سورية : النظام يراكم الحصار والعزلة على نفسه
محمد الحسناوي
*حين يُسقط النظام السوري ورقة الشعوب العربية والإسلامية وممثليها من الأحزاب العربية .. من حسابه في مواجهة الضغوط والاستحقاقات الخارجية ، فماذا يبقى له ، وجبهته الداخلية هي ما عليه من التصدع والاحتقان ؟؟
نقول هذا الكلام بعد مضي شهر كامل على لقاءات الرئيس بشار لوفدين كبيرين من الوفود العربية منتصف الشهر الماضي تشرين الثاني ، هما (اللجنة التحضيرية للمؤتمر الرابع للأحزاب العربية في دمشق ) الذي شارك في أعماله ثلاثة ممثلين عن كل حزب ، حيث يضم المؤتمر أكثر من مئة حزب من 14 دولة عربية . والوفد الثاني هو ( الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي ) برئاسة أمينه العام معن بشور، ومن أعضائه الذين تداولوا الكلام : كل من الدكتور إسماعيل الشطي الشخصية الإسلامية الكويتية المعروفة ، والدكتور محمد صالح المسفر الأكاديمي السياسي القومي المعروف ، والأستاذ عبد الحميد المهري الأمين العام لجبهة التحرير الجزائرية سابقاً وعضو الأمانة العامة ، والأستاذ الدكتور خير الدين حسيب المفكر المعروف ...
كان هناك إجماع بين المتكلمين مع الرئيس من كلا الوفدين على أن المخرج لسورية شعباً ونظاماً هو تحصين جبهتها الداخلية في مواجهة الضغوط الخارجية البالغة الخطورة ، كما كان جواب الرئيس ظاهره الموافقة ، وباطنه التملص وإلقاء اللوم على الآخرين لتمييع الموقف الذي لا يحتمل التأجيل ولا المماطلة ، تماماً كما يحصل في التعامل مع قضية التحقيقق في اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحواري ، مع الفارق بين المسألتين .
وللأمانة سوف ننقل مقتطفات من أقوال المتكلمين من كلا الوفدين المهمين ومن أقوال الرئيس جواباً عليها ، وما انعقد عليها من آمال وعهود ، ثم نتساءل عن مصير ذلك كله بعد مضي شهر كامل وازدياد المخاطر، وتعقد الأمور، ودخول القطر السوري في نفق مظلم يشتد حلكة وظلاماً ، كل يوم ، بل كل ساعة ، وما من شفيع !!
لقد اعترف الرئيس الأسد للوفد القومي العربي (أن سورية تقف الآن أمام مرحلتين أساسيتين : الأولى مرحلة قصيرة ستشمل عقوبات بعضها في حق أفراد ، وبعضها الآخر في حق سورية . وتحدث عن حظر جوي ، وتجميد أموال وحصار اقتصادي . أما المرحلة الثانية فهي مرحلة المواجهة ) ( انظر - سورية رفضت طلباً أمريكياً - القدس العربي16/11/2005).
تعليقاً على ذلك ، ومبادرة لأداء الواجب في لحظة مصيرية ، تكلم أعضاء الوفد بوضوح مركزين على (الملف السوري الداخلي الذي احتل مساحة كبيرة ...) ( د . محمد صالح المسفر – القدس العربي 22/11/2005 ) ومما قاله – مثلاً – الأستاذ حمزة منصور أمين عام الجبهة الإسلامية في الأردن الشقيق : (نحن ممثلي الأحزاب نقف مع سورية ضد الاستهداف الخارجي ، لكن بصراحة ماذا نستطيع أن نقدم لكم غير (الكلام ) أي غير التصريحات والبيانات والاحتجاجات . إنما شعبكم ، وقواكم الوطنية المعارضة – ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين – فهم وحدهم القادرون على التصدي الميداني ، إذا وقعت الواقعة . فأين تذهبون ، وما ذا أنتم فاعلون؟ )
ولما توالت كلمات الأعضاء في هذا الاتجاه من المباشرة وتلمس العلاج قال الرئيس : ( نريد من جماعة الإخوان المسلمين إدانة الأسلوب الدموي الذي لجأت إليه في الماضي وضمانات بعدم العودة إليه ، وخلاف ذلك ليس هناك أي مانع ) ( القدس العربي16/5/2005)
وهنا انتقل الحوار إلى الدكتور محمد صالح المسفر الذي قال فيما قال: ( المهم سيدي الرئيس : فيما يتعلق بالإخوان المسلمين في سورية أنتم تريدون منهم اعتذاراً عما فعلوه في الثمانينات من القرن الماضي ، وهم يريدون اعتذاراً منكم لما فعلتموه بهم ، تريدون منهم ضمانات بعدم العودة إلى ما فعلوه ، وهم يريدون ضمانات من النظام بعدم ملاحقتهم . إنها حلقة مفرغة !! في تقديري – السيد الرئيس – أنتم النظام – الحكومة –تملك بيدها كل وسائل الإكراه والقوة ، أنتم الذي يصدر العفو ويعطي الضمانات للمواطن . أنتم لكم مآخذ عليهم ، وهم لهم مآخذ على النظام . وهنا نقول : القوي يعطي ولا يأخذ ، وأنتم الحكومة الأقوياء . يجب أن نترفع جميعاً عن مفاهيم المظلمة التاريخية ، كلنا عانينا من المظلمة ، وما برحنا نعاني . اليوم السيد الرئيس لا عاصم لسورية حكومة وحزباً وسيادة من طغيان الطامعين في سورية إلا باللجوء إلى الشعب ، إعطاء الحريات في التعبير عن الرأي ، وكشف الفساد والمفسدين ، وفضح المتاجرين بسيادة الوطن ، تشكيل حكومة اتحاد وطني تجمع كل أطياف المجتمع السياسي ، إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين . وبذلك نستطيع مواجهة التحديات ) ( القدس العربي 22/11/2005)
( وكان هناك إجماع على المطالبة بإطلاق جميع المعتقلين السياسيين وإعطاء الحريات السياسية لكل صاحب رأي والانفتاح الكامل على الشعب مباشرة ، وليس عن طريق الأجهزة السرية ، وكتبة التقارير في الغرف المظلمة . لقد أجمع المشاركون على مطالبة الرئيس بعقد لقاء وطني للحوار وجهاً لوجه مع أصحاب الرأي من أبناء الشعب السوري الشقيق . وقبل نهاية الحديث الذي دام ثلاث ساعات متواصلة استوى الرئيس في مقعده ، ووعد بإجراء حوارات مع مختلف القوى السياسية في سورية دون استثناء) (المرجع السابق) .
بل الأكثر من ذلك قال الرئيس : ( إنه لا يمانع أن تقوم شخصيات عربية لها علاقة مع الإخوان في سورية بالتواصل من أجل تسهيل الحوار ملمحاً إلى الدكتور الشطي ) ( القدس العربي 16/11/2005) .
بالطبع لم تنشر الآلة الإعلامية السورية تفاصيل هذين اللقاءين التاريخيين اللذين قيل فيهما ما تقوله المعارضة السورية والشعب السوري وزيادة ، بل على عادة النظام في وصف الهزائم بالانتصارات ، والتعامل معها كالنعامة ، أو الذي يغني لنفسه ، أخذ يتعامل مع هذه الزيارات واللقاءات وأمثالها من حيث هي جزء من حملة إعلامية للتعبير عن تضامن الأحزاب والشعوب مع النظام السوري وحسب! من غير ما اهتمام بالمطالب التي تعطي هذا التضامن حقيقته ، والتي بدونها تتفرغ من أهميتها وجدواها ، مثل معالجة استحقاقات ملف القاضي الألماني الدولي (ديتليف ميليتس) بتنظيم تظاهرات (شعبية رسمية سورية – مدفوعة الأجر ) للتنديد والتشهير . لكأن المسألة إعلامية (بروباغندا) لا غير !!! وما هكذا تدافع الأوطان عن حياضها وحاضرها ومستقبل شعوبها .
وها قد مضى شهر كامل على هذه الوقائع والوعود والعهود من زيارة الوفدين ، فماذا حصل ؟
لن نقول : إن الساعين لإصلاح ذات البين قد سعوا فعلاً مشكورين ، وبادروا إلى القيام بالواجب على وجه السرعة والأهمية .
ولن يقول الإخوان المسلون ولا المعارضة السورية : إن التباطؤ أو التأخير، بل الإهمال ليس منهم ، بل سوف نستمع لشهادة (وفد الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي) ومن ثم لوفد (اللجنة التحضيرية للمؤتمر الرابع للأحزاب العربية ) الآن أو مستقبلاً بعد حين . وإذا رأى هؤلاء أن من السياسة أو الكياسة الحضارية (جحدتُها وكتمتُ السهمَ في كبدي ) وعدم نشر الغسيل العربي في العلن المحتدم بالأخطار ، فإن أعضاء الوفدين سوف يصبحون على بينة واضحة ما بعدها من وضوح .. حول (من هو الذي يدمر نفسه وبلاده وأمته بنفسه ؟ ).
أعضاء الوفدين سوف ينجزون ما عليهم من وساطة بين النظام والمعارضة السورية ، وهم يعلمون ، كما قال الدكتور المسفر أن الأوراق كلها بيد النظام ، وعليه هو أن يبادر ويصدر ما يلزم من مبادرات كالعفو العام الذي لا يستغرق إصداره ساعات ، وأن يدعو – على وجه السرعة - إلى مؤتمر وطني جامع لا يستثني أحداًً . ومثل هذه الأمور لا تستدعي مشاورة المعارضة ولا انتظار رأيها فيها ، لأن رأيها معلوم ، إن لم نقل هي من مطالبها الرئيسة .
فإذا لم يفعلها النظام – ونرجو أن يفعلها – فما موقف هذه الوفود والجماهير العربية التي تمثلها ، والتي تتابع مجريات الأحداث الساخنة ساعة بساعة ولحظة بلحظة ؟؟
إن المتوقع أن تصاب هذه الأحزاب والجماهير وممثلوها بخيبة أمل كانت مكتومة أو خاضعة للحدس والتأويل ، وسوف تزداد قناعة بتحليلات المعارضة السورية ، وتتلقى معها الخيبات والضربات من النظام ومن القوى الخارجية على حد سواء ، وتكون الطامة عامة لا سمح الله .
المراد من هذا الكلام كله استدراك ما يمكن استدراكه ، فهل من سميع ؟؟
والواضح أن الخاسر في النتيجة هو الشعب السوري أولاً ، وهو المطلوب منه التصدي للقيام بدوره التاريخي بنفسه أولاً. وما مات حق وراءه مطالب!!
* كاتب سوري عضو رابطة أدباء الشام