجعة فيه .
3. يفتح الباب أمام انحياز أكراد سوريا باتجاه الحكم الكردي في العراق .
4. وسينقل الثقل العلـوي إلى تركيـا .
5. سيكون عامل ترضية للسنة العرب في المشرق ، ويسهم في إنهاء المقاومة العراقية .
هكذا هو سيناريو الشرق الأوسط الجديد ، الذي يتضح من إشارات عبدالحليم خدام ، ومن قرار أمريكا إسقاط النظام السوري .. فأمريكا لاتهمها إلا مصالحها ، ولاتتخلى عن النظام السوري إلا إذا حقق لها هذا التخلي عنه مصلحـة أكبر ، وربما أن أمريكا باتت تـرى مصلحة كبيرة في تبديل نظام الحكم ( العلوي ) الذي بنتـه في سوريا ، ودعمته خلال مسيرة حافظ الأسد ، ودعمته في توريث حكم سوريا لأولاده من بعده ، وإقامة حكم جمهوري وراثـي ، تريد الآن تبديلـه بنظام حكم ( سـني ) ، وسيكون النظام السني الجديد موالياً وخاضعاً لأمريكا ، تماماً كما كان النظام ( العلوي ) المنصرم .
دولـة شيعية في العراق ، ودولة سنية في سوريا ، تحافظ كل منهما على علاقة وثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية ، هل ثمة من نصر استراتيجي أكبر لمشروع غزو العراق ، وبناء الشـرق الأوسط الجديد !!!؟
ومن أكـبر المكاسب الأمريكية من هذا المشروع أنه بعد أن كان العرب قبل عقود يفكرون في الوحدة القومية ، وكان الشعور القومي قوياً يومذاك ، ينشغل العرب الآن بالوحدة الوطنية ، بعد أن ثارت النعرات الطائفية والإثنية ( العرقية ) فيها ... وربما يتحقق فيما بعد مشروع الصهاينة في تقسيم المنطقة المحيطة بدولة إسرائيل إلى دويلات صغيرة متحاربة ، وربما يتحالف بعضها مع إسرائيل من أجل قهر بعضها الآخر ... كما كانت الحال أيام الدويلات الطائفية عندما كان بعضها يتحـالف مع الصليبيين ضد دويلات مسلمة أخرى . فهل تتكرر هذه المآسي !!!؟ أسأل الله عزوجل أن لايكون ذلك ، وأن لايتكرر حكم الدويلات الطائفية ، وأن يعـي العرب والمسلمون ما يراد لهم من شـر وضعف وتمزيق ، وأن يعودوا إلى دينهم الذي أمرهم بالوحدة والقوة والوقوف صفاً واحداً أمام العدو .
{ ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } .
* كاتب سوري في المنفى