قضاة آثروا المستنقع !!!
قضاة آثروا المستنقع !!!
أ.د/
جابر قميحةمخطىء من ينكر عظمة القضاء المصرى ووقفاته الجليلة الشامخة فى مواجهة الظلم والظالمين والعبث والعابثين ,
وهؤلاء الذين يعملون بشتى الوسائل غير المشروعة للحصول فى انتخابات مجلس الشعب على ما يسمونه ( الأغلبية المريحة ) , تكريساً للحكم الديكتاتورى على حساب المصلحة الوطنية .
ونحن جميعاً نزهو ونرفع رءوسنا بالوقفة الربانية الأخلاقية الجريئة الشريفة التى وقفتها المستشارة الدكتورة نهى الزينى التى أصبحت حدًًًًٌُُيث العالم كله , وستبقى على مدار الحاضر والمستقبل وساماً مشرقاً يحلًًًًٌََُُُّّّى صدر القضاء المصرىُ .
قضاة الشرف الرفيع
وفى يوم الأحد 4/12/2005 شهد نادى القضاة فى مصر إجتماعاً عاصفاً لمجلس الإدارة وعشرات القضاة الذين تعرضوا للإهانة من قبل رجال الشرطة والبلطجية خلال الإشراف على المرحلتين الثانية والثالثة من الانتخابات التشريعية , وطالبوا فى شهادتهم بإقالة وزير الداخلية , وألا يقتصر أن يكون رئيس اللجنة العامة شخصاً واحداً , بل يكون من ثلاثة إلى خمسة أشخاص كما هو الحال فى تشكيل المحكمة . وروى القضاة علانية بعض الإنتهاكات الوحشية الخسيسة التى إرتكبها رجال الأمن وبلطجية الحزب المسمى بالوطنى فى دوائر متعددة منها : دمنهور وأبو حماد بالشرقية وكفر الشيخ وغيرها , ومنها منع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم , والوصول إلى اللجان , وإطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع , ومنع القضاة من حضور الفرز , وإهانتهم بالشتائم القذرة . ومن ذلك تعرض بعض القضاة للضرب المبرح كما حدث للمستشار أحمد عبد الخالق السيسى الذى كان يشرف على الانتخابات بكفر الشيخ الذى أراد أن يمارس عمله فى نزاهة , ويتصدى للتزوير , فعامله ضابط الأمن بلهجة قاسية جارحة , ثم طرحه على الأرض , فانهال عليه جنود الأمن المركزى بالضرب حتى كسرت يده ...
ومع ذلك صمد هؤلاء القضاة الأشراف , وآثروا إرضاء الله والحق والضمير والطهارة والنقاء والشفافية على مستنقع الهوى , والحرص على الدنيا , وإرضاء الرؤساء .
قضاة آثروا المستنقع
ولكن قلة من القضاة - يعرفهم الناس بأسمائهم حتى عوام الناس فى كل الأوساط - آثروا أن يغوصوا لآذانهم فى مستنقع الظلم والتزوير والكذب والإفتراء , حتى غدوا نقطة نتنة سوداء فى ثوب القضاء الأبيض الطاهر الناصع , تشهد بذلك دوائر دمنهور وكرداسة ودمياط والمنصورة وغيرها .
وتزوير هؤلاء القضاة ( المستنقعيين ) لم يكن - فى الدائرة وحدها - فى نطاق ألف أو ألفين من الأصوات , ولكنه فى نطاق عشرات الألوف . فهو إذن تزييف مكشوف مفضوح يلعنه الناس , ويلعنون من أثموا بارتكابه , أو غض النظر عنه .
لماذا المستنقع ؟!
يا عجبا ً !! و يا للعار!! هذا القاضي ...كيف يتحول من قاض يعرفه الناس بالطهر و النقاء و الحرص على إقامة العدل و التصدي للظلم ..إلى قاض مُثقل بخَبَث الظلم و اللؤم ، و الجور على الحق ؟ أحرصا ً على زهرة الحياة الدنيا و متاعها ،و ثرائها ؟ . ألم يقرأ قول رسول الله – صلى الله عليه و سلم-" تعس عبد الدينار و الدرهم و القطيفة و الخميصة (الثوب الفاخر) ؛ إن أعطي َ رضي و إن لم يُعط لم يَرض ..تعس و انتكس ...." ؟
أم طمعا ً في منصب أو ترقية ؟ أم خوفا ً من إغضاب رئيس أو سلطان في دولة يحكمها سيادة الرئيس ، لا سيادة القانون" ؟ ألم يقرأ قوله تعالى " ..الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ، فزادهم إيمانا ً ، و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل" ؟
خطيئة مجسمة
إن التزوير الذى إرتكبه - عن عمد بعض القضاة أياً كان الباعث والدافع - لا يعد جريمة عادية , ولكنه خطيئة مجسمة , وجناية فاحشة الآثار , وخيمة العواقب :
1- لأنها نقض للرسالة التى أقسم القاضى على أدائها وإحترامها , وأخْـذ النفس بمقتضياتها " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال " إذا ضًَُيعت الأمانة فانتظر الساعة , وإذا وُسّد الأمرُ غيرَ أهله فانتظر الساعة " .
2- ولآن القاضى باقتراف هذه الخطيئة يصبح قدوة سيئة جداً للآخرين , وخصوصاً إذا كان وراء هذه الخطيئة ثمرة دنيوية , وعَرَض من متاع , وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال من حديث له "... ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " . وسيتذرع من يقتدي بهذا القاضي ( المستنقعي ) بمنطق مؤداه " إذا كان هذا هو سلوك القاضى المؤتمن على العدل وأمن الناس ورعاية الحق فلماذا أعاب أنا إذا ما سلكت سلوكه " ؟ مع ملاحظة أن خطيئة القاضى ثابتة بنوعيها : الإيجابى : بأن يقوم بالتزوير بنفسه أو بأعوانه بأمر منه . والسلبى بأن يقتصر دوره على غض البصر والسكوت عن التزوير الذى يقوم به الآخرون , وهو ما يعرف فى القانون " بجريمة الترك " : فالأم التى تخنق رضيعتها حتى تموت هى قاتلة فى هذه الحالة , وهى كذلك قاتلة إذا تركت - عن عمد - رضيعتها بدون رضاع حتى تموت جوعاً . ومن الكلمات الخالدة " الساكت عن الحق شيطان أخرس " .
3- كما أن خطيئة التزوير بنوعيها الإيجابى والسلبى تأتى بشاعتها من أنها ليست أحادية الأثر , بل هى جريمة فاحشة فى حق الأمة بعامة , وحق أبناء دائرة النائب " المزوَّر" – أي الذي نجح بالتزوير- بصفة خاصة .
فمثل هذا النائب الذى يكون سيئاً فى الغالب لا تشغله إلا نفسه ومصلحته الخاصة, وغالباً ما يكون من " بنى هلاب " " وبنى هباش " الذين يدخلون " بالنيابة " المزورة عالم المليونيرات . وفى الساحة عشرات- بل مئات - من هؤلاء , وهم جميعاً ينتسبون إلى ما يسمى " الحزب الوطنى الديمقراطى " .
وأخيراً - وحتى يظل القضاء المصرى مثالاً للنزاهة والطهر والنقاء - نضم صوتنا إلى صوت المستشار هشام البسطويسى فى الإجتماع الذى أشرت إليه فى صدر المقال وقد قال " أنا سأعلن اسم كل قاض قام بالتزوير , أو تستر عليه , إبراء لذمة القضاة من هذه الكارثة " .
كما يجب أن يقدم هؤلاء المستنقعيون إلى المحاكمة بعد أن أصبحوا نقطة عار لا فى تاريخ القضاء فحسب , بل تاريخ الأمة جمعاء ...