القانون الفرعوني وعقلاء الأمة

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

في مقالي اليوم أتوقف أمام محطتين:

الأولى سأتحدث فيها عن رواية أثارت اهتمامي، رواها من أثق بعلمه وصدقه ودينه.. ففي جلسة ضمتني مع عدد من الإخوة، روى بعض الحضور تفسيراً للآية الكريمة: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) وهي معلومة أسمعها لأول مرة أثارت في نفسي كثيراً من لواعج الألم والاستغراب، تقارن بين قانون سُن قبل ما يزيد على أربعة آلاف عام، وقوانين هذا الزمان ونحن في القرن الواحد والعشرين!!

وما قصده النبي شعيب عليه السلام من تحديده سنين العمل بثماني سنوات مهراً لابنته لتكون زوجة لموسى عليه السلام المطارد والملاحق من فرعون بقوة قانونه، ليعود بعدها إلى مصر آمناً غير مطارد أو ملاحق، فقد اعتبر القانون الفرعوني فرار القاتل لثماني سنوات دون أن يقع بيد العدالة طريداً منفياً بعيداً عن الأهل والعشيرة والوطن يعادل العقوبة الفعلية لو وقع بيد العدالة، وإذا ما عاد إلى وطنه فهو غير ملاحق ولا مطارد فقد سقطت عنه العقوبة بالتقادم والتي حددها القانون الفرعوني بثماني سنوات.

عجبت أن تكون مثل هذه القوانين العادلة المقبولة في عهد فرعون.. وكلنا يعرف من هو فرعون الذي علا في الأرض وجعل نفسه إلهاً تنحني له الرؤوس وتخر له الهامات من دون الله!!

تساءلت بحسرة: ما بال حكام هذا الزمان ونحن في القرن الواحد والعشرين يُنفى الإنسان أو يًسجن لأكثر من ثلاثين سنة، فلا يُفرج عن السجين ولا يُسمح للمنفي أن يعود إلى وطنه آمناً غير مطارد أو ملاحق؟!

أما المحطة الثانية فإنني أتوقف عند دعوة الرئيس السوداني الأسبق المشير عبد الرحمن سوار الذهب في إنهاء الخلاف بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام في سورية، داعياً إلى إغلاق هذا الملف الذي طال أمده، ودعا في كلمة له علماء الشام والنخب السياسية في سورية إلى الإسهام الفعلي والجدي لإنهاء هذا الخلاف بما يقوي اللحمة الداخلية بين أبناء الوطن الواحد.

وأضاف سوار الذهب قائلاً: لا شك أن توحيد الصف السوري يقتضي أن تكون كافة أجنحة المجتمع المدني متفقة مع الحكومة، وأتمنى أن يقوم بهذا إصلاحيون من داخل سورية، وأعتقد أن القيادة السورية تمتلك من القدرة ما يجعلها قادرة على التجاوب مع أي مطلب من شأنه تمتين اللحمة الداخلية.

وقلل سوار الذهب من حجم الخلافات بين الإخوان والنظام في سورية، وقال: أعتقد أن الخلافات العربية – العربية، وبين الحكومات العربية ومعارضيها مقدور عليها، وهي في كل الأحوال أقل شأناً من العداء الذي لا يرقى عليه أي عداء، ولكن الأمر يحتاج إلى تحرك، وأن يبدأ بهذا التحرك علماء الدين وقادة العمل السياسي السوري.

دعوة الرئيس السوداني الأسبق هي بادرة خير يطلقها أحد عقلاء الأمة المشهود لهم بالصدق والنزاهة والوطنية، وقد يكون هناك كثيرون من أمثاله قد دعوا إلى ما دعا إليه منذ سنين طويلة وهم ينتظرون بصبر وحلم رد النظام السوري عليها دون يأس أو قنوط، ونرجو أن تجد دعوة سوار الذهب طريقها إلى عقلاء النظام السوري فيتفاعلون معها لطي صفحة الماضي بكل جراحاته وعذاباته وآلامه، وأن يتساموا فوق الفئوية والحزبية والمصالح الشخصية، فالوطن يحتاج منا جميعاً مثل تلك المواقف، ولعل بادرة الجماعة في تعليق أنشطتها المعارضة للنظام السوري هو سبق يجب تقديره واحترامه من قبل النظام، والمطلوب منه أن يقابل خطوة الإخوان الجريئة بخطوة مثيلة، أقلها إلغاء القانون الظالم والمجحف رقم (49) الذي صدر عام 1980 والذي يحكم على كل منتم لجماعة الإخوان المسلمين بالإعدام، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإقفال ملف الملاحقة الأمنية بحق نشطاء حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، وتسوية وضع المفقودين منذ العام 1980 الإنسانية.

وهذا ليس بالأمر الصعب إذا ما أراد النظام في سورية أن تكون هناك وحدة وطنية حقيقية، تجمع كل فئات المجتمع السوري ونسيجه العرقي والديني والقومي والسياسي والفكري، لتمتين اللحمة الداخلية للتصدي لما يُحاك لسورية من مؤامرات يستحيل معها التصدي لها بطيف واحد من الأطياف السورية دون باقي الأطياف الأخرى!!