الحرب بالوكالة
افتتاحية النداء:
في تصريح استفزازي هدد وزير الخارجية الإيراني دول المنطقة المحيطة باليمن بإمكانية اشتعال النيران داخلها في حال استمرار تدخلاتها في الصراع الدائر بين السلطة اليمنية و المتمردين الحوثيين، وقال متكي في مؤتمر صحافي، الأربعاء 11-11-2009 :
على بلدان المنطقة أن تمتنع جديا من التدخل في الشؤون الداخلية لليمن. وأضاف "إن الذين يصبون الزيت على النار يجب أن يدركوا أن الدخان المنبعث سيطالهم". عارضاً في ذات الوقت الوساطة لتحقيق الأمن والسلام الشامل في حال تعاون الحكومة اليمنية ودول المنطقة مع السلطات الإيرانية : إن إيران "على استعداد للتعاون مع الحكومة اليمنية وبلدان أخرى لاستعادة الأمن في اليمن وأن ذلك يمكن أن يجلب الأمن والسلام لليمنيين وللمنطقة بأسرها"
وتابع الوزير الإيراني تقييمه الشمولي للأحداث، برؤية متعالية تتهم المخالف بالرأي بمتابعة الأعداء والعمل لخدمة المشاريع المناهضة لمصالح الأمة، قال متكي : إن كل إجراء مخالف لهذه المقاربة سيخدم مصالح أعداء البلدان الإسلامية والعربية.
يقر المحللون بضعف وتشتت النظام العربي الرسمي وفشله في الاستحواذ على الأكثرية الشعبية، مما ساهم بصورة قصوى، لتدخلات إقليمية حادة تأخذ أشكال التورط المباشر في النزاعات العربية الداخلية، وتبدو الرغبة الإيرانية في الهيمنة على القرار العربي غير محدودة، فالحكومة اللبنانية على سبيل المثال لم تر النور إلا بعد زيارات ولقاءات سورية إيرانية متبادلة على أرفع مستوى، وما ذلك إلا لإشاعة اعتقاد جازم بأن القرار النهائي للتحالفات الإقليمية هو في طهران وليس في أي مكان آخر.
يرزح اليمن كغيره من الدول العربية تحت وطأة أجواء سياسية مفعمة بالتناقضات الأثنية، تتماهى في داخلها الانتماءات العرقية والمذهبية والعشائرية، مزاحمة مفاهيم وقيم الوطنية والمواطنة، حالة مكانها روابط ما قبل الدولة الحديثة، مفرزة إشكالا ً اجتماعيا مربكا، يعيق التطور المدني لمجتمعات أرهقها الفساد السياسي والمالي. تلك المجتمعات تعاني أزمات اقتصادية داخلية حادة أفضت إلى عجز حكومي و شعبي حيال معالجة معضلات البطالة والفقر والتخلف والفساد .
إن تغاضي الحكومات العربية عن حقيقة المعاناة الكبيرة وضياع الأمل بالتغيير والعدالة لدى شعوبها، وعدم إبداء مصداقية حيال المطالبات بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين مكونات الشعب الواحد المنطوية تحت راية الوطن ، دون الالتفات إلى تقسيمات جهوية أو مذهبية، يتيح فرصاً مريبة لتدخلات إقليمية ودولية في الشؤون الوطنية خاصة عندما تضيق وسائل وقنوات الحوار والتواصل بين السلطة و الشعب، وتحاصر الأنظمة شعوبها في دائرة أحكام الطوارئ و المحاكم الاستثنائية.
الحرص على وحدة وسيادة واستقلال وأمن وسلامة اليمن شعبا ودولة، ليس أمراً محل خلاف بل هو موقف مبدئي جدير بالاهتمام والتقدير، كما أن العمل والنضال السلمي من أجل تحقيق المصالح الوطنية في الديمقراطية الحقيقية ومحاربة الفساد، وإقامة مجتمعات مدنية يتساوى فيها الجميع ويتواجه فيها الحاكم والمحكوم داخل أطر سياسية وقانونية ودستورية، لا تسمح بشطط الحاكم أو تسلط أعوانه، وبسط سطوتهم على الشعب، قضية هامة تؤسس القاعدة الصلبة للحمة الوطنية، وتدفع أبناء الوطن للرقي بانتماءاتهم وولاءاتهم الوطنية لتسمو فوق ما سواها وتكون لها الأولوية في بناء الروابط الاجتماعية. كما أنها تحصن البلاد في مواجهة المتربصين و الطامعين من الخارج.
لا تخرج تصريحات وزير الخارجية الإيرانية في سياقها عن البنية الأيديولوجية والقومية للنظام الإيراني الحالي، الذي دعى رئيسه الحالي في مناسبات عدة لبث الفوضى المدمرة المفضية إلى تفكيك المجتمعات العربية، وتسليم أمرها لقيادة مؤمنة تستند في شرعيتها لمنظومة دينية وتاريخية بالمقاييس الإيرانية البحتة.
كما تثير تصريحات مسؤول أمريكي كبير في الخارجية الأمريكية لمحطة (CN N) أكد فيها أن الحكومة الأمريكية لا ترى أي علامة لليد الإيرانية في ثورة الحوثي، ولم يتم إقناعها بتورط إيران في اليمن من خلال اتصالها الدائم مع اليمنيين والسعوديين، تثير تساؤلات حول التقييم الأمريكي للدور الإيراني المتنامي على الساحة العربية، ومدى جدية الولايات المتحدة في معالجة الأزمات المستعصية في منطقة الشرق الأوسط . هذا و في نفس الوقت وقّع مدير التخطيط للقيادة المشتركة الأمريكية العميد جفري سميث يوم الثلاثاء 20091110 في صنعاء اتفاقية أمنية وعسكرية مع رئيس الأركان العامة اليمني اللواء أحمد علي الأشول.
هل الحرب السادسة بين الحكومة اليمنية و الحوثيين التي بدأت أولى مراحلها في حزيران 2004 وتوالت حتى حزيران 2009، ومازالت ملتهبة حتى تاريخه، هي حرب بالوكالة عن الفقراء والمستضعفين والمهمشين من اليمنيين، أم أنها حرب بالوكالة عن قوى إقليمية ودولية، يبدو أن لها مصلحة في مزيد من التقسيم والتفتيت والتفكيك للمجتمعات العربية، ودولها العرجاء القائمة على ساق واحدة !
هيئة التحرير